بقلم: سامي ابراهيم
++ بعد سلسلة عمليات تفجيرية قامت بها جماعات إسلامية مسلحة في كل من أميركا وأوروبا، وجه الغرب اهتمامه للعالم الإسلامي (منبع هذه الجماعات) بعد أن كان العالم الإسلامي غير مرئيٍّ بالنسبة لأمريكا وأوروبا، وغيرَ داخلٍ في موازيين القوى العالمية العسكرية والسياسية والاقتصادية، وظهر مصطلح إسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام) وازدادت مخاوف الغرب من أعداد المسلمين المتزايدة في بلدانه، وتبارى المحللون السياسيون في وضع توقعاتهم وتحليلاتهم لمستقبل وديموغرافية بلدانهم في ظل تعاليم دينية مقدسة تدعو للتزايد والجهاد ضد كل ما هو غير مسلم. بعض التوقعات تقول عن ألمانيا مثلا التي فيها يعيش فيها الآن أكثر من خمسة وثمانين مليون نسمة بأنها ستتحول إلى بلد إسلامي في غضون عشرين أو أربعين سنة قادمة؟!
وهنا تتولد بعض التساؤلات:
• هل مخاوف الغرب دقيقة من الجاليات الإسلامية الموجودة في بلدانه أم أنه مبالغ فيها لحسابات لسنا في صددها الآن؟
• هل الجالية الإسلامية هي جالية موحدة وتشكل كتلة واحدة؟
• هل يبقى عقل المسلم يعمل بنفس المنظومة الفكرية التي كان يعمل بها عقله أثناء وجوده في بلده الأم؟
• هل المسلم المولود في الغرب سيحمل نفس المنظومة الفكرية وسيعمل عقله بنفس طريقة عمل والده؟
• هل الشرق الإسلامي سيبقى في نهجه كمصنع لخلق جماعات مسلحة دائمة تقوم بعمليات تفجيرية مستمرة؟ أسئلة أحاول الإجابة عليها في هذا المقال.
التقدم التكنولوجي السريع المرعب الذي تشهده الحضارة البشرية يسير بها في متوالية هندسية من التطور نحو آفاق لا يمكن تخيل حدوده، البشر منذ آلاف السنين وحتى النصف الأول من القرن العشرين ركبوا الحصان والعربة كوسيلة نقل وحيدة بينما خلال بضع عشرات من السنوات تطورت وسائل النقل واختصرت آلاف الأميال وآلاف الساعات من السفر بشبكة آمنة من الطرق البرية والجوية تربط المدن بعضها ببعض، وقس على ذلك التطور الحاصل في مختلف المجالات الطبية والعلمية والتقنية والفنية، فآلاف السنين من حياة البشر في كفة وخمسين سنة فقط ماضية في كفة أخرى كانت كفيلة لأن نرى هذا التطور التكنولوجي الهائل. في القرون الماضية لم يكن الفارق الحضاري كبيرا بين الغرب والشرق، فكلا المجتمعين كانت تحكمهما عقلية دينية أو سلطة مقدسة ديكتاتورية، والفروق كانت طفيفة، لكن النقلات النوعية في السنوات الأخيرة غيرت المفاهيم وقلبت الموازيين، والآن ما وصل إليه الغرب الآن من تكنولوجيا جعلهم يفرضون على البشر في جميع أنحاء العالم نمط حياة موحد، يفرضون على الإنسان ما هو أنيق ومناسب ليلبسه وما هو مفيد ولذيذ ليأكله ويشربه وأي لغة عالمية يجب أن يتكلم بها ويتقنها كوسيلة تواصل وحيدة في جميع دول العالم.
