ADO- خاص: أجرى موقع الديمقراطي لقاءا مع الأستاذ بشير إسحاق سعدي القيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية بغية إلقاء الضوء على مواقف المنظمة تجاه آخر التطورات على الساحة السياسية في سوريا و مستقبل العلاقات الكردية الآثورية ، و سبل حل الأزمة التي تعيشها سوريا بعد فشل الجهود السياسية حتى الآن إثر تعنت النظام و مماطلته بالايفاء بموافقته على المبادرات الدولية.. و فيما يلي النص الكامل للقاء:
الديمقراطي: دخلت الثورة السورية شهرها الرابع عشر و الشعب السوري لا يزال يواصل حراكه الجماهيري للمطالبة بالحرية و الكرامة ، كيف ترون المشاركة المسيحية و الآشورية خاصة في هذه الثورة، و ما هي أسباب ضعف هذه المشاركة ؟ بداية أشكر موقعكم “الديمقراطي” على استضافتي بهذا اللقاء، وموقعكم هو بحق أحد أصوات الاعتدال والواقعية على الساحتين الكردية والوطنية.
بالنسبة لسؤالكم الأول:
صحيح أن المشاركة المسيحية والآشورية بالثورة كما وصفتموها لا زالت ضعيفة، ولكن برأيي ضعف المشاركة لحد الآن هو حال جميع الأقليات القومية والدينية، وحتى مشاركة الأغلبية العربية السنية لا زالت محدودة في كثير من المدن والمحافظات لا سيما في حلب ودمشق. فالأكثرية الشعبية لا زالت في حالة تردد وصمت، وهذا لا يعني أنها مع النظام أو أنها موالية له، بل أن الغالبية الساحقة برأيي سئمته وترغب في زواله بأقرب وقت، وتحلم بنظام سياسي أفضل يحقق الحرية والعدالة والمساواة والكرامة، والجميع قاسى من القهر وكم الأفواه وكبت الحريات وتدجين المجتمع ونشر الفساد والإفساد. ويعود سبب ضعف المشاركة والتردد والصمت للغالبية من الشعب السوري وللأقليات خصوصا برأيي إلى عاملين أثنين أساسيين:
الأول:
الخوف من عواقب المشاركة، هذا الخوف هو تراكم قرابة خمسة عقود من هيمنة نظام أمني ديكتاتوري قاسى الجميع أهواله وشهدوا تنكيله بمعارضيه تصفيات وسجونا ومعتقلات ومطاردة. يضاف إليه الضخ الإعلامي الرسمي الذي شوه ذاكرة الكثيرين وحرف وعيهم بأن مؤامرة خارجية مزعومة وراء هذه الثورة وأن وراءها قوى سلفية متطرفة وعصابات مسلحة تبغي إقامة إمارات إسلامية ونشر الفوضى بالبلاد، وغير ذلك من تصورات مفبركة. الثاني:الخوف من الانتقال من السيئ إلى الأسوأ، الخوف من سقوط مفاجئ للنظام الحالي وحلول الفوضى وتحول البلاد إلى بديل مشابه للحالة العراقية أو قيام بديل إسلامي متطرف. والمخاوف هذه يعبر عنها الناس بطريقتهم الخاصة يقولون: أنظروا لبديل شاه إيران وما جلبته الثورة الإيرانية من نظام ديني متطرف لإيران كان سببا لنزوح وهجرة معظم المسيحيين منه ومعهم معظم الطبقة الوسطى الليبرالية، أنظروا للعراق وما حل به من فوضى وتفجيرات طالت الجميع وأفضت لهجرة مليون مسيحي من أصل مليون ونصف، أنظروا لما يمكن أن تجلبه الثورة المصرية من خطر إقامة نظام ديني متطرف، كانت مؤشراته سيطرة الإسلاميين على ثلثي البرلمان.
