تل أبيب – وكالات++ قال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى، إن «فرضية العمل لدى الجيش، هي أن القواعد العسكرية الإسرائيلية ستكون عرضة لصواريخ حزب الله وحماس وسوريا، في أي مواجهة مقبلة»، مشيراً إلى أن «الجيش أسّس شعبة خاصة لإدارة أعمال تنسيق جهود حماية قواعد الجيش» ضد الهجمات الصاروخية المحتملة.
وذكر وزير الدفاع، إيهود باراك، في مناسبات عدة : إن لدى حزب الله منظومة صاروخية قادرة على إصابة جنوب إسرائيل، وقد تضاعفت قواته ثلاث مرات عمّا كانت عليه قبل حرب لبنان الثانية. أضاف الضابط الإسرائيلي لمراسل صحيفة جيروزاليم بوست أمس، أن «مهمة الشعبة الجديدة هي وضع معايير لمستويات الحماية المطلوبة للقواعد، ولتمكينها من مواصلة العمل خلال الحرب، وخاصة للقواعد المرجح أن تتلقى صليات صاروخية» خلال الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن «وزارة الدفاع الإسرائيلية عملت على تعزيز الدفاعات حول قواعد سلاح الجو، وغيرها من المنشآت المهمة، وتحديداً في المنطقة الشمالية وعلى طول الحدود مع قطاع غزة»، مضيفة أن «سلاح الجو الإسرائيلي وزع على قواعده مواد خاصة قادرة على إصلاح المدرجات بسرعة، وتمكين الطائرات من الإقلاع والهبوط في حال تعرضها لصليات من الصواريخ».
وبحسب مصدر عسكري إسرائيلي فإنه «في حال اندلاع حرب مع سوريا أو مع حزب الله، فإن سلاح الجو سيعمل على نقل طائراته إلى قواعد بديلة»، مشيراً إلى أن «الإجراءات المتبعة لاستدعاء الاحتياط خلال الحرب المقبلة، ستكون مغايرة عن السابق، وسيستدعى عناصر الاحتياط إلى مناطق سرية بدلاً من أماكن الاستيعاب التقليدية، بناءً على تقدير أنّ العدو سيستهدفهم بالصواريخ».
كيف تنظر إسرائيل إلى تطور القدرات الاستخبارية لحزب الله؟ وهل ترى تناسقاً بين تعاظمه العسكري الموصوف، وتعاظمه الاستخباري حيالها؟ وما هو دور استخبارات حزب الله في مواجهة اعتداءات إسرائيل على لبنان؟ وكيف ترى مكانة استخباراته في أي حرب مقبلة؟ حاول مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، في بحث للباحث أمير كوليك بعنوان «حرب حزب الله السرية مع إسرائيل». في ما يأتي أهم ما برز فيها يهدف البحث الذي أعدّه مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أخيراً، بتوقيع الباحث أمير كوليك، إلى التركيز على الوجه الاستخباري لصراع حزب الله مع إسرائيل، استناداً إلى نشاطه السري ضد الدولة العبرية.
وسيحاول هذا البحث، بناءً على الحالات البارزة لتجسس الحزب على إسرائيل في السنوات الماضية، تظهير هذه المعركة السرية، والوصول إلى استنتاجات تتعلق بأساليب عمله وأهدافه والأبعاد النابعة من ذلك، بالنسبة إلى إسرائيل. رأى حزب الله، منذ تأسيسه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، أن إسرائيل عدو ينبغي السعي إلى إزالته، وبناءً على هذا التوجه، أدار صراعاً عسكرياً قاسياً مع وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان، إلى حين انسحاب إسرائيل من الحزام الأمني في أيار عام 2000، وتمظهر هذا الصراع في عمليات شنