الرئيسية / مقالات حول الشرق الاوسط / آليات الدفاع التي يلجأ إليها المتدين

آليات الدفاع التي يلجأ إليها المتدين

بقلم: سامي ابراهيم

++ نقد النص الديني بما يحمله من بحث وثقافة وجهد عقلي وتحليل مضني هو الأساس في تصويب ما أفسده الدين في العقل، وهو الأساس في نشر الحقيقة، لكنه سيحقق غاياته كاملة وسيصل نجاحه إلى أكبر حد ممكن إذا كان مسبوقا بتمهيد من قبل الكاتب إلى المتلقي، أي مسبوق بنقد شيء يتفق عليه الجميع _نتكلم هنا عن الديانات السماوية_ ألا وهو نقض النظرية الإلهية، لأننا بهذا النقض ُنبطل مفعول النص الديني التخويفي والإرهابي الناجم عن أن الله وراء هذا النص. لقد اخترت نقض النظرية الإلهية قبل نقد النص الديني، لأننا عندما ننقد الفكرة أو النظرية الإلهية يصبح نقد النص الديني أسهل بكثير، وتصبح تعريته أقل خطورة وتحريما وتصبح مقاومة القارئ أقل. فأن تنقد نصا دينيا وتثبت للناس كم هو مليء بالتناقضات من دون تمهيد، ستبرز لدينا مشكلة لا تتوقف عند خلق ردة فعل سلبية تجاه هذا النقد والبحث وتجاه الفكر العلماني، بل المشكلة الحقيقية هي أن الناس تعودت فكرة وجود خالق ووجود اله منسوبٌ إليه المطلق. وبما أن نقد النص الديني لا يقدم للناس بشكل آني بديلا عن الله، إذاً سيبقى الناس بحاجة لوجودٍ تعودوا ذهنياً على وجوده، المطلق.
…………………….

يلتجأ الإنسان إلى آليات الدفاع لينقذ عقله من الصراع الناشئ عن قراءتهم لهذا النقد للنص الديني. تتجلى آلية الدفاع الأولى التي يلجأ إليها القارئ في ممارسة المتدين لعملية التحويل: حيث يحول المتدين النقد الموجه للنص الذي يقدسه إلى نص موجود في الدين الآخر فيقوم بمهاجمة ونقد النصوص الدينية في الدين الآخر، أي يقوم بتوجيه هذا النقد وتحويله إلى النص في الدين الآخر، حتى يثبت ويبرهن لنفسه قبل الآخرين أن النص في الدين الآخر أيضا لا يتمكن الخروج من دائرة الاتهام بريئاً، وهذه تدعى عملية أمن نفسي أو دفاع يحقق اطمئنان الفرد، ليوقع نفسه لاشعوريا في دوامة لا خروج منها، فيتشبث بنصه الديني، وكأنه يقول في نفسه: أنه إذا كان النص في الدين الآخر على الأقل لا يقدم الحقيقة، وغير قادر على الإجابة على تساؤلات النقاد، فلماذا يتوجب علي أن أمتثل أو أقتنع لما جاء في هذا النقد؟!

إذاً عملية التحويل التي يلجأ إليها المتدين تنجيه من خطر النقد لأن جميع النصوص الدينية مذنبة، فلن يهدم منظومته الفكرية التي عمرها عدد كبير من السنين ولن يعرض توازنه النفسي واستقرار شخصيته وأمنه الفكري للخطر، فيتشبث ويتمسك بنصه الديني وبالتالي ينتصر ذاتياً على الناقد ويجعل الناقد يخسر الهدف الأساسي من وراء بحثه ألا وهو التحرر من تسلط النص الديني والكشف عن زيفه. مثال: عملية الغطاء (التغطية، الحماية) أثناء التعرض لنيران العدو في أرض المعركة هي تمثيل مبسط لعملية التحويل التي يلجأ إليها المتدين، حيث تريد مجموعة من الجنود تنفيذ عملية انسحاب من موقعها الحالي إلى موقع أكثر أمنا خلال تعرضها لوابل من النيران فيقوم قسم من الجنود بتأمين انسحاب القسم الآخر عن طريق رش مستمر للنيران باتجاه العدو لتشتيت انتباهه ولتحويل مسار النيران عن أصدقائهم الذين ينفذون عملية انسحاب فأثناء الانسحاب يكون المقاتل مكشوفاً وفريسة سهلة لنيران العدو، وحالما تتمركز مجموعة الجنود المنسحبة في موقع آمن تقوم بدورها بتأمين الحماية للجنود الذين بقوا في موقعهم الأول وهكذا تستمر العملية بشكل تتابعي. ولإسقاط هذه الحالة على المتدين، نيران العدو هي كلمات الناقد التي تهدد أمنه النفسي وحياته النفسية، فيقوم بتعريض النص في الدين الآخر لهذه النيران ويشتت تأثيرها ريثما يقوم بعملية انسحاب نفسي وبذلك ينجو من تلك النيران (الأحداث كلها لاشعورية).
……………………………..