كل هذه الأمثلة تثير مخاوف لدى الاقليات الدينية بشكل خاص كونها الحلقات الاضعف في المجتمع، وتجعلها في موقع المتردد، فلا هي راضية على استمرار النظام ولا هي مطمئنة لبديله المحتمل، ساعد في كل ذلك انقسام المعارضة وتهم وتشكيك فيما بينها، وعدم تمكنها من التوحد على صيغة برنامج سياسي مشترك يبعث برسائل إطمئنان للأقليات، وبقيت الصيغ المعلنة لبياناتها في إطار العموميات، ولم ترقى إلى مخاطبة الهواجس والمخاوف لدى مكونات الشعب السوري، وقد ساهمت بعض الفضائيات الدينية المتطرفة بما تبثه من روح طائفية وتخوينية وثارية، وتسمية كثير من الجمع بأسماء دينية بعينها وأيضا تسمية التشكيلات العسكرية للجيش الحر بتسميات دينية معينة تخلق شعورا من الحساسية والسلبية لدى طوائف دينية أخرى، وساهمت تصرفات بعض المجموعات المسلحة المحسوبة على الجيش الحر والمعارضة من إعمال خطف وقتل واغتيال في بث حالة من عدم الإطمئنان لدى مختلف طوائف الشعب السوري. المسيحيون والاقليات الدينية الأخرى يحلمون بقيام نظام سياسي جديد يكونون فيه متساوون مع الأكثرية المسلمة في الحقوق والواجبات الكاملة، يريدون نظاما علمانيا حقيقيا يؤمن المساواة التامة والمواطنة المتساوية، يحق فيه لأي رجل أو إمرأة مسلما أم مسيحيا أم درزيا عربيا أم كرديا أم أرمنيا أم آشوريا سريانيا الترشح وتبوأ أعلى المناصب بالدولة بما فيها الرئاسة الأولى، أي لا دين للدولة ولا دين لرئيس الدولة، يكفي أولا وأخيرا أن يكون دينه ومذهبه وهويته سورية.
وكذا الحال للأقليات القومية، الأكراد والآشوريين السريان والأرمن والتركمان وغيرهم من مكونات، لم يستمعوا في خطاب معظم الأطر المعارضة لما هو مقنعا وملبيا لحقوقهم وطموحاتهم. كل هذه العوامل كانت سببا لتردد الأقليات الدينية في المشاركة المباشرة بالثورة. ولكن بنفس الوقت كانت نخب هذه الأقليات ومثقفيها ونشطائها في قلب الحراك الوطني منذ قيام الثورة وقبله بسنوات طويلة وتحملوا نصيبهم الوافر من القمع والمعاناة والسجون، ومن هم ضمن الأحزاب السياسية المعارضة أبلوا بلاء كبيرا في النضال من أجل الحرية ومن أجل قيام واستمرار الثورة، وبالنسبة للآشوريين السريان كانت المنظمة الآثورية الديمقراطية التي تعبر عن وجودهم وتطلعاتهم القومية والديمقراطية كانت أساسية في حلبة الحراك منذ ربيع دمشق الأول والثاني وعضوا أساسيا في إعلان دمشق وتاليا عضوا مؤسسا في المجلس الوطني السوري، وكانت مشاركة عبر شبابها في التظاهرات وفي تنسيقيات الثورة، وفي معظم أنشطة الثورة ومؤتمراتها في سوريا وفي المهجر، واستطاعت أن تكسر إلى حد كبير حالة التردد والصمت لدى شعبها في سوريا والمهجر وتوجهه نحو التعاطف ومساندة الثورة. وأعتقد أن إرادة معظم المسيحيين حاليا هي مع التغيير، وإن كانوا يفضلون انتقالا سلميا للسلطة عبر خارطة طريق يتفق علها عبر مسيرة حوار وطني جاد يشمل الجميع.
