الرئيسية / من نحن / أراء وأفكار المنظمة / الآثوريـة والقومية

الآثوريـة والقومية

أن الآثورية كحركة قومية لا تبحث في القومية على ضوء نظرية مجردة ولا تُعطي تعريفاً محدداً للقومية لأن لكل أمة مراحل خاصة مرت بها وتكامل من خلالها بناؤها القومي، كما أن لكل منطقة عواملها الخاصة التي أثرت على البناء القومي في تلك المنطقة، إلا أن العناصر القومية التي لها دوراً حاسماً وهاماً في تكوين الأمم والقوميات هي معروفة ومحددة ألا أن دور كل منها ودرجة تأثيرها يختلف من أمة لأخرى وبين قومية وأخرى، فوحدة الأرض قد تلعب دوراً رئيسياً في تكوين أمة من الأمم ويكون دورها ثانوياً بالنسبة لأمة أخرى أو قد تكون المصلحة المشتركة لها أثر أقوى من اللغة في أمة أخرى، وقد تكون اللغة في أمة أخرى الرباط الأساسي في كيانها القومي، إلا أننا إذا حددنا بعض عناصر القومية فهي.

اللغة : وتعتبر من أهم الروابط التي تربط بين أفراد الأمة الواحدة، بها يتفاهمون وبواسطتها يتناقلون أفكارهم من جيل لآخر، فهي الوعاء الذي حفظ تراثها الثقافي وسجل تاريخها ونطق بحضارتها.

الأرض : لا يمكن أن تتكون أمة إلا إذا كان أفرادها متعايشين على أرض واحدة مدة طويلة من الزمن يتفاعلون مع طبيعتها ويبنون فوقها تراثهم ويستمدون منها أسباب حياتهم ويتصارعون فيها للحصول على حياة أفضل كما إنهم يتفاعلون فوقها مع بعضهم ويبنون فوقها كيانهم.

التاريخ : التاريخ المشترك يعني الحياة المشتركة في السراء والضراء، والاشتراك في الحروب وعقد السلم، والاشتراك في مواجهة المشاكل عبر مراحل طويلة من الزمن والاشتراك في حلها.

وحدة المصالح : وتعني ترابط أفراد الأمة ووحدة الأهداف التي يسعون معاً لتحقيقها وتخلق انسجاماً كافياً لاستمرارهم وتطورهم وتعاونهم في إكمال الحياة.

الدين : لعب الدين دوراً هاماً في تكوين بعض الأمم، لأن الدين يولد نوعاً من وحدة الشعور بين الأفراد ويخلق انسجاماً فيما بينهم كما إنه لعب دوراً كبيراً في الحفاظ على مقومات أساسية أخرى مثل اللغة ووحدة الشعور، فالكنيسة مثلاً حافظت على اللغة السريانية من الضياع وغذت مفرداتها، كما أن القرآن حافظ على اللغة العربية في الأصقاع المتباعدة، فالدين يؤثر في تاريخ الشعوب وفنها وثقافتها.

الثقافة القومية : هي نتيجة لكل العوامل السابقة، فلكل أمة ثقافة مميزة تعطي وتوضح الطابع المميز لتلك الأمة، ولكننا إذا درسنا العوامل الأساسية التي أثرت في تكوين القومية للشعوب الموجودة في المنطقة التي يعيش شعبنا ضمنها، أي دراسة المراحل القومية التي اجتازتها شعوب المنطقة نفسها.

هناك النظرية العربية، وتعتبر الشعوب التي تعيش ضمن الدول العربية شعب عربي واحد ولا يحق لأي شعب إبراز هويته القومية الخاصة، وهناك النظرية القومية السورية التي تعتبر أن سورية الطبيعية أو سورية الكبرى كما يسمونها أو الهلال الخصيب هي العامل الأساسي والكبير الذي طبع كل الشعوب والقبائل التي عاشت فوق هذه الأرض، بطابع قومي خاص هو القومية السورية، فالشعوب التي عاشت فوق الهلال الخصيب شعب واحد وله قومية واحدة، وقبل عرض ومقارنة وجهة نظر الحركة الآثورية بهاتين النظريتين لا بد من دراسة المراحل التاريخية التي مرت بها شعوب المنطقة والتي ساهمت في تحديد المعالم القومية لشعوب المنطقة.

