القلق قديم قدم الإنسان والكثير من الناس لا يعرفون إن ما يشعرون به من عدم الارتياح والانفعال، والضيق، وحدّة الطبع، هو نتيجة القلق.. على الرغم من أن علاماته لا تخفى وإن اختلفت درجاته.. وهو حالة تصيب الجميع دون استثناء، مهما كان العمر والجنس أو الحالة الاجتماعية.
فما هو القلق؟
هو الانفعال الذي يشعر به المرء عندما يرى نفسه محاصراً في ركن ضيق فيشعر بأنه مهدد على الرغم من أن مصدر التهديد ليس دائماً.. فالشعور بالخطر مرتبط بالشعور بالخوف والانفعالات المتماثلة..
فمثلاً نلاحظه عند رجل الأعمال المنهمك بمنافسة ذوي مهنته، والتلميذ الذي يدرس لإرضاء والديه، والإنسان الذي يصيبه مرض.. والفتاة التي خابت في زواجها فتبددت أحلامها.. وقلق الأب أو الأم على مصير الأسرة. فمما لا شك فيه أن مصدر القلق هو الإنسان نفسه، وتفكيره، ووعيه ومدى تحليله لحياته ووجوده. وهو أمر نسبي بين الناس ويحدث بدرجات متفاوتة، يعود ذلك إلى تكوين الشخص نفسه ومدى قدرته على التحمل ومواجهة ما يحيط به وله أنواع منها:
1 ـ القلق العادي الموضوعي: الذي ينبع من الواقع من ظروف الحياة اليومية، ويمكن معرفة مصدره وحصر مسبباته، وينتج عن أسباب خارجية واقعية معقولة، وهو مفيد للمرء لأنه يجعله أكثر انتباهاً واستعداداً لمواجهة الظروف الطارئة والأمور التي تهدد سلامته وأمنه وهو يتمثل نيله المشاعر والأحاسيس التي تنتاب الإنسان عندما يتوقع حدوث مكروه يهدد شخصاً عزيزاً إذا ما أقدم على عمل جراحي، أو ذهابه إلى الجيش.. فكل هذه الأمور تساعدنا على تقدير المواقف التي تمر وتدفعنا إلى تخطيها.
2 ـ القلق المرضي: وهو الذي يلازم الشخص مدة طويلة أو طوال حياته ويصعب تحديده ويمكن الاستدلال عليه من سلوك صاحبه.. لأنه قلق داخلي غامض، غير محدد المعالم وتتفاوت درجاته من شخص لآخر وفيها يجهل المريض مصادر قلقه.. وتصرفاته تكون لا عقلانية يشوبها الكثير من الفوضى والانفعال واتخاذ القرار المناسب والشك في كل خطوة يخطوها..
ويلاحظ القلق على المر بتوتره ورعشة الأطراف واختلاف التنفس وطريقة الكلام والوقوف وحركة اليدين وردود أفعال أخرى..
فالقلق مثلما ذكرنا سابقاً هو شعور بالخطر ومن الضروري معرفة مدى الخطر وعمقه وتهديده لكيان الإنسان، فإذا كان ذلك نتيجة الإحساس بخطر سطحي فإن ذلك يساعد صاحبه ويحفزه على حسن الأداء. أما إذا كان ناجماً عن خطر محدق يهدد كيان الإنسان وهو يتنامى مع التفكير ويؤدي إلى ضعف في دقة العمل وحسن الأداء.. فيه دافع لا يستهان به. إما أن يدفع صاحبه للإنتاج والإبداع أو أن يضعف نشاطه.
الكل يشعر بالقلق وأحياناً بالتعاسة إذا كنا مهددين بمرض خطير، أو فقدان وظيفة أو الفشل باختيارات أو خلافات ومشاحنات وما إلى ذلك من ظروف تعترضنا..
ولعل ما يقلقنا أكثر من غيره هو القلق على شعبنا وتراثنا ولغتنا والذي غرس في النفوس أباً عن جد وهو الخوف من الماضي وما عاناه الأجداد من حروب وفرمانات جعلته لا يشعر بأمن أو استقرار فعاش حياته مهاجراً من مكان لآخر وهو مرض عضال وإحساس فير قادرين على التخلص منه.
إذن فالهدف الأساسي هو كيفية التعامل معه والتغلب عليه ومواجهة الشدة.. وهناك مقولة تقول: إن ما يحدث لك ليس هو المهم وإن ما يهم كيفية مواجهتك له فيجب معالجة القلق بالبحث عن الحقائق وعندما تتأكد من صحتها تتخذ القرار. فالمهم هو تحديد المشكلة.. سبب المشكلة. وكثيراً ما يفيدنا القلق فلا يجدر بنا أن نلغيه وإنما نضعه في منظوره الصحيح ومناقشة مشكلاتنا مع الآخرين لاقتراح الحلول الملائمة..وعندما لا يجدي ذلك علينا أن إلى طرق العلاج السلوكي حيث نحاول إزالة المخاوف والوساوس..
ولعل أهم ما نقدم عليه هو معالجة الأمور مع أولادنا ومناقشة كل ما يتخوفون منه وعدم الضغط عليهم من أمور تمس حياتهم الشخصية فتكون أكبر من طاقتهم كالدراسة فلا نضغط عليهم ولا نجبرهم على نتائج ترضينا على حسابهم. فليس من الضرورة أن يكون أولادنا كلهم أطباء ومهندسين.. لئلا يتحولوا إلى آلة ترضينا وتحقق رغباتنا ولئلا نساهم في زرع القلق في نفوسهم وسيخيم على حياتهم ويجعل لهم شخصية غير متوازنة، فلندع لهم حرية الاختيار والتعبير ليبدع كل في مجال عمله ويساهم في رفع شأن الأمة ويرقى بها في مختلف المجالات..
فما على الأهل إلا أن يحسنوا تربية أولادهم لخلق جيل ناجح سوي واثق من نفسه، قادر على اتخاذ القرار الذي يخصه بنفسه دون الاعتماد على أحد فيكون بذلك قد أنقذه من الضياع والتشتت، وهذا لا يعني أن نبتعد عنهم ونقف على الحياد، وإنما يجب مناقشتهم في مشاكلهم وهمومهم ونساهم في الحل.. فنفرح لأفراحهم ونحزن لأحزانهم.. ونكون بمثابة نور يضيء الدرب أمامهم ويقودهم إلى بر الأمان.