الرئيسية / مقالات حول سوريا / إلى من قال أن الشعب السوري سيبقى صامت!

إلى من قال أن الشعب السوري سيبقى صامت!

بقلم: د.نصر حسن

تحية إلى شهداء ثورة الحرية والكرامة، إلى كل شباب وشابات سورية والنشطاء والمثقفين الذين يشكلون النسيج الحقيقي ويعكسون بوضوح تاريخ سورية ,مهد الحضارة والتعددية والقيم النبيلة، تحية لهم اليوم في هذه اللحظات التاريخية وهم يكسرون حواجز الخوف ويهدمون جدران مملكة الرعب ويفتحون طريق الحرية والكرامة، ويخطون بدمائهم الذكية وأصواتهم الخفاقة وإرادتهم الثابتة مستقبل سورية الجديدة الحرة الأبية، تحية إلى الشعب السوري البطل الذي الذي يستحق الحياة الحرة الكريمة التي اغتصبها الطغاة والجلادين لما يقرب من نصف قرن، ظنوا واهمين أن الغلبة أبدية وأنهم ملكوا سورية وشعبها يتوارثونها ظالم عن ظالم وفاسد عن فاسد ولص عن لص، إلى أن جاءهم يوم الشعب الذي قرر أن يعيد كرامته وللوطن وحدته ووجهه الحر الأصيل.

إن الإنتفاضة الشعبية السلمية الذي بدأها الشعب السوري في الخامس من آذار تمثل امتداد طبيعي لحالة الحراك الوطني العام في سورية ,منذ اغتصاب هذا النظام بوجوهه المتعددة السلطة قبل أكثر من أربعين عاما، تتكثف اليوم في مطلب واحد هو التغيير الوطني الديمقراطي السلمي وبإرادة وطنية واحدة من شرق سورية إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها إلى قلبها، وبشعار واحد تلخصه قيم الحرية والكرامة والعزة الوطنية، تلك القيم الذي عمل النظام على محاربتها عبر عشرات السنين وعبر سياسات القمع المبرمج المتسلسل من انتهاك الحريات وإقصاء الشعب كله عن مشاركته في الحياة العامة، وضخ متسلسل لقيم النظام التي تمثل الجبن والفشل والخوف والقمع والفساد والهزيمة وتحطيم البنى الوطنية المدنية ودفع إلى الواجهة قيم التعصب والطائفية والخوف من شركاء التاريخ والوطن في الماضي والحاضر، ومافعله النظام السوري من الجولان إلى دمشق إلى حماه إلى القامشلي إلى جسر الشغور إلى حلب إلى سجن تدمر إلى صيدنايا إلى درعا البطلة اليوم إلى كل سورية حيث يصر بعقلية الديكتاتور الغبي على أن القمع هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الشعب وإخافته وإسكاته إلى أبد الآبدين.

إن شباب سورية الذي قرر اليوم أن يحقق طموحاته في الحرية والكرامة هو في معظمه من مواليد عهد النظام الميمون الذي أغرقه في الخطابات الغوغائية والوعود الكاذبة من تحرير فلسطين إلى الوحدة العربية إلى تحقيق الاشتراكية والعدالة، فماذا حصد الشباب من هذا النظام ؟ سوى ضياع الأرض وتكسير الإرادة الوطنية وانتهاك العرض والكرامة والفقر والفساد والبطالة والتهميش والقمع والسجون والمنافي وسلسلة طويلة من الذل والإهانة وطنيا وقوميا وإنسانيا في حصار ظالم ونفق مظلم حرمه من أبسط شروط الحياة في وطنه وأبعده عن العصر.

إن تلك الأجيال التي عاشت سنوات طويلة من الفشل والذل والإحباط العام الذي مارسه النظام عن قصد وسوء نية وقلة حياء ووطنية وتعمد ,متوهما أن يغير تركيبة الإنسان الجينية المبنية على الحرية والعزة إلى نقيضها من الخنوع والخوف وعدم القدرة على المطالبة بالحقوق والتعايش مع النظام والقبول به ! حيث هو البديل الأبدي لخصها النظام في شعاره الخائب ,, سورية الأسد إلى الأبد ,,!

ورغم أن هذا الشباب نفسه الذي لم يحصد من بيدر النظام الوحيد سوى الذل والقمع والفقروالتخلف ,قد أعطى النظام الفرص العديدة وخاصة في زمن الوريث ووعوده حرصا على الوحدة الوطنية وتجنيب سورية الكوارث في هذه اللحظات الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي ,ورضي بالحد الأدنى من الإصلاح والبدء بحياة وطنية جديدة، وانتقال سلمي تدريجي إلى الدولة الوطنية المدنية، رغم ذلك أصر النظام على التمترس بطباعه وطبيعته في القمع والخداع والإصرار على العنف وقطع الطريق عن أي تغيير سلمي وإصلاح مطلوب، مبررا ذلك أن التغيير يحتاج إلى أجيال! وكأنه لم يمض عليه كنظام في قمة السلطة ما يقرب من نصف قرن وعلى الرئيس الوريث إحدى عشر عاما يتربع على سورية التي حولها بقمعه ونهبه وفساده إلى ركام, وما جاء على لسان الوريث إلى الصحافة العربية والدولية دليل قاطع وواضح أن النظام لا يمكن أن يحيد عن سياسته الخائبة التي تلغي الشعب وتنظر له على أنه قاصر لم يبلغ سن الرشد بعد ولا يستحق الحرية والديمقراطية! وجاء الرد الشعبي السوري واضحا وقويا ,, الشعب يريد الحرية ,, وسوف يتسلسل إلى ,, الشعب يريد التغيير ,, إلى الشعب يريد إسقاط النظام كله ,,.