الديمقراطي: و ماذا عن المشاركة الكردية و العربية في منطقة الجزيرة ؟
من الطبيعي أن تكون الأحزاب أول من يكون مهيأ للتعامل مع المتغيرات السياسية، الأحزاب الكردية في سوريا وفي الجزيرة خصوصا كانت مهيأة للتعامل مع الحدث السياسي من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، فهي منخرطة في خضم الحراك السياسي منذ عقود تعمل من أجل الديمقراطية ومن أجل حقوق شعبها القومية، وبالتالي كانت الحركة الكردية وشارعها الشبابي مهيأة وحاضرة للتعامل مع متطلبات الثورة منذ أيامها الأولى، ويمكن القول أن حركة الشباب الأكراد سبقت قرار الأحزاب في مشاركتها وربما فرضت على أحزابها الاستجابة السريعة لمبادرتها. الأحزاب المعارضة العربية في سوريا انهكتها قوى القمع الأمنية سجونا ومطاردة ومعتقلات، وشلت حركتها تماما، وأضحت الساحة العربية شبه خالية من أي نشاط سياسي معارض، وبالنسبة للجزيرة أضحت فروع الأحزاب المعارضة متمثلة ببعض الأشخاص الذين أصبحوا تحت المراقبة في حركتهم اليومية وأنهكتهم أعمال القمع والملاحقة لسنوات طويلة، وأصبح أي نوع من المشاركة في أي نشاط سياسي معارض محفوفا بالمخاطر، كما أن معظم العرب في الجزيرة ينتمون إلى أطر عشائرية وقبلية لم تقرر قياداتها المشاركة بالحراك لحسابات خاصة بها. واستطاع النظام أن يزرغ فكرة مغلوطة لديها بأن المظاهرات الاحتجاجية في الجزيرة لها أجندات كردية خاصة، مما جعل نسبة المشاركة العربية فيها قليلة لم تتجاوز المئات من النخب الثقافية والسياسية، ولكن كان لمشاركتها إلى جانب مشاركة شباب المنظمة الآثورية الديمقراطية أهمية كبيرة في إعطاء سمة وطنية لهذه الاحتجاجات رغم أكثريتها الكردية حيث تشابكت الأعلام التي تعبرعن الهوية الثقافية والقومية للعرب والأكراد والآشوريين مع العلم الوطني، وصدحت الحناجر بوحدة الشعب السوري وحلمه بالديمقراطية والحرية. “افتخر انت سوري عربي وكردي وآشوري”، “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”. ولكن للأسف أدت فيما بعد الخلافات الحزبية بين الإطارين الرئيسيين الكرديين، “المجلس الوطني الكردي”، من جهة و”اتحاد القوى الديمقراطية” و”الاتحاد الديمقراطي” من جهة أخرى إلى انقسام في شعارات وأماكن وتجمع هذه المظاهرات، وفي غلبة الأعلام الحزبية الكردية في غياب شبه تام للعلم السوري في بعض الحالات، وفي رفع شعارات قومية كردية ليست في وقتها المناسب، أدى ذلك إلى تردد وإحجام للمشاركة العربية في الفترة الآخيرة.
وأعتقد أن هذه الحالة هي تعبير طبيعي عاطفي ناتج عن مرور عقود طويلة من القمع والكبت ومصادرة الحريات تجاه المطالب القومية الكردية جرى التعبير عنها عاطفيا على مبدأ الفعل ورد الفعل. إن إعادة رفع الرايات الوطنية والشعارات الوطنية، وضمنها الشعارات والرايات القومية العربية والآشورية والكردية تحت ظلال العلم الوطني الممثل للهوية الوطنية السورية الجامعة هو المطلوب بالمرحلة القادمة وهو القرار الصحيح.
الديمقراطي: ما هو برأيكم سبل الحل بالخروج من الأزمة التي تعيشها سوريا بعد أن فشلت إلى الآن كل الجهود السياسية و تعنت النظام فيما يتعلق بتنفيذ مبادرة عنان؟
إن سبل الحل المناسبة حاليا برأيي بعد أن وصلت الأمور إلى حالة خطيرة تنبأ بقيام حرب أهلية وفوضى مفتوحة على كافة الاحتمالات من مخاطرها الذهاب للتقسيم، وامتدادها إلى دول الجوار مما يفضي بمخاطر حرب إقليمية وربما دولية. في ظل قرار دولي بعدم التدخل العسكري، وفي ظل انقسام دولي وإقليمي، وفي ظل تساوي قوى طرفي المعادلة بين الثورة والنظام، أرى أن المبادرة الدولية القائمة “مبادرة كوفي عنان” هي أنسب الحلول، التي إن طبقت كما وردت في بنودها الستة ستفضي بالضرورة إلى رحيل النظام الحالي بأقل الخسائر الممكنة، وهذا ما يمكن ان يؤمن المناخ لمرحلة زمنية يجري خلالها تطبيق خارطة طريق يتفق عليها عبر الحوار الداخلي وعبر ضمانانات عربية وأقليمية ودولية، فالحالة السورية اصبحت شأنا دوليا وليست مجرد حالة داخلية.
