الرئيسية / أخبار تركيا / اللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية تقدم دراسة للبرنامج السياسي حول تركيا

اللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية تقدم دراسة للبرنامج السياسي حول تركيا

بيث زالين(سوريا) – مطاكستا ++ تأسست الجمهورية التركية عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض السلطنة العثمانية. وجاء تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى التي قطعت أوصال السلطنة إلى دول عديدة. وبعد حروب مع جيوش الحلفاء جرت على الأراضي التركية, قادت لقيام الجمهورية التركية الجديدة التي اعتمدت أساساً على العنصر التركي, بعد أن تم تطهير واستئصال المسيحيين (أرمن – كلدان سريان آشوريين – يونان) في جريمة الإبادة الجماعية (السيفو) عام 1915 على يد الاتحاديين, وتهجير من تبقى منهم إلى دول الجوار. ولم يتوقف التمييز ضد المسيحيين في ظل الجمهورية التركية, بل استمر تهجير المسيحيين بدءاً من تبادل السكان الذي حصل عام 1923 مع اليونان, وصولاً إلى التنكيل الذي تعرض له اليونانيون والمسيحيون عامة في عدة محطات نذكر منها عام 1955 و 1964, وتصاعده بعد عام 1980 إثر الحرب التي دارت بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني, الذي أدى إلى هجرة وتهجير معظم أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في منطقة طور عبدين.

تعترف تركيا بثلاث مجموعات فقط وتعتبرهم /أقليات غير مسلمة/ وهم اليونانيون واليهود والأرمن التي ورد ذكرها في معاهدة لوزان التي تحدثت عن أقليات وليس عن شعوب وقوميات, ولا تعترف بالأقليات الأخرى (غير المسلمة) مثل البلغار, والآشوريين (السريان) الذين كانوا يعيشون في البلاد أيضاً إبان إبرام المعاهدة.

لقد قام مصطفى كمال أتاتورك بثورة ثقافية واجتماعية في تركيا, فقد ألغى الخلافة الإسلامية, وتبنى العلمانية, وفرض قيم ومظاهر الحداثة الغربية من حيث الملبس ومنع الحجاب, وتقييد دور المؤسسات الدينية, واستبدال الأحرف العربية بالأحرف اللاتينية, وجعل تركيا جزءاً من المنظومة الغربية سياسياً وعسكرياً, بما يشبه نوعاً من القطيعة مع ماضي تركيا ومع محيطها الإقليمي.

غير أن العلمانية الأتاتوركية شابتها الكثير من العيوب, فقد قامت على أساس التداخل والتشابك الوثيق مع القومية التركية, ولم تؤمن بحقوق الأقليات والقوميات الأخرى, ولم تعترف بوجودها, بل سعت إلى تجريدها من أبسط حقوقها, وإذابتها قسراً في القومية التركية, وجاءت حملات التتريك الواسعة لأسماء المدن والقرى والناس ضمن هذا السياق. وتعاني الأقليات المسيحية (وهي شعوب أصلية) في تركيا من تمييز وظلم مضاعفين. فالمسيحي لا يجوز له التدرج في المراتب العسكرية حتى ولو كان من حملة الدكتوراه, وفي هذا انتقاص وطعن في مواطنيته. ولا يحق له فتح مدارسه الخاصة وتعليم لغته والتحدث بها. ويحرم عليه الحديث في جريمة الإبادة الجماعية (قضية القس يوسف اكبولوت مثال على ذلك).

وأكثر من ذلك فإن الدولة التركية تعاقب مواطنيها المسيحيين وتضيق على مؤسساتهم ومراكزهم الدينية عندما تثار قضية المذابح من قبل جالياتهم المهاجرة, في محاولة لردع وإسكات المقيمين والمهاجرين عن إثارة الموضوع (قضية محاكمات دير ماركبرئيل مثالاً). ويلاحق قانونياً كل من يطالب بحقوق الأقليات, وذلك بالاعتماد على المادة رقم /301/ من قانون العقوبات التركي بتهمة المس والقذف بالقومية التركية, ومازالت هناك قوانين تعاقب على النشاط السياسي السلمي وعلى التعبير عن الرأي. ولقد لخص البطريرك المسكوني الأرثوذكسي برتلماوس أوضاع الأقليات المسيحية في تركيا بإيجاز معبر ومكثف عندما قال: (أشعر بأني مصلوب في بلدي, وبأني أعامل كمواطن درجة ثانية).

