بحضور غالبية فروع الوطن والمهجر انعقد في شهر آب الماضي في سوريا بمدينة (القامشلي) عروسة الجزيرة السورية المؤتمر الدوري العام العاشر ل(المنظمة الآثورية الديمقراطية)- وهي تنظيم سياسي آشوري تأسست عام 1957 في سوريا وتعد اليوم أهم فصائل (الحركة الآشورية) في سوريا.
يأتي انعقاد هذا المؤتمر وسط ظروف سياسية وتطورات عسكرية إقليمية ودولية بالغة الدقة والحساسية تحيط بـ (الشعب الآشوري) وبشعوب المنطقة جراء تداعيات الحرب (الأمريكية/البريطانية) على العراق التي بدأت في الربيع الماضي وبقاء (قوات التحالف) كقوة احتلال في العراق بعد أن أنهت حكم حزب البعث وأسقطت نظام (صدام حسين) الدكتاتوري. وقد خصص المؤتمر جلسة خاصة لمناقشة الحالة العراقية بأبعادها وتأثيراتها السياسية والاجتماعية والفكرية والأمنية على المنطقة وقد جاء في البيان الختامي للمؤتمر: ( خلص المؤتمر إلى أنه بعد تحرر العراق من الدكتاتورية فإن الوضع يستدعي تكاتف جهود كافة أبناء الشعب العراقي بمختلف تكويناتهم القومية والدينية من أجل تجاوز حالة الفوضى والتخبط الناجمة عن فراغ السلطة بهدف بناء عراق ديمقراطي تعددي حر).
كما توقف المؤتمر كثيراً عند (المشهد السياسي) السوري المتحرك وناقش ما يمكن أن ينتج عن حالة المخاض السياسي التي تمر بها سوريا منذ بداية عهد الرئيس الدكتور (بشار الأسد) الذي كسر حالة الجمود السياسي والركود الفكري التي كانت تعيشها سوريا في العقود الأخيرة. كما ناقش المؤتمر في أجواء تميزت بالحرية والديمقراطية عدداً من أوراق العمل المقترحة والتي تمحورت جميعها حول وضع آليات وخطط عمل لتطوير عمل المنظمة وتحسين أدائها السياسي في المرحلة المقبلة.. وقد أوضح العديد ممن التقيتهم وحضروا المؤتمر على أنهم (يأملون أن يشكل هذا المؤتمر بداية مرحلة انعطاف في مسيرة (الحركة الآشورية في سوريا) وأن يحقق ما هو منتظر منه فيما يخص انتخاب قيادة تكون بمستوى التحديات التي يواجهها الشعب الآشوري والوطن سوريا في هذه الظروف الاستثنائية وتكون قادرة على تفعيل العمل القومي الآشوري على الساحة الآشورية وتطوير النهج الوطني للمنظمة لتكون جزءاً أساسياً من الحركة الديمقراطية وفصيلاً فعالاً في الحالة الوطنية السورية التي بدأت تشهد تطورات وتحولات سياسية نوعية هامة. وأضاف هؤلاء: نريد أن تخرج (المنظمة الآثورية الديمقراطية) من هذا المؤتمر لتجد نفسها داخل الحياة السياسية السورية إلى جانب بقية القوى الوطنية والأحزاب السياسية في سوريا.
وبعد أن أنهى المؤتمر أعماله توجهنا إلى الأستاذ (بشير اسحق سعدي) الذي انتخب مسئولاً جديداً للمكتب السياسي ل(لمنظمة الآثورية الديمقراطية) ليوضح لنا التوجهات السياسية للمنظمة في المرحلة المقبلة وقد أجاب مشكوراً.
الأستاذ: (بشير اسحق سعدي) بداية نتمنى لكم التوفيق والنجاح في مهامكم ومسئولياتكم السياسية الجديدة. سؤالي الأول لك: يأتي انعقاد مؤتمركم في مرحلة سياسية جديدة في سوريا كيف ستتعاطون سياسياً مع هذه المرحلة؟.