عقلية الإنسان المسلم في المجتمع الغربي لا تبقى نفسها في المجتمع الشرقي فالمجتمع الغربي تأثيره أكبر على الفرد وقدرته على صهر أفراده في بوتقة واحدة هي أكبر من قدرة المجتمع الشرقي على صهر ودمج أفراده، لماذا؟ لأن بنية قوانين المجتمع الشرقي قائمة في أساسها على التعاليم الدينية والخلفيات المذهبية التي ترفض اندماج الآخر وتفضّل أبناء المذهب الديني، وتكون قوانينها لتكريس سلطة أبناء المذهب الديني وبالتالي تبقى بقية الاثنيات والمذاهب خارج التشكيل فتحافظ بذلك على خصائصها الأساسية اللغوية والثقافية والعرقية وبالتأكيد المذهبية الدينية. بينما نرى بالمقابل قوانين المجتمع الغربي قوانين علمانية لا تكرس سلطة مذهب معين ولا تفرضها على بقية المذاهب ولا تفضل جماعة على أخرى (الكل متساوي) فتندمج الأعراق وتنصهر لتشكل نسيجا متجانسا نسبيا في المرحلة الأولى لوجود الجيل الأول من المهاجرين ثم تزيد نسبة التجانس مع ولادة الجيل الثاني وهكذا جيل بعد جيل، حتى تبلغ درجة التجانس أو البنية البللورية الشبكية للمجتمع أعظم درجة للتجانس، بينما عامل الزمن في المجتمع الشرقي لا تأثير له لأن أبناء المذهب يتوالدون جيل بعد جيل ولكنهم يبقون في محيطهم المذهبي الضيق حيث لا اندماج ولا صهر. عالم الاجتماع كورت ليفين يقول "إذا كنا نحاول أن نرفع مستوى التسامح الديني في طائفة فإننا نستطيع أن نزيد القوى الفعالة التي تجعل الناس أكثر تسامحا بالالتجاء إلى شعورهم بالعدالة وإيمانهم بالديمقراطية."
إذا فكرة العدالة أو المساواة (الكل متساوي) المطبقة في المجتمع الغربي هي الأساس في إزالة حالة التعصب الديني أو خلق حالة الـ(لانتماء) إلى الجماعة معينة. لذلك نرى العضوية في المجتمع الغربي معناها التشبع بقيم المجتمع الغربي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فضلا عن ذلك فإن ازديادا التحرر والقوانين الديمقراطية هو ازدياد بتناسب طردي مع الوعي بالمسائل السياسية. المجتمع الغربي يصهر أفراده بدراسة الاتجاهات الأصلية وإضعافها بالارتباطات الماضية التي حملها الأفراد من مجتمعاتهم المختلفة. المجتمع الغربي يدرس العمر السيكولوجي للفرد وغرض الفرد ودوره في محيط المجتمع الجديد والعلاقة بين القيم القديمة وأهداف الجماعة الحالية. فأي تعارض بين القيم القديمة للفرد (القيم الإسلامية مثلا) وأهداف المجتمع الغربي تقابل باستهجان شديد ومحاربة نفسية وقانونية (تهديد بالتهجير وسحب الإقامة). فرويد يقول: "قد نجد أنه من الصعب معارضة الأحكام القائمة فعلا التي تمنع انصهار الجماعة الرافضة للانصهار ولكن يمكن تعديلها بمحاولة إدخال أحكام من مصادر أقوى وتعديل حكم الجماعة يكون أكثر فاعلية إذا تم في الاتجاه المرغوب فيه."
قد يبدي الإنسان الجديد مقاومة في انصهاره في المجتمع الغربي لكن ضربات المدفع تتوالى عليه يوما بعد يوم لتكسّر وتحطم روابط الانتماء إلى المورث الديني القديم، تماما كما تتوالى ضربات المدفع على جدران سور محصن، لينهار في النهاية ويسمح للعوامل الجديدة في التغلغل إلى البنية العقلية للإنسان فينصهر الإنسان عندها ويكتسب خصائصه الجديدة. كولن ويلسن يقول:"جميعا يمتلك شخصية مستقلة به ولكن ما لانعرفه أن هذه الشخصية تتصرف تقريبا بشكل كامل مقلدة الآخرين ومقتدية بهم.. الكثير يعتقد أن شخصيتنا ملكنا لكن كل شيء نقوله أو نفعله أو نفكر فيه مستعار من الآخرين.. شخصيتك وقدراتك ترجع كليا إلى المحيطين بك" بالنسبة لتزايد عدد المسلمين في الغرب فإن المسلم الغربي (المولود في الغرب) لا يعود نفس الإنسان الذي يعيش في أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة أو الخرطوم أو الرباط، المسلم لن ينجب كما ينجب لو كان في مجتمعه الأصلي لأنه كلما زاد مستوى التقدم التكنولوجي زاد مستوى الترفيه وزاد مستوى الوعي وبالتأكيد قلت نسبة الإنجاب، لأن التناسب بين الوعي والإنجاب هو تناسب عكسي، فنرى المجتمعات الأكثر تخلفا وأشدها فقرا وظلما تملك أعلى نسبة ولادات، (أعلى نسبة إنجاب في العالم حسب تقرير اليونسيف هي غزة).
