الرئيسية / نشرو د اثور / قراءة في بيان المطارنة الكلدان حول دور الكلدان في العراق الجديد

قراءة في بيان المطارنة الكلدان حول دور الكلدان في العراق الجديد

صدر بتاريخ الثالث من أيلول الفائت إعلاناَ عن البطريركية الكلدانية وقعه تسعة عشر مطراناً موجهاَ للحاكم المدني الأمريكي في العراق السيد بول بريمر يشكون فيه تجاهل الإدارة المدنية الأمريكية لحقوق الكلدان في العراق وعدم تمثيلهم في مجلس الحكم, وعدم تمثيلهم في الحكومة باسمهم الصريح ويطالبون بتمثيلهم في اللجنة المزمع تشكيلها لصياغة الدستور العراقي الجديد ويدعون بأن الكلدان هم قومية مستقلة عن السريان والآشوريين.
شكل هذا الإعلان صدمة وخيبة أمل في أوساط شعبنا في العراق وفي كل مناطق تواجده في الوطن وفي المهجر, لما يعتبر إساءة لسمعة شعبنا وضربة موجعة في مسار نضاله ومعاناته وتضحياته الكبيرة من أجل حقوقه ووحدته القومية، وتجنياَ على الحقائق والثوابت التاريخية غير القابلة للجدل حول وحدة الأصل واللغة والتراث والأرض، هذه الحقائق التي أكدها رجالات عظام من أبناء الكنيسة الكلدانية نفسها، أمثال المطران أدي شير والمطران توما أودو والمطران أوكين منا وليس آخراً البطريرك الكلداني الراحل مار روفائيل بيداويد.  إضافة لعدد لا يحصى من المناضلين العلمانيين من أبناء الطائفة الكلدانية أمثال المناضل القومي آغا بطرس والمناضل القومي يوسف مالك وعشرات من كوادر الأحزاب القومية والمؤسسات الثقافية والشخصيات الفكرية الكلدانية أمثال: أفرام رييس وهرمز أبونا وسعدي المالح ويونان هوزايا وتوما توماس وغيرهم.
جاء هذا الإعلان بعد أن عاش شعبنا لمدة ثلاثة أشهر في فرحة الاتفاق التاريخي الذي تم بين جميع كنائس شعبنا في العراق والذي وقع عليه ممثلو طوائف شعبنا الآشوري الكلداني السرياني، والقاضي بالاتفاق على تسمية موحدة مركبة هي "الكلدو آشوري" للشعب و"السريانية" للغة والتراث، الصادر بتاريخ 3 حزيران 2003 والقاضي أيضاَ بتشكيل "المجلس القومي الآشوري الكلداني" الذي يضم ممثلين عن كافة طوائف شعبنا من العلمانيين بهدف التعاطي مع الشأن السياسي والقومي. هذا الإعلان الذي كان أول الموقعين عليه الوكيل البطريركي الكلداني المطران شليمون وردوني نفسه، الذي انقلب وغير موقفه بعد ثلاثة أشهر ليكون أول الموقعين على إعلان نقيض له. إنه أمر يدعو للأسف حقاَ ويدعو للتساؤل هل قضية الشعوب أصبحت ألعوبة في أيدي بعض رجالات الاكليروس، يعبثون بها وفقاَ لمزاجهم ومصالحهم الشخصية؟! فإذا كان الأمر كذلك فنعتقد أن شعبنا لن يقبل أن يتصرف في مقدراته من لا يمثلونه تمثيلاَ صحيحاَ، وسيكون أبناء كنيستنا الكلدانية أول المتصدين لهذه المواقف الخاطئة.
لقد جاء إعلان السادة المطارنة الأجلاّء في الضد من مصلحة أبناء كنيستنا الكلدانية وهم الجزء الأكبر من شعبنا في العراق في محاولة لفصله عن جذوره وأصالته وبقية أبناء البيت القومي الواحد، بتسمياته ومراحله المختلفة الآشورية والسريانية والتي مع الكلدانية تشكل حقيقة قومية غير قابلة للجدل والتصرف من قبل أي كان موقعه ودرجته الإدارية أو الكهنوتية. لقد جاء هذا الإعلان الانقسامي مناقضاَ لثوابت وحقائق معروفة وهذه منها كنموذج:
1-  جاء الإعلان مناقضاَ لما ورد في الرسالة الرعوية للبابا يوحنا بولس السادس لعام 1995 التي يقول فيها: "…وإنكم يا كلدان اليوم، أنتم جزء لا يتجزأ من كنيستكم الأم، كنيسة المشرق الآشورية…" كما أنه أشار في هذه الرسالة إلى الروابط التاريخية والليتورجية واللغوية والأسرية بين أبناء الشعب الواحد، إضافة إلى الاشتراك في جميع الآباء والشهداء والقديسين.
2 – جاء الإعلان مناقضاَ لتصريحات عديدة للبطريرك الراحل مار روفائيل بيداويد في الأصل المشترك بين الكلدان والآشوريين وفي أخر لقاء له مع تلفزيون LBC اللبناني عام 2000 صرح بأن وصف رعايا الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بأن أصلهم الإثنية كلدان هو خاطئ.
 3- جاء الإعلان مناقضاَ لما ورد في البيان المشترك بين قداسة البطريرك مار روفائيل بيداويد وقداسة البطريرك مار دنخا الرابع والموقع بتاريخ 29 تشرين الثاني عام 1996, والمكان دار المطرانية الكلدانية في ولاية ميتشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد نصت المادة الأولى على: "توكيد وتوسيع الأواصر الكنسية والثقافية المشتركة التي تربط الكنيستين وشعبيهما حالياَ ببعض, وخاصة إيماننا المشترك بالرب يسوع المسيح, والتراث المشترك لإباء الكنيسة, وتراثنا الطقسي واللاهوتي المشترك, إضافة إلى وحدة الانتماء إلى ذات الأصل والثقافة، وتاريخ آلاف السنين من المجد والمعاناة التي وحدت ودون انفصام الشعب الآشوري – الكلداني". كما أن الجملة الأخيرة من المادة الخامسة تنتهي ب:".. .بهدف تمجيد اسم الله ولمصلحة كل الشعب الآشوري-الكلداني." وبالمناسبة فإن المطران سرهد جمو – وكان قساَ آنذاك – كان هو محرر الاجتماع والمكلف بصياغة هذا البيان. وهو الآن أحد الموقعين على الإعلان الانقسامي.
4 – المرسوم العراقي الخاص بمنح الحقوق الثقافية للناطقين باللغة السريانية من كلدان وسريان وآثوريين، لعام 1972 كان تعبيراَ على الرابطة الثقافية ورابطة الأصل المشترك التي تجمع شعبنا برغم تعدد تسمياته، وكان بحق خيمة قانونية جمعت أبناء شعبنا الواحد، فهل يكون أحمد حسن البكر الذي أصدر هذا المرسوم أرحم على شعبنا وأقرب لمصالحه ووحدته الثقافية من التسعة عشر من مطارنتنا الأجلاّء؟!
5- جاء إعلان المطارنة مناقضاَ للاتفاق الذي توصل إليه ممثلو كافة طوائف شعبنا في الولايات المتحدة, ومن بينهم سيادة المطران سرهد جمو، على تسمية موحدة لشعبنا في إحصاء عام 2000، هي السريان /الكلدان/ الآشوريين. وقد تم تنفيذ هذا الاتفاق عملياَ في الإحصاء المذكور، وقد لاقت تلك الخطوة ارتياحاَ عاماَ وكانت بحق خطوة قومية موفقة على طريق وحدة شعبنا.
من الحقائق التاريخية المعروفة، أن اسم كلدان وبالرغم من كونه أحد الأسماء التي أطلقت على شعبنا في فترة زمنية قصيرة محددة بحوالي سبعين عاماَ, هي فترة الإمبراطورية البابلية الأخيرة التي سقطت على يدي الميديين عام 539 قبل الميلاد، وهو اسم نفتخر به ونحبه, إلا أنه واحد من أسماء عديدة عرف بها شعبنا, وفي فترات زمنية مختلفة كالسومرية والبابلية والآشورية والآرامية وأخرها السريانية, وهذا يقودنا إلى ضرورة محبة واحترام كل هذه التسميات وتداولها وفقاَ لموقعها ومرحلتها, ونخطأ كثيراَ عندما نتعصب مع أو ضد التسميات الأخرى, فكل هذه التسميات ملك لشعبنا وعندما نتنكر لها أو لبعضها نكون كمن يرمي بأملاكه على قارعة الطريق متخلياَ عنها ليلتقطها الآخرون ويدعون ملكيتها بدلاَ عنه. إن التسمية الكلدانية لم تستعمل بعد سقوط بابل حتى صدور مرسوم البابا اوجين الرابع عام 1445 الموجه لنساطرة قبرص الذين أعلنوا انضمامهم للكنيسة الكاثوليكية بعد مشاركتهم في مؤتمر فلورنسا(1439-1442)، حيث يقول المرسوم:" لم نعد نسمي هؤلاء النساطرة سرياناَ بل كلداناَ وكنيستهم كنيسة بابل للكلدان"، ولا نعتقد أن البابا قصد أمراَ سلبياَ، إنما أراد ربط الطائفة الجديدة بمرحلة عظيمة من تاريخ شعب الكنيسة الجديدة، وعاصمتها بابل العظيمة. ولكن بقي أبناء "كنيسة بابل الكلدانية" إلى اليوم يعرفون لغتهم ب"السورت" أي السريانية ويسمون أنفسهم ب"سورايي" أي السريان، كما هو حال إخوانهم أبناء كنيسة المشرق، وأبناء الكنيسة الشرقية الآشورية، وأيضاَ أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وأبناء الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وهذا دليل على وحدة الأصل والجذور والحاضر التي لا يمكن فصلها بقرار أو بإعلان مهما كان مصدره.
نرى مما تقدم أن وحدة الأرومة والأصل عرقاَ ولغة وثقافة لشعبنا هي حقيقة أكدها ويؤكدها الثقاة من القيادات الكنسية الكلدانية قبل غيرهم, مما يطرح ذلك أمام شعبنا سؤالا محيراَ عن دوافع المطارنة الأجلاّء لتسطير إعلانهم الانقسامي الذي يقف في الضد من مصلحة شعبنا وكنائسنا عموماَ، فهل وراء ما يجري أيدي خفية خارجية منعتهم من الوفاء باتفاق 3 حزيران الذي وقع عليه سيادة الوكيل البطريركي مار شليمون وردوني، واتفاق 2 حزيران الذي وقع عليه سيادة المطران إبراهيم إبراهيم مع الحركة الديمقراطية الآشورية بخصوص وحدة التسمية الكلدو آشورية لكل طوائف شعبنا في العراق؟!
 