ج- لقد أعلنت المنظمة عن موقفها الإيجابي من النهج الجديد الذي أعلنه السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم المتمثل في الشفافية ومحاربة الفساد وفي التحديث والتطوير واعتبرت هذا النهج مدخلاً إيجابياً لإصلاحات ديمقراطية لاحقة وعبرت عن مواقفها في أكثر من مناسبة ولا زالت تعتقد بأهمية هذا النهج كمدخل للإصلاح وتنظر إلى الكثير من الإجراءات الإصلاحية التي نفذت بإيجابية وإن كانت أقل من حجم الطموح بسبب ما اعترى مسيرة الإصلاح من تباطؤ وتأخير. ونعتقد أن مسيرة الإصلاح والبناء الديمقراطي هي مهمة وطنية مشتركة يجب أن يشترك بها الجميع قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية وأيضاً القوى الوطنية خارجها بمختلف طيفها السياسي والقومي وفق رؤية وطنية مشتركة تقوم على المصالحة والاحترام والاعتراف المتبادل وتناسي الماضي والنظر إلى المستقبل فقط في إطار ورشة عمل واحدة من أجل بناء وطننا بيتاً قوياً متيناً يكون ملكاً حقيقياً لكل أبنائه قادراً على الصمود أمام المخاطر والتحديات المحدقة من حوله متبوئ موقعاً متقدماً بين الأوطان كما كان عبر تاريخه الغابر مركز إشعاع حضاري وموطناً للأبجدية والحضارات. ونحن في المنظمة الآثورية الديمقراطية أيادينا ممدودة دوماً للحوار والمشاركة على أرضية الاحترام المتبادل ونأمل أن تمتد الأيادي لمصافحتنا.
س- ما هي أهم الحقوق التي ستسعى المنظمة الآثورية الديمقراطية لتحقيقها للشعب الآشوري في سوريا؟.
ج- الشعب الآشوري في سوريا من (سريان وكلدان) وطوائف أخرى هو شعب أصيل ومتجذر في تاريخها حتى أن أسم سوريا متأتي من اسمه وهذه حقيقة معروفة. و(الآشوريون) بطوائفهم المختلفة عموماً حتى من هم بالمهاجر ينظرون إلى سوريا كوطن أم لهم ففي كل شبر من أرضها بصمة وأثر من آثار أجدادهم فهم ليسوا أقلية مغلقة أو وافدة بل شعباً أصيلاً. وعليه تسعى المنظمة من أجل الاعتراف بالآشوريين كشعب أصيل وبالتالي نيل حقوقه الثقافية والسياسية ضمن إطار الوحدة والسيادة الوطنية وهذا الحق مقر به بالقانون الدولي وفق العهود والإعلانات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والأقليات والشعوب وترى المنظمة أن هذه الحقوق ستأتي كنتيجة طبيعية للحل الوطني الديمقراطي العام الذي يجب أن يقوم على الاعتراف بالتنوع الثقافي والقومي ضمن إطار الوحدة الوطنية. وترى المنظمة أن هذا المطلب يجب أن يكون موقع اهتمام كل القوى الوطنية كونه جزءً من الهم الوطني العام. وأخيرا علينا الاعتراف بحقيقة حالة التسامح والأريحية القائمة في سوريا عملياً تجاه الأقليات عموماً بالرغم من عدم الاعتراف القانوني أو الدستوري بها بالمقارنة مع كل دول الجوار.
س- ماذا تنتظرون من قانون تنظيم أو ترخيص الأحزاب السياسية المتوقع صدوره في سوريا؟.
ج- يجري الحديث منذ عام عن احتمال صدور قانون للأحزاب وبالتأكيد سيكون هذا القانون ناظماً لمجمل الحياة السياسية السورية ونأمل أن يكون هذا القانون ديمقراطياً وعلمانياً وعصرياً يأخذ بالاعتبار حقيقة التنوع السياسي والاثني وفق ثوابت وطنية. كما أن مثل هذا القانون يجب أن يطرح للمناقشة العامة ضمن أطر سياسية وثقافية تشمل القوى والأحزاب الوطنية سواء التي داخل الجبهة أم خارجها مما سيتيح ذلك إنضاجه وتكامله ليكون ملبياً ومستجيباً لطموحات الشعب السوري في حاضر وغد أفضل.
