بقلم : أشور العراقي
++ نينوى وبابل كانتا أعظم مدينتين عرفتا في العالم القديم، تتحدان أحياناً وتفترقان أحياناً أخرى، ولكنهما كانتا قويتين أقتصادياً وعسكرياً وحضارياً، ولم تعرفا الهزيمة في الحروب يوماً.
وكانت لهما من الوسائل الدفاعية العظيمة الكثير، لذا كانتا أعظم من كل المدن القديمة، نينوى كانت محاطة بسور عظيم وكان ارتفاعه 33 مترا (حوالي عشرة طوابق) وعرضه 16 مترا ( يكفي لمرور ستة عربات متجاورة ) وكان ارتفاع ابراج السور 66 مترا وكان لها 15 بوابة، والخندق المائي المحيط بها عرضه خمسون مترا، ومحيط دائرتها 7 أميال (أكثر من 11 كم)، وكان على العدو الآتي على نينوى من الشرق (( أضعف نقطة فيها )) أن يهاجم سورا تحصنه القلاع ثم خندقين، ثم سورين آخرين، في مثل حجم السور الأو وكل هذا قبل الوصول الى المدينة ذاتها، وكانت المسافة بين السور الداخلي والسور الخارجي حوالي 700 مترا، وتشهد البقايا الباقية اليوم من أسرار نينوى على ذلك،ان هناك شيئا غامضا يحيط بسقوط نينوى بهذه الصورة، وهي في أوج عظمتها، فلم يكن بقدرة أية قوة عسكرية أن تدمرها بهذا الشكل، مهما أتيح لهذه القوة من أسلحة وحنكة حربية ، ولم تكن في مقدور أية قوة أن تخترق أسوار نينوى بسهولة، تلك الأسوار الشاهقة بما عليها من أبراج قوية، يتحصن داخلها جيش جبار، علاوة على الخندق الذي بلغ اتساعه 150 قدما. لا يمكن أن يسقط كل هذا في ثلاثة أشهر من الحصار .
في نهاية حكم اشور أوبالت الثاني، اتفق الميديون مع البعض من الخونة المتربصين لها، مع القبائل المجاورة،وهاجموا نينوى فسقطت عام 612 ق.م، أي بعد ثلاثة أشهر من الحصار. وهي فترة قصيرة جدا اذا قورنت بحصارات المدن في العهد القديم، والذي كان يطول لسنوات طويلة، لكن لسوء حظ الآشوريين كانت الفيضانات قد اجتاحت مدينتهم العظيمة، مما أدى الى سقوط الأسوار، وهوما ساعد الأعداء في اجتياح المدينة وغزوها من قبل الميديين. ويصف تيودور الصقلي سقوط نينوى بهذا الشكل ( إذ كما يذكر تيودور الصقلي بان الاعداء كانوا يحيطون بنينوى ) يا إلهي إذا كانت الفيضانات الهائلة تلك التي تمكنت من تدمير تلك الأسوار الهائلة بضخامتها وثباتها المحيطة بالمدينة، إذاً لما لم تجرف تلك الجيوش معها، وما سر هذه التشويهات التاريخية …………….؟؟؟؟ ويقول بان الملك لم يهتم لثقته بانتصاراته السابقة، فأقام الحفلات لجنوده وسكروا، وعرف أرباسس قائد العدو هذه الحقائق من الفارين من المدينة ( بسبب الفيضان )، فهاجمها ليلا ونجح في ذلك، وكانت خسائر الآشوريين هائلة بسبب السكر والفوضى.
