كبرئيل موشي كورية
نشرو د اثور- 179 ++ وأخيرا صادق مجلس النواب العراقي يوم الأحد 8/11/2009 على تعديل قانون الانتخاب، بعد مخاض طويل فرضته الخلافات العميقة بين الكتل النيابية الكبيرة حول الكثير من القضايا وأبرزها قضية كركوك. وبالرغم من أن الكثير مما أثير الخلاف حوله، لم يجد طريقه للحل، لكن بالنهاية تغلبت إرادة إخراج قانون الانتخاب بالصورة التي تمت ، وذلك توخيا لإبقاء العملية السياسية في مسارها وانتظامها الطبيعي، وبالتالي الالتزام بالموعد الدستوري لإجراء الانتخابات النيابية من أجل تجديد الحياة والطبقة السياسية في العراق التي عجزت عن إيجاد الحلول للمشاكل الكثيرة التي يتخبط بها العراق وفي مقدمتها قضية الأمن والاستقرار. حافظ التعديل الجديد على معظم مواد وبنود قانون انتخاب 2005 باستثناء بعض الجديد الذي حمله ، مثل اعتماد القائمة المفتوحة وبعض التعديلات الأخرى التي أثارت بعض الجدل بسبب انحيازها للكتل الكبيرة. وما يهمنا هو إقرار مبدأ الكوتا لضمان تمثيل المكونات الصغيرة بشكل أكثر عدلا، يتناسب وحجمها الحقيقي وبما يعيد لها الاعتبار، ويخرجها من دائرة الإقصاء والتهميش الذي لازمها في الاستحقاقات السابقة.
وقد لحظ التعديل الأخير، تخصيص خمسة مقاعد للمكون المسيحي، موزعة على خمس محافظات(بغداد- نينوى- كركوك- أربيل – دهوك)،وثلاثة مقاعد أخرى بواقع مقعد لكل من الصابئة(المندائيين) واليزيد والشبك، ودون أن يسقط حق أبناء هذه الأقليات في الدخول في الائتلافات الوطنية من خارج حسابات الكوتا. لا شك أن إقرار مبدأ الكوتا( حصة تمثيلية) يدخل في باب التفضيل أو التمييز الإيجابي الذي تعتمده دول عديدة مراعاة لبعض المجموعات والأقليات القومية أو الدينية لضمان تمثيلها ومشاركتها في الحياة العامة عندما يتأكد عجزها عن تحقيق ذلك في الأحوال العادية، وذلك لأسباب ذاتية أو موضوعية يتعلق قسم منها بمعايير النسبة العددية ، والبعض الآخر يعود لنقص في الاندماج الوطني وعدم نضج الوعي الديمقراطي وحصول تشوهات في النظام السياسي العام، ما يحول دون تحقيق مبدأ المواطنة في النظام الديمقراطي العلماني وما ينطوي عليه من معاني التكافؤ والمساواة في ظل دولة القانون والمؤسسات. وفي الوقت ذاته فإن هذا الخلل في بنية النظام يفرد مجالات واسعة لطغيان الأكثرية وبسط هيمنتها على كافة مفاصل الحياة السياسية. من هنا فإن إقرار مبدأ الكوتا يمثل خطوة إيجابية في الطريق الصحيح تعبر عن عمق الإحساس بالظلم الذي لحق بأبناء المكونات الصغيرة في العراق.
فكان لا بد من تدارك هذا النقص، وإفساح المجال أمام المزيد من المشاركة بهدف وضع العراق على طريق التطور والتقدم. ليس بخاف على أحد، أن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري يشكل الغالبية العظمى من مسيحيي العراق،ويشكل أيضا بما يحمله من خصائص وفرادة قومية وثقافية، العمق الحضاري الأبعد والأعرق في تاريخ العراق. ومع ذلك فإن قانون الانتخاب ومعديه لم يأخذوا مسألة هويته القومية بعين الاعتبار، وإنما أقرت الكوتا على أساس هويته الدينية( و لايقلل هذا من اعتزازنا بهويتنا المسيحية) مما يعني ضمنا وجود حصة للإخوة الأرمن وبقية الطوائف المسيحية داخل الكوتا(ولهم كامل الحق بالتمثيل)على عكس ما جرى في قانون انتخاب إقليم كردستان العراق الذي خص المكونات في الإقليم بمقاعد على أساس هويتها القومية. إضافة إلى أن هذا التعديل وزع المقاعد على المحافظات دون أن يراعي الكثافة السكانية لشعبنا في هذه المحافظات وإن كان من الضروري أن يتمثل أبناء شعبنا في كل المحافظات التي يتواجدون بها بما في ذلك تخصيص مقعد لشعبنا في البصرة، وإسقاط حق أهلنا والمسيحيين في البصرة لا شك يكرس منطق التهجير الذي جرى هناك ويشرعنه. كما أن هناك الكثير من الغموض ما زال يلف طريقة وآلية تصويت العراقيين في الخارج، وكيفية احتساب أصواتهم لقوائم الكوتا لئلا تضيع. وينبغي على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تبديد هذا الغموض عبر إصدار التعليمات التنفيذية الواضحة التي تنظم هذه العملية وبأسرع وقت ليتسنى للكتل السياسية المتنافسة الشروع بحملاتها الانتخابية على أسس صحيحة وصريحة.