ففي البداية عاش الإنسان بشكل منفرد بين الغابات والسهول والجبال باحثاً عن لقمة العيش وبنتيجة غريزة البقاء الموجودة فيه شكّل الأسرة وأصبح له أولاد وأخذ يعيش ضمن أسرته وأولاده ويجلب لهم الطعام، وهنا بدأ الولاء العائلي “دور تشكل الأسرة”، فنمت الروابط العائلية فالأب والأم يشتركان في الحفاظ على أطفالهم، والأطفال يلجئون إلى والديهم عند شعورهم بالخطر، وبد تطور الزمن كبرت العائلات واجتمعت بعض العائلات القريبة لمواجهة المشاكل المشتركة فتشكلت القبائل المتنقلة ونشأ الولاء القبلي الأكبر والأوسع من الولاء العائلي وأكثر تناسباً مع تطور الحياة، وكانت كل القبائل متنقلة من مكان لآخر طلباً للطعام والشراب واقتنت القبائل حيوانات لتربيتها والاستفادة منها في الطعام والخدمات، وكان لكل قبيلة زعيم يمثل السلطة في هذه القبيلة وكان أفراد القبيلة يشتركون معاً للدفاع عن قبيلتهم أو غزو قبائل أخرى. ولكن مع تطور الزمن لم يعد الرعي يفي بحاجة هذه القبائل ولم تعد الطبيعة توفر كل مطالب الحياة فكان لا بد من المساهمة مع الطبيعة للحصول على الغذاء، وبدأت المرحلة الزراعية التي كانت نتيجتها استقرار القبائل وقد كانت القبائل السومرية من أولى القبائل التي عرفت الاستقرار في جنوب بيث نهرين فعرفت الزراعة وطورت أدواتها وبنت المدن وأسست حضارة مبكرة تعد من أقدم حضارات العالم قاطبة، ونشأت المدن في منطقة سومر، وتطور الولاء القبلي إلى الولاء للمملكة أو المدينة، ولكن تظل القبيلة المستقرة عرضة للغزو من القبائل الرحالة وتبقى القبيلة المستقرة في حالة صراع دائم مع القبائل المحيطة بها وتحاول السيطرة عليها.

ولما استقرت قبائل أخرى وبنت مدينة أكد حول الفرات إلى جانب مملكة سومر، ولما قويت مدينة أكاد التي بنوها سيطر الأكديون على مملكة سومر وأنشئوا مملكة سومر وأكد وهكذا تطور الولاء القبلي إلى ولاء أكبر وأشمل هو الولاء للمدينة التي كانت تعتبر مصدراً للسلطة في المملكة وفي هذه المرحلة التاريخية سيطرت المملكة الأكادية على كل القبائل التي كانت تعيش في بيث نهرين وضمتها إلى سلطتها السياسية وفرضت نوعاً من الاستقرار ولكن يبقى الولاء للمدينة من أقوى الروابط السائدة في تلك المرحلة، فكان لكل مدينة شعائرها الدينية وآلهتها الخاصة، لذلك عندما قوي نفوذ بابل المدينة التي بنتها القبائل العمورية سيطرت على المملكة الأكدية المترامية الأطراف، وبسطت بابل سيطرتها على كل الأراضي التابعة للإمبراطورية الأكدية لا بل ضمت تحت سيطرتها مدن جديدة، ولما قوي نفوذ مدينة آشور سيطرت الإمبراطورية الآشورية وفي هذه الفترة كانت القبائل الآرامية قد أسست ممالك صغيرة لها على مناطق واسعة من سورية وداخل بيث نهرين كما أن القبائل الفينيقية كانت قد أسست مملكة عظيمة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، إلا أن البناء القومي حقق تطوراً كبيراً نوعاً ما إبان عهد الإمبراطورية الآشورية لسببين رئيسيين هما :

1-خضوع كل القبائل والممالك المتقاربة والمتجانسة من حيث الأصول التاريخية واللغة تحت سلطة سياسية واحدة أزالت الحواجز التي كانت تفصل بينها، وظهر نوع من الولاء أعلى وأشمل من الولاء للمدينة، وسار الشعب خطوات كبيرة في طريق البناء القومي الواحد.

