حسام القس 10-08-2019
في السابع من آب من كل عام يحيي السريان الاشوريين يوم الشهيد الاشوري الذي يصادف ذكرى مجزرة سيميل التى ارتكبت بحق الشعب الآشوري في العراق عام 1933 ، ففى هذا اليوم الحزين من تاريخ شعبنا الذى تعرض للمحن والمآسي عبر تاريخه الحديث ، قامت الحكومة العراقية بارتكاب عملية تصفية جماعية ، ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية بحق شعبنا الآشوري في شمال العراق في عهد حكومة رشيد عالي الكيلاني .
شملت المذبحة بالاضافة الى بلدة سميلي حوالي 63 قرية آشورية في لواء الموصل آنذاك محافظتي دهوك ونينوى حاليا ، والتي أدت إلى فقد أكثر من 5000 آشوري لحياتهم ، حيث كان شعبنا السرياني الآشوري قد خرج لتوه من إحدى أسوأ مراحل تاريخه عندما أبيد مئات الآلاف من ابناءه خلال المجازر التي اقترفت بحقهم من قبل الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى .
لم تكن سيميل سياق منفصل او مستقل فقد كانت ضمن سلسلة من الاحداث والانكسارات التي مني بها الاشوريون خلال تاريخهم الحديث ، فمنذ مقتل البطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين على يد “سمكو الشكاكي” عام 1918 في هكاري جنوب شرق تركيا الحالية والذي كان يعتبر القائد السياسي للآشوريين , والشكوك حول اغتيال القائد العسكري “آغا بطرس” في باريس عام 1932 والذي كان يعتبر القائد العسكري للفرق الاشورية العسكرية ، التي خاضت كفاحا تحرريا ضد السلطنة العثمانية في بدايات القرن العشرين , ونزوحهم الى العراق من إقليم هكاري بعد ترسيم الحدود بعد الحرب العالمية الأولى ،وخيبة أملهم من مؤتمر فرساي وخيبة امل الوفد الاشوري من مخرجات المؤتمر ، وجد الاشوريون انفسهم بلا حقوق في وطن رسمت حدوده من جديد وبعد خيانة الحكومة البريطانية لهم ونكثها لوعودها السابقة لهم بصون وضمانة حقوقهم سلمتهم لقمة سائغة لحكومة العراق الملكية لتنكل وترتكب بهم الفظائع .
كان لهذا الحدث تأثير كبير على الدولة العراقية الناشئة، حيث صورت هذه المجازر على أنها أول انتصار عسكري للجيش العراقي الحديث النشأة، حيث عادت فرق الجيش التي شاركت في المجازر إلى الموصل ومنها الى بغداد بحيث تم استقبالها استقبال الأبطال، فتم نصب أقواس نصر في شوارع الموصل وزينت بأعلام وشعارات تهيب بالجيش ، كما تعالت هتافات تشيد بالعراق وأتاتورك (كون الموصل لا زالت واقعة تحت تأثير تركيا) وحضر ولي العهد غازي الاحتفالات شخصيا وقام بتقليد كبار الضباط وقادة العشائر المشاركة بعمليات النهب والسلب أوسمة الشجاعة ، كما تكرر الأمر في بغداد حيث تم استقبال الفرق العسكرية لدى عودتها بحفاوة وقام الجيش باستعراض عسكري في شوارع المدينة وتمت ترقية “بكر صدقي” قائد الحملة على سيميل.
وبالعودة للسياق التاريخي للمجزرة والأجواء السائدة في العراق في ذلك الوقت ، يمكن لأي متابع أن يرصد تصاعد حملة رسمية وشعبية منظمة ضد الآشوريين قبيل مذبحة سميل , ففي الفترة الممتدة من الأول إلى الرابع عشر من شهر تموز (يوليو) 1933 نشرت أكثر من 80 مقالة رئيسية في الصحافة العراقية والتي كتبت من قبل مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية وكانت جميعها تطالب بالقضاء على الآشوريين وافنائهم.
وخلال شهر آب أعلنت الحكومة العراقية والصحافة وبعض الأحزاب والمنظمات السياسية الحرب المقدسة “الجهاد” على الآشوريين “الكفرة” وأصدرت الأوامر للتطوع ووزعت السلاح على المتطوعين، كما وجهت الحكومة شكرها وامتنانها للتجار وزعماء بعض العشائر المحلية للجهود التي بذلوها من أجل حماية وصيانة الوطن من الآشوريين “المرتزقة والجواسيس وعملاء الاستعمار … ” . كما اصدرت الحكومة العراقية أيضاً عشية مذبحة سميل أوامرها بمكافئة كل شخص بدينار واحد عن كل آشوري يُجلب إلى السلطات الحكومية حياً أو ميتاً * كما أعلنت الحكومة وبعض رجال الدين الإسلامي، قرارات وفتاوى حللت بموجبها سلب ونهب قرى وممتلكات الآشوريين ،واعتبرت أعمال العنف والمذبحة المرتكبة قانونية وشرعية واتهمت كل من لا يشارك فيها بالخيانة بحق الوطن. وخلال شهر آب من نفس العام ، قبيل وأثناء وبعد المذبحة، نشرت الصحافة العراقية أكثر من 230 عمود صفحي ومقالة مهينة جميعها تدعو الى تخليص البلاد من “الملحدين والمتمردين” الآشوريين والقضاء نهائياً على ” ذئاب آشور” كما نعتهم الشاعر “الوطني” معروف الرصافي، عضو البرلمان العراقي، في قصائده وخطبه “الوطنية” الحماسية , كل ذلك تم تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني دون ان تتدخل لوقف المذبحة .
كانت نتائج مذبحة سميل بالمنظور السياسي على الآشوريين أكثر من مأساوية حيث أصيب الآشوريون من جراء ذلك بالتصدع الاجتماعي والسياسي والديموغرافي كما قامت الحكومة العراقية بإصدار سلسلة قرارات وقوانين جائرة بحقهم، حيث جرد زعيمهم الديني البطريرك مار شمعون وعائلته ومعظم زعمائهم ومئات غيرهم من جنسيتهم العراقية ونفوا إلى خارج العراق، وهجر الآلاف منهم الى سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي آنذاك ووطنوا باشراف الأمم المتحدة على ضفاف نهر الخابور في الجزيرة السورية حيث أقيمت لهم المخيمات التي تحولت فيما بعد الى قرى استوطنها الاشوريون بنوا فيها منازلهم واستثمروا واستصلحوا الأراضي الزراعية وحولوها الى جنان خضراء على ضفاف الخابور .
نتذكر اليوم سيميل لنأخذ العبر من الماضي بكل مآسيه ، خصوصا ان حاضر الاشوريين ليس افضل من ماضيهم ، فنرى المآسي تتكرر في العراق وسوريا من جديد ، ومرة اخرى يضطر الاشوري الى ترك ارضه ومنزله وجنى عمره وآماله وآلامه ، ليهيم على وجهه في مشارق الأرض ومغاربها ، باحثا عن الامل في العيش الحر الكريم الذي من المفروض ان يكون من ابسط حقوقه , نستذكر سيميل اليوم لنحلم ببناء وطن يساوي بين ابناءه افرادا وجماعات في الحقوق والواجبات ، وطن يجد فيه الاشوري لنفسه مكانا دون خوف من تهجير او قتل او تهميش يطيح بما تبقى له من امل .
* وردت هذه المعلومة في مقالة للكاتب “ابرم شبيرا” نشرت له في موقع “عينكاوا”