الآن .. ماذا بعد الكوتا؟
لقد خاضت قوى ومؤسسات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري استحقاقات انتخابية عديدة في العراق الجديد. بيد أن حصيلتها بالإجمال كانت هزيلة، ولم ترض طموحات وتطلعات شعبنا ولا حتى قواه السياسية المشاركة فيها، وذلك بسبب الانقسام والتشرذم وانشغال هذه القوى بمعاركها وحساباتها الخاصة، وكيفية تثبيت أحجامها داخل البيت الواحد، دون أن يترك ذلك انعكاسات وتأثيرات إيجابية ومؤثرة على الصعيد القومي أو الوطني، الأمر الذي أدى لعزوف الكثيرين من أبناء شعبنا في الوطن والمهجر عن المشاركة في هذه الاستحقاقات، وسبب الكثير من الخيبة والإحباط ودفع إلى مزيد من الإقصاء والتهميش، ما رتب على شعبنا كلفة باهظة زادها عمقا وتفاقما ،انغماس ساحتنا القومية بقضايا ثانوية وهامشية(أثارها ومازال يثيرها البعض دون أي مبرر) لا ترقى لمستوى التحديات والأخطار التي تواجه وجود ومستقبل شعبنا في العراق الذي يحظى باهتمام ومتابعة من كل مسيحيي المشرق. من هنا تكتسب الانتخابات المقبلة في العراق أهمية استثنائية وخاصة لدى شعبنا حيثما وجد. على اعتبار أن مجلس النواب الجديد والحكومة المنبثقة عنه، يفترض أن يأخذا على عاتقهما معالجة المشاكل القائمة على طريق تصويب المسار السياسي العام، وتكريس الأطر الدستورية والقانونية والمؤسسية لعراق المستقبل. بما يكفل لها الديمومة والثبات والاستقرار بعد الفترة الانتقالية الصعبة التي مر بها والتي امتدت لست سنوات.
وعليه فإن الحاجة تبدو ماسة في أن تقارب قوى ومؤسسات شعبنا الاستحقاق الانتخابي القادم مقاربة مختلفة عن تلك التي جرت في الانتخابات السابقة. حيث أن المصلحة القومية لشعبنا وتطورات الوضع العراقي عامة بما ينطوي عليه من فرص قد لا تتكرر. تفرض على هذه القوى دخول المعترك الانتخابي بقائمة موحدة قادرة ببرنامجها الانتخابي الذي يستجيب لمطالب شعبنا ، وبمرشحيها ذوي الكفاءة والحضور، على كسب تأييد واسع من مختلف شرائح شعبنا في الوطن والمهجر. وذلك كمقدمة ضرورية لتشكيل كتلة برلمانية وازنة، قادرة على فرض الاحترام والتأثير على الكتل الأخرى من خلال موقفها وبرنامجها الموحد الذي يحقق المصلحة الوطنية، ويلبي المطالب القومية المشروعة لشعبنا، وفي مقدمتها التثبيت الدستوري لتسميتنا على أساس وحدة الهوية القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري، والإقرار بكافة حقوقه بما في ذلك الحكم الذاتي. لا يندرج هذا الطرح في إطار الأمنيات أو الرغبات المستحيلة. مع إقرارنا بالصعوبات التي تكتنف تحقيقه.
كما لا يرمي إلى مصادرة التعدد في أوساط شعبنا والذي يمكن استثمار إيجابياته في التنافس على خدمة شعبنا في مختلف المجالات وبما يعزز وجوده ودوره. لكن المرحلة الاستثنائية التي يمر بها العراق وشعبنا خصوصا تقتضي من الجميع التحلي بأكبر قدر من المسؤولية، وبذل المزيد من الجهد والعمل لتذليل كل العقبات التي تحول دون وحدة الصف. وبغير هذا فإن صوت شعبنا ومطالبه ستضيع وستبتلعها أروقة البرلمان..
– سوريا 12 تشرين الثاني 2009