قلناها مرارا وتكرارا : بأن النظام كبنية وعقلية وتركيبة وأخلاقية ,لا يمكن أن يكون سوى ضد الشعب وأهدافه، ورغم كل الدروس والتجارب الحية الطازجة من تونس إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا ,لازال النظام خارج التغطية العقلية وخارج الرؤية الموضوعية وخارج ساحة العصر، يعيش في وهم القوة والجبروت والعنف، موضوعيا يمكن فهم وعدم تبرير مافعله من جرائم من تدمير حماه وقتل عشرات الألوف من الأبرياء وتغييب عشرات الألوف من المفقودين وتشريد مئات الألوف، وتصفية معتقلي الرأي في سجن تدمر وممارسة الوحشية في التعامل مع المظاهرات السلمية في القامشلي وسجن صيدنايا، وزج نشطاء الرأي في السجون، نقول رغم حجم الدمار وكم العنف المخيف الذي مارسه، لكنه في ظروف مختلفة حيث مارس كل ذلك سابقا ومعه التغطية من الأنظمة العربية والعالم "ولامن شاف ولا من دري "، لكن خزنها الشعب السوري في ذاكرته ووجدانه وضغط عليها جراحا وطنيا نازفا مستمرا لحين ساعة الحساب، وقطع الطريق على النظام في جر سورية إلى "داحس والغبراء " من جديد، ودفع دمائه وحياته في سبيل الحفاظ على وحدة سورية وتماسكها اجتماعيا.

حيث فشل النظام فشلا وطنيا ذريعا في ذلك، لكن اليوم ورياح التغيير التي تعم العالم العربي كله وتهز العالم وخبرائه ومحلليه، وأصبحت العناوين الرئيسية الإعلامية والسياسية لكل وسائل إعلام العالم ومعاهد بحوثه، لازال النظام وعلى لسان رئيسه وصحفه وأبواقه يصر على عدم الرؤية وعلى عدم القراءة وعلى دفن رأسه في ذله وفشله ووهمه في الحكم الأبدي، مسلما بأن حالة الخوف التي أنتجها في سورية وسيطرت على الشعب لعقود هي حفرة عميقة لن يستطيع الشعب السوري الخروج منها أبدا، لذلك يقول بإصرار بأن سورية غير تونس ومصر واليمن، وان الشعب السوري غير ذلك، واهما بأن غلاف الخداع الرقيق الذي يتلطى خلفه من الممانعة والخطاب الخشبي الذي نسيه الشعب ولم يعد يمثل له سوى اسطوانه مشروخة كاذبة تجاوزتها الأحداث , النظام أصبح عاريا من كل شيء سوى محاولة التصور الوهمي لنسيان شبح رياح التغيير القادم.

لقد انقلب السحر على الساحر …وأصبح النظام في حالة الخوف والشعب في حالة الثورة الشجاعة وعلى النظام أن يهجيَ الأحداث التي تمت في محيطه العربي وما نتج عنها وأين أصبح حلفاء الأمس من الديكتاتوريين والأنظمة الفاسدة ؟!وأن يفهم قبل فوات الأوان ماذا يحدث الآن في أكثر من دولة عربية ؟!, عليه أن يعرف بسرعة أن يترجم ما يحدث إذا كان ولازال لايجيد القراءة !.

الشعب السوري قرر بوعي وإرادة أن يسقط مملكة الرعب ورموزها، وسيقطع الطريق على النظام الأهوج الذي قابل مظاهرات الشباب التي لا تملك سوى الرأي الشجاع والكلمة الحرة والإرادة القوية، قابلها بالرصاص والقتل والتهييج الطائفي وبكل عدته الخائبة ومفرداته البائسة، محاولا شق الصف الوطني ودفع الحراك الشعبي السلمي إلى العنف والحرب الأهلية، خاب ظنه كالمعتاد وسمع صوتا شعبيا موحدا في الهدف الوطني العام والوسيلة السلمية والتغطية الوطنية من كافة شرائح الشعب السوري…والعالم أيضا هذه المرة.

بقي أن نقول : إن الشعب السوري يجيد الصبر حفاظا على التاريخ ولا يجيد الصمت الأبدي على الظلم كما توهم النظام، وهو اليوم في مرحلة جديدة تغيرت موازين قواها التقليدية التي يملكها النظام، وأن الشعب اخترع موازين قوى جديدة ولا حاجة له إلى الدبابة والرصاص والأدوات الجارحة والتدخل الخارجي، سيقلع الشعب شوكه بيده وسيفرض موازين قوى مختلفة تربك النظام … الذي تشير قرائنه وتصرفاته في الماضي والحاضر على أنه سيبقى خارج التغطية العقلية، أعمى غير قادر على الرؤية الموضوعية , مرتبكا غير قادر على المحاكمة العقلية، قاصرا عن استيعاب دروس التاريخ البعيد والقريب، وعاجزا عن اتخاذ القرار الشجاع في اللحظات الحاسمة التي تمر فيها سورية.

تحية إلى الشعب السوري البطل الذي قرر الحياة ورسم مستقبله في سورية جديدة حرة أبية ديمقراطية.

شاهد أيضاً

بمشاركة الرفيقين كبرئيل موشي وعبد الأحد اسطيفو: هيئة التفاوض السورية تنهي اجتماعاتها في جنيف وتصدر بياناً ختامياً

04-06-2023 شارك الرفيقان كبرئيل موشي مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة …