بقلم : د. جميل حنا / عضو المجلس الوطني السوري عن كتلة السريان الآشوريين
ما زلنا آسرى الخوف الممنهج الذي طبق علينا من قبل سلطات الإرهاب والعنف والإكراه. بدون أن نتجرأ على قول الحقيقة وأن نسمي الأشياء بمسمياتها خوفا من العقاب الشديد حتى الموت. ومن تجرأ على قول الحقيقة بحق أنظمة الطغيان وتوصيفها كما هي على حقيقتها تعرض ذاك الإنسان إلى أقسى العقوبات حتى إنهاء حياته. كل فعل إرهابي يرتكب هو مدان بكل المعايير السماوية والإنسانية وحسب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية. كل إنسان حر يملك مثقال ذرة من الأخلاق والقيم الروحية والإنسانية والضمير والحس الإنساني عليه أن يدين وبكل جرأة كل فعل إرهابي إجرامي يقتل الأبرياء من الناس سواء كان هذا الفعل الإرهابي الاجرامي يأتي من قبل الأنظمة الحاكمة او السلطات المستبدة أو المجموعات والمنظمات أو الأفراد الذين يمارسون العمل الإرهابي. لأن الإرهاب هو عمل مخالف لكل القيم الإنسانية والسماوية من أي جهة أتى. وتعريف الإرهاب واضح في الكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية في مختلف مجالات الحياة ولكن هذه المفاهيم الواضحة تتعرض إلى التشويه من قبل من لا يلتزم بها. كما يرد مفهوم الإرهاب في دساتير الكثير من بلدان العالم حيث توضح مفهوم الإرهاب والتي تفسره بأشكال مختلفة ومتناقضة تتماشى مع مصالح هذه البلدان وعقائدها الدينية والسياسية والثقافية. وأحيانا أخرى يتم الخلط عمدا بين مفهوم التحرر والاستقلال والتخلص من كافة أنواع الاستعمار, وبين حق الشعوب في الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية, وبناء الدولة العصرية التي تؤمن بحقوق كافة المواطنين على مختلف عقائدهم الدينية والسياسية وانتمائهم القومي على أساس دستور وطني لا يفرق, بل يحقق المساواة بين كافة المواطنين. في هذه العجالة سأتطرق إلى الإرهاب كعمل إجرامي مدان من قبل الناس لأنه فعل كارثي يجلب الدمار والقتل والفتنة والاقتتال الديني والمذهبي والقومي فهو يدمر كيان المجتمع ويقف عائقا أمام التطور والسلم الأهلي والأمن والاستقرار. وكل أبناء الوطن خاسرون ويدفعون ثمنا باهظا نتيجة العمل الإرهابي, بغض النظر من هو الطرف الذي يمارس هذا الإرهاب. والإرهاب يطال الجميع لا يستثي احدا من المكونات الاجتماعية وبشكل عام هو ضد الأبرياء من الناس العاديين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية. إن ضحايا الإرهاب حتى الآن كان غالبيتهم من الناس العاديين. وفي بعض الحالات يكون العمل الإرهاب أو الفعل الاجرامي موجه بحق بعض الفئات الاجتماعية أو احدى المكونات الإثنية أو الدينية أو المذهبية وهذا يكون ربما أكثر كارثيا وتدميريا لكيان الوطن وبشكل عام الفعل الإرهابي هو ضد الإنسانية جمعاء, ومحاربة الإرهاب على مختلف أشكاله عمل إنساني وواجب يقع على عاتق كل إنسان يؤمن بقيم التعايش السلمي والعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد و بين مختلف أبناء الجنس البشري ويؤمن بالقيم السماوية.
