بقلم: سامي ابراهيم
++ الأفكار الدينية هي قوالب جاهزة مسبقة الصنع، تدخل عقل الإنسان لتجعله يعتنق الفكرة الثابتة المقدسة وتجعل تفكيره موجها مركزا على موضوع ثابت لا يتغير، فيعيش حالة من التركيز اللاإرادي التي تحصن منظومته الفكرية ضد أية خطر خارجي وتلغي أية تشتيت لانتباهه عن الفكرة الثابتة المقدسة وتزيل أي عائق من شأنه أن يؤثر على مسار تفكيره الأوحد والموجه مسبقا، وذلك بمنبه قوي من الدماغ ليعيد للإنسان استقراره وتركيزه اللاإرادي على الفكرة الثابتة. فيعجز عن التفكير بغير الشيء الذي يفكر به الآن. تثبت نموه وتقيده. فتبدو له جميع النصوص الدينية بما تحمله من تناقض وتضارب منطقية ولا تشكو من أي خلل. البشر وبسبب الخوف والقلق فضلوا الفكرة الثابتة والسير في طريق واحدة من التفكير، لقد أفزعتهم الأوهام الدينية واستطاعت أن تسلخ الفكر عن الواقع. الفكرة الثابتة في المنظومة الدينية تقدم المنطق معكوساً، فتجعل المتدين يؤمن أن الحياة تصبح موتاً والموت يصبح حياةً!. النفي يصبح إثباتاً! والإثبات يصبح نفياً!. الحق عند المتدين باطل والباطل عنده حق. الفكرة الثابتة تجعل المتدين يؤمن بحياة أخرى أبدية للتخفيف من القلق الذي يعتريه، ولكنها في الوقت ذاته سربت إليه شعوراً مخادعا بالأمان لقد سلبته أهمية الحياة التي يعيشها وقيمتها وشكلها ولونها ووزنها.
………………………
الفكرة الثابتة هي التي تمرر للإنسان الأمر البرمجي أن الإله هو أرحم الراحمين، فلا يستطيع أن يرى المتدين في الإله غير الرحمة، بينما تمنع أي تشتيت أو شك في هذه الرحمة، وتحجب رؤية المتدين لأية قسوة قد تكون موجودة في الإله أو ظلم موجود في النص الديني، لا يتساءل المتدين أنه كيف يمكن لإله أن يحقق رحمته الكلية وعدالته الكلية وهو يأمر برجم أحد البشر! فما يحمله هذا المشهد من إهانة وفظاعة وإرهاب يضرب به كل أساس للرحمة والرأفة والعدالة عرض الحائط. فأن يشرع النص الديني عقوبة الرجم والتي تؤدي إلى زهق حياة إنسان بهذه الطريقة لأي سبب كان، يجعل من هذه الطريقة في الموت الأكثر وحشية على الأرض. الفكرة الثابتة تجعل المتدين يهتف ليل نهار باسم من خلق له الحياة الأبدية والجنة وفي نفس الوقت أنشأ له الجحيم والعذاب ونار الأبدية! بينما الإنسان المتحرر من الفكرة الثابتة بمحاكاة بسيطة يستنتج أن صناعة فرن هائل يدعى جحيم يتم حرق بشر فيه إلى المالانهاية هو ليس لارحمة فحسب بل هذا عنف وقسوة لا مثيل لهما في تاريخ الوجود!.
