الرئيسية / مقالات حول العراق / الكلدان والاشوريون والسريان قومية واحدة لا ثلاث
غسان شذايا مؤسس المجلس القومي الكلداني

الكلدان والاشوريون والسريان قومية واحدة لا ثلاث

غسان شذايا*

++ يجري خلال الاسابيع القليلة الماضية نقاش حاد حول الصيغة النهائية لتسمية شعبنا في دستور كردستان والخلاف هو حول وضع الواو او رفعها عند الاشارة الى الكلدان السريان الاشوريون.

خلال الفترة التحضيرية لاحصاء سنة 2000 للسكان في اميركا وكوني احد اعضاء اللجنة الاستشارية لمكتب الاحصاء الامريكي قمت مع مجموعة من ممثلي الكلدان والاشوريين في اميركا بتبني مصطلح الاشوري/الكلداني/السرياني لجميع ابناء هذه الأمة الوحدة وتوثيقه في نيسان 1999 كمصطلح نهائي غير قابل للتغيير في جميع احصاءات اميركا القادمة ومنها احصاء 2010 القادم. المؤسف بين احداث عام 1999 و 2009 الحالية ان المعارضين لصيغة أحصاء امريكا كانوا جميعا من المتطرفين الاشوريين وحماتهم من ملالي الكنيسة الاشورية بينما اليوم في عام 2009 فأن المعارضين للمصطلح التوحيدي – كلداني سرياني اشوري – هم ملالي الكلدان ومجموعة من مثقفيهم الذين يخشون ان تقوم القوى السياسية الاشورية بأستخدام هذا المطلح الجامع لمصالحها الخاصة.

في عام 1999 اعتبر المتطرفون الاشوريون ان اضافة اسم الكلدان هو اهانة وانتكاسة كبيرة لأمتهم الاشورية. في حينها لم يكن هناك فرد اسمه سركيس اغاجان قد سمعنا به ويدعي النضال بأسم ابناء هذه الأمة وفي حينها اصيب يونادم كنا وتنظيمه الاشوري –الحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا)- بصدمة صاعقة حين سمع بالأخبار من خلال الانترنيت وبعد بيانات اولية معادية لقرار المصطلح الجامع المشترك قرر يونادم كنا وزبانيته القيام بحملة هوجاء على جميع القوميين الكلدان واتهامهم بمعاداة الوحدة القومية وغيرها من الاكاذيب وبعد سقوط النظام البعثي قررت زوعا أستخدام تجربة امريكا واستنساخها في العراق من خلال أخراج مسرحية الكلدوآشوري والتي كانت مناورة واضحة لتمييع المد القومي بين الكلدان.

هذه لمحة مختصرة لحدثين مهمين ومتشابهين من تاريخ هذه الأمة التي تعيش مرحلة ضمور وانحسار هائلين قد يؤدي خلال ال 50-100 سنة قادمة الى انقراضها وبشكل نهائي. انه ومن المحزن ان يتبادل بعض القوميين الكلدان اليوم مواقع المتطرفين الاشوريين في عام 1999 بينما يحتل انتهازيي الامس الاشوريين مواقع الوحدويين المخلصين في حينها. وكذلك يتبادل ملالي الكنيستين الشقيقتين الاشورية والكلدانية مواقع احدهما الاخر في لعبة خبيثة هدفها عدم اللقاء والاتفاق على اي شئ يخدم ابناء هذه الامة الضعيفة والمتشرذمة . بل في الاستمرار في مواقف متتالية جبانة وانبطاحية لبعض ملالي النجف ومليشياتهم ومتوسلة والمدعاة للشفقة من القاعدة ومجرميها من ائمة جوامع الموت والكراهية، هذا في حين يستأسد وبشكل عجيب وغريب هؤلاء القساوسة احدهم على الاخر ويتنافسون في اظهار قدرات احدهم على الاخر ومهاراتهم في تقديم ذلك البيدق الحزبي ليتهجم على ذلك الموقف وتحفيز ذلك الانتهازي ليعارض مسألة الحكم الذاتي.