2- حلت لهجة واحدة محل اللهجات العديدة وظهرت اللغة القومية الواحدة كأساس مبكر للوحدة القومية وتميز الشعب الآشوري الذي كان يتكلم لغة واحدة عن الشعوب الأخرى والتي كانت تبني كيانها القومي الخاص بها وأكملت الإمبراطورية الكلدانية المسيرة القومية إلى الأمام، وسار الشعب مراحل متقدمة في طريق البناء القومي وخف شعور الولاء للمدينة وبدأ الشعور القومي يحل محله شيئاً فشيئاً إلا أن هذا التطور المبكر لم يكتب له النجاح لأن الفرس بقيادة كورش دخلوا بيث نهرين وسقطت بابل عاصمة الإمبراطورية، وبسقوط بابل يفقد شعبنا حريته واستقلاله ويفقد سلطته حتى عصرنا الحاضر وبدأ مسيرته التاريخية منذ ذلك الوقت وهو يعاني من السيطرة والظلم وتعرض بناؤه القومي لظروف غير طبيعية وخارجة عن إرادته وأثرت تأثيراً سلبياً على تطوره وأحدثت كبوات في مسيرته القومية، وابتلي شعبنا بالاستعمار اليوناني وثم الروماني وأصبحت بلادنا مناطق حرب وقتال وافتقد شعبنا الاستقرار الضروري للتطور القومي وخضعت أرض الوطن لسيطرة سلطتين سياسيتين متناحرتين وأصبحت منطقة تماس ومعارك، إلا أن مسيرة الوحدة القومية لم تتأثر كثيراً لأن شعبنا بقي مميزاً عن الغزاة وكان دائماً يصبو للحرية والاستقلال إلا أنه كان في وضع لا يسمح له بمقاومة إمبراطوريتين عظيمتين و هما في أوج قوتهما ووجد شعبنا في التعاليم المسيحية الجديدة سبيلا جديدا يحقق بواسطتها تحرره ، واستفاد من تعاليمه التي تمجد الفقراء و المظلومين و تبشرهم بحياة النعيم الأبدي و تهدد الطغاة و المتسلطين بالويل و العذاب، فكان شعبنا أول شعب انتشرت بين صفوفه المسيحية، و مملكة الرها أولى الممالك التي اعتنقت المسيحية بواسطة ملكها (أبجر أوكومو) و أضاف الدين الجديد عاملا جديدا من عوامل وحدة شعبنا و زالت كل الحواجز الفاصلة و حل محلها وحدة اللغة و الشعور الذي لعب أثرا كبيرا في توحيده، و بعد اعتناق الإمبراطورية الرومانية المسيحية بدأت الخلافات تظهر وتعددت وجهات النظر حول ألوهية المسيح و ظهرت الدعوة النسطورية التي حاربتها روما و طاردت اتباعها و من الطبيعي أن تتبناها الإمبراطورية الفارسية عدوتها اللدودة و تسعى لنشرها بين المسيحيين الواقعين تحت سيطرتها ليخالفوا عقيدة روما و لاحقت كل من رفض اعتناقها ،وهكذا لعب الغزاة الأغراب دورا كبيرا في تقسيم شعبنا فأحدثوا ردة رجعية كبيرة في تطوره القومي وحدثت أول حلقة انقسام في سلسلة الانقسامات التي تبعتها والتي أحدثت شرخا عميقا في هذا الكيان القومي المتطور والذي ساهمت أجيال عديدة خلال الاف السنين في بنائه إلى أن وصل إلى مرحلة متطورة ،ولم تقتصر الانقسامات على اتباع نسطور وكريلس فقط بل برزت انقسامات جديدة و فتحت صفحة سوداء في تاريخ شعبنا إذ بدأت الاضطهادات المذهبية وطبيعي أن يلعب الروم المستعمرون الدور الكبير فيها فانهم يمثلون السلطة والقوة،فعندما تقف هذه القوة إلى جانب من الجوانب ترجح كفته ويبدأ باضطهاد الجانب الآخر.

وتحول الانقسام المذهبي إلى صراع دموي بين أبناء الشعب الواحد وبدا يتهدم البنيان القومي المتشكل خلال مسيرته التاريخية الطويلة بمعاول الانقسامات المذهبية وأخذت هذه الانقسامات تتبلور اكثر فاكثر بحيث يحاول أبناء كل مذهب البحث عن عوامل التفرقة لتكريسها والابتعاد عن اخوتهم أبناء المذهب الآخر. وحل الولاء المذهبي الرجعي المجزأ محل الولاء القومي الشامل الذي كان يتوضح شيئا فشيئا وتحول شعبنا من شعب واحد إلى طوائف متناحرة متخاصمة يغذي النزاعات والصراعات الدامية بينه لإضعافه والسيطرة عليه سيطرة تامة وتحولت المسيرة القومية المتنامية عن مسارها المتنامي ووبدات ترتد نحو الوراء عندما حل الولاء المذهبي محل الولاء القومي وبدا يقسم الشمل ويبث التفرقة ويحدث الصراعات.

