أشور العراقي
++ جميع الشعوب المتطورة تقوم بالانتخابات لخلق نظام ديمقراطي لشعوبها، كي تعيش هذه الشعوب حياة حرة وكريمة، أما نحن في الشرق الأوسط عامة، فنقوم بالانتخابات لنتظاهر أمام العالم بأننا نسعى لخلق الديمقراطية، ولكن هدفنا عكس ذلك تماماً، بل إننا نشوه تلك الحقيقة ونقوم بتلك الانتخابات ليس لنأتي لشعوبنا بأنظمة ديمقراطية كغيرنا، ولا حتى بالدكتاتورية لإنها موجودة والحمد لله، بل لنحافظ على هذه الدكتاتورية ونرممها من كل الجهات، حتى لا تجد الحرية سبيلاً لها يوماً، لأنها من المحظورات في مجتمعاتنا، ربما الشعوب هذه لا تعرف قيمة هذه الدكتاتورية، إنما نحن الحكام والمسؤولين في مؤسسات الدول هذه، فندرك خطرها علينا، إذ أنها الوباء القاتل عندما تتذوقه الشعوب، لإنها تسبب الإدمان لها، وتبدأ بنخر صنم العبودية وكسر هاجس الخوف داخلهم، وضرب كل ركائز الدكتاتورية حتى يتحرروا من قيودهم التي كبلت أطرافهم وخنقت أعناقهم .
وفي العراق خاصة، عندنا حالة استثنائية، ذلك أننا أول من أوجد الشريعة وعرف الحرية منذ آلاف السنين، لهذا أكرمنا هذا العراق بكل ما أمكن لدينا ومنذ عقود، بل قرون تلت، فكسرنا تلك العجلة التي اخترعها أجدادنا منذ ألاف السنين، والتي كانت رمز التطور والازدهار، وما زالت محفورة في ضمائر الشعوب. وكذلك باركنا العراق وكافأناه بعمالتنا وعنصريتنا وجهلنا، ولوثنا أسمه وتربته المقدسة، وقدمنا أثمانهم أرواح ودماء أكبادنا لنحيا أحرار كباقي الأمم. ولذلك عوضاً عن أسم العراقي التاريخي بلاد الرافدين ( بلاد أشور العظيمة ) علينا اليوم أن نسميه بلاد الشهداء والأرامل والأيتام، وعراق التخلف، علينا ذلك الآن خاصة هذه الأيام، ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين، ونقوم بالانتخابات من أجل ليس الديمقراطية التي لا مكان لها بيننا، إنما كي نجلب لشعوبنا وباء العنصرية والطائفية والحزبوية والدكتاتورية والجهل والتخلف، ليتناحروا فيما بينهم، وكي نتمكن من فرض سلطتنا عليهم وسلب إرادتهم، وأيضاً لنميزهم عن المخلوقات الأخرى .
هذا هو حال عراقنا، بلاد الرافدين التي كانت تفتخر بها كل الأمم، أما الآن فأصبحت سخرية كل الشعوب والأمم. هذا حال عراقنا الجديد الذي نفتخر به، وطن ذات سيادة.. ونعم السيادة.. حر أبي لا ينحني ولا ينكسر، صامد ثابت بقراراته.. يتشرف الجميع بمواقفه… إنما هو الآن مستعمر، ويحكم بعصابات صفوية وصهيوطرزانية، وبقرارات أخرى تأتينا من أبعد القارات، أما سيادتنا..؟ فلا نستطيع فرضها حتى على نسائنا، بل نفرضها فقط على البسطاء من شعبنا، الذين لا يدركون الحقيقة، وهذه هي حال سيادتنا التي نتناحر عليها.
وعن مؤسسة الجيش، فعلينا أن نفتخر ونتباهى، لأننا نملك جيشاً عظيماً، يعاصر التكنولوجيان، ويتسلح بأحدث الأسلحة، لكنها مستهلكة ومتهرئة ولبداية القرن المنصرم، ويقاد أيضاً من بعض القادة الأجيرة والدخيلة والمرتزقة، أما حدودنا فمسيطر عليها والحمد لله، لأنها محمية بقوات عميلة ومرتزقة وأجنبية، حتى لا تحرم كل من يريد أن يتطاول علينا العبور والخروج، ووحدتنا الله أكبر.. متينة.. ومتماسكة.. لا مثيل لها في كل الأمم، لأننا موحدون على الطائفية والعنصرية والحزبوية، وبدل وحدة واحدة أصبح لنا وحدات كثيرة.. منها شمالية.. وجنوبية.. ووسطى.. وغربية.. سنية.. وشيعية… وغيرها، لأننا انشغلنا بالتناحر والإرهاب والترهيب فيما بيننا، فتركنا حدودنا مفتوحة أمام من هب ودب، من الاستخبارات الإقليمية والدولية، والتنظيمات السرية والعلنية، من الموساد والقاعدة والإرهابيين بكل أشكالهم، أعطيناهم نصيبهم من ثرواتنا ودمائنا، و قلنا للجميع تفضلوا وصفوا حساباتكم لدينا، فالأجواء ضبابية، والرؤية غير واضحة، فمارسوا عملياتكم الإجرامية والانتقامية بكل حرية، لإننا نحن أصحاب الوطن أصبحنا دخلاء ولاجئين في بلدنا، و غرباء في أرضنا.
وكما تشاهدون.. أصبح كل من يزور العراق الجديد، يأخذ ما يشاء من تاريخه، ويحيك لنفسه أسطورة في ظلمة الليالي.. ليخلق لنفسه شيئاً من لا شيء.. ليبني مملكته و إمبراطوريته من وهم نصره ..وأصبح أبنا العراق الجديد في خبر كان.. فهذا يقصي ذاك.. وذاك يكفّر الأخر.. وأولئك يغتالون ويعتقلون ويغتصبون الأرض والعرض.. أليست هذه من سمات الكرم والديمقراطية المستوردة إلينا، عوضاً عن التكنولوجية والعلم والمعرفة التي تتمتع بها الشعوب في هذا العصر..؟
أجل نحن من يرثى لحالنا، إذ لا نشاهد سوى الدمار والخراب، والجثث المتراكمة في الشوارع والساحات، ونرى القصف وتدمير البيوت فوق أصحابها. وكل هذا أمام أنظار وأسماع القوة السياسية والحكومية والأمريكية، دون أن يحركوا ساكناً.. ربما لأنها تخدم مصالحهم وأجندتهم التي غزونا من أجلها..؟
نعم..العراق يحكم من القوى الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المسيطرة على كل مؤسسات الدولة العراقية، ولا يستطيع أياً كان أن يحرك ساكناً في المنطقة السوداء أو الصفراء، إلا بأوامر من القائد العام للقوات الأمريكية في العراق راي أوديرنو، الذي يعمل من أجل تحقيق كل الأجندة الأمريكية، وهذا ما يجعلنا نعيد النظر ببعض الأحداث والتصريحات التي يصرحون بها، أمثال راي أوديرنو وديفيد بترايوس وغيرهم.. بخصوص هيئة المساءلة والعدالة، وارتباطها بالحرس الثوري الإيراني، وخاصة علاقة الجلبي واللامي بإيران.. وهو ما تؤكده أخبارهم الاستخباراتية.. أجل الكل يدرك بأن إيران لها أجندة في العراق، وتعمل مع عملائها على تحقيقها، ولكن حتى الآن لا نلتمس أي ردة فعل من الأمريكان للحد من هذا النشاط الإيراني، وما التصريحات إلا لذر الرماد في العيون.. وربما نتيجتها تدهور الأوضاع بين إيران وأمريكا هذه الأيام كما يحاولون أن يوهمونا بتلميحاتهم.. كالغارة الجوية وغيرها من الأساليب الدعائية، ومقولات الحصار وفرض العقوبات، وشد الحبل على رقاب المسؤولين في طهران، والكثير من التهديد والوعيد، وكثرة الزيارات المكوكية إلى المنطقة لإقناع دول المنطقة، وتحذيرهم من الخطر الذي تشكله إيران عليها.. هذا كله لابتزاز دول المنطقة كي تحصل أمريكا على الكثير من التنازلات التي تطمح بها، وتفرض سيطرتها بشكل أكبر على منابع النفط والغاز، وبذلك تكون قد حققت أجندتها التي تطمح لها في المنطقة، أما محلياً على الساحة العراقية وهنا السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانوا هم من يسيطروا ويتحكموا بكل صغيرة وكبيرة في العراق، فلماذا لا يعتقلون هؤلاء العملاء لإيران أمثال الجلبي واللامي، وكل العملاء والمجرمين المتواجدين على الساحة العراقية، وهل حقاً الجلبي واللامي وحدهم عملاء لإيران فقط.؟؟ وماذا عن نوري المالكي وأتباعه والصدر وأعوانه، والحكيم وحاشيته، وطالباني وعصاباته، وغيرهم الكثير الكثير..؟؟