لقد سلكت الحكومات التركية المتعاقبة هذا النهج تجاه القوميات بشكل عام والأقليات المسيحية بشكل خاص, وأظهرت الكثير من التشدد حيال موضوع الإبادة الجماعية الذي أضحى من المحرمات في الحياة السياسية التركية التي يحظر تناولها. غير أن جدار التحريم أخذ بالتداعي مؤخراً بسبب الضغوط السياسية والدبلوماسية الدولية التي حركتها الجاليات الأرمنية والآشورية (السريانية) لدفع الحكومة التركية للاعتراف بهذه الجريمة, وبسبب جرأة وشجاعة قسم من المثقفين والأكاديميين والناشطين الأتراك, ومراعاة لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوربي حيث تبدي تركيا رغبة جارفة في الوصول إلى هذه الغاية.

وعلى الرغم من أن الدستور التركي لا يشير إلى وجود قوميات أخرى غير القومية التركية فإن الحكومة التركية برئاسة حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية, اتخذت مؤخراً بعض الخطوات الخجولة للانفتاح على الداخل التركي, تمثلت بإطلاق مبادرة الانفتاح الديمقراطي, وإشاعة الديمقراطية في مختلف المجالات, مستهدفة بشكل رئيسي إيجاد حل للمشكلة الكردية، وتشمل الخطة إزالة القيود على استعمال اللغة الكردية (طبقت عملياً ببث برامج باللغة الكردية في التلفزيون الرسمي) وإنشاء لجنة لمكافحة التمييز واستعادة أسماء القرى الكردية السابقة إضافة إلى إنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع شكاوى التعذيب المقدمة ضد قوات الأمن وغير ذلك من الإجراءات التي تعثرت وتوقفت مع حلّ حزب المجتمع الديمقراطي الكردي (الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني) وتجدد الاشتباكات العسكرية مع PKK. ومع أن هذه المبادرة لم تسمّ شعبنا بالاسم, ولكن مفاعيلها الإيجابية لن تستثنيه بلا شك, فيما لو طبقت بشكل صحيح وشامل. وأوحت بعض الإجراءات الصغيرة بحدوث تبدل ما في التعاطي مع الأقليات, تجلت بتكرار لقاء المسؤولين مع القيادات الكنسية المسيحية, وتخفيف بعض القيود على ممارسة شيء من الحريات الدينية التي شهدت تحسناً طفيفاً في الآونة الأخيرة, إضافة لإظهار شيء من التساهل تجاه إصدار مجلات باللغة السريانية وإنشاء بعض الأندية الثقافية والاجتماعية. وهذه الخطوات على أهميتها ظلت محدودة ولم تلامس الجوهر ولم ترتق إلى مستوى الطموح, كونها افتقرت إلى التأطير القانوني والدستوري.

ولتأمين متطلبات الصعود الإقليمي وتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط, اعتمدت الحكومة التركية الحالية دبلوماسية تصفير النزاعات والمشاكل مع دول المحيط, وحققت اختراقات هامة في هذا المجال مع عدد من الدول ومنها سوريا وإيران واليونان. لكن الخطوة الأهم تمثلت في سعيها لتطبيع العلاقات مع أرمينيا, وتوقيع اتفاقات تاريخية بين البلدين في سويسرا وحظيت بدعم وتأييد دولي واسع, بيد أن هذه الاتفاقات لم يصادق عليها برلمانا البلدين بسبب صعوبات ناجمة عن ربط تركيا المصادقة بانسحاب الجيش الأرمني من إقليم ناغورني كرباخ, وإصرار أرمينيا على اعتراف تركيا بجريمة الإبادة. وبموجب سياسة الانفتاح التي اتبعتها تركيا والمتسمة بقدر كبير من المرونة والدينامية, قامت تركيا بلعب أدوار وساطة بين سوريا وإسرائيل, ودافعت عن حقوق الفلسطينيين, وتبنت قضية فك الحصار عن غزة, ما ورطها في مواجهة مع حليفتها إسرائيل تجلت في قضية أسطول الحرية. والمفارقة أن الحكومة التركية افتقدت إلى الحماسة والجرأة في معالجة مشاكلها الداخلية المتراكمة, ولم تتعامل معها بنفس الانفتاح والمرونة التي تعاطت فيها مع دول الجوار.

