القامشلي( سوريا) – أدو أورغ ++ آلة الإرهاب الجهنمية لم توفر أحدا من أبناء العراق بمختلف مكوناته القومية والدينية. فهاهي عمليات التفجير قد عادت لتضرب مجددا وبوحشية، في تكريت وبغداد وكربلاء، لتحصد مئات من الأرواح البريئة، فيما يزداد الوضع الأمني سوءا، جرّاء هشاشة الوضع السياسي، واستمرار انقسام النخبة السياسية، حيث لم يدفع انضمام كتلها النيابية النافذة إلى حكومة الوحدة الوطنية، إلى استعادة الثقة المفقودة بينها، أو التغطية على خلافاتها المستمرة حول الحصص والمكاسب والنفوذ. وتجلىّ هذا بعدم قدرتها على استكمال وزراء الحكومة العتيدة، وخصوصا فيما يتعلق بالوزارات المناط بها القضايا الأمنية. لاشك أن الفراغ الأمني الحاصل، سهّل من مهام قوى الإرهاب في زرع الفوضى وزعزعة الاستقرار، وتشويه صورة العملية السياسية.
إن الإرهاب المنظم الذي يضرب العراق وشعبه، وبكافة أشكاله التكفيرية المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وذاك المستورد من الخارج، أو النابع من البيئة العراقية. إنّما هو حصيلة للواقع الذي أفرزه الاحتلال، وأجّجته الصراعات المحتدمة بين القوى السياسية دينية كانت أم قومية. ويأتي تجسيدا للرغبة في فرض وقائع وتوازنات من قبل قوى لها أجنداتها ومصالحها الخاصة، وارتباطاتها الخارجية،و مدججة بميليشيات مازالت تعمل خارج أطر منظومة الدولة وقوانينها.
وفي كل الأحوال فإن الإرهاب أيّا كانت دوافعه وخلفياته والجهات التي تقف خلفه، هو عمل مدان ومستنكر بكل المعايير السياسية والأخلاقية والإنسانية. إذا كان واقع الحال في العراق كذلك، فإن الإرهاب المنظّم والموجّه ضد شعبنا الكلداني السرياني الآشوري والمسحيين عامة، أخذ منحى مغايرا منذ احتلال العراق، لا بل إن مسلسل استهداف المسيحيين في العراق اتسم بطابع منهجي استئصالي مالبث أن امتد لدول أخرى في الشرق الأوسط ومنها مصر(جريمة كنيسة القديسين في الاسكندرية). وأسباب هذا الاستهداف تبدو غيرمبررة وتفتقر إلى المنطق الذي يسندها وفقا للقواعد والمعايير التي تحكم الصراعات القائمة في المنطقة.
فالشعب الكلداني السرياني الآشوري ليس جزءا من هذه الصراعات، ولا يمتلك منظومات عسكرية ميليشيوية كالآخرين، كما يفتقد إلى مظلة إقليمية أو دولية من أيّ نوع كان، توفر له ثقلا أونفوذا يتخطى تطلعاته أو يفوق عدده، كما أنه بعيد عن أي انخراط في الأجندات الرامية لضرب وحدة العراق بخلاف آخرين. وعلى العكس تماما، فإن شعبنا بتنظيماته السياسية، وقياداته الروحية، كان وما يزال الأشدّ حرصا على وحدة واستقرارالعراق، ووحدة الأوطان التي يعيش فيها، والأكثر اهتماما ببناء دول ديمقراطية علمانية يتمتع فيها جميع المواطنين بالعدالة والمساواة وعلى قاعدة الشراكة والمواطنة الكاملة.
وفي هذا السياق يبدو العامل الديني أو ذاك المتدثربالدين، هو الأكثر بروزا ورجحانا في حملات استهداف المسيحيين وتصعيدها، حيث تنهل التيارات الدينية الأصولية من ثقافة التطرف وإلغاء الآخر، التي انتشرت في عموم المنطقة، مستفيدة من أجواء الاحتقان والشحن الطائفي والمذهبي، ومتذرعة بالصراع مع الغرب، وما محاولاتها المحمومة لترويج وتلفيق الربط القسري بين مسيحيي المشرق بمصالح الغرب وأجنداته السياسية، إلاّ ترجمة لعجزها وفشلها في المواجهة القائمة بينها.