………………….
مع كل هذا قد يبدو الجيل الحالي من المسلمين ذو مقاومة كبيرة لمقومات الانصهار والاندماج في المجتمع الغربي لعوامل عدة منها رواسب الطفولة والارتباط العائلي ولكن لننظر قليلا إلى المستقبل القريب: الطفل في مدرسة غربية يتعلم أربع لغات ويقضي كامل يومه في نشاطات علمية وفنية ورياضية، يعود للبيت لا وقت لديه إلا لطعام العشاء والنوم (شأنه شأن والده الذي يعود من العمل منهك القوى) فكيف ستجد التعاليم الدينية طريقها إليه؟! إذاً الجيل القادم خريج المدارس الغربية الذي يقضي كامل يومه بعيدا عن أي تأثيرات دينية هذا الجيل الذي يغذى على مدار الساعة القيم الغربية ونمط الحياة الغربية، سوف يكون كل البعد عن الله والهذيانات الدينية والأوهام لدينية ولن يكون للدين أي تأثير لأن الفرد ببساطة بعيد عنها. الأب لوحده لن يستطيع التأثير على عقل أطفاله بل يحتاج الإنسان إلى مؤسسات مهمتها أن تغذي الإنسان بفكرة معينة تستحوذ وتسيطر على عقله. لنحلل المشكلة التي أحدثها قانون خلع الحجاب في فرنسا: الجيل الحالي من المسلمين يرفض خلع الحجاب وقد تضطر الحكومة الفرنسية إلى استعمال القوة لمنعه أو منع غيره من الرموز الدينية وقد يرى المسلم نفسه مكرها على تنفيذ قوانين لايقتنع بها ويشعر أنها تضطهده، لكن الجيل القادم من أولاده سيرفض كل شكل من أشكال الاستعباد الديني أو الرموز الدينية أي أن الجيل القادم سيأتي مغايرا لما قاتل آبائه من اجله، الجيل القادم لا تنتقل له المعاناة بالعدوى، لن يعير لما ناضل أبويه أي اهتمام بل على العكس سيتعصب للفكرة التي لقن بها من الجهة صاحبة التأثير الأكبر (المجتمع الغربي) على أنها هي الصحيحة. فهم يعلموه كيف يفكر، الأب المسكين ليس لديه تقنيات الإقناع.
مثال آخر يوضح فكرتي: الذين اعتنقوا الإسلام من الجيل الأول (في المجتمعات ذات الأصول المسيحية أو الغير إسلامية)كانوا مرغمين أو خائفين ومجبرين على اعتناقه، أي أنهم في باطنهم يدينون بغير ديانة، ولا يؤمنون بالإسلام، أي بالظاهر هم مسلمون، لكن الجيل الذي تلاه خرج مسلما صافيا متعصبا للفكرة التي تلقاها من صاحب التأثير الأكبر (المجتمع الشرقي)، فالجيل الذي تلا الجيل الأول لم يعر انتباها لمعاناة أو كره أهله الدفينة للديانة الجديدة أو المعاناة التي عانوها، لأن المعاناة كما قلنا لا تنتقل بالعدوى. الجيل الأول سيرضخ خوفا وكذبا ولكن الجيل القادم سيؤمن بها ويقاتل من أجلها. وهذا ما يفعله المجتمع الغربي الآن، فهو يهتم بالجيل التالي يشكل كبير لا يقارن بمقدار اهتمامه بالجيل الأول من المهاجرين.
