5 كانون اول – 2010
ها نحن نعبر رويدا رويدا نفق التخلف والتعصب والتمييز والكراهية الى ملاعب التفتيت المجتمعي والوطني والديني. بعد الشرقي والغربي، والعربي والدولي، والسني والشيعي، والسني والسني، والشيعي والشيعي، والبدوي والحضري، وأصحاب الدماء الزرقاء والدماء الحمراء… وصلنا الى احتلال كنائس واستهداف مسيحيين، بل وصلنا الى إعلان تنظيم «القاعدة» أن جميع أتباع رسالة النبي عيسى عليه السلام «اهداف مشروعة للمجاهدين» ردا على حادثة فردية حصلت في مصر نتيجة أنباء عن مضايقة الكنيسة لمسيحيتين اعتنقتا الاسلام. هذه هي قضايانا «الاساسية» اليوم. هذه هي اهدافنا وعلى المستقبل السلام.
ها نحن في الطريق الى الفتنة والاقتتال والمجازر وفتح الابواب للتدخل الدولي في شؤوننا الداخلية. والسبب باختصار اننا تركنا للآخرين مهمة ما اعتقدوا انه تصحيح لأخطائنا ولم نأخذ نحن زمام المبادرة كأنظمة وشعوب وهيئات مجتمع مدني.
عندما تتضاءل قضايا العرب والمسلمين الى مستوى الرجوع 1400 سنة لنعرف من اخذ حق من، ومن تصارع على الحكم، ومن تنازل، ومن استشهد، ومن فاز ومن خسر، وعندما ننهمك في تأييد او رفض «ارضاع الكبير» وننسى اي مستقبل نريد للصغير، وعندما نخوض نقاشا دائما في وجوب فرد الايادي او وضعها على الصدر فيما ايادينا كلها مكبلة من النهر الى البحر، وعندما نغلب تفاصيل التباينات الدينية على المشتركات العامة، وعندما ينتشر بين صفوفنا «أمراء» دين و«أمراء» حرب و«أمراء» مافيات ويصبح «الجهاد» تارة ضد مسجد وطورا ضد حسينية ومرات ضد أسواق ومدارس ومراكز شرطة… عندما يحصل ذلك كله بل أكثر منه سنواجه بالتأكيد مشهد قتل وجرح عشرات المسيحيين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد.
«جميع المسيحيين أهداف مشروعة للمجاهدين»… بئس العبارة وبئس الزمن الذي وصلنا اليه. هو العجز العربي والاسلامي الواضح الفاضح. هو فتح مظاريف المناقصات للمجزرة القادمة. هو تمهيد الارض لحروب التفتيت انما في وجهات مختلفة هذه المرة، وهو الاستدراج المباشر للآخرين من أجل التدخل في شؤوننا الداخلية حماية لأقليات عجزت أنظمتها ومجتمعاتها و«غالبياتها» عن حمايتها.
ويقولون إن مجزرة كنيسة «سيدة النجاة» كانت ردا على خطأ ارتكبته كنيسة في مصر بحق سيدتين اعتنقتا الاسلام… لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ففي مصر دولة وقانون وأنظمة وآليات كفيلة وقادرة على معالجة أي خطأ، ثم من أين أتى هذا المنطق الارهابي الغريب العجيب الذي يجيز قتل عشرات المواطنين في دولة ردا على خطأ حصل في دولة اخرى؟ من أعطى لحفنة مارقين حق التصرف بمقدرات أمة؟ وهل وصل التآمر حد تفتيت المجتمع وفتح الباب لتدخلات دولية أم أنه التحالف الطبيعي الدائم بين الغباء والتخلف من جهة والمصالح الدولية من جهة اخرى؟ مهما كانت الاجابات قاسية إلا أننا بلا شك نفتتح عهدا جديدا من الخوف والالم والقلق والقتل والإرهاب ونفتح معبرا جديدا للهجرة والتهجير والفرز الطائفي والديني والمناطقي باسم الدين والجهاد.
في ظل ما حصل قربنا وما قد يحصل، أطالب ككويتي أن يعيد المجلس البلدي النظر في قراره منع اقامة كنيسة كاثوليكية في منطقة المهبولة لتمكين أهلنا وإخوتنا من اداء شعائرهم الدينية بحرية وفي إطارها الطبيعي وليكن اسمها «سيدة النجاة».
الكويت هي السباقة دوما في الرد الحضاري على كل ارهاب وتخلف، وهي الوطن الذي يفترض انه رسالة عنوانها الحرية والتعددية والتعايش السلمي، لكننا نعيش انفصاما حقيقيا في الشخصية وإلا فكيف نفسر دعوة الكويت رسميا امس الامم المتحدة الى إصدار تعهد يدعو الى احترام الاديان في الوقت الذي نبخل فيه على المسيحيين بكنيسة في المهبولة؟
… كان سيدنا عيسى عليه السلام يقول إن المحبة الحقيقية تستر الخطايا لكنها لا تتستر عليها، وكان يطالب المؤمنين برسالته أن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم لإخراجهم من زوايا الشر الى مساحات الخير. ونحن ايضا لا نريد التستر على الخطأ بل نريد تصحيحه، كما اننا نحب أهلنا وأشقاءنا وأصدقاءنا في الانسانية ولا نريد لهم ان يخرجوا من مساحات الخير الى زوايا الشعور بالحسرة والقهر والقمع.
الله محبة.