التقيت بجارتي بعد سنوات في منزل صديقتنا، وبعد أن رحبنا ببعضنا بالقبل والسلام والمسايرات، بدأ شريط الذكريات يمر بخاطرنا. هل تتذكرين..؟.
أجبتها: نعم أتذكر.. أتذكر عندما كنا نجتمع سوية أمام منزلنا لنسهر ونتسامر على قصص وظرائف جميلة، وأحياناً كنا نناقش بأمور ومشاكل جدية تحدث لنا..
وهل تتذكرين أيضاً: كيف كنا نطلب من أطفالنا ليلعبوا بعيداً عنا لنتابع حديثنا الشيق، وخاصةً تلك الأحاديث التي كنت تتكلمين فيها عن الآشوريين والسريان والكلدان بأنهم شعب واحد وأصيل بالمنطقة.. و..
تفضلا القهوة.. قاطعت صديقتنا الحديث بصوت غاضب قليلاً ثم تابعت قائلة: كفوا عن ذكرياتكم ودعونا نتكلم عن حياتنا الحالية وآمالنا المستقبلية، فقد مر زمن طويل جداً انقطعت فيه أخبارنا عن بعضنا البعض.
الحق معك.. أجبناها سوية. ثم ساد الصمت للحظات ونحن نشرب القهوة. وهنا خطر لي أن أسأل جارتي عن بناتها قائلةً: هل أنهيا دراستهما؟.. وماذا تعملان الآن؟..
أجابتني بهدوء: الحمد لله أن الكبيرة تخرجت من كلية الحقوق بلبنان وستتابع دراستها العليا ماجستير ثم دكتوراه. والأخرى الأصغر منها سناً هي على أبواب التخرج بقسم إدارة الأعمال وقد خطبت منذ أسبوعين لشاب صيدلي من جيلها، وشكله جميل ومن عائلة جيدة، ولكن..
ولكن ماذا؟.. سألتها باستغراب!..
ردت وعلامة عدم الارتياح على وجهها:: لكنه من لبنان وموراني أيضاً.
ضحكت وقلت لها: لما هذا الحزن.. ولما هذه الغيمة على وجهك؟!. لبنان وطننا، ومعظم مناطقها وقراها وأحيائها تنطق باسمنا.
استغربت الجارة وقالت مستفسرة: كيف؟ أرجو أن تشرحي لي أكثر.
أجبتها: عندك مثلاً شتورة هو اسم سرياني مشتق من ريش طورا ومعناه بالعربية رأس الجبل. وعندك أيضاً عين طورا أي عين الجبل. وزغرتا أي صغيرة.. وغيرها..
وهناك أسماء كثيرة لقرى لبنانية كـ (حاصبيا، وراشيا.. إلى أخره من الأسماء وكلها سريانية الأصل ولكن باللهجة الشرقية.
هنا شاركتنا الحوار صديقتنا صاحبة المنزل بقولها: ربما معك حق. فلقد سمعت أن القداس والتراتيل في الكنيسة المارونية ترتل باللغة السريانية بالإضافة للغة العربية.
أجبتها: نعم هذا صحيح.. وهذا يدل أيضاً على أن الموارنة هم شعب سرياني أصيل، أنشئوا كنيستهم منذ القرن الخامس عشر أو السادس عشر على ما اعتقد، نسبة لمار مارون واصبحوا يدعون بالسريان الموارنة، ومع الأيام بقيت تدعى الكنيسة المارونية.
ارتاحت جارتي لهذه المعلومات وشكرتني على إيضاح بعض الأمور التي كانت تقلقها بشأن ابنتها المخطوبة. وبدوري ودعتها.. وودعت صديقتنا على أمل اللقاء بأقرب فرصة ممكنة متمنية لهم التوفيق وحياة سعيدة لأولادهم مع شركاء مناسبين لهم ولأخلاقهم، ولقيمهم الاجتماعية والوطنية والقومية.