وأعود ثانية وأقول ما هذا الهراء يا أصحاب الأقلام الملتوية والضمائر المهترية، هل من المعقول أن الفيضانات تضرب المدينة وأسواره، بينما عشرات الألاف من الجيش يحتفل ويسكر، لا أدري حقاً هل تسكر من مياه الفيضان أم من ينابيع خمر فجرتها تل الفيضانات، ولربما كان الأحتفال يقوم تحت تلك الأمطار الغزيرة وخلال الفيضانات التي كانت تجرفهم….!!! ما هذه الترهات والحماقات التي لا يصدقها طفل أيها الصقلي، فأنت كغيرك من الذين شوهوا وما زالوا يشوهون تاريخ أجدادنا. ويتابع الصقلي في سرده عن سقوط نينوى ويقول :
وحاول الملك جمع الشمل لكن الوقت لم يسعفه، اذ كان قد تأخر في ذلك، وكانت ثمة نبوءة عند أهل نينوى تقول : (( لا يستطيع عدو أن يأخذ نينوى أبدا الا اذا أصبح النهر عدوا للمدينة أولا ))، وفعلا لم يستطع العدو أن يخترق الأسوار لما كانت المؤونة متوفرة بالمدينة وظلت المدينة تقاوم ثلاثة أشهر. ولكن المطر نزل بشدة ففاض النهر وتهدمت أجزاء من الأسوار المنيعة، فظن الملك ان النبوءة قد تحققت، فجمع ممتلكاته ونسائه داخل القصر وأغلقه ثم أضرم فيه النار، مفضلا الانتحار مع اهل بيته على الوقوع أسرى بين يدي الأعداء،….عذراً عذراً يا تيودور الصقلي.. كيف تدعي بأن الملك أنتحر مع حاشيته، بينما هو هرب إلى جبال أشور( طوروس الحالية) وبنى له مدينة سماها عسرايا، باسم القادة العشرة الذين هربوا معه. واليوم تسمى أورفا الواقعة في تركيا، بهدف العودة وتحرير شعبه وأرضه. ولكنه لم يتمكن من ذلك بل أسس له مملكة صغيرة وعاصمتها كانت عسرايا (أورفا الحالية) وحكمت حتى بعد مجيء السيد المسيح…
ويتابع الصقلي: "واقتحم الأعداء المدينة من الجزء الذي تحطم من السور ودخلوها عنوة، وتـوج أرباسس قائد الجيش المهاجم ملكا عليها، وهكذا انهارت تلك المدينة" هه هه.. مهلاً مهلاً ..أيها الصقلي ..أليسوا في حالة حرب..؟؟! فمدينتهم محاصرة بجيوش العدو، والفيضانات تدمر أسوار مدينتهم، وهم يحتفلون ويسكرون ترحيباً بموتهم. فهل تعتقد بأنهم كانوا بتلك السذاجة والغباء، حتى يتركوا أبراج المراقبة أيضاً دون حراس ومراقبين للعدو وللفيضانات وهي تحاول النيل منهم، حتى تسلل العدو بهذه السهولة..؟؟ يا للسخرية.. لما لا تقول بأنه كانت هناك مؤامرة سخيفة من بعض حلفائهم، ومن بعض الأسرى الذين كانوا لديهم، لأن المشكلة كانت تكمن عند الأشوريين بمعاملتهم الحسنة للأسير، فإذا كان جندياً فينضم إلى الجيش، وإذا كان فلاحاً فيعطونه أرضاً… وهكذا…إنها الديمقراطية الحقيقية فبعض الشعوب لا تعي معناها وما زالت، لذلك كانت النتيجة ذات اثمان باهظة …؟؟؟؟
وعن بابل وسقوطها
كانت بابل عاصمة المملكة البابلية، عاصمة العالم وقتها، ومركزا للتجارة والثقافة والعلم، وكانت مدينة غنية ومشهورة بتجارتها مع كل دول العالم القديم، وبسبب موقعها على مجرى مائي صالح للملاحة يبعد في جزء منه مائة ميل عن البحر الأبيض المتوسط، ويصب في خليج متصل بالمحيط الهندي، ويوازيه نهر دجلة الذي كان يضارعه في الأهمية، والذي كان يمر بربوع أرض آشور الخصيبة، ويحمل خيراتها الى بابل التي كانت حلقة الوصل التجاري بين الشرق والغرب. وكانت بابل مشهورة بمبانيها، ولقد أظهرت الحفريات الكثير من النقوش التي تبين نشاط الملك العظيم نبوخذ نصر في البناء، وهناك ستة أعمدة منقوشة هي من بقايا قصور بابل (وهي موجودة حاليا في مدينة لندن، بالمملكة المتحدة)، وتظهر تعدد المباني التي أقامها نبوخذ نصر لتجميل بابل.
وقد بدأ نبوبلاصر الملك ببناء بابل ومن ثم من بعده ابنه الملك نبوخذ نصر في أواخر القرن السابع وأوائل القرن السادس قبل الميلاد، حيث بلغت بابل أوج شهرتها وعظمتها التاريخية. وبرج بابل ومنجميها وحدائقها المعلقة ومهندسيها كانوا وما زالوا يشهدون لثقافتها وحضارتها وأزدهارها، حيث كان نهر الفرات يقسم المدينة الى قسمين، وقد بقي أكثر الآثار في الجانب الشرقي من النهر. ولعل هذا بسبب ان النهر غيّر مجراه مع مرور الزمن، مخلفا ورائه بعض المستنقعات الى جهة الغرب، وقد أقامت الملكة شميرام جسورا لكبح جماح النهر، وعملت بحيرة عظيمة خارج الأسوار،. وكان الجزء الغربي من المدينة محاطاً بمستقعات كثيرة تغذيها مياه نهر الفرات، مما منع وصول الأعداء اليها من هذا الجانب.