ولذلك أرى أن على قوى المعارضة التعامل بايجابية مع المبادرة الدولية كونها السبيل الوحيد المتوفر لرحيل النظام وبناء سوريا الجديدة. وأعتقد أن المرحلة الراهنة توجب على المعارضة السورية بكامل أطرها التوحد في إطار سياسي وتنظيمي ترسل من خلاله رسالة واضحة تطمأن فيها كافة مكونات الشعب السوري وخصوصا الأقليات الدينية والقومية بضمان حقوقها، والدعوة إلى المصالحة وتحريم الروح الثأرية، وتطمين القوى الأقليمية والدولية بأن سوريا الجديدة ستكون عامل استقرار وازدهار وسلام في المرحلة المقبلة، تبني علاقاتها الدولية على أساس المصالح المشتركة وإرساء مبادئ السلم الأهلي والدولي. الديمقراطي: كيف وجدتم مواقف المعارضة العربية حول حالة التعددية القومية و الدينية التي تمتاز بها سوريا، وهل قدمت المعارضة مشروعا سياسيا واضحا فيما يتعلق بمصير المكونات السورية. اعتقد أن معظم أطر المعارضة لم تلامس بشكل واضح وجاد حالة التعددية القومية والدينية الذي تتسم به الحالة السورية، كما أنها لم تلامس حالة القلق والمخاوف التي تنتاب الأقليات الدينية، وأيضا لم تسعى لفتح حوار جدي مباشر مع مرجعياتها بغرض طمأنتها على مستقبلها، حيث اقتصرت بيانات المعارضة على صيغ ومصطلحات عمومية يكتنفها الغموض والضبابية، وخصوصا مصطلح “الدولة المدنية” المطروح في برامج معظم الأطر المعارضة بما هو مصطلح إشكالي، الإسلاميون في المعارضة يعتبرون أن الدولة الإسلامية هي النموذج الحقيقي للدولة المدنية، بينما يراه الليبراليون أنه الدولة المدنية العلمانية، والخلاف غير محسوم في هذه النقطة، كما يؤكد الإسلاميون على أن الإسلام هو دين ودولة، وبالتالي تبقى هواجس الأقليات الدينية قائمة إذا لم يحسم هذا الأمر تجاه التأكيد على علمانية الدولة وحياديتها تجاه الأديان والمذاهب وتأكيدها على مبدأ المواطنة المتساوية للجميع. أما ما يتعلق بحقوق الأقليات القومية فقد ورد في البرنامج الساسي للمجلس الوطني السوري صيغة واضحة ومناسبة نصت على الاعتراف الدستوري بالهوية والحقوق القومية لكلا الشعبين الكردي والآشوري السرياني، وبقية المكونات القومية الأخري، وهي صيغة جيدة يمكن البناء عليها ويمكن إغنائها بالتفاصيل اللازمة عبر مزيد من الحوار. ولكن للأسف الأطر المعارضة الأخرى لم ترقى في برامجها وبياناتها للتأكيد على حالة التعددية القومية والاعتراف بالحقوق القومية لمكونات الشعب السوري، وكمثال لم يأتي البيان التأسيسي لهيئة تنسيق العمل الوطني حتى على مجرد ذكر لوجود الآشوريين السريان رغم مشاركة حزب سرياني في عضويتها. وأعتقد أن المدخل الحقيقي والوحيد لحل لمسألة التعددية القومية والدينية في سوريا الجديدة هو الاعتراف الصريح بأن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والنص صراحة على الحقوق القومية لكافة المكونات القومية ضمن إطار وحدة الدولة والمجتمع، والتأكيد على الهوية السورية هوية وطنية جامعة لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والتأكيد أيضا على علمانية الدولة وحياديتها تجاه الأديان وإلا فإن الأزمات ستبقى قائمة دون حل.
الديمقراطي: لماذا لم تستطع المعارضة السورية الى الآن الاتفاق على وثيقة سياسية موحدة حول آفاق الثورة السورية و رؤية لمستقبل البلاد ؟
معظم الأحزاب المعارضة السورية استطاعت في 16-10-2005 التوافق على صيغة ائتلاف سياسي وطني تحت إسم “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”، كان من ضمنها خمسة أحزاب كردية كبيرة والمنظمة الآثورية الديمقراطية، إضافة للجان إحياء المجتمع المدني ومئات من الشخصيات الوطنية المستقلة، كان عنوان هذا الائتلاف القطع مع الاستبداد والدعوة للانتقال إلى النظام الوطني الديمقراطي عبر سبل النضال السلمي التدرجي، وكان هذا الإطار أكبر وأوسع توافق وطني في تاريخ النضال الوطني السوري، ولاقى أوسع تأييد وتعاطف شعبي في الوطن والمهجر. مع نهاية عام 2007 وإثر نتائج انتخابات الهيئة القيادية للإعلان “هيئة الأمانة العامة” انسحب كل من حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وحزب العمل الشيوعي احتجاجا على نتائج صندوق الاقتراع.