تشكل مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوربي هدفاً مركزياً واستراتيجياً في ذهن وتفكير النخب السياسية التركية على مختلف توجهاتها السياسية، والتي سعت بكل قواها لدخول النادي الأوربي, لكن دون أن تنجح في تلبية شروط ومعايير الاتحاد الأوربي وخاصة في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأقليات بسبب بطء الإصلاحات نتيجة هيمنة تقاليد تتحكم بها ذهنية سلطوية ارتبطت تاريخياً بالمؤسسة العسكرية التي تحظى بمكانة رفيعة وفريدة في الدولة التركية. خولتها القيام بأدوار مؤثرة على الصعيد السياسي والاجتماعي, تتجاوز مهمة الدفاع عن الدولة وفرض الأمن والاستقرار, إلى النهوض بدور حامي النظام الاجتماعي الذي يسهر على المحافظة على قيم ومبادئ العلمانية الأتاتوركية.

وفي محاولة للاقتراب من معايير الاتحاد الأوربي أجرت الحكومة التركية استفتاءاً عاماً بتاريخ 12/9/2010, تمحور حول إجراء تعديلات دستورية, لقطع أذرع الدولة الخفية في تركيا, وتحرير الحياة السياسية من وصاية الجيش, ونجح الاستفتاء في تحقيق أهدافه عبر إدخال تعديلات دستورية استهدفت إصلاح مجلس الأمن القومي ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا التي شكلت أدوات الهيمنة العسكرية والقانونية للجيش في فرض سطوته على الحياة السياسية في تركيا. ولم تتطرق التعديلات لحقوق الأقليات القومية في تركيا بسبب عدم توفر الظرف الملائم لطرح مثل هذه التعديلات نتيجة لتضخم النزعة القومية التركية المتعصبة تجاه كل ما هو غير تركي. وهذا يشير بوضوح إلى أن الدولة التركية بالرغم من تطورها, وبالرغم من تقدمها ونمو مكانتها الإقليمية والدولية, فإنها مازالت تعاني من التوتر والقلق, ولم تبلغ مرحلة النضج السياسي المطلوب, ولا الثقة الكافية بالنفس التي تؤهلها للتصالح مع شعوبها, ومواجهة حقيقة الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا مع الأرمن واليونانيين, وبما يسمح بطي هذا الملف المأساوي وتطهير تاريخها ونفسها من هذه الجريمة التي تلاحقها من الناحيتين القانونية والسياسية.

إن تركيا المتوجهة نحو الديمقراطية والعلمانية المنفتحة والمتحررة من قيود الأتاتوركية ومن الأحادية القومية التركية, بلا شك ستلقى كل الترحيب والتقدير من شعبنا ومن شعوب المنطقة, عندما تبادر إلى الإقرار بالحقوق القومية الطبيعية والمشروعة لشعوبها, وهذا سيزيد من رسوخ دورها ومكانتها. وإن كان هذا يصب في صلب الممارسة الديمقراطية, لكنه لا يشكل بديلاً عن الاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية (السيفو). لما لهذا الموضوع من أهمية في وجدان وذاكرة شعبنا, ولارتباطه العميق بوجوده ومستقبله. والمطالبة به لا ترتبط بكوننا شعب صغير لا يلتفت أحداً لمعاناته, بل يتعلق بحق قانوني وسياسي لا يموت بالتقادم, حق أقرته المعاهدات والمواثيق الدولية, ويملي علينا واجباً إنسانياً وأخلاقياً لا يمكن التنازل عنه أو المساومة عليه تحت أي شرط, وينبغي علينا متابعته بكل ما نملك من قوة وإمكانات وعبر تكثيف النشاط السياسي والدبلوماسي, حتى تصبح تركيا مؤهلة للاعتراف بهذه الجريمة والاعتذار عنها, وبقناعتنا فإن هذا لن يهز شرعيتها كدولة بل سيقويها.

وعليه فإنه ينبغي على قوانا ومؤسساتنا الفصل التام بين ما يتحقق من إنجازات ديمقراطية, على صعيد الوصول إلى حقوقنا القومية المشروعة ضمن الدولة التركية, وبين جريمة الإبادة الجماعية. من هنا فإننا نؤكد على كل المطالب الواردة في البرنامج السياسي بما يخص تركيا.