ختاماَ نتوجه لمطارنتنا الأجلاّء التسعة عشر، باسم كل من يهمه وحدة شعبنا التخلي عن مضمون إعلانهم المذكور والعودة إلى الموقف الصحيح المتمثل بإعلان 3 حزيران 2003 الذي تعبيراَ حقيقياَ على إرادة شعبنا الكلداني الآشوري السرياني وحلمه في الوحدة القومية وتحت أي اسم موحد جامع سواء كان مفرداَ أم مركباَ، طالما كان ذلك الاسم يعبر عن إرادة حرة مشتركة لشعبنا، ويكون أحد أسمائنا القومية التاريخية التي نجلها ونحترمها جميعاَ، ونأمل أن يتحقق ذلك قبل الثاني والعشرين شهر تشرين الأول 2003 الجاري، وهو موعد المؤتمر القومي الكلداني الآشوري السرياني المزمع عقده في بغداد، مما سيشكل هذا التخلي بشرى سارة لشعبنا وأملاَ متجدداَ في حاضر وغد أفضل، وبدون ذلك سيسجل التاريخ لمن يقسم شعبنا، في وقت هم أحوج ما يكون للوحدة. صفحات سوداء ستكون عاراً على "أبطالها".

شاهد أيضاً

المنظمة الآثورية الديمقراطية تحيي ذكرى الصحافة الآشورية الـ 160

نشرو د اثور 179++ أقامت المنظمة الآثورية الديمقراطية احتفالا كبيرا بالذكرى الستين بعد المائة للصحافة …