الاختلاف لم يكن ناتج عن خلاف سياسي بل ناتج عن خلاف تنظيمي يتعلق بنتائج الاقتراع. مع اندلاع الثورة بعد 15 آذار 2011، بادرت قوى إسلامية وشخصيات سورية مستقلة عربية وكردية في الخارج، إلى عقد مؤتمرات عديدة منها: مؤتمر انطاليا، مؤتمر باريس لدعم الثورة، مؤتمر اسطنبول الأول أعلن خلاله عن تشكيل مجلس وطني سوري من 74 شخصية، وبادرت مجموعة من الشخصيات الوطنية لعقد مؤتمر في دمشق عرف ب”مؤتمر سميراميس”، ثم مجموعة أخرى عقدت مؤتمرا في دمشق تمخض عنه الإعلان عن “تيار الدولة السورية”، ثم بادرت بعض من الأحزاب العربية والكردية وبعض تنسيقيات الثورة والشخصيات المستقلة إلى تأسيس تجمع آخر بإسم “هيئة تنسيق العمل الوطني” عقد مؤتمره الأول في ريف دمشق، وبعده بأيام جرى عقد مؤتمر آخر في اسطنبول ضم قوى “إعلان دمشق” وحزب الأخوان المسلمين ومؤتمر اسطنبول الأول (مجموعة ال 74) وعدد من الشخصيات المستقلة نتج عنه الإعلان في 2-10-2011 عن تشكيل “المجلس الوطني السوري” دعى بيانه التأسيس إلى إسقاط النظام بكل رموزه والدعوة للمجتمع الدولي لتقديم الحماية للمدنيين. ومؤخرا بادرت مجموعة من الشخصيات المستقلة بالقاهرة إلى تشكيل “المنبر الديمقراطي السوري”.
أما الأحزاب الكردية التي كانت منضوية ضمن ائتلاف “إعلان دمشق” والتي انضوت في “هيئة تنسيق العمل الوطني” انسحبت عمليا من كلا الإطارين المعارضين وشكلت مع مجموعة من الشخصيات المستقلة الكردية “المجلس الوطني الكردي”. كما ان حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي بادر إلى تشكيل إطار مواز آخر تحت أسم “مجلس شعب غرب كردستان” شكل إطارا تنظيميا تضمن تشكيل مجالس للمدن ومحاكم شعبية ومراكز ثقافية ومدارس ومؤتمرات شعبية وغير ذلك، تهيئة لملأ فراغ محتمل في الساحة. أما الثورة السورية عبر تنسيقياتها المختلفة فقد شكلت لها إطارين قياديين هامين الأول “الهيئة العامة للثورة السورية” والثاني “المجلس العام لتنسيقيات الثورة”. تشكل أيضا “الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير” ضمت حزب الإرادة الشعبية (جماعة قدري جميل) والحزب السوري القومي (جماعة علي حيدر) ويسميهم إعلام النظام ب( المعارضة الوطنية).
من خلال اللوحة أعلاه يتبين ححم الخلاف القائم بين أطرالمعارضة السورية، ويظهر سبب عدم تمكنها من التوصل لصيغة مشتركة موحدة، كما أن اختلاف هذه الأطر في تقييمها للوضع القائم ومراهناتها المختلفة على المستقبل هو أيضا أحد الأسباب، فهناك من يراهن على سقوط النظام بفعل تدخل عسكري خارجي يقوده تحالف دولي خارج إطار الشرعية الدولية كالحالة الليبية، وبين مراهن على قرار دولي عبر مجلس الأمن، وبين مراهن على تهاوي النظام بفعل الثورة السورية والجيش الوطني الحر، وبين مراهن على قبول النظام واستعداده لتطبيق المبادرة الدولية التي ستفضي حتما لزواله إذا طبقت كما وردت في بنودها الستة، وبين مراهنات أخرى، استمر انقسام المعارضة كل إطار حسب تقييماته ومراهناته للصيغة التي يقتنع بها أو للمرجعية التي يستند إليها، وكل إطار يطمح لأن يكون البديل أو المساهم الأكبر فيه، أي أن “الصراع على التاج” هو أحد أسباب ما نحن فيه من انقسام. ولكن أعتقد أن الشهور القادمة كفيلة بتوفير أجواء أفضل للتوحد بعد أن تتبين ملامح نجاح أو فشل خطة كوفي عنان، فإن ملامح فشلها أو نجاحها سيضطر المعارضة سواء بإرادتها الذاتية أو بضعوط عربية ودولية عليها توحيد صفوفها للتعامل مع نتائج نجاح أو فشل هذه المبادرة الدولية التي اعتبرها مفصلا نهائيا ومفترقا بين طريقين، وليس طرق، طريق نحو الهاوية وآخر نحو الخلاص.