المنظمة الآثورية الديمقراطية
اللجنة المركزية

شاهد أيضاً

ندوة حوارية للاديان حول العنف واللاعنف في حلّ الصراع في سوريا

آدو الإخباري ـ اسطنبول : بدعوة من مشروع " اليوم التالي " حضر مدير مكتب …

الرئيسية / اخبار اشورية / اللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية تقدم دراسة للبرنامج السياسي حول لبنان

اللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية تقدم دراسة للبرنامج السياسي حول لبنان

بيث زالين(سوريا) – مطاكستا ++ مثل السريان الموارنة العنصر الأبرز في المعادلة اللبنانية طيلة عقود، لا سيما بعد قيام دولة لبنان الكبير عام 1920 ويعود ذلك إلى قوتهم العددية وعصبيتهم الدينية، وانفتاحهم منذ قرون على العالم، وقدرتهم على التواصل مع دول وثقافات وحضارات متنوعة، فساعدهم ذلك على مراكمة خبرات واكتساب معارف، عملوا على نشرها في محيطهم، ومكنتهم من الخوض في المجالات السياسية المختلفة، ولعب دور قيادي دعمته بقية الطوائف المسيحية واستظلت به، وارتضى به أيضاً المسلمون، وتجلى ذلك بالميثاق الوطني عام 1943 الذي جاء ثمرة لصفقة بين الموارنة والسنة (ومن خلفهم الطوائف الإسلامية الأخرى) قضت باقتسام المناصب بين المسيحيين والمسلمين مع حفظ الدور القيادي للموارنة، وإقرارهم بأن لبنان ذو وجه عربي، مقابل أن يقر المسلمون بنهائية الكيان اللبناني والكف عن مطالبة ضمه لسوريا. وبهذا فرض الموارنة نوع من الهيمنة السياسية على الدولة اللبنانية، استمر لحين توقيع اتفاق الطائف 1989 الذي جاء تكريساً لاختلال موازين القوى لصالح المسلمين بعد انتهاء الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975.

في الحقيقة فإن تجربة السريان الموارنة في السياسة، تعد من أقدم وأكثر التجارب تنوعاً واكتمالاً بين كافة مسيحيي المشرق. وتميز دورهم في التعاطي المباشر في السياسة في لبنان على ثلاث مستويات: داخل الإطار الكنسي برعاية البطريركية المارونية، وعلى مستوى السياسيين لا سيما العائلات النافذة، وعلى المستوى الشعبي العام. بدأ التعاطي الماروني السياسي في السياسة قبل نشوء دولة لبنان الكبير بعدة قرون، حيث قادوا انتفاضات شعبية، وتمردوا على السلطة العثمانية، وأقاموا تحالفات مع الدول ولا سيما مع فرنسا. وخبروا السياسة من موقعي السلطة والمعارضة، وتواصلوا مع المحيط المختلف بطرق وأساليب مختلفة تراوحت بين الحكمة والمرونة أحياناً، وشابتها القسوة والرعونة أحياناً أخرى. وعلى العموم فإن المشروع الماروني أو المسيحي للبنان اصطدم بعقبات أكبر من طموح الموارنة.

وهذه العقبات أملتها طبيعة الموقع الجيوسياسي، وحدة الصراعات التي عصفت بالمنطقة، وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي الذي جعل من لبنان الساحة شبه الوحيدة لتسديد فواتير هذا الصراع. وعلى الصعيد الثقافي والمعرفي، فإن السريان الموارنة ونتيجة لانفتاحهم المبكر على الغرب، شكلوا جسراً لنقل قيم وأفكار الحداثة إلى الشرق عبر جلب المطبعة وبناء المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والتربوية الرائدة. وعلى الرغم من إقرار وتأكيد الكنيسة المارونية بهويتها السريانية الإنطاكية، وانتمائها إلى عائلة الكنائس ذات التراث السرياني بفرعيه الغربي والشرقي (المجمع الماروني الثاني). غير أن انفتاحها على هذه الكنائس ظلّ محدوداً نتيجة الشعور لدى الموارنة بأنهم شعب وأمة مستقلة بذاتها. كما لم يعرف عن الموارنة اهتماماً بالشأن القومي الخاص (الآشوري السرياني) أو سعياً لنشر اللغة والثقافة السريانية (مع استثناءات محدودة في الأوساط الأكاديمية والرهبانية) في صفوف الموارنة ربما لشعورهم بأن هويتهم ذات سمة ثقافية وليست قومية.