س- ألا تخشون من الإعلان عن نفسكم وموقعكم السياسي في (منظمة سياسية) غير مرخصة في سوريا.
ج- الإعلان عن موقع المسئول الأول في المنظمة الآثورية الديمقراطية ليس أمراً جديداً بل هو واقع وقائم منذ سنوات وهذا الإعلان جاء أصلاً كنتيجة طبيعية لعاملين أثنين متلازمين الأول يعود لسياسة الانفتاح والانفراج السياسي النسبي والقبول الضمني غير الرسمي من قبل السلطة تجاه القوى والأحزاب الوطنية الديمقراطية غير المرخصة في سوريا ابتداءً من السنوات الأخيرة من عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. العامل الثاني يعود إلى عملية تراكم نضالي للمنظمة الآثورية الديمقراطية وإلى نهجها الوطني الديمقراطي المعتدل ولإيجابي والواقعي البعيد كل البعد عن الغلو والطوباوية والتطرف. مما أكسبها تعاطفاً واحتراماً من مجمل النسيج الوطني السوري. كما أن هذا الإعلان عبر عن نفسه في مواقف عملية منذ أواسط الثمانينات من خلال مشاركة المنظمة في معظم الاستحقاقات الوطنية والدستورية وأهمها المشاركة في انتخابات (مجلس الشعب) منذ الدور التشريعي الخامس وحتى الدور التشريعي الثامن الأخير وأيضاً عبر مختلف الأنشطة الاجتماعية والسياسية. وأهمها الاحتفال السنوي في ذكرى تأسيس المنظمة. كما أن مثل هذه الأنشطة شبه العلنية يقوم بها العديد من الأحزاب غير المرخصة في سوريا وأعتقد أن هذه الحالة هي صحية وهي مؤشر إيجابي لتطور سياسي ديمقراطي.
وأخيراً لقد عكس البيان الختامي للمؤتمر تطلعات جيل جديد في (المنظمة الآثورية الديمقراطية). جيل يدعوا إلى المزيد من الانفتاح الفكري والسياسي على المجتمع والركون إلى الواقعية السياسية وتجاوز مرحلة الشعارات القومية الطوباوية والضبابية الفكرية التي سادت وسيطرة على خطاب المنظمة في المرحلة الماضية فقد أكد البيان على: ( ضرورة الانفتاح على جميع القوى والنخب السياسية الوطنية في سوريا من أجل الاعتراف الرسمي بالشعب الآشوري (السرياني/الكلداني) كشعب أصيل كإحدى الحاجات الوطنية. وكذلك المشاركة في عملية الحوار الوطني القائمة على الاعتراف بالآخر وترسيخ قيم ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا).
وقد اتخذ المؤتمر العديد من القرارات و التوصيات الهامة التي ستساعد من دون شك على تعميق ثقة الجماهير الآشورية بالمنظمة كذلك ستساهم في ترسيخ نهجها الوطني و توثيق روابط التعاون والتنسيق مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب السياسية في سوريا. بشكل يبرز الهوية الوطنية للشعب الآشوري إلى جانب هويته القومية في سوريا التي يشكل الآشوريون(السريان/الكلدان) جذرها التاريخي وعمقها الحضاري.
بقي أن نقول: أن (المنظمة الآثورية الديمقراطية) ومن خلال مؤتمرها العام هذا قالت كلمتها السياسية وأعلنت على الملأ : ماذا تريد للشعب الآشوري من حقوق قومية في سوريا كما أنها رسمت من خلال البيان الختامي للمؤتمر صورة الوطن (سوريا) كما ترغب أن تكون عليه. لكن يبقى السؤال المهم والكبير هو: هل ستتجاوب (الحكومة السورية) مع مطالب المنظمة الآثورية الديمقراطية وكيف ستتعامل السلطة السياسية في سوريا مع المنظمة بعد هذا المؤتمر لا شك أن الأيام أو الأسابيع المقبلة ستحمل الإجابة معها.