الديمقراطي: كيف تقيمون البرنامج السياسي المرحلي للمجلس الوطني الكردي ؟
البرنامج المرحلي الذي تم اقراره في الاجتماع الأخير للمجلس الوطني الكردي بتاريخ 21-4-2012، يتسم بالواقعية والمرونة السياسيية، وخصوصا أنه تجاوز طرح حق تقرير المصير الذي تم طرحه في الاجتماع التأسيسي المنعقد بتاريخ 26-10-2011 الذي أدى طرحه إلى خلاف بين الحركة الكردية والمعارضة السورية بشكل عام. وأعتقد أن المهمة الملحة امام المجلس الوطني الكردي هو العمل على توحيد الصف الكردي مما يؤهله ليكون فاعلا ومؤثرا كفريق موحد يتجه للعمل والتنسيق مع مجمل الحركة الوطنية السورية بمختلف أطرها وأطيافها من أجل توحدها وصياغة برنامج سياسي مشترك أساسه الديمقراطية والعلمانية والتعددية القومية والمواطنة المتساوية وشرعة حقوق الإنسان والهوية الوطنية السورية مظلة جامعة لسوريا الجديدة وللسوريين بمختلف تنوعهم القومي والديني، وهذا سيكون في مصلحة سوريا والسوريين وبناء سوريا الجديدة.
الديمقراطي: أي الأشكال السياسية برأيكم هي الأنسب لحل القضية الكردية ( الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية ) و إلى أي شكل ستميل بقية المكونات التي تعيش مع الكرد في مناطقهم ؟
وفقا لمبادئ القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان والعهود الدولية ذات الصلة بحقوق الشعوب وحقوق الأقليات القومية، يحق لأي شعب في أي دولة أن يمنح الحق في حماية لغته وثقافته وهويته القومية والحق في مشاركته في حكم وإدارة المناطق التي يسكنها وصولا إلى الحق في تقرير مصيره إذا توفرت الشروط الواقعية والقانونية لذلك، وهذه حقوق غير قابلة للتصرف أو الجدل كونها أصبحت جزءا من القانون الدولي الإنساني، وهي ليست ايضا منة من أحد يمنحها للآخر، وكل من يتبنى الشرعة الدولية من أفراد وأحزاب وحكومات عليه الإقرار بهذه الحقوق بشكل كامل دون انتقائية ومزاجية.
من هنا في المجتمعات المتعددة القوميات أقرت الشرعة الدولية حق جميع المكونات في حماية هويتها وثقافتها ولغاتها ومشاركتها في إدارة المناطق التي تعيش عليها. وقد فصلت هذه الحقوق في “إعلان حقوق أفراد الأقليات” الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1992، وأكد عليه مؤتمر جنيف الدولي لحقوق الإنسان عام 1993 الذي أقر الارتباط العضوي بين حقوق الأفراد والأقليات والشعوب, كذلك المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والساسية لعام 1966. وعديد من البنود الخاصة في هذا الشأن في مجمل القانون الدولي. إذن يمكن القول أن مسألة الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للمكونات السورية القومية تحت ظل هوية وطنية واحدة هو أمر حقوقي قانوني سياسي على كل فرد أو حزب يتبنى مبادئ الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان القبول به دون مواربه ولف ودوران. يبقى السؤال كيف يمكن أن نطوع هذه النصوص النظرية القانونية على الأرض بما ينسجم مع اللوحة الديمغرافية والتوزع والتواجد السكاني المتنوع والمصلحة السياسية الوطنية والظروف السياسية القائمة، بشكل يجري التوفيق والتوافق على أشكال الحلول المطروحة، وبما يحقق مصالح وحقوق جميع المكونات والمصلحة الوطنية بنفس الوقت، فليس من الضرورة والصواب دوما أن تجري الحلول دفعة واحدة وبيوم واحد، بل يمكن أن تندرج عبر خطة زمنية وخارطة طريق تأخذ كل العوامل السابقة الذكر بعين الاعتبار.