الإرهاب هو أحد الوسائل المستخدمة من قبل الأنظمة لفرض سيطرتها على مقاليد الحكم والاستمرار في قيادة البلد لمصلحة فئة قليلة تملك القوة العسكرية والسياسية والمالية وأجهزة المخابرات التي تصفي نفسيا أو جسديا كل معارض لهذه السلطة وتزرع الرعب بين الناس لصالح الفئات الحاكمة ومن أجل أن تحصل هي على مكاسب شخصية وتكون فوق القوانين. والإرهاب الذي يمارس من قبل منظمات إرهابية أو أفراد أو مجموعات من البشر لتحقيق أهداف محددة تؤمن بها هذه التشكيلات. فهي تمارس العنف بأبشع أشكاله ضد كل من لا يقبل أفكارهم ولذا هم يلجأون إلى العمل الإرهابي بهدف فرض شرائعهم الخاصة وأرائهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية والإثنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وأسلوب العيش وإخضاع كل الناس على اختلاف انتماءاتهم لشرائعهم العقائدية بالإكراه..
إن ظاهرة الإرهاب لها اتجاهات فكرية وعقائدية متنوعة منه ما هو مرتبط بحالة آنية وواقع محدد لتحقيق أهداف مجموعة ما بوسائل العنف والإكراه. أو ما هو دائم مرتبط بجذور ومنشأ تلك العقائد لتحويل العالم أجمع إلى ما هم عليه ولا ترى هذه المجموعات إن ما تقوم به
إرهابا بل عمل يهدف إلى خدمة الله ويفتح لهم أبواب اللجنة المزعوم كما يعتقدون. وطبعا هذا لا يتفق مع طبيعة الله الحقيقي بل ينسجم مع طبيعة الشيطان إله الشر والعنف والقتل.
أنظمة الطغيان تمارس الإرهاب والقتل باسم القوانين التي شرعتها وهو الدفاع عن أمن الوطن والمواطن وبالحقيقية هي تمارس هذا العنف اللامحدود للدفاع عن سلطتها اللاشرعية.
إن تجفيف منابع الإرهاب يأتي من خلال إزالة وأغلاق المصادر الرئيسية للإرهاب وفضح حقيقتها ومنبعها في وسائل الأعلام العالمي والمحلي وليس فقط محاربة الظاهرة الإرهابية التي هي نتاج عقائدي ديني وسياسي وقومي فاشي. وهذا يجب أن يكون قاعدة أساسية تطبق بحق كافة الأنظمة الاستبدادية أو المجموعات الإرهابية بدون تمييز لأن الإرهاب هو إرهاب سوى كان من قبل السلطات التي استولت على السلطة بقوة السلاح والتي ترتكب أفظع المجازر بحق المواطنين الأبرياء والعزل من السلاح او من قبل المجموعات الإرهابية التي تقتل الأبرياء من الناس..
إن أحدى المشاكل الكبرى التي تقف عائقا أمام إنهاء أو التخفيف من ظاهرة الإرهاب المنتشر في العالم يكمن في اختلاف وجهات النظر حول مفهوم الإرهاب بين مختلف العقائد الدينية والسياسية السائدة في العالم وبين مختلف المدارس الفكرية والحضارية والثقافية العالمية. وعدم التوصل إلى تعريف متفق عليه يكمن أيضا في اصطدم مع بعض المفاهيم والعقائد الدينية المتجذرة في الكثير من دول العالم وفي طبيعة الأنظمة السياسية السائدة منها القوية أو الضعيفة والكبيرة أو الصغيرة وتضارب المصالح فيما بينها.