مشكلة النقد في النص الديني لا تتوقف عند عدم تقديم بديل أفضل من قبل الناقد لعقل القارئ، لكن المشكلة هي أن المؤمن لن يسمح لأحد أن يشوش إيمانه، لماذا؟ لأنه مرتبط بدينه بروابط عاطفية، فآلية الدفاع الثانية التي يلجأ إليها هي: أن المتدين يقيد ويربط نفسه بدينه بروابط عاطفية تتمثل بالحب والخوف والانتماء والوجود والقوة والطموح لحياة أبدية، فيوهم نفسه أنه مسؤولٌ عن تقديم واجباته تجاه من يوفر له هذه الحاجات النفسية! ومن هذه الروابط العاطفية حب الحياة والاستمرار إلى المالانهاية، ورابط الخوف من الموت، فالمؤمن يتوق إلى عالم راقي ويريد أن يصعد ويحلق في نشوة، ولن يسمح لأحد ببساطة أن يعيقه ويبقيه على الأرض ويمنع طيرانه، لن يعطي جواز سفره للسماء والفردوس لأحد، إنه إنسان طموح، وهو لا يخفي طموحه بل يجاهر به، ومن يوقف طموح المؤمن فإن المؤمن سيؤذيه، لن يسمح لأحد أن يقصر حياته ويجعلها أرضية فانية وتعيسة. مثال: امنع المخدر عن المدمن وانظر لحالة هياجه، سيفعل أي شيء لتعطيه حقنة مخدر التي ستعيد الأمن والتوازن والهدوء والسعادة إلى جسده. الناقد بنقده يمنع جرعة المخدر من الوصول لجسد المتدين، إذا هناك تهديد لأمن المتدين، وسيفعل المتدين أي شيء ليعود لحالة الاستقرار والتوازن التي كان عليها قبل قراءة النص.
………………………….

الاثمية هي آلية دفاع أخرى يلجأ إليها المتدين لمقاومة تأثير النقد للنص الديني، فأول صورة يرسمها الإنسان في عقله عن الله هي الأب، فالأب بالنسبة للطفل هو موجود كامل حنون حامي قوي يرشد ويدل ويوجه الابن للطريق السليم، والأب يمثل بالنسبة للطفل الحقيقة المطلقة، وعندما يقترف الطفل أي خطيئة ينال توبيخ وعقاب الأب فيولد لدى الإنسان شعور الأثمية، أي الشعور بالذنب، أي أنه يستحق هذا العذاب نتيجة خطيئته ومخالفته لأوامر الأب. إذاً ارتباط الإنسان بالله يصاحبه شعور بالاثميه، أي إحساسٌ بأن الإنسان مذنبٌ خاطئ. ينغرس هذا الإحساس عميقاً في اللاوعي ليولد الحاجة داخل الإنسان إلى الغفران والخلاص وعندئذ يكون لدينا منقذ وغافر للخطايا لذلك هناك في كل دين منقذ أرضي (وهم مؤسسوا الأديان)، ينقذ الآثم من براثن الخطيئة نحو حياة أرضية أفضل التي بدورها ستمهد الطريق لحياة أبدية سعيدة في النعيم، وتتولد مشاعر الاثمية وشعور بالذنب في عقل القارئ المتدين أثناء قراءته لنقد النص الديني لمجرد التفكير بما حمله هذا النقد من خطايا بحق العظيم المطلق وشكٍ بقدرة وكمال الأب (اللاشعور) الذي يصبح الله (الشعور). إذاً طالما مشاعر الأثمية موجودة منذ الطفولة في اللاشعور فستطفو هذه المشاعر على السطح وستقود تصرفات الإنسان وستشكل آلية دفاع تشكل سدا منيعا لمقاومة تأثير النقد. فيبحث الإنسان عن عقاب له، لماذا؟ لأنه عندما ُيعاقب الإنسان الآثم فإنه بذلك ينال ما يستحقه وبذلك يحقق رضا الأب (الله).
………………….

