سعيد لحدو
16 أذار 2011
++ رغم تخصصي في التاريخ من جامعتين مختلفين، لم أكن أعلم أن القذافي هو الذي دحر الاستعمار الفرنسي في فييتنام، وعمره لم يكن قد تجاوز حينها اثني عشر عاماً. كما إن عظام آلاف الفرنسيين المتناثرة في الصحراء الجزائرية منذ بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر وحتى الاستقلال، كان نتيجة بطولات القذافي الخارقة حتى قبل أن يولد بأكثر من قرن من الزمان.
لا غرابة!!! فهذا ماقاله قائد الثورات العالمية في خطابه الأخير (وما أكثر خطاباته الدونكيشوتية) الذي جعل ليبيا في عهده تشتهر عالمياً من خلال هلوساته وبوأها مركز قيادة ثلاث قارات هي أفريقيا وآسيا وأوربا!!!!! ومن لا يصدق عليه أن يسأل النظام السوري لأنه المستمع الوحيد لطحشات قائد الثورة الخضراء في صحراء لم تنبت في عهده المديد حبة قمح للشعب الليبي، وملك ملوك إفريقيا في زمن بات الملوك يبحثون فيه عن الستر، ورضى أمريكا وشعوبهم.
إنه عميد الحكام العرب الذين طار عدد منهم في حين يتلمس الباقون كراسيهم بوجل وترقب لما ستتفوه به قارئة فنجانهم، وهو مازال يتفاخر بأنه أقدم حكام الكرة الأرضية في عصر يتفاخر الآخرون بمغادرة القصر الرئاسي بكل رضى واحترام بعد فترة أو فترتين من الحكم لاتتجاوز مدة الواحدة منهما عدد أصابع اليد الواحدة من السنين. فالذي كوَّر الأرض وأشعل فتيل الشمس ورفع السماء بهامته المتشامخة تعاظماً فارغاً، وزين الطبيعة بألوان ثيابه الزاهية المزركشة، لا يمكن أن يقارن بحكام الأرض الفانية حتى لو ثار شعبه عن بكرة أبيه عليه. إنه الملازم الذي ما أن نجح انقلابه حتى نادى بنفسه عقيداً. وهو لم يدخل معركة في حياته باستثناء معاركه ضد شعبه التي لم تتوقف قط. قرر أن يصبح فيلسوفاً وأديباً وزعيماً وقائداً عالمياً وثائراً وملهماً ونبياً ومبدعاً في التصويب متجاوزاً الكابتن ماجد بمراحل أسطورية، ففشل بها جميعاً باستثناء الأخيرة حيث أنه كيفما وأينما ركل فإنه يصيب مقتلاً من شعبه.
هذا المهووس بالعظمة اللفظية وجد في النظام السوري من يستمع إليه وهو يهذي، ويحامي عنه وهو يقذف شعبه بالصواريخ والطائرات. لاحباً به ولا تصديقاً لهلوساته، وإنما، كما يقال، لأن الحال من بعضه. فلقد قالوا سابقاً بأن سورية ليست تونس وليست مصر. رغم أن مايعانيه شعبها أمر وأدهى. ولكن عندما امتد لهيب الثورة إلى ليبيا لم تعد هذه المقولة تنفع. فلا كامب ديفيد بات يصلح ذريعة ولا من يحزنون. وصراخات الممانعة والصمود القذافية كانت أقوى حتى من السورية نفسها.
ولم يعد أمام النظام السوري من سبيل إلا إرعاب الناس مما قد يحصل من حرب أهلية في ليبيا. لذلك يعمل مابوسعه لخلق الظروف والإمكانات التي تمكن ملك الهلوسة والجنون من مقاومة شعبه والصمود حتى آخر قطرة دم ليبية. لأنه بزواله ستزول كل الحجج والذرائع أمام رحيل النظام الشقيق في سورية وإفساح المجال لإرادة الشعب الحرة. وما ردود فعل الأجهزة الأمنية على تظاهرة أهالي سجناء الرأي الأخيرة في دمشق إلا تعبيراً جلياً عن مشاعر الفزع والتخبط التي أقلقت النظام في سورية كما أقلقت مثيلاتها من قبلها الأنظمة الأخرى فكان ما كان وحصل ماحصل.
إنه عصر الشعوب بامتياز. وما على الحاكم الذي يريد أن يصبح بحق زعيما لا مهرجاً سوى أن ينصاع لإرادة شعبه وأن يتحول لخدمة هذا الشعب عوضاً عن أن يكون الشعب والوطن بأكمله خدماً له ولأعوانه من الأقرباء والمريدين والانتهازيين المتنفعين.
لقد قيل: مجنون يحكي وعاقل يسمع. ولقد حكى مجنون ليبيا وأمثاله كثيراً وطويلاً جداً. أما المستمع السوري لهذيان هذا المجنون فنأمل أن يمتلك الحكمة والعقل ليداوي بهما أخطاء الماضي وجراحاته ويصلح ما أفسدته أربعة قرون ونيف في الحال السورية وطناً وشعباً. فسورية وشعب سورية يستحق أفضل بكثير من الحال الذي وجد نفسه فيه طوال هذه العقود.