وفي حقيقة الأمر لا توجد إرادة دولية حقيقية في المجتمع الدولي ولا لدى القوى العالمية المؤثرة للتصدي بشكل فعلي لمنابع الإرهاب والاستبداد والظلم والإكراه. وإنما يتم مواجهة بعض إفرازات أو ظاهرة الإرهاب وهذا ما يجعل القضاء على الإرهاب شبه مستحيل. لأن هذا الإرهاب يرعى أو يحمى ويتم الدفاع عنه تحت مختلف الذرائع من قبل دول وحكومات في مختلف بقاع العالم. وقد يكون هذا الإرهاب مطلب وصنيعة من قبل قوى عالمية وأنظمة مستبدة أو غيرها لتحقيق أهداف واستراتيجيات بعيدة المدى من أجل السيطرة على مقاليد السلطة أو تحقيق أهداف على المستوى العالمي وفرض الهيمنة على الشعوب. وظاهرة الإرهاب الذي يمارس من قبل الأنظمة أو المنظمات الإرهابية يكون مفيدا للبعض حيث يستعمل كذريعة للتدخل من قبل قوى عالمية في شؤون الشعوب أو حتى من قبل أنظمة الطغيان التي ساهمت بتكوين مجموعات إرهابية وتنفيذ عمليات إرهابية سواء في الداخل أو الخارج من أجل تحقيق أهداف ومصالح السلطات الحاكمة. وتستخدم هذه الحجة لكسر إرادة الشعوب وسلبها الحرية والكرامة كما يحدث اليوم في سوريا. إن الشعب السوري أنتفض ضد الطغيان وفجر بركان الثورة الشعبية لإنهاء عقود من الإرهاب والاستبداد. وقد لصقت تهمة الإرهاب والمندسين بحركة الجماهير العفوية المنادية بالإصلاح ومن ثم بالحرية والكرامة
والإرهاب الفكري الممنهج ظهر في سوريا منذ الستينات من القرن الماضي عندما سيطر حزب البعث الشوفيني على السلطة بإنقلاب عسكري. ومنذ ذلك الحين مورس الإرهاب الفكري والجسدي والملاحقات والزج في السجون والتعذيب والنفي كوسائل أكراه وعنف قمع بها أصحاب الآراء السياسية المخالفة والرافضة للأفكار العنصرية وسلطة الحزب الواحد والرافضين لإيديولوجية البعث الشوفيني المنافي للقيم الإنسانية التي تميز بين مكونات المجتمع على اساس الانتماء القومي وحتى الديني منه جزئيا.
هذه المجموعات خارج القانون الدولي وخارج القوانين والدساتير الوطنية بغض النظر عن طبيعة الأنظمة التي تعيش فيها هذه المنظمات أو المجموعات الإرهابية, وضحايا هذا النوع من الإرهاب هم من الناس الأبرياء. وتستخدم هذه المجموعات الإرهابية بشكل انتقائي من قبل بعض الأنظمة أو تقوم بعض الأنظمة بتأسيسها لتوظيفها من أجل تحقيق أهداف واستراتيجيات سياسية محددة والحصول على مكاسب من خلال هذه المنظمات كورقة ضغط وأداة تستعمل في الصراع بين مختلف الدول وضمن الدولة الواحدة. وفي هذه النقطة تلتقي أهداف المنظمات الإرهابية وأهداف الأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط. كافة الأنظمة في بلدان الشرق الأوسط لا تملك الشرعية الدستورية لأنها استولت على السلطة بوسائل العنف بالانقلابات العسكرية والأنظمة الحالية هي وريثة تلك المجموعات التي استولت على السلطة بقوة السلاح وهي فرضت بالرغم من إرادة الجماهير. وما مهزلة الاستفتاء أو انتخاب الرئيس القائد إلى الأبد وبنسبة 99باالمئة هي أحدى وسائل الإكراه التي فرضت على الجماهير بمختلف الأساليب القمعية وإدخال الرعب في النفوس. والمنظمات الإرهابية التي تستخدم العنف وبث الرعب والقتل بمختلف الطرق الهمجية تعمل من أجل الاستيلاء على البلد وقيادته حسب شرائعهم.
السلطات الحاكمة والمنظمات الإرهابية لم تستطع فرض عقائدها الدينية والسياسية بالطرق السلمية على المجتمع فلذلك لجأت وما زالت إلى العنف بكافة أشكاله تستهدف كيان الإنسان جسديا ونفسيا وإرغامه على اعتناق عقائدهم.
ومع ذلك فهناك فرق بين إرهاب السلطات الحاكمة وبين إرهاب المنظمات الإرهابية.