آلية دفاع أخرى يلجأ إليها المتدين لمقاومة تأثير النقد للنص الديني هي: أثناء قراءته لهذا النقد يتولد جدل في عقل المتدين يثير قلقا شديدا وخوفا من أن ما جاء في النقد قد يكون صحيحا، فيخاف ويقلق من الصدمة التي سيتعرض لها، فما حلم به هو عبارة عن أوهام وأساطير وأنه لا وجود لحياة ثانية بعد الموت وأنه تعرض للخداع طيلة عمره، ما يجعل هذا الشخص يقرر نسيان النقد لأنه فقد الثقة في قدرته على إزالة التناقض الذي يعتريه بين التصور الجديد المؤلم الناتج عن قراءته لهذا النقد وبين منظومته الفكرية أو عقله. لذلك فإنه سيعمل جاهدا وبكل ما يملك من قوة على وقاية نفسه من التصور المؤلم بأن يتعامل معه وكأنه لم يحدث، فيعمل على إقصاء واستبعاد مسببات الألم والتناقض ألا وهو النقد الذي يقرأه، فينحاز لأحد أطراف الصراع أي ينحاز للطرف الذي يبقيه في مأمن ودفء ويحمي منظومته الفكرية من الانهيار. ولكن القضاء على هذا التصور وهذا الصراع قضاءً تاما هو أمرٌ محالٌ.
مثال: أعرض على إنسان مشاهد تلفزيونية لمدة نصف ساعة تريه فيها أحداثاً لعمليات قتل حقيقية ثم أطلب منه بعد انتهاء المشاهد أن يحذفها من مخيلته! بالتأكيد لن يستطيع. وهذا ما يحدث في ذهن المتدين بعد قراءة النقد الديني فعقله سيجهد في محاولة حذف الكلمات التي قرأها والتي ولدت شكا وتناقضا وسببت له ألماً، وقد ينجح في تحقيق هدفه هذا ولكن بشكل نسبي، ونجاحه سيكون تقريبيا. إذا ما يفعله المتدين لحماية استقرار منظومته الفكرية أنه يجرد عقله من التصور المؤلم الناجم عن النقد فيفقد التصور خطره وتنتفي عنه صفة التهديد.
……………………

آلية دفاع أخرى يلجأ إليها المتدين وهي جعل الصراع الداخلي الذي يعتريه نتيجة النقد صراعاً خارجياً مع الآخر والآخر هنا الناقد (عدوه) أو الأناس الآخرين في الدين الآخر الذين ينتقدون نصه الديني. فالمتدين يبني منظومته الفكرية بنسق منظم من الأفكار المشكلة بناء على فرضية أو مقدمة خاطئة يؤمن بها المتدين إيمانا مطلقا لا يمكن التشكيك بصحتها، فينسب إلى ناقد النص الديني فكرة انه يتآمر عليه أو بكل بساطة يطلق عليه لقب (كافر) وهو اللقب الذي يهرب إليه المتدين كلما شعر بحرج موقفه فيحمي نفسه من الذي يسلبه كنوز الأب (الله) وخيراته وبركاته.
…………………..

آلية دفاع أخرى يلجأ إليها المتدين وهي (التسامح)، فهو لا يستطيع المقاومة والمناظرة ولا يحتمل الخصومة مع أحد فيلعب دور المتسامح، فيكسب إعجاب الناقد وإعجاب الآخر في الدين الآخر، وبذلك يضرب عصفورين في حجر واحد أي تخلص من الخصومة التي لا يحتملها من جهة ونال إعجاب الناقد وصداقته من جهة أخرى، لكنه من الناحية اللاشعورية شديد العدوانية، ويتمنى في لاوعيه الأسوأ للناقد، فهو متيقن ومتأكد تمام التأكد أن الحق كله معه.
مثال: يقول لك أحد المتدينين بكل لطف ولباقة أن ألف أو ألفي كلمة لن تغير قناعاته وفكره وآرائه، وهو يدعوك بكل محبة إلى الكف عن نقدك الذي يقلقه، فهو في الحقيقة يخشى ويخاف التنافس ويقلق لأن يكون منبوذا وموضع نقد ولوم فيلجأ إلى التسامح الخادع، والأخلاق المزيفة، مخفياً عدوانيته اللاشعورية.

الايميل:
sami198420@hotmail.com

شاهد أيضاً

دكتاتوريات العالم العربي ها هي تتنحى

أشور العراقي ++ نعم ها هي الدكتاتوريات التي كانت تحكمنا بقبضات من حديد تنهزم بل …