في كل عام وفي يوم 24/نيسان, المسيحيون الذين يعيشون في الشرق الأدنى أو الذين أصولهم من هناك _ مثل الآشوريون و الأرمن واليونان – يحتفلون بذكرى الجينوسايد 1914-1918 في تركيا. وحتى بعد مضي /90/ عاماً تقريباً فإن موضوع الملاحقات الدموية وقتل أكثر من مليوني مسيحي لم يفقد أي من أهميته. إن السلطات الرسمية التركية ومنذ ذلك الحين قد أحاطت تلك الأحداث التاريخية بغطاء من الصمت رافضة الاعتراف بها. إن الجماعات العرقية المسيحية المعنية يكافحون لمدة عقود عبثاً من اجل الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية. هذا الجرح الذي يفصل بين المسيحيين والمسلمين في تركيا وفي الشتات لسنوات عديدة خلت اكتسب بعداً جديداً في الآونة الأخيرة بفعل النداء الذي أطلقه وزير التربية التركي. وفق ما أفادت به جريدة suddeutsche Zeitung الألمانية بتاريخ 23/05/2003 طلب الوزير أن يكتب الطلاب في المدارس الابتدائية التركية وأيضاً الأرمنية مقالات يقاوموا فيها "مقولات الإبادة الجماعية التي لا أساس لها " وفي المدارس الإعدادية يمكن أن يكتب الطلاب ضد " مقولات الأرمن، الإغريق والسريان (الاسم الذي يطلقه الأتراك على الآشوريين الأرثوذكس ). ردود الأفعال على هذا الكلام كانت مثيرة. كانت هناك احتجاجات ليس فقط بين المسيحيين بل الصحفيين المسلمين أيضا ضد هذه "النكتة السخيفة " (جريدة يني سافاك الإسلامية). إن موقف وسائل الأعلام الذي كان غير مفهوماً لغاية الآونة الأخيرة ويمكن الآن تفسيره بأنه يقوم بتحطيم الأسوار القديمة التي كانت تحظّر إثارة هكذا نقاشات.
إن المنظمة الآثورية الديمقراطية (ADO) التي تم تأسيسها في سوريا عام 1957 تكافح منذ سنوات من اجل حقوق الشعب الآشوري والاعتراف بالجينوسايد. قال الدكتور جاك اسكندر: إن أحد الأهداف الهامة ل(ADOالآشورية هو تدويل القضية الآشورية. وإن الكفاح من اجل الحقوق القومية والثقافية للآشوريين هي جهود سلمية تعتمد على الاحترام المتبادل للجيران . وأفاد اللاهوتي ورئيس الجلسة د. جاك اسكندر: "إن الماضي مهم من أجل المستقبل " لاحظ رئيس برلمان الدولة الفدرالية النمساوية يوهان هاتزل اثناء ترحيبه. ثم أضاف: "إن التاريخ هو جزء من شخصية شعب ما". ليس فقط المعانات إنما الإنجازات أيضا" تساهم في ذلك . وانطلاقاً من هذا، هنأ باسم مدينة فيينا الآشوريون لما حققوه وأنجزوه عبر التاريخ .
إن مصير شعب ما لا يكمن فقط بين يديه إنما يعتمد أيضاً على "القوى العظمى". هذه كانت الفكرة التي طرحتها السيدة آنا اليزابيت هاسلباخ نائبة رئيس الهيئة التشريعية لجمهورية النمسا. لقد طالبت " القوى العظمى" كي تتمسك باتفاقية لوزان عام 1923 فيما يتعلق بالآشوريين. في تلك الاتفاقية تم تعريف حقوق الأقليات في تركيا. يجب أن يسمح للآشوريين أن يتكلموا ويدرسوا لغتهم بحرية أضافت السيدة هاسلباخ. "هذه هي حقوق إنسانية يجب أن تحترم". واختتمت "نحن نفهم الجهود التي تبذلونها من اجل مستقبل عادل وآمن "ووعدت بدعم هذه الجهود "بقدر المستطاع".
أما مسئول فرع أوربا للمنظمة الآثورية الديمقراطية (ADO) عيسى حنا فقد ناشد بإلحاح رئيس برلمان الدولة الفدرالية النمساوية لدعم طلب الاعتراف بالجينوسايد. وفي حديثه تطرق إلى الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد العراق. وقد ذكّر بالحقيقية إن الآشوريون يشكلون ثالث جماعة عرقية قوية في العراق وطلب من الدول المسئولة أن يتم السماح لكل الجماعات العرقية من (عرب وأكراد وآشوريين وتركمان) بالمشاركة في الحكومة والمؤسسات المستقبلية من اجل دولة عراقية ديمقراطية.
أما ايركان أصلان مسئول منطقة النمسا للمنظمة الآثورية الديمقراطية (ADO) فقد قدّم بعض الحقائق الجديدة حول (طور عابدين) الذي هو موطن العديد من المهاجرين الآشوريين في النمسا. ففي عام 2001 أصدر السيد إجاويد رئيس الوزراء التركي آنذاك, مرسوماً يمنح بموجبه كل الآشوريين (المهاجرين) حقوق والتزامات فيما يتعلق بممتلكاتهم وموجودا تهم في تركيا. وهذا ترك صدى إيجابياً كبيراً في وسائل الإعلام التركية والغربية. ومنذ ذلك الحين الكثير من الآشوريين يناقشون إمكانية العودة. .إن بعض العائلات الآشورية بادرت بأخذ الإجراءات القانونية الأولية مع السلطات المختصة في مدينة /مديات/. وقد أفاد السيد أصلان ايركان بأن هذه العائلات قد تم إهانتهم, ضربهم وتخويفهم بالتهديدات. "حتى أن المحامون الأتراك لا يستطيعون التوكيل وهكذا قضايا خوفاً من الأكراد والأصوليين المسلمين الذين استولوا على ممتلكات المسيحيين بشكل غير قانوني. هذه الحوادث تؤكد أن الجهود المبذولة للتعايش السلمي بين مختلف الجماعات العرقية والدينية في تركيا تلاقي عقبات مرة أخرى، لأنها لا تثير غير الخوف والأذى، وبنفس الوقت تؤكد أن المراسيم هي عبارة عن حبر على الورق.
استناداً ليونان إن تعريف الجينوسايد مثلما هو محدد في البند الثاني من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1948 ينطبق بوضوح على قتل المسيحيين في 1915. فهو (يتعلق) آ- بقتل مجموعة من السكان. ب- التسبب بأذى جسدي وروحي مجموعة من السكان. ج – التدخل في الأحوال لمجموعة من السكان. إن المؤرخين موافقون تقريباً دون استثناء بأن أحداث عام 1915 كانت جينوسايد. وقد أوردت وثائق عديدة منها وثائق من Patter J.Lepsius من "كتابه الأزرق". كما أشارت أيضا إلى كتاب "الأضواء المتلألئة " الذي نشر عام 1924 في الولايات المتحدة والتصريحات التي أدلى بها مطران سريان الأرثوذكس أفرام برصوم. إن الأدوات المذكورة أنفا كما عُرّفت عام 1948 لا يمكن بالضرورة تطبيقها على تركيا الحالية. على أية حال لا يمكن للمرء أن ينسى الجينوسايد الثقافي الذي حدث خلال العقود الثلاثة الأخيرة ضد المسيحيين في طور عابدين. أراد الأتراك التخلص من ما تبقى من السكان المسيحيين وتحت ذريعة مقاتلة الأكراد تم الضغط على المسيحيين, ونتيجة لذلك ترك 250000 مسيحي تركيا وهاجر إلى الدول الغربية.
في غضون ذلك وبعد مرور أجيال ثلاثة ما يزال التاريخ " موجوداً في الذاكرة الجماعية للسكان وممكن أن يبقى متواجداً لمدة 1000 سنة قادمة ." وحتى نصل إلى بداية جديدة وسلمية أضافت يونان على تركيا أن تعترف بالجينوسايد كجزء من تاريخها وأن تدينه. على تركيا أن تعتذر لأحفاد الضحايا وأن تعوضهم وذلك باعترافها بالآشوريين كأقلية عرقية ولغوية في تركيا كما هو منصوص في "ميثاق الأقليات القومية". هذا الميثاق على أية حال لم توقعه تركيا لغاية اليوم .
(إن حساسية هذا الموضوع ازدادت حدة عبر السنوات منذ أحداث "Shato d’Seifo". إن هناك ضرورة ملحة لعملية التعليم ولاستقصاء أسباب الجينوسايد. والدليل على ذلك هي رسائل المنظمتين "مبادرة المسلمين النمساويين " "و المجتمع الديني الإسلامي في النمسا" والتي أتت بمناسبة الذكرى السنوية (الجينوسايد –المترجم-) في فيينا. هاتان المنظمتان لا تنكران جرائم القوى الحاكمة في ذلك الحين، ولكنهما ترفضان بقوة فكرة أن الدين الإسلامي كان السبب الأول وراء دمار المسيحيين وطردهم.
وهنا مطلوب من الطرفين معالجة الموضوع بوعي وشفافية. إن الأمر يتعلق بالحقوق وليس بالانتقام وبالعفو ولكن ليس بالنسيان.