وكانت مساحة بابل 196 ميلاً مربعاً أي أن كل ضلع من جوانبها كان 14 ميلا ومحيطها 65 ميلا، محاطة بخندق عرضه عشرة أمتار، وحولها سوران، الخارجي ارتفاعه أكثر من مائة متر (حوالي الثلاثين طابقا) وعرضه نحو ثلاثين مترا (يتسع لثماني مركبات حربية متجاورة )، وبه مائة بوابة من النحاس و250 برج مراقبة ارتفاع كل منها أكثر من ثلاثين مترا فوق السور وقد نتسائل كيف سقطت بابل في يدي الأعداء ؟وهنا نستشهد بأقوال هيرودت وزينفون : "ان الفرس حاصروها، ولكنهم وجدوا استحالة كسر أسوارها المنيعة أو اختراق أبوابها الصامدة واليقظة في كل وقت" .مؤكداً أنه كانت حركة العدو هي المراقبة فقط. وكما نعلم لكل قوة عسكرية جواسيسها لتنقل لهم أخبار أعدائهم .
إذاً السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سقطت وهي بكل هذا الجبروت والحصانة واليقظة …؟؟؟؟؟ومن كان وراء سقوطها ..؟؟
راجعت الكثير من التحاليل والاراء عن سقوطها، فكان هناك حقيقة واحدة تكمن وراء هذا السقوط وهي الخيانة، والتي كان رأسها النبي دانيال الذي أكرمه الملك بمنصب نائبه، هذا المنصب المهم الذي كان يحل في المرتبة الثانية في المملكة، ودانيال هذا أجنبي، نعم رجل أجنبي يحل بالمرتبة الثانية في المملكة ( نائب للملك ) ياللديمقراطية، ولربما هذه كانت دكتاتورية شعبنا البابلي الاشوري كما يدعي البعض من المتربصين بنا، فدانيال كانت خيانته لمن أكرموه، فتعاون مع بعض رجال الدين، ليصبحوا جميعاً عملاء للعدوة التي تدعى فارس، مما أدى إلى سقوط المدينة، ومقابل هذه الخيانة كانت إعادة الممتلكات اليهودية من بابل إلى أورشليم، كما ساهموا الميديون في ترميمها، ومن المؤكد كان لسقوط نينوى أيضاً خائن مماثل من أجداد ذاك الذي كان يدعي النبوءة وهو خائن ومجرم. ومن الماضي الى الحاضر من سقوط نينوى 612 ق.م وبابل 539 ق.م إلى سقوط حفيدتهم بغداد 2003 م هل السبب الخيانة ذاتها ومن العدو ذاته، أم أصحاب الضمائر الميتة ما زالوا يشوهون الحقائق بأقلامهم الملتوية وضمائرهم المهترئة، والتي أصبحت تباع بأرخص الأثمان …؟؟؟أجل الكل أصبح يدرك من كان وراء سقوط بابل الحديثة ( بغداد) لانهم عشعشوا شمالها منذ عقود فائتة، يخططون مع إخوتهم أحفاد فارس.
عزيزي القارئ كما ترى العدو الذي يتربص بنا منذ ألاف السنين، هو ذاته لا يعشق شيئاً سوى الخراب والدمار، أنه متعطش لدمائنا مهما شرب منها ولن يشفى غليله أبداً، والسبب في ذلك لأنه يفتقد لما نملك من أصول عريقة وتاريخ وحضارة تفتخر بها كل الشعوب والأمم، وكلما ظن بأنه مزق أصالتنا ودمر تراثنا وشوه وزور تاريخنا لصالحه، نعود من حيث لا يدري ونبني ونصرخ بوجهه: _ ها نحن عدنا بأصالتنا وتاريخنا وحضارتنا التي حفرت على الصخور بأنامل أجدادنا منذ ألاف السنين… ها هي أرض أشور ( بلاد الرافدين ) تصرخ بوجهكم تطاردكم بأصالتها وحضارتها وتاريخها أينما كنتم، وسيعود مجد بابل ونينوى وبابل الحديثة ( بغداد ) اليوم أو غداً، وما محلكم إلا مزبلة التاريخ .