وهنا يستحضرني مثال المجتمع الإماراتي، فقبل عشرين عاما كانت دولة الإمارات عبارة عن إمارات متفرقة ضعيفة يعيش أهلها الخيام ويعيشون حياة البدو الكلاسيكية الرعي والتنقل وسط صحراء قاسية لا ترحم، بدأوا نهضتهم العمرانية والاقتصادية باستيراد العقول الغربية من مهندسين وخبراء ليحولوا تلك البلد الصغيرة إلى مركز اقتصادي عظيم يعتبر من أهم المراكز التجارية في الشرق الأوسط، ونجح أصحاب القرار فيها في سحب السياح من جزر الكناري والباهاما وإهرامات الجيزة إلى مدينة مثل دبي قابعة في وسط صحراء ميتة قاسية قاحلة! والآن يقومون بتأهيل جيل يعتمد على كفاءات لم تكن موجودة في الجيل السابق، إذا مستوى الوعي زاد ونمط الحياة أختلف وتطور كثيرا بالنسبة للإنسان الإماراتي، الإماراتي الآن لا يعيش في خيمة ولا تعنيه حياة الابل والشعر التي عاشها آبائه بشيء، ومعاناة آبائه لن تنتقل له، فتخيل أي كارثة ستحل به وأي جحيم سيعيش لو قطعت عنه التكييف أو الانترنيت لمدة خمس ساعات في اليوم؟! لقد خلق لنفسه فردوس تكنولوجي لن يستطيع ولن يقبل التخلي عنه وسيقاتل من أجل. إذاً الابن ليس الوالد. الجيل الحالي يفكر بالسيارة التي سيشتريها العام القادم، وليس في المكان الذي يحوي الكلأ والماء لمواشيه، على الرغم من وجوده في مجتمع عربي إسلامي فما بالك في مجتمع غربي لا تربطه بالعالم الإسلامي والتعاليم الإسلامية أي رابط.
………………….
والسؤال الآن: ما الذي يربط المغربي أو الإيراني الموجود في ميونخ أو مونتريال أو لاس فيغاس بالإسلام؟! لا شيء. قد يؤمن بوجود إله أو وجود نبي؟ لكن ما تأثير النص الديني عليه؟ ناهيك عن أن الطفل في المجتمع الغربي لا يتعلم اللغة العربية ولاشك أن تأثير التعاليم الإسلامية على غير الناطقين بالعربية هو تأثير ضعيف وتأثير مختلف كليا عن أولئك الذين يتقنوها. ولنذهب لأبعد من ذلك الجيل الثالث والجيل الرابع بعد مئة عام من الآن يعيشها في الحياة الغربية! شاب ولد في سيدني أو مانشستر من أبوين مسلمين ما الذي يربطه بمسلمي الصومال؟! الصومال أو السودان أو موريتانيا أو باكستان أو أفغانستان أليست كلها متشابهة عليه، فشاب يعيش في بروكسل أو ليفربول لديه سرعة تحميل الانترنيت تفوق الواحد ميغا سيتصفح (في أوقات فراغه وراحته) مواقع تحوي آيات وتعاليم وأحاديث دينية وأحداث تاريخية بصبغة دينية حدثت في الصحراء العربية قبل ألف وخمسمائة عام، أم انه سيتصفح المواقع الترفيهية ويحمل عدد لكبير من مقاطع فيديو من موقع اليوتيوب مثلا، سيفكر في قضاء عطلته السنوية برحلة مباركة لأداء مناسك العمرة والحج أم أنه سيفكر في قضاء عطلته في باريس أو فيينا أو رحلة تزلج في جبال الألب السويسرية!. يحضر الفيلم يتخلله مقاطعة من هاتفه النقال من أحبابه وأصحابه، يذكرونه بموعد المخيم وموعد المباراة، هذا إذا أخذنا الشاب في أوقات فراغه، أما العمل والوظيفة التي تستنزف طاقة الإنسان وتنهك قواه فلا يوجد غير إله واحد أحد هو العمل وكسب المال.
………………………….
المسلمون في الغرب ليسوا كتلة واحدة أو جالية موحدة شأنهم شأن أي عدد من الأفراد لا تربط بينهم أي روابط ثقافية أو أسرية. فالمسلم البوسني يختلف اختلاف جذري عن المسلم السوداني ولا علاقة للمسلم العراقي بالمسلم القادم من تشاد أو نيجيريا لا من قريب ولا من بعيد. الجاليات الإسلامية هي جاليات مختلفة المذاهب، واختلاف المذهب العقائدي هو اختلاف ديني كامل، فعندما نقول مسلم فإننا نقصد السنة والشيعا والدروز واليزيدين والمندائيين والاسماعيليين والمرشدين والشراكس.. ولكل من هذه المذاهب مرجعيات دينية مختلفة ويتفرع من كل من هؤلاء فرق ومذاهب تختلف كثيرا فيما بينها تصل درجة الخلاف إلى درجة التحريم واعتبار الآخر غير مسلم. وبالتالي تنوع المذاهب وخلافها في الغرب يؤدي إلى اضمحلال حدود وخصائص المذهب الديني، وبالتالي يفقد المسلم ارتباطه بمذهبه الذي يستمد منه بشكل رئيسي تعاليم دينه وتقل سلطة النص الديني على عقله.
……………………….
هل ستبقى المجتمعات الإسلامية مصنعا للجماعات المسلحة:
برأي سيتوقف خط إنتاج الجماعات المسلحة بعد فترة ليست بالطويلة، وهذه المرحلة التي تمر علينا الآن هي مرحلة مؤقتة وستنقضي. الشعوب في الشرق الإسلامي ونتيجة التقدم والتطور التكنولوجي المتدفق إليها كنهر عظيم من الغرب والشرق الأقصى يغرقها بمنجزاته وإبداعاته وترفيهه ستتوصل إلى نتيجة حتمية وهي أن اختيارها لأن تخلق مجتمعات دينية للعيش فيها هو اختيار خاطئ لا يجلب إلا الحرب الأهلية والدمار والكره والتمزق والفقر والمذهبية. والمجتمعات الدينية خير مثال لحالة الحرب الأهلية والتمزق (إسرائيل، العراق، لبنان، باكستان، أفغانستان، اليمن، السودان….) الشعوب في الشرق الإسلامي ستستوعب أن الحضارة التي تخلق الحياة المرفهة هي متعارضة تماما مع وجود المجتمعات الدينية، لأن التعاليم الدينية تفشل في خلق مجتمع ديمقراطي متجانس يعيش فيه الجميع بسلام. جميع التجارب الدينية فشلت، الدين أخذ وقتا كبيرا في طرح أفكاره ومشاريعه، ولو نجحت مشاريعه خلال هذه المئات من الأعوام لكان نجح منذ زمن بعيد.
ستتوصل الشعوب في الشرق بالنهاية إلى أن الدين لم ينجح في جعل الحياة أسهل أو أفضل، بقت المخاوف من الموت والمجهول، ظل الشك موجودا بوجود حياة أخرى، فكثيرا من المتدينين يقولون، صحيح أن الأفكار الدينية والنصوص الدينية هي ضعيفة المنطق والإثبات لكن ماذا لو كان هناك حياة أخرى فعلا؟! لنؤمن إذاً فنحن لن نخسر شيئا! وهذه بداية على أن المطلق الديني يفقد سلطته وسطوته شيئا فشيئا. المطلق الديني يخسر مطلقه شيئا فشيئا. مع استمرار وتزايد أعداد النقاد للتعاليم الدينية ستنهار القيم الدينية الهشة كما ينهار السور العظيم ويهزم أمام ضربات مدفع يطور قذائفه باستمرار ليزيدها دقة وقوة وتفجيرا. حتى في المجتمعات العربية فالتيار العلماني أخذ يتنامى بقوى وينافس التيار المتطرف اليميني. وجود التيار المعتدل الإسلامي الذي يرفض القتل وإقصاء الآخر عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو بداية جيدة ومبشرة يستطيع التواصل مع الآخر بدرجة حرية أكبر ومريحة أكثر، ووجود هذا التيار المعتدل الذي ينسب آيات قتل الآخر وتكفيره لظروف تاريخية انقضت ولا مكان لها الآن في الحياة الحديثة هو مبشر جديد لتحجيم النصوص الدينية وإلباسها ثوبها التاريخي الذي يناسبها.
عمري ستة وعشرون عاما أرى المستقبل مشرقا ولا أراه قاتما، جيل آبائي لم يكن يجرأ على المناقشة في ماهية الأديان والتشكيك فيه ونقد تعاليمه ونصوصه الإلهية، ولكن جيلي يستطيع وبحرية كبيرة وبمخاوف أقل لا تقارن بالمخاوف والمخاطر التي كانت موجودة ليس في القرن الماضي بل في العشرين سنة الماضية. لن أحدد وقتا قريبا لنصر التيار العلماني لكنه آتي بإذن العقل، إنها مسألة وقت ليس أكثر.
الايميل:
sami198420@hotmail.com