وعلى العموم فإن الإرهاب الموجّه إلى شعبنا من قبل القوى التكفيرية، وأخرى متواطئة معها من قلب العملية السياسية يهدف إلى:
– إفراغ العراق من سكانه الأصليين وتصفية ما تبّقى من الوجود المسيحي في العراق والشرق عموما.
– السعي لأسلمة المجتمع وفرض قيم وأنماط وثقافة جديدة لا تمتّ إلى الحداثة والعصر بأيّة صلة. وبرأينا هناك تكامل وترابط بين هذين الهدفين ويخدمان الأجندة ذاتها، وإن تباينت الوسائل والأدوات.
ولتقريب الوصول لهذه الأهداف، تعمد قوى الإرهاب لارتكاب جرائم وعمليات نوعية ضخمة على غرار جريمة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، بغية خلق أكبر قدر من الخوف والترويع لإجبار أبناء شعبنا على الهجرة، هذا دون أن تتخلى عن أساليبها الإرهابية الأخرى من قتل وخطف واعتداء على الأفراد والكنائس والأملاك والعقارات. ويأتي ذلك إدراكا من هذه القوى بأن ضرب العمق الحضاري للعراق، وتفريغه من سكانه الأصليين الحاملين لقيم الحداثة والعلمنة، يفضي بالضرورة إلى أسلمة المجتمع التي تشكل خطرا على الجميع دون استثناء، وضربا لقيم التعدد والتنوع ومفاهيم العيش المشترك.
وفي هذا السياق لا يمكن تبرئة بعض القوى المشاركة في العملية السياسية(من قوى الإسلام السياسي – سني وشيعي) من التواطؤ مع هذه الأطراف ومساعدتها على تحقيق أهدافها، من خلال فرض إجراءات وقوانين متخلفة ولا دستورية باتجاه فرض قيود على منظمات المجتمع المدني وإقصاء المرأة وإغلاق النوادي الثقافية والاجتماعية والفنية وحظر بيع المشروبات الروحية ومنع الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات.
وآخر هذه المضايقات هي تلك الغارة المشبوهة التي نفذتها مجموعات أمنية تابعة لمجلس محافظة بغداد على جمعية آشور بانيبال الثقافية وتخريب أثاثها ومصادرة بعض محتوياتها، في استعادة مخزية لاقتحام المغول لمكتبة آشور بانيبال وإحراقها.
هذه الممارسات والتدابير، في الحقيقة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول عزم وجدية وحتى حماسة الحكومة العراقية في تنفيذ الالتزامات والتعهدات التي قطعتها على نفسها في تأمين الحماية الكافية للمسيحيين، والحرص على بقائهم واستمرارهم في العراق، ويمكن تلمّس ذلك من ضعف تمثيلهم في الحكومة، أو منحهم نيابة إحدى الرئاسات. إن مصير شعبنا في العراق، ارتبط ويرتبط مستقبلا بالاستمرار والبقاء في وطن الآباء والأجداد.
وعلى الرغم من تعرضه لحملات إرهاب وتطهير منظمة تستهدف وجوده، ف‘ن رهاناته مازالت معقودة على شركائه في الوطن، وينتظر من الحكومة والنخب العراقية، المبادرة لدعم وصون وجوده وحمايته، من خلال تفعيل القرارات المتخذة في هذا المجال، والاستجابة إلى كافة مطالبه القومية المشروعة الضامنة لتطوير هويته وخصوصيته، وتعزيز وجوده. وبغير ذلك فإنها ستساهم بقصد أو دونه في مساعدة قوى الإرهاب على تنفيذ مخططاتها ومآربها.