وعلى الجانب الآخر نجد أن الموارنة وباقي المسيحيين في لبنان، ركزوا جلّ اهتمامهم على بعث وإحياء اللغة والثقافة العربية ونفخ الروح في القومية العربية التي كانت على وشك الاحتضار أواخر عهد السلطنة العثمانية بفعل الأسلمة والتتريك. احتفظ الموارنة بنفوذهم ودورهم القيادي في لبنان لحين توقيع اتفاق الطائف. الذي جاء بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي استمرت 15 سنة من 1975 ـ 1990 والتي أنهكت قواهم نتيجة الصراع مع القوى الفلسطينية والإسلامية واليسارية، ونتيجة الاقتتال الداخلي بين المجموعات المسيحية المختلفة. فخرجوا من الحرب مشتتين ومهزومين. وقد جاء اتفاق الطائف بإرادة عربية ودولية لتثبيت موازين القوى التي أفرزتها الحرب. وقام على أساس مقايضة أقرّ بموجبها المسيحيون بقبول فكرة أن لبنان عربي الهوية والانتماء، مقابل الحفاظ على ما تبقى لهم من مواقع وصلاحيات تتجسد في موقع رئاسة الجمهورية.

كما استبدل النظام السياسي اللبناني ذا الطابع التسلطي القائم على الهيمنة المسيحية بنظام مشترك بين كل الطوائف بعد إعادة النظر في الميثاق الوطني واستبداله باتفاق الطائف الذي نقل سلطة القرار لمجلس الوزراء (يرأسه سني) مجتمعاً وأبقى على صلاحيات شكلية لرئيس الجمهورية. ودعا أيضاً إلى إلغاء الطائفية السياسية عبر تشكيل مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف بشكل متساوٍ وترك المجال مفتوحاً لانتخابات مجلس النواب على أسس لا طائفية. وأقرّ كذلك نزع سلاح الميليشيات، وإعادة المهجرين، وضرورة الإنماء المتوازن لكافة المناطق. لكنه في جوانب أخرى كرس وثبت الطائفية السياسية في لبنان. وأوكل إلى سوريا (بحضورها العسكري والسياسي المكثف في لبنان) مهمة رعاية وتنفيذ اتفاق الطائف التي تعاملت مع لبنان وكأنه محافظة سورية ومارست نفوذاً وهيمنة واسعتين على مجمل نواحي الحياة في لبنان، وحصرت سلاح المقاومة بيد حلفائها من الطائفة الشيعية. ونتيجة لهزيمتهم العسكرية، تعرض المسيحيون للتهميش وبات لزاماً عليهم القبول بكل مفاعيل اتفاق الطائف، وفرض عليهم الذهاب إلى العروبة بعد أن أصبح لبنان عربي الانتماء والهوية (الإرشاد الرسوبي 1997 الصادر عن بابا الفاتيكان دعا المسيحيين للانفتاح على محيطهم العربي وتثبيت اتفاق الطائف).

ومن الطبيعي أن يتبنى المسيحيون كما سائر اللبنانيين قضايا العرب وفي مقدمتها قضية فلسطين التي كانت أحد أسباب الانقسام الذي عصفت بلبنان وقاد إلى حرب أهلية مدمرة. إن تحويل لبنان إلى ساحة حصرية لتنفيس صراعات الشرق الأوسط لا سيما بعد تضخم قوة حزب الله وتحوله إلى دولة داخل الدولة، وتعاقب الحروب على لبنان، خلق حالة من التململ والاستياء والرفض أحياناً لدى بعض النخب المسيحية وفي مقدمتها البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، وهذا الرفض أخذ بالتنامي بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000، وخروج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري أو ما سمي بثورة الأرز، خصوصاً وأن سلاح حزب الله فقد الكثير من وظيفته بعد حرب 2006 وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701.

غير أن هذا الرفض لا يلغي حقيقة تبدل موازين القوى وانتقالها إلى الطائفتين الشيعية والسنية، حيث انقسم المسيحيون إلى موالين للسنة ممثلين بقوى 14 آذار، وموالين للشيعة ممثلين بقوى 8 آذار بكل ما يترتب على ذلك من خيارات وتحالفات إقليمية ودولية. وكل الوقائع تؤكد هذه الحقيقة رغم التأكيد المتواصل من قبل المسلمين حرصهم على إبقاء صيغة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين من أجل طمأنة المسيحيين عامة والموارنة خصوصاً على دورهم وحضورهم. لكن هذا لم يبدد مشاعر القلق والتوجس التي تنتاب الموارنة ليقينهم التام أن دوام العمل بصيغة المناصفة ليس مضموناً بالنظر للانقسام المسيحي واختلال التوازن الديمغرافي لصالح المسلمين، والأهم اختلال موازين القوة لغير صالح المسيحيين الذين فقدوا الكثير من تحالفاتهم واهتمام الغرب بقضيتهم.