التأريخ لايرحم وعبره وتجاربه تقول ان البقاء هو للاقوى وللشجاع والمقاتل في سبيل حقوقه والموحد لقواه والاهم من هذا وذاك من له الاحساس المفرط بذاته وهيبتها وايمانه الراسخ بقدراته على الدفاع عنها ومعاقبة كل من تسول نفسه ان يهينها. اذا فقدت الامة احترامها لنفسها وقبلت الاهانة تلو الاخرى من هذا الارهابي الاسلامي او ذلك السارق لأراضيها واموال ابنائها والمغتصب لنسائها .. اذا برر قساوسة الكنيسة هذه الاعمال الاجرامية على كونها "مشيئة الله" فما بالهم يكشرون عن انيابهم ويصدرون بيانات الشجب والاستنكار ضد ابناء امتهم الذين يطالبون بتوحيد التسمية السياسية التي وافقوا عليها سابقا والتي سيصوتون تحت بندها العام المقبل في اميركا؟ هناك البعض الذي ينشر المقالات ويدعي وجود "قومية" كلدانية واخرى اشورية وغيرها من الخزعبلات اللغوية من دون اي اعتبار لماهية مقومات القومية كما يعرفها علماء الاجتماع والانثربولوجيا وهي: اللغة المشتركة، التاريخ المشترك، الثقافة المشتركة من عادات وتقاليد وقيم، واخيرا الدين المشترك كما هو حالة شعبنا ولما يلعبه الدين من دور هائل في ظل سيطرة الاسلام السياسية على مقومات الحياة في منطقتنا الشرق اوسطية ومنذ احتلال العرب الاستيطاني لبلاد الرافدين في القرن السابع الميلادي وتغيير تركيبته السكانية من خلال الهجرات العربية المتتالية من العربية السعودية والتي استمرت منذ ذلك الحين ولنهاية القرن التاسع عشر بل ولاتزال من خلال استيطان الملايين من المصريين في فترة صدام حسين وبقاء عدة مئات الالوف منهم ولحد اليوم.

سؤالي لمنظري "القوميات المختلفة" من قساوسة واتباعهم ما هي اوجه الخلاف "القومي" بين اتباع الكنيسة الكلدانية واخوتهم اتباع الكنيسة الاشورية؟ اذا كانت المسالة ان احدهم يتبع روما والاخر لا يتبعها فهنا داء المشكلة ومأساتها بل كوميدتيتها التراجيدية.

ففي عصر القرن الواحد والعشرين اصبحت كل كنيسة تكون "قومية" خاصة بها حفاظا على وجودها ومركز قساوستها. وبما ان الكلام عن روما فانا اسئل كمثقف كلداني مالذي جناه سيادة البطريرك دلي عندما قبل منصب الكردينال من روما هذا المنصب الشرفي الذي لا يسمح له حتى التصويت من خلاله على البابا القادم كحال بقية الكاردينالات؟ بل ماذا يعني ان يبيع حفيد بطاركة كنيسة المشرق العظام الفين سنة من سجل هؤلاء العظام بهذا الثمن البخس ليقول للجميع ان مركز جميع هؤلاء البطاركة ليس فقط اقل من بابا روما بل حتى اقل من منصب الكاردينال وبالتالي فقد تمت "ترقية" البطريرك ليصبح "كاردينالا".. يا للعيب .. بطاركة عظام جلسوا على كرسي كنيسة المشرق التي كانت في فترة من تأريخها اعظم من روما وتضم اكثر من 50 مليون مؤمن يباعون في سوق النخاسة لكنيسة روما التي اصدرت المئات من الفرمانت لتجعل من هذا وذاك قديسا ولكنها ترفض ولحد اليوم ان تضع ولو شهيدا واحدا من كنيسة الشهداء قديسا لها.

بل لا تزال ترفض الاعتراف بالجرائم العديدة التي ادت الى قتل الالوف وتشريد الوف اخرى من ابناء شعبنا والتي قام بها مبشريها الكاثوليك ضد اجدادنا والاعتذار لشعبنا لتلك الجرائم اسوة بالاعتذارات المتتالية لهذه الجهة او تلك التي دأب عليها بابوات روما في الفترة الاخيرة. ولكن كما قلت سابقا اذا كان قادة الأمة لا يملكون الاحساس بذاتهم والاعتداد بالنفس واحترام وتقديس تأريخ شعبهم وتضحياته ورفض الذل ومقاومة المعتدي فلا اتصور ان روما او عصابات الشيعة او القاعدة ستقوم من جانبها بتقدير هذ االشعب ولكن وبالتاكيد قد تحافظ على حياة البعض شفقة وعطفا عليهم وتعطي للبعض الاخر القاب فارغة مقابل ثمن باهض.