وهناك من يؤكد بأن إيران تعمل على تصفية جميع المرشحين الذين يعارضون توجهاتها، وإن القوات الأمريكية يحلوا لها هذا الأمر. والنقطة الأخرى التي يجب أن نبحث فيها ألا وهي مصلحة من كانت وراء الأبعاد والإقصاء والاجتثاث بمسمياتها المختلفة، ومن كان وراء إصدار قرار إبعاد صالح المطلك من الانتخابات القادمة على سبيل المثال لا الحصر، والمطلك من شارك بصياغة الدستور، وما زال يعمل في البرلمان حتى الآن، وتأكد لهم بان ليس له أية علاقة بالبعث، بل أن القرار صدر بعد مذكرة رسمية من الأكراد، وهو ما يؤكد التحالف الكردي الشيعي باجتثاث كل من سيشكل خطراً عليهم في الانتخابات القادمة.. وهذا يعني أيضاً بأن الأمريكان متورطين معهم، ويلعبون لعبة خبيثة… أليسوا الأكراد عملاءهم وأتباعهم في العراق، وهل يحركوا ساكناً إلا بأوامرهم..؟؟ فما ذا يعني هذا..؟؟ وما هذه الازدواجية عند الأمريكان..؟؟
ولقد شاهدنا تفجيراتهم لكل تلك القنابل، واغتيالاتهم واعتقالاتهم وتهجيرهم للكثير من الشخصيات السياسية منها، والأكاديمية قبل تلك الانتخابات الماضية، حتى يتمكنوا بواسطة عملائهم من أدارة تلك المعركة الانتخابية على أساس سني وشيعي، و الآن على ما يبدو.. يحاولون أن يفجروا قنبلة أخرى، ولكنها من وزن ثقيل، وذلك كي تثار المعركة الانتخابية على أساس عراقي وبعثي، والأكراد فقط كردي، وعلى هذا الأساس تعمل بعض القوة الطائفية والعنصرية من الشيعة ومن الأكراد، حتى يتم اجتثاث كل من يشكل قوة تنافسية، وكل من يشكل عليهم خطراً عليهم، وهنا تكمن المشكلة، بل من هنا ستتفجر القنبلة الجديدة على الشعب العراقي البريء، بإثارة نعرة طائفية أخرى، حتى ترتفع وتيرة العنف بين القوائم والشخصيات المتنافسة، وبمساعدة بعض المتفجرات هنا وهناك.. وعندها سيتدهور الوضع الأمني والسياسي في العراق ثانية، بعد تحسن نسبي، وستكون الحجة الأمريكية جاهزة لتتراجع عن قراراتها بخصوص الانسحاب، وهذا التصريح الذي صدر من راي أوديرنو 22.02 . يؤكد كلامنا .
قال راي أوديرنو القائد العام للقوات الأمريكية في العراق إنه قد يتقرر تأجيل مواعيد انسحاب القوات القتالية من العراق في حال تدهور الوضع السياسي في البلاد إثر الانتخابات التشريعية.) وأوضح أوديرنو أنه عرض على المسؤولين في واشنطن خطة بديلة يتم بموجبها تغيير جدول انسحاب قوات القتالية الأمريكية من العراق على ضوء ما سيستجدّ من أوضاع إثر الانتخابات، مضيفا أن الموعد المقرر لانسحاب هذه القوات مع نهاية شهر أغسطس/آب المقبل قد يتم تغييره إذا فشل العراقيون في تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المقبلة ).
إذاً علينا أن نتأكد من أن هذه هي الأيديولوجية التي تعمل عليها أمريكا مع أعوانها في العراق حتى تتمكن من تحقيق كل أجندتها على أرض الواقع، وتقسيم العراق إلى شيعستان الجنوب وكردستان الشمال وعربستان الوسط، وربما هناك تقسيمات أخرى سنشاهدها في المستقبل القريب لا سمح الله، وأهمها بناء قواعدها العسكرية على أرض الرافدين ليبقى تحت السيطرة، فأين الدول العربية والقوى السياسية العراقية وكل من يهمه أمر العراق من كل هذا.
– 25 شباط 2010م