الفكرة الثابتة تجعل المتدين يعتقد أن الإله خلق الأرض له وحده وهيأ ظروف الطبيعة من أجل توفير ظروف حياته، ولا تدع الفكرة المقدسة المتدين يفقد إيمانه لمجرد وجود زلازل تقتل عشرات الآلاف بلحظات قليلة أو فيضانات تدمر أرضه وتشرده أو وجود فيروسات وجراثيم تحصد الأرواح بأوبئة قاتلة مخيفة أو ولادات بتشوهات خلقية وعاهات لا سبب لها ولا مبرر ديني لها!. بينما تمنعه من تقديس أو تأليه من يخترع الأدوية واللقاحات ويقوم بالعمليات الجراحية لإنقاذ حياة البشر وينظر لهم على أنهم بشر عاديون!. الفكرة الثابتة تجعل المتدين يطلب السلام من الإله! بينما لا تجعله يشك ولو للحظة واحدة بأن الإله هو من يأمر المؤمنين بالقتال من أجله. و أن أغلب الحروب هي مبررة بالاستناد على نصوص دينية وأوامر إلهية؟! الفكرة الثابتة تجعل المتدين يرى الحب في نص ديني مليء بالعنصرية! وبسببه يقتل الإنسان إنسانا آخراً! وبسببه تشن حروب، وتحل مآسي وآلام ودموع! ويتيتم الأطفال وُتثكل النساء وتترمل! الفكرة الثابتة تجعل المتدين يرى الصبر والسلوان في نص ديني ينسبه إلى إله يفترض أنه لا يعاني ولا يقاسي قوة الشهوات وعنف اللذّات وسلطة الغرائز؟! الفكرة الثابتة تجعل المتدين يستمد قوته من نص ديني! وهو ذات النص الذي يستعبد الإنسان ويستهزأ بضعفه ويهدده بفنيه عن الوجود؟! لا يسأل نفسه المتدين كيف يطلب الإنسان الحرية من الذي كبل الإنسان وقيده بقيود الاستعباد وسلاسل الذل والعبودية!. لا يسأل نفسه المتدين كيف يرى الحكمة والهداية في نصوص متناقضة في كل صفحة من الصفحات الإلهية المكتوبة؟! كيف يجد المتدين المساواة في نصوص ازدواجية؟! الفكرة الثابتة تجعل المتدين يلعن الشيطان الشرير؟! لكن، أليس الإله هو من خلق الشرير؟! فبأي منطق يلعن السبب ويمجد ويقدس المسبب!
…………………………….
لماذا لا يسأل المتدين نفسه أنه إذا كان وجود الإله أمرا حتميا لا نقاش فيه وحقيقة مطلقة كحقيقة كروية الأرض أو حقيقة وجود طبقة الأوزون فلماذا كل هذا العنف في قمع من يتجرأ على الشك بوجود هذا الإله؟! أليست الفكرة الثابتة وطريقة التفكير الواحدة هي من تحتم عليه عملية القمع؟! أليست الفكرة الثابتة هي التي تشرع وتفتي وتحلل قتل العقول التي تتجرأ بتساؤلاتها هذه وكسر الأقلام التي تكشف زيف ادعاءاتها؟! أليست الفكرة الثابتة هي من تجعل عقوبة الموت والاتهام بالزندقة والخيانة جزاء من يشك في هذا الإله أو يشكك في مصداقية النص الديني؟!
………………………..
الهدية تتطلب وجود اثنين: واحد يعطي وآخر يأخذ، والإله يعد البشر بهذه الهدية لكن الفكرة الثابتة هي من تحمّل البشر مسؤولية إفساد هذه الهدية، فيجب إذاً أن يتحملوا عواقب تصرفاتهم الوخيمة السيئة الخاطئة الآثمة دائما في نظر الإله، وبالتالي تحمّلهم مسؤولية كل شيء سيء يجري لهم! الفكرة الثابتة تمنع المؤمن من أن يسأل نفسه هذا السؤال البسيط: إذا كان الإله موجودا بهذه القدرات الخارقة وبالشكل الذي يقوله الدين ويستطيع أن يمنع الأشياء السيئة أن تحدث للإنسان ولا يمنعها فلماذا يجدر الإيمان به؟! تصور لو أن هناك شخص (ش) يريد قتلك لكن سلاح القتل موجود عند شخص آخر (ا)، هنا، فإن (ش) الذي يريد قتلك لن يتمكن من تنفيذ مراده إن لم يأخذ سلاحه من ذلك الشخص (ا)، وعندما يعطي (ا) الذي يعرف نوايا (ش) أداة القتل، عندها يكون (ا) مشتركا حقيقيا في عملية القتل، لأنه بكل بساطة كان يستطيع ألا يعطي السلاح لذلك المجرم (ش)! وبالتالي سيحميك من الجريمة. ولكنه بما أن الإله يسمح للشيطان بأن يفعل ما يحلو له ويعطيه ما يحتاجه وهو القادر على منعه، عندها من المنطق على الأقل وجوب التشكيك بنزاهة هذا الإله وبحبه المطلق الكلي للبشر.