 وبسبب هذا القلق نجد أن المسيحيين يرفضون بعض الطروحات التي تصب في صالحهم على المدى البعيد مثل رفضهم لمجرد المناقشة بإلغاء الطائفية السياسية والمس بالتركيبة والصيغة الراهنة، خوفاً من ضياع صيغة المناصفة من أيديهم وتحويلها إلى صيغة مثالثة، بدأت بعض الأطراف تطرحها بقوة استناداً إلى المعطيات والوقائع الديمغرافية المتغيرة في لبنان. وبالتالي فإنهم يفوتون فرصة تحويل لبنان إلى بلد علماني كانوا هم أول من نادى بالتمييز الصريح بين الدين والدولة، وهذا يكشف بوضوح عمق هواجسهم الوجودية والديمغرافية التي تتنامى مع ارتفاع وتيرة الهجرة نتيجةً لعدم الاستقرار بسبب تحول لبنان لساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية، وبسبب انتشار البطالة وانعدام فرص العمل وتزايد مظاهر الأسلمة.

أما بخصوص الطوائف المسيحية التي اصطلح على تسميتها بالأقليات (سريان أرثوذكس، سريان كاثوليك، آشوريين، كلدان، أقباط، لاتين) فإنها تكاد تكون محرومة من الكثير من الحقوق، وتعاني الكثير من التمييز، وتمنع عنها المواقع والمناصب النيابية والحكومية والإدارية، وتعامل كملحقات للطوائف المسيحية الأكبر التي تمتنع عن إنصافها بما يتناسب مع ثقلها البشري، بسبب نزعة الاستئثار المتحكمة فيها، ورفض التخلي عن امتيازاتها. وبهذا تعاني تهميشاً مضاعفاً من الدولة ومن الوسط المسيحي على حد سواء. لهذا فإن نضال نخبها (جمعيات، روابط، أحزاب) يكاد ينحصر بتصحيح الخلل القائم والحصول على التمثيل الذي تستحقه في الدولة اللبنانية القائمة على أساس مراعاة التمثيل للطوائف الكبرى.

وهذه المطالبة تقترن بالسعي للحفاظ على خصوصياتها الدينية والثقافية واللغوية المتاحة ضمن النظام اللبناني، دون أن يصل طموحها لترسيخ حالة قومية متميزة ومستقلة، وذلك لسببين:

1 ـ انصراف المكون الأكبر الذي يشاطرها الهوية والانتماء القومي والثقافي (نعني به الموارنة) عن الاهتمام بهذه القضية، وانغماسه أكثر فأكثر بقضايا العروبة بالرغم من امتلاكه القدرة والإمكانات اللازمة لذلك.
2 ـ طغيان البعد المسيحي في الحالة اللبنانية إزاء الآخر المسلم سواء كان سنياً أو شيعياً أو درزياً، ونتيجة للضعف والعجز، يجد ممثلو الأقليات في البعد المسيحي سنداً ودعماً لهويتهم ومظلة لحمايتهم.

علماً أن الدستور والقوانين اللبنانية لا تمنع شعبنا أو غيره عن المطالبة بالاعتراف به كشعب أصيل وضمان حقوقه القومية والوطنية في إطار الدولة اللبنانية كما جاء في البرنامج السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية المقر من المؤتمر العام الاستثنائي الخامس. بل على العكس تسمح بإقامة وترخيص أحزاب قومية ودينية، وجمعيات وروابط ومدارس وجامعات خاصة، وإصدار صحف ومجلات بمختلف اللغات، وكذلك إنشاء إذاعات ومحطات تلفزيون خاصة وغير ذلك من الحقوق والحريات المتوفرة في لبنان، غير أن تحقيقها يرتبط بتوفير الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لذلك، على اعتبار أن الدولة اللبنانية لا تقوم بتمويل هذه المؤسسات.

من هنا فإن دعم مطالب شعبنا في لبنان بتصحيح التمثيل في مؤسسات وإدارات الدولة اللبنانية لا يتناقض مع المطالبة بحقوقنا القومية بل يأتي مكملاً لها .

المنظمة الآثورية الديمقراطية
اللجنة المركزية

شاهد أيضاً

الائتلاف الوطني يدين اختطاف الناشط الصحفي حسام القس

04-06-2021 تصريح صحفي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية دائرة الإعلام والاتصال 04 حزيران، 2021 …