درعا( سوريا) – وكالات ++ "من صارع الحق صرعه" (الإمام علي) نذكّر النخب السورية السياسية الحاكمة أن شخصاً بعظمة نابليون وجبروته وغطرسته بعد أن سفك دماء كثيرة، وأزهق أرواح الكثيرين من الشعوب قد عاد إلى رشده وأصبح داعية سلام. وتوجه إلى البونابرتيين بالقول: "إن تحقيق السلام أعظم من كسب الحروب. إذا لم تجتهدوا لإلغاء الحرب فإن الحرب تلغيكم". فهل يرعوي البونابرتيون العرب الجدد ويفكرون ملياً في فحوى هذا القول ويأخذون العبرة والدرس مما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، أم إن قدر السوريين أن يتعلموا من أخطائهم وأن يجربوا كل شيء على جلودهم.
إن الحرب الباردة قد ولّت، وحان وقت التخلص من موروثاتها الشمولية والسياسية والثقافية. لقد أصبح من غير المجدي قيادة سورية بعقلية الستينيات من القرن الماضي، إن آفة هوس العظمة والعقم الذهني قد فتكت بالنخب السياسية السورية حتى تكلّست عقولها بسبب البقاء الطويل في المناصب دون حسيب أو رقيب، وانتشار الفساد، والمحسوبيات نخرت مفاصل الدولة، والاحتكار في الاقتصاد والاستبداد في السياسة اللذان حذر الإمام علي منهما بقوله: "من استبد برأيه هلك، ومن شاور الناس شاركها في عقولها".
إن الدولة الشمولية الاستبدادية أصبحت مكروهة ومنبوذة من قبل العالم الحر، وأصول اللعبة السياسية قد تغيرت في العالم قاطبة، وسورية ليست جزيرة معزولة أو خارج دورة الزمن لتبقى على مدى نصف قرن في حالة الطوارئ والأحكام العرفية. ومن غير المقبول حرمان الشعب السوري من الحرية والديمقراطية تحت ذريعة المقاومة والممانعة، فالشعب الإسرائيلي يحاكم رئيس وزرائه ورئيس الدولة، وإسرائيل في وسط معادٍ.
إن تفسير ما يجري في سورية من منظور المؤامرة إنما يعود إلى الغريزة البدوية الصرفة التي ترى أفعى تحت كل حجر، وهي نظرة بمرآة معكوسة لا تمت إلى الواقع بصلة. فمن السهل اتهام الآخرين بالعمالة للإمبريالية والصهيونية ووصفهم بالمندسين والعملاء كالعادة، لكن هذا لا يحل الأزمة الراهنة. إن إدارة الإعلام على طريقة غوبلز وسعيد الصحاف ببث الأكاذيب في عصر (الغوغل والفيس بوك) غُصة.
إن دماء الشهداء مقدسة، وقوة الشعب من قوة الله، فكل الجلاوزة قديماً وحديثاً تجرعوا مرارة الهزيمة، عندما وقفوا ضد إرادة شعوبهم، وواجهوها بالحديد والنار، مثلما كانت تفعله العرب في جاهليتهم. إن الشعب السوري جدير بأسلوب حضاري لحل مشكلاته العالقة مثل كل الشعوب المتحضرة، ولا أن يشرّب العلقم. إن الشعب السوري راشد، وليس قاصراً، وليس بحاجة إلى أي وصاية حزبية أو غيرها. فالسوريون أقاموا دولة ديمقراطية في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي كان اسمها "الجمهورية السورية" قبل مجيء الشمولية الناصرية وحزب البعث إلى الحكم. وكان هناك برلمان منتخب وقضاء مستقل وصحافة حرة، وكانت هناك كل ألوان الطيف السياسي، فهل المطالبة بالعودة إلى تلك التجربة يُعدّ أجندات خارجية. سورية التاريخية كانت وطناً لكل الأقوام والطوائف المتآخية، كالعرب والأكراد والأرمن والآشوريين وغيرهم. وعاش الجميع في سلام ووئام تحت شمس الوطن، وليس في ظلماته.
في ظل التطورات المتسارعة بات من الضروري التحول الفوري إلى دولة الديمقراطية والحرية التي ليس فيها أي رجل فوق القانون ولا تحت القانون. إن مسألة حقوق الشعب لا تحتاج إلى دراسة مستفيضة، ولا إلى بلاغة أو إنشاء. بل إلى قرارات فورية صائبة. فهل من المعقول أن يبحث أبسط حقوق الأكراد (كالجنسية) أو (قانون الأحزاب) لمدة عقد من الزمن؟ في الأوقات الصعبة يتنفس الشعب من خلال خيرة أبنائه ومن يلجأ إلى الثأر والانتقام يجب أن يحفر قبرين أحدهما له وآخر لخصمه، كما يقول أهل اليابان، ولا بد من الاحتكام إلى المنطق، وليس إلى أسوأ المستشارين.
"والناس أعداء ما جهلوا" كما قال الإمام علي.
أهالي شهداء
درعا 3 / نيسان ( أبريل) 2011