لنرجع الى امتنا المهزومة بانشقاقات ابنائها وفقر وعقم افكار المؤتمرين على احوالها واقول شعبنا الاشوري الكلداني البابلي كان ومنذ الازل يعلم بكونه ابناء امة واحدة قسمته الصراعات الدينية ولكن حتى الملك الاشوري العظيم سنحاريب قتل من قبل اولاده الثلاث (احدهم هو اشور بانيبال عظيم ملوك آشور) لأنه تجرأ وحرق بابل المقدسة لما شعر به ابناء اشور من غضب الاله عليهم لأن بابل كانت وبرغم جميع الصراعات والحروب مدينتهم المقدسة ان كانوا بابليين او اشوريين وبهذا العمل اثبتوا ان صراع السلطة والمراكز لم يستطع الغاء عامل الارتباط الثقافي والديني واللغوي المشترك مع اخوتهم البابليين. ان العمل على تثبيت اسماء قوميتنا الواحدة في دستور كردستان بتلك المرتبطة بكنائسنا الثلاث المختلفة مسألة مرفوضة جملة وتفصيلا وتدل على قصر نظر في فهم العملية السياسية وكيفية مجابهة استحواذ القوى الاشورية على المسألة القومية لشعبنا.

هناك فرق بين ان يسجل ابناء شعبنا ك – كلدان سريان اشوريين – في دستور كردستان عند الاشارة الى التركيبة القومية لسكان كردستان و ان يسجلوا باضافة حرف الواو لتعطي الانطباع بوجود ثلاث قوميات مختلفة. الدستور وثيقة تأريخية لايجب ان يتلاعب بها مهما كانت احتجاجاتنا نحن الكلدان على امكانيات وقدرات الاحزاب الاشورية في الهيمنة على قضايا شعبنا. هذا الاحتجاج يجب ان لا يكون من خلال العمل على اختراع "قومية " خاصة بنا حتى "نتخلص من هذه الهيمنة الاشورية". من اجل مجابهة هذه الهيمنة يتطلب العمل الثابت والمخلص وبخطة واضحة بعيدة عن هيمنة قساوسة الكنيسة الكلدانية الذين اثبتت الايام ان "شعورهم القومي الكلداني" يتفتق فقط عند الكلام عن الاشوريين وبالصراع معهم او ضدهم. اما في المحافل العربية والدولية فقساوستنا قل ما يتذكروا القومية الكلدانية وان ذكروها فهي اما ك "مسيحيي العراق" او "طائفة".

الحقيقة المرة ان الكنيسة الكلدانية قد وقفت ضد جميع طموحات شعبنا المشروعة في الحصول على منطقة امنة في سهل نينوى او منطقة الحكم الذاتي وفي موقف متخاذل وانهزامي واضح امام اعتراضات ملالي وحكام العراق الاسلامويين. بل اصطف بطريرك الكنيسة الكلدانية مع عراب الانتهازية الاشورية يونادم كنا ضد خطة الرئيس بوش بأقامة منطقة امنة لمسيحيي العراق في عام 2004 يتم حراستها وتأمينها بقوة الجيش الاميركي وضمانته وبهذا الموقف اضاعوا فرصة تأريخية لا تعوض. بل المأساة ان هذا الموقف المتخاذل والانبطاحي لم يشفع لهما بالحفاظ على دماء الابرياء من ابناء شعبنا من وحوش وبرابرة التطرف الاسلامي فقتل من قتل وحرقت تلك الكنيسة وذلك القسيس. في حين كنا نستطيع جمع ابناء شعبنا في منطقة سهل نينوى تحت حماية اميركا وانا متأكد اننا كنا اليوم قد خطونا اشواطا في طريق الوحدة القومية ولكن مع الاسف ولحد اليوم لم يتعظ احد بمصائب الأمس القريب ومقتل المئات وهجرة نصف شعبنا من ارض اجداده.

في النهاية يجب العمل على توحيد تسمية الامة الواحدة في الوثيقة التشريعية – دستور كردستان – ومن دون الواو المفرقة. الكلدان/السريان /الاشوريون قومية واحدة لا ثلاث. كفى اختراع قوميات كنسية . رحمة بهذا الشعب الضعيف والمغلوب على امره . لا تكونوا خرافا للاخرين واسودا على ابناء جلدتكم فهذا الشعب في طريقه للزوال والانقراض اذا لا يتم توحيد الجهود كأمة واحدة ويد واحدة.

نتصارع في الافكار والأراء .. نعم..
ان نكون شعب ضعيف صغير العدد وكثير الانشقاقات والصراعات .. لا..
كفى ان نكون سخرية للاخرين.

* غسان شذايا
مؤسس المجلس القومي الكلداني

 

شاهد أيضاً

قراءة هادئة لدعوة البارزاني والطالباني ومستقبل شعبنا في وطنه

ماجد ايشـو كتابات ++ كان لدعوة البارزاني بعد مذبحة كنيسة سيدة النجاة في بغداد ليلة …