وعندما جاء العرب حاملين معهم رسالتهم الإسلامية الجديدة كان في سورية وبيث نهرين طبقة الحكام المؤلفة من الغزاة المستعمرين الروم والفرس وطوائف شعبنا المنقسمة على بعضها البعض التي استقبلت الفاتحين الجدد استقبالا حسنا وكانت عونا كبيرا للجيوش الإسلامية وساهمت في تحقيق النصر السريع على الفرس والروم،لم تكن الوضاع التي يعيشها شعبنا تسمح له الاستفادة من هذا الوضع المتغير نهائيا،ولم يستطع تسجيل موقف من المواقف يدعم فيه مصلحته،بل كان لقمة سائغة وفريسة سهلة لا تملك أدنى مقاومة،ولم تكن الجيوش الإسلامية قادمة لضم أراضي المنطقة تحت سيطرتها وتكوين إمبراطورية عربية على غرار الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية فحسب بل كانت حاملة رسالة جديدة ودين جديد ،من مهمتهم نشره بمنطق الرجل الصحراوي الذي لا يفهم سوى أسلوب القوة،فسيطر الولاة على المزارع والأراضي الخصبة وصادروها فأخذت من أصحابها وتحول أصحابها إلى مجرد مستخدمين يعملون بها لمصلحة المالك المسيطر،وتحول أبناء المدن إلى مجرد عمال يقومون بالخدمات وتوفير الحاجات التي يترفع هؤلاء الرجال الصحراويين الذين يمتلكون نظرة التعالي والترفع واحتقار هذا الشعب،العامل والمزارع ولم يقف شيء حائل بين نفسية هذا الصحراوي المتسلطة والمترفعة وبين هذه الأملاك الواسعة والأموال الكثيرة والقصور المشادة فاغتصبها واضطهد أهلها واحتقر معتقداتهم وفتح أبواب دينه على مصراعيه،ليتخلص كل وافد من هذه المعاناة الكبيرة ونتيجة هذه الضغوطات اعتنق أغلبية أبناء شعبنا الدين الإسلامي واختلطوا مع العرب اختلاطا كبيرا ربطتهم معا روابط قوية وتوحد الشعور .

أما البقية الباقية التي لم تتخلى عن دينها انحسرت تدريجيا عن السهول وتجمع اغلبها في الحبال الحصينة مشكلة لها مجتمعاتها الخاصة التي لم تغري الحكام لاقتحامها و السيطرة عليها وأمام هذه الحالة حدثت تغييرات نوعية على المسيرة القومية لشعبنا،وحدثت انقسامات دينية جديدة وظهرت مفاهيم مختلفة أثرت تأثيراً هاماً وأحدثت انقسامات عميقة،فالقسم الذي اعتنق الدين الجديد نتيجة الظروف القاسية اختلط بالوافدين الجدد اختلاطا تاما تجمعهم روابط الدين الجديد التي كانت هي الروابط السائدة واشترك معهم في جميع المشكلات القائمة،فدخل أفراده الجيوش السلامية التي ضربت مشارق الأرض ومغاربها ناشرة الدين الجديد “الإسلامي”،وأرسل أطفاله إلى الكتاتيب وحلقات المساجد ليتعلم القرآن غيبا ونسي لغة آبائه وأجداده،وامتزج بالمجتمع الإسلامي الذي يمتلك مفاهيم جديدة ومعتقدات خاصة أثرت على مجمل حياة الفرد وانتفى أي عامل يربطهم بجذورهم السابقة وحملوا وزر الرسالة الجديدة ومهمة نشرها في أصقاع العالم جنبا إلى جنب مع العرب مشكلين معهم مجتمعا إسلاميا حديثا ذو لغة عربية هي لغة القرآن.

أما البقية التي لم تتخلى عن دينها فاتخذت منحا مختلفا تمام الاختلاف لحل مشكلاتها إذ سلكت الطريق الأصعب فتحصن اغلبها في الجبال و المناطق القريبة منها عدا منطقة بابل وما جاورها ،مشكلة مجتمعاتها الخاصة والمنغلقة ،تمارس هناك شعائرها الدينية الخاصة وتبني كنائسها وأديرتها وتعيش في ظروف جبلية قاسية لم تغري الحكام المسلمين ،فكانت طوائف الروم في جبال سورية ،والموارنة في جبال لبنان ،والسريان الأرثوذكس في جبال طورعبدين ،والنساطرة في جبال شمال العراق ،عدا منطقة بابل وما جاورها إذ بقي فيها كلدان بنسبة كبيرة دون أن يغيروا دينهم ،أما المجتمع الإسلامي كان مجتمعا ثنائيا من الناحية القومية كان هناك :

آـ المجتمع الإسلامي العربي المؤلف من العرب ومعتنقي الإسلام من طوائف شعبنا الذين كان الولاء المذهبي الرجعي مسيطرا عليهم ،فعندما تغير دينهم افتقدوا هذا الولاء نهائيا وقطعوا نهائيا جميع الروابط التي كانت تجمعهم مع إخوانهم وذلك من خلال التخلي عن الولاء المذهبي.