وللانتقال لرأيي الخاص بما يتعلق بمضمون السؤال.
أعتقد بالنسبة للحالة الكردية المدن التي يشكل فيها الأكراد أغلبية سكانية كاملة هي مدن “عفرين” و”عين العرب” و”عامودا”، وهذه يمكن أن يطبق فيها مبدأ الإدارة الذاتية على نطاق المدينة نفسها ك”مدينة ذات حكم ذاتي”، وهناك في دمشق حييين كاملين ذو أغلبية كردية كاملة، وحيا في مدينة حلب، يمكن ان يطبق فيها شكلا من الإدارة الذاتية الخاصة بالحي، وعدا ذلك لا أرى منطقة أخرى يمثل فيها الأكراد أغلبية كاملة. الأكراد موجودون في الجزيرة بنسبة تتراوح بين الأربعين والخمسين بالمائة ضمن نسيج مختلط ومتنوع يضم العرب والآشوريين السريان والأرمن وغيرهم، ونسبا تتراوح بين الثلاثين إلى الستين بالمائة في المدن الأساسية فيها كالقامشلي والحسكة والدرباسية والمالكية والجوادية ورأس العين وقبور البيض وتل تمر وغيرها، وكلها خاضعة لحالة الاختلاط والتنوع. أي أنها مدنا متعددة القوميات، فالحل الأنسب لهذه الحالة أراه في تطبيق مبدأ الإدارة اللامركزية مع اعتماد مبدأ الديمقراطية التوافقية مرحليا، بما يحقق المشاركة للجميع في إدارة المدن والبلدات ومجلس المحافظة والمنظمات الأهلية والنقابية لكل المكونات القومية المتواجدة، وهذا الشكل أعتقد أنه يحقق العدل في مشاركة الجميع كل حسب نسبته العددية وبشكل توافقي مرحلي، ومن الطبيعي أن القرى والبلدات الصغيرة التي يكون سكانها من مكون معين أن تكون إدارتها خاضعة لهذا المكون بعينه، فمثلا في الخابور حيث ينتشر حوله لمسافة ثلاثين كيلومترا 34 قرية آشورية يمكن أن يعلن منطقة إدارة ذاتية آشورية. أما بالنسبة للحقوق الثقافية واللغوية وكل ما يتعلق بالهوية القومية لكافة المكونات، يجب أن تكون مصانة ومحمية وواجب حمايتها ورعايتها ستكون من شأن الدولة وقوانيها المنسجمة مع بنود الدستور، ومن تفاصيل هذه الحقوق الثقافية حق تعليم اللغة الأم في المدارس الحكومية والخاصة، حق تأسيس الجمعيات الثقافية والفنية والاجتماعية، والمراكز الثقافية، وحق تأسيس وسائل الإعلام وأن يكون حصة لهذه اللغات في وسائل الإعلام الحكومية، وحق تأسيس المدارس وغيرها، وبالمناسبة فإن مرسوم عراقي صدر عام 1972 منح في الحقوق الثقافية للتركمان والناطقين باللغة السريانية يحوي تفاصيل هامة فيما يتعلق بالحقوق الثقافية، كان من الناحية النظرية بادرة جيدة يمكن الاستفادة من تفاصيله.
أما ما اعتقد أنه يمثل جوهر الحقوق فهو يتمثل في الاعتراف الدستوري بالهوية القومية والحقوق القومية إداريا وثقافيا وسياسيا، يما يتيح عمليا الحق في تشكيل الأحزاب القومية، والحق في التمثيل في البرلمان وكافة الوحدات الإدارية والمفاصل السيادية بالدولة بما يتوافق مع النسب العددية، ويمكن ان يجري التوافق مرحليا على هذه النسب، إضافة للحق في تأسيس المدارس الخاصة والجمعيات الثقافية والاجتماعية الخاصة وتعلم اللغة الأم في المدارس الحكومية والخاصة. ولا بد القول بأن ما يطبق على الأكراد يعني أيضا الآشوريين السريان وكل المكونات القومية الأخرى، ويبقى ما يميز مكون عن آخر هو مقدار ما يشكله من نسبة عددية في الدولة وفي الوحدات الإدارية المختلفة، فالحقوق يجب أن تبقى في الجوهر مؤمنة للجميع بالتساوي وهذا معيار كل حق وحقيقة على الأرض.
