باتت الآثورية مثار بحث وجدل بين أبناء شعبنا وطوائفه وفئاته، وكثرت التساؤلات حول هذه الفكرة التي تدعو للبعث القومي بعد سبات طويل دام آلاف السنين، وباعتبارها أولى الحركات القومية السياسية التي تناضل من أجل حل المشكلات التي يعاني منها شعبنا بموضوعية، لذا فقد صعق الكثير من الذين لم يستطيعوا استيعاب مثل هذه الأفكار بعد أن تأصلت الطائفية في نفوسهم وانعدام الشعور بالانتماء القومي لديهم، والذين شعروا بالخطورة على مصالحهم فانبروا لمقاومة هذه الفكرة بكل الأساليب الممكنة محاولين محاولة اليائس لخنقها في المهد، إلا أنه من الصعوبة بمكان وضع حد بين الشعب ومصالحه وبين مشكلاته وأساليب حلها والتي كانت نتيجتها ولادة المنظمة الآثورية الديمقراطية التي لم تكن مجرد نظرية ابتدعها مفكر أو فكرة استنتجها فيلسوف، إنما هي حصيلة لمجمل الأفكار والممارسات القومية العفوية منها والمدروسة والتي صدرت من شعبنا وكانت تناضل من أجل البقاء والحفاظ على الخصائص المميزة لهذا الشعب التي ورثها عبر الأجيال الطويلة، فالوقفات البطلة التي وقفها البطريرك مار بنيامين والمعارك التي خاضها الجنرال آغا بطرس وملحمة الصمود التي سطرتها عين ورد وآزخ إلى الثورة الآشورية الكبرى 1931-1933م، كل هذه الممارسات العفوية خلقت لدى المعلم الأول الملفان نعوم فائق الشعور القومي الخلاق والنظرة الموضوعية للقومية وأدرك بحسه القومي الصادق أن الولاء القومي هو الحل الحقيقي والوحيد لمعاناة شعبنا المُجزأ والمنقسم والذي يعاني مشكلة الفناء وكانت صرخته اةعير بر اةور اةعير) الصرخة القومية الأولى والشرارة التي أذكت نار الشعور القومي الكبير، وقد تبعه مفكرون قوميون عدة ساروا على نفس الطريق الذي بدأه المعلم الأول وكان من أبرزهم الصحفي الثائر فريد نزهه الذي أدرك مشكلة شعبه بعمق وعلى أوسع نطاق ومن جميع جوانبها التاريخية والدينية وكانت مجلته الجامعة السريانية البيان الثوري الذي رسم منه الثائر فريد ملامح المسيرة القومية الواقعية والتي اعتمدتها الحركة الآثورية كقاعدة فكرية لانطلاقها وترجمتها إلى نضال عملي ويومي، فالآثورية ليست انتفاضة وقتية، إنما تملك جذوراً عميقة في أرضية الواقع وانطلاقة فكرية متينة وضع أسسها مفكرونا القوميون، كما إنها حصيلة منتقاة لكل الممارسات القومية العميقة الجذور في التاريخ والأفكار والمواقف القومية التي وقفها مناضلونا القوميين خلال سنين طويلة، ومحاولة للاستفادة من الفكر الإنساني الذي أخذ منه ما هو مفيد ومناسب ليساعد في إيجاد الحلول لمواجهة المشكلات التي يعاني منها شعبنا في المرحلة الحالية والآثار الناجمة عنها في المستقبل، فإن لم يحقق الفكر الآثوري حتى الآن مستوى كبيراً من العمق الأيديولوجي إلا أنه بداية جدية لا يستطيع أحد إنكارها، فهي محاولة لتغيير الواقع الذي يعيشه شعبنا وبداية إيجابية تفتح الباب أمام كل المحاولات الإيجابية والأفكار المتطورة لتضيف على هذا البناء القومي المتين، فالآثورية هي طرح قضية وفتح المجال واسعاً للخوض فيها والعمل لأجلها، إنها تطرح سؤالاً، هل يمكن وضع حد لهذا الانحدار القومي والاندثار الحضاري الذي ما زلنا نعاني منه، فإن كان بالإمكان ذلك فالوسائل الممكن إتباعها تُعتبر المنهج القومي الذي يجب اتخاذه في مسيرتنا القومية والتي تهدف إلى تغيير هذا الواقع والذي يعد في أسوأ حال عدم القدرة على التأثير عليه مباشرة لا يعني اليأس واللامبالاة ،بل مزيدا من الجهود والعمل فبالعلم والتجربة تذلل المصاعب وتزال العراقيل لأن اليأس واللامبالاة لا تورث إلا مزيدا من المشاكل والمصاعب إن التغيير الواقع الحالي والذي يعتبر جوهر الفكر القومي الآثوري يصطدم بكثير من الصعوبات القائمة في مجتمعنا التي سادت فيها ولفترات طويلة مصاعب قيدت كل محاولة للتقدم والتطور وتركتها طريحة لا حول لها ولا قوة ،لأن هذه المشكلات حفرت آثارها عميقة في حياة ووجدان هذا الشعب وسيطرت على عقله سيطرة شاملة ورسمت منهجها في حياته ووجهته نحو الاستسلام للمجهول والأفكار التي لا علاقة لها بحياته وواقعه ومستقبله، وهكذا لم يستطع شعبنا أو لم يوضع في الموقع الذي يمكنه من اكتشاف القوانين التي يمكن أن تنقذ مجتمعه وتعمل على تقدمه كما انه لم يستطع أن يتحرر من القيود التي كبلته والتي جعلت منه شعبا إتكالياً يستسلم دائما للقدر والمستقبل الأسود ،كما أن قياداته تلك والمتمثلة ببعض رجال الدين وقفت مواقف سلبية لكي يبقى شعبها قوة خاملة متروكة لمصيرها التلقائي تتقاذفها أمواج الاضطهادات والقتل والتدمير ،وكأن الحل الوحيد الذي يصورونه الاستسلام لله فكانت هذه المقولة تشل كل قدرة أو محاولة للتفكير بالمصير والمستقبل ،ولم يتحرر إنساننا من تلك القيود الميتافيزيقية لكي يستطيع اكتشاف ذاته لان الاكتشاف كان يتطلب جزء من التحرر الذي افتقده نهائيا ،وهكذا بقيت الأمة والقومية شيئا غامضا بالنسبة للشعب الذي أعمته كثيرا من الحواجز التي حالت دون تحرره وهنا يظهر دور الآثورية في أحداثها صدعا كبيرا في هذا الطوق القاسي الذي كبل شعبنا خلال الاف السنين وفتحت أعينه ليرى من خلالها حريته وكرامته المتمثلة بقوميته وأمته ونقلت الآثورية الفكرة القومية التي اقتصرت في البداية على أفراد قلائل متنورين إلى كل الشعب فأصبحت فكرة شعبية عندما دخلت إلى كل بيت وحيث يتواجد أي فرد من أفراد شعبنا ،هذا وأن لم تستطع الآثورية في فترة ما تخليص كل أفرادها من جميع الرواسب التي حفرت جذورها عميقة في الواقع كالطائفية التي كانت توجه سلوك البعض بشكل مباشر أو غير مباشر، فأحدثت كبوات في المسيرة الآثورية، إلا أنها كانت انعطافاً كبيراً نحو الاتجاه السليم الذي يمكن أن ينطلق منه لحل مشكلات هذا الواقع، فالآثورية تعمل على مصارعة كل مخلفات الواقع والرواسب التي لها جذور عميقة في نفوس البعض كما إنها تقاوم كثيراً من المتنفذين والذين يجدون في استمرار الواقع الحالي خدمة لمصالحهم والعنصريين الذين يجدون في اكتشاف الشعب هويته القومية خطراً يتهدد مطامعهم التسلطية والذين يحاولون اجتثاث جذورهم بأنفسهم ليصبحوا كالفقاعات تتقاذفهم أهواء المصالح، وقد سارت الآثورية شوطاً في هذا السبيل واستطاعت أن تكشف للجماهير من هم الذين يقفون إلى جانب مصالحهم ومن هم أعدائهم، كما إنها استطاعت خلق التوحيد الفكري بين مختلف الطوائف لشعبنا كبداية لوحدة الطاقات لمواجهة المشكلات الكبيرة التي يعاني منها شعبنا وبناء مستقبل يمكنه من خلاله صون وجودنا من هذا الانحدار والانحلال.