ب ـ المجتمع الإسلامي غير العربي المؤلف من الشعوب التي كانت تعيش واقعا مختلفا إذ كانت الروابط التي تربطهم غير دينية فحافظت عليها حتى بعد اعتناقها الإسلام وحافظت على تجمعاتها وعلى لغتها مثل الفرس الذين كانوا يعيشون الولاء القومي المتطور الذي لم يستطع الدين الجديد إضعافه فكان الفرس المسلمون يعيشون قوميتهم داخل الإسلام ويتطلعون على مر التاريخ نحو الحرية والاستقلال ،ولم يتخلوا عن لغتهم وبالتالي حافظوا على انتمائهم القومي ،أما الطوائف التي حافظت على وجودها،وشكلت مجتمعاتهم المنغلقة في المناطق الحصينة حافظت على مقوماتها القومية التي ورثتها عبر الأجيال مع بقاء سيطرة الولاء المذهبي على هذه المجتمعات فبقيت وحدة التاريخ قائمة ولم بحدث أي تحول يفصلها عن تاريخها الموحد.

وحدة الدين : خفت هذه التناقضات المذهبية ،أما الاختلاف الديني القائم في المجتمع فبقي شعورها موحدا وطبع الدين المسيحي هذه المجتمعات بطابع موحد من حيث نظرة السلطة الحاكمة لها من حيث الثقافة والعادات والتقاليد والنظرة للحياة و الواقع والمستقبل.

وحدة اللغة : بقيت اللغة السريانية هي اللغة المتداولة ولغة الإنجيل والصلوات وداخل الكنائس إلا أن بعض الطوائف تخلت عنها كلغة للتفاهم وبقيت محصورة في الكنائس مثل الموارنة،ولم تتخلى عنها الطوائف الأخرى فبقيت لغة التفاهم والكنيسة بين طوائف السريان الأرثوذكس و الآشوريين والكلدان وتحولت عنها طوائف الروم إلى اللغة اللاتينية والعربية.

وحدة الواقع : عانت هذه الطوائف واقعا واحدا خلال مسيرتها وحتى الوقت الحاضر ،بقيت معرضة للاضطهادات من قبل الشعوب الإسلامية ،وبقيت تعيش ظروفا واحدة طبيعية كانت نتيجة وجودها في مناطق حصينة ،واجتماعية نتيجة موقف الشعوب الإسلامية من هذه الطوائف ،فكان واقعها متشابها وطرق مواجهتها للمشاكل واحدة مع احتفاظ كل طائفة فترة طويلة ببعض الخصائص المميزة نتيجة الانقطاع بين هذه الطوائف فترة طويلة من الزمن.

وحدة الثقافة : بما أن الثقافة هي نتيجة للظروف الطبيعية والاجتماعية والمفاهيم الدينية ،لذلك كانت ثقافة الطوائف المنتمية إلى شعبنا ثقافة متقاربة نتيجة تقارب ظروف الواقع الاجتماعي ونتيجة وحدة الدين والمفاهيم.

فكل هذه الروابط الواحدة تعتبر قاعدة حقيقية للانتماء القومي الواحد.

فالحركة الآثورية تحدد نظرتها القومية من خلال دراسة المراحل التاريخية دراسة قومية وبيان تأثير كافة المؤثرات وإعطائها حقها الطبيعي والحقيقي ودراسة كافة المقومات القومية الواقعة والمتوفرة ليتم على ضوئها تحديد المفهوم القومي للحركة الآثورية، فالخطأ كل الخطأ هو تكريس عوامل التفرقة التي بثها الاستعمار بين أبناء شعبنا لنظل منقسمين ضعفاء ينفذ من خلال الثغرات لتحقيق مصالحه في المنطقة والخطأ هو في اتخاذ كل طائفة مسيرة تاريخية مستقلة وتبنيها تسمية قومية خاصة ،والجهل عينه هو رجوع بعض المتفلسفين الجهلة إلى تحديد انتسابهم إلى القبائل التي ظهرت قبل السيد المسيح بآلاف السنين والتي طمرت أخبارها تحت الأنقاض الاف السنين إلى أن اكتشفها البحاثة الأثريين ،مع انهم يجهلون تاريخهم قبل مائة عام.

P.-S.

شاهد أيضاً

قوميتنا والدين

كنا قد بينا رأينا في الماضي بالناحية الدينية في الإيضاحات الفكرية بشكل عام أتثبتنا انه …