الديمقراطي: لديكم علاقات شخصية مع الأستاذ عبد الحميد درويش بدأت منذ عام 1990 خلال فترة وجودكم كنواب في مجلس الشعب، كما ان لديكم علاقات مميزة مع الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، كيف ترون دوره ودور الحزب على الساحة السياسية الكردية و السورية عامة؟
تعرفت على الأستاذ حميد درويش عن قرب خلال تواجدنا سوية في مجلس الشعب السوري بالدور التشريعي الخامس، كان للاستاذ حميد وعائلته احتراما كبيرا لدى أهلي ولدى جميع أهل الدرباسية وخصوصا السريان منهم حيث لا ينسون لهم موقف عائلة آل درويش المضيف لهم حين حلوا في قرية القرمانية بعد نزوحهم من ماردين وحولها بعد الحرب العالمية الأولى قبل تأسيس مدينة الدرباسية، التي تأسست مع بداية عام 1925، ولا ينسون موقف عائلة آل درويش في الوقوف إلى جانب مسيحيي الدرباسية إبان المخاطر التي تعرضوا لها عام 1946 فيما عرف ب”طقة الباطرية”. والأستاذ حميد رجل مبادئ ومواقف لا يحتاج لتعريف أو وصف، يتسم بالواقعية والاعتدال والحكمة والشجاعة فضلا عن الكرم والانفتاح الاجتماعي على مكونات المجتمع بكامل طيفه القومي والديني، وأعتقد أنه أحد أهم المراجع والرموز الاجتماعية ليس للأكراد فقط بل لمجتمع الجزيرة عموما، كان له دور هام في حل كثير من النزاعات والمشاكل التي حدثت في المجتمع، وقد أحسن رفاقه في وصف حضوره وشخصه وقامته في الكتاب الذي نشروه قبل عامين، ولا يمكنني أن أضيف أكثر مما كتبته فيه في متن هذا الكتاب. أما “الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا” فهو أيضا حزب كردي بامتياز وسوري وطني بامتياز من خلال أفكاره ومواقفه ومصداقيته السياسية، وأعتقد أن هناك مماهاة كبيرة بين الحزب وسكرتيره وعموم شخصياته القيادية التي تعرفت عليها، ولم أشعر بأي حواجز بيني وبين سكرتير وقيادة الحزب خلال الأعوام الطويلة التي كان لي فيها شرف العلاقة الحزبية والشخصية، والتي أعتقد أنها موجودة أيضا بين الحزب والمنظمة الآثورية الديمقراطية التي أنتمي إليها.
الديمقراطي: ما هي آفاق العلاقات الكردية الآشورية خاصة و إن هناك عوامل عدة ما تجمع المعارضة الكردية و الآشورية ؟
العلاقة الكردية الآشورية محكومة بالتواصل والتوافق بحكم التاريخ والجغرافيا ومصالح الحياة المشتركة، الشعبين عاشا متجاورين لعهود طويلة على أرض مشتركة تقاسما العيش المشترك فيها بحلوه ومره، وخيارهما الوحيد هو تقاسم أسباب العيش المشترك معا ومع بقية شركائهم في الوطن المشترك، عانى الشعبان معاناة مشتركة من الغبن والقهر والظلم والاستبداد، ويتطلعان إلى مستقبل يتحقق فيه العدل والمساواة وقيم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، أعتقد أن كلا الشعبين الآشوري السرياني والكردي بما يختزناه من ثقافة وأرث حضاري عريق يؤهلهما لأن يكونا نموذجا ومثالا حيا في بناء وإقامة مجتمع جديد يليق بحلمهما المشترك وحلم كل السوريين، لبناء “الحلم السوري”، لبناء سوريا جديدة ديمقراطية حرة وطنا نهائيا لكل أبنائها. الديمقراطي
السبت 26 أيار 6762 آ 2012م