السلطات المستبدة قد استولت على مقدرات البلد وعلى كيان دول قائمة منذ آلاف السنين ذو حضارة وثقافة وتاريخ عريق ومؤسسات دولة تدار بواسطة قوانين ودساتير سخرتها لمصلحتها وتبنت دساتير وقوانين جديدة ترسخ من هيمنتها وسيطرتها على السلطة في البلد. وهذه السلطات مارست العنف باسم القوانين والدساتير التي فرضتها على المجتمع فإذا السلطات الحاكمة تمارس الإرهاب المنظم والممنهج في اطار الدساتير العنصرية الإرهابية. وهذه السلطات الحاكمة تخادع وتنتهج سياسة الكذب والنفاق لأن ممارساتها الفعلية تتناقض حتى مع جزء كبير من الدساتير التي أقرتها بنفسها. وأهما مبادىء الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان, وحرية ممارسة العقائد بدون تمييز وحرية التعبير عن الرأي بدون خوف. والكثير من المبادىء المتعلقة بكرامة الإنسان وقضايا مصيرية مثل الدفاع عن الوطن والاستقلال وتحرير الأراضي المحتلة وحماية أمن الوطن والمواطن من العدو الخارجي والداخلي.لقد سحقت كل هذه القيم بفعل الأكراه والعنف الجسدي والنفسي والتربوي والمدرسي والسياسي والعقائدي والإعلامي والتمييزالعنصري الديني والقومي ضد مكونات وطنية أصيلة متجذرة في أرض الوطن منذ آلاف السنين, وضد الوطن وكافة المواطنين.وبشكل عام ضد الأبرياء من الناس العاديين بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية والعرقية والدينية
إن حكومات الأنظمة الديكتاتورية الشمولية في البلدان العربية أستخدمت كافة وسائل العنف والرعب والقتل والإرهاب النفسي والجسدي,عانى ومايزال يعاني فئات واسعة من المجتمع من هذه السياسات القمعية التي تمارسها الأجهزة المخابراتية الأداة الأكثررعبا في يد سلطات الإستبداد.وهذا النوع من الإرهاب مورس بشكل عنيف بحق الشعوب الأصيلة ذو الثقافات العريقة وأصحاب الأرض الحقيقيين من السريان الآشوريين والأقباط والمسيحيين بشكل عام على أرض بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام ومصر وتركيا وإيران وكذلك الأمازيغ في دول شمال أفريقيا.
(ولقد اعتبر المجتمع الدولي أن جرائم التمييز العنصري والتفرقة على أساس العرق أو الجنس من الجرائم ضد الإنسانية الني تهدد السلم والأمن الدوليين, ولكن مازالت بعض الدول تمارس الإرهاب والتمييز العنصري سواء من خلال سلطاتها الرسمية أو من خلال بعض المجموعات التي تنشأها لهذا الخصوص…)
فإذا كان الإرهاب يهدد وينتهك بكل وضوح تام حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه, أن لا يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو التي تهين الكرامة الإنسانية. والمنصوص عليها في المادتين(5.3)من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10.12.1948م واحتقار هذه المواد وعدم تطبيقها والالتزام بها يؤدي إلى ارتكاب أعمال بربرية وقتل همجي يندى لها جبين كل إنسان. إن قانون العقوبات لعام 1949 م قانون العقوبات السوري فقد عرف جريمة الإرهاب في المادة304(جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كأدوات المتفجرة والأسلحة الحربية والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطرا عاما).إذا انطلاقا من القانون الدولي والقانون الوطني السوري فنظام الاستبداد في سوريا نظام إرهابي تنطبق عليه كافة المعايير الإرهابية لأنه يمارس أبشع الجرائم ومجازر الإبادة بحق المواطنين السوريين المسالمين. ويستخدم كافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليا, وشرد الملايين وقتل خلال عامين ما يقارب مائة ألف إنسان ومئات الآلاف المعتقلين والمفقودين. وقد دمرت أكثر من نصف البنية التحتية للبلد بفعل القصف الجوي والصاروخي والمدفعي وأستخدام كافة أنواع الأسلحة الموجودة في ترسانته التي خزنت لاستخدامها ضد أعداء سوريا وشعبها. ولكن بكل أسف وألم شديد هذا السلاح الذي دفع ثمنه من لقمة عيش المواطن السوري على مدى خمسة عقود من الزمن. الشعب السوري يقتل بهذا السلاح أمام أنظار ومسامع المجتمع الدولي دون أن تتحرك لهم مثقال ذرة من الضمير.