……………………….
في الفكرة الثابتة يردد البشر عبارات مكررة كآلة مسجلة لا يعرفون معناها ولا يدركون أبعادها، كأن يردد الإنسان في مناسبات الموت عبارته المعتادة " الأعمار بيد الله "، إذا كانت الأعمار بيد الإله فماذا يجدر أن يدعو من يرتكب جريمة قتل، فهو يزهق الأرواح ويقصر عمر الإنسان ويسلبه حياته! أليس من المنطق أن نعتبر القاتل إلها أيضا؟! لأن الأعمار لم تبقى فقط في يد الإله ولم تبقى حكرا عليه المدة التي سيحياها الإنسان! بل أصبحت الأعمار في يد القاتل أيضا! الفكرة الثابتة هي التي تمنع المتدين من أن يسمي الطبيب الذي يشق صدر الإنسان ليفتح شرايين القلب المسدودة ليهبه حياة جديدة ويطيل عمره إلها أيضاً! فالأعمار أيضا قد أصبحت بيد الطبيب! وعليه أن يسمي المهندس الذي يخترع صاروخا واحدا يستطيع أن يقتل به مئات البشر بلحظة واحدة إلها أيضا!
…………………………..
المنطق الإنساني يفرض على إنسان شاهد أثرا متكررا لنفس الشخص في مكان وقوع جرائم مختلفة ومتعددة أن يشك على الأقل بأن لذلك الشخص يدا في تنفيذ الجريمة! فلماذا لا يتجرأ المتدين في كل مرة يسمع فيها اسم الإله مع عملية فصل رأس إنسان أو رجم إنسان أو رمية بندقية أو قذيفة صاروخ أو تفجير في مجمع سكني أو علمي يذهب ضحيته عشرات الأبرياء أن يدرس مدى علاقة هذه الأعمال بالنص الديني الذي يقدسه! وأن يعيد النظر في علاقته وطريقة تعامله مع هذا النص. الفكرة الثابتة هي تقنع المتدين فكرة أن الإله بحق جالس على عرشٍ الهي، ولكنها تحجب عنه كل الأسى والألم الذي تسببت به عملية نشر كلمته أو أن ذلك العرش مبني فوق جبل من جماجم المقطوعي الرأس والمحروقين والمنبوذين والمسجونين!.
………………………….
في الحياة طريقين، واحدٌ للدين، وواحدٌ للعلم. في الطريق الأول تفرض على نفسك طريق واحد يسوده الوهم وأساسه الخوف. أما الطريق الثاني فيعلمك المهنة الإنسانية الأكثر أهمية في حياة البشر: فن الحياة. تحجيم النص الديني وتجريده من هالته المقدسة يقلل الازدواجية و العنصرية والمذهبية التي تفتت المجتمعات، تحجيم النص الديني يقلل الخوف من المجهول والمستقبل، يمنع القلق القهري. تحجيم النص الديني ورفع حصانته المقدسة يمنع الأثمية التي ترهق الإنسان وتجعله يقدم المنطق ذبيحته للإله لكي يرضى هذا الإله عن هذا الإنسان؟ تحجيم النص الديني هو إلغاء لعملية الفداء التي يقدمها الإنسان المتدين ليبقى محتفظا بأمنه وحاميا لاستقراره. هذا الفداء والقربان الذي يمنع المتدين عن حياة الحرية والنمو والانطلاق في سماء الفكر.
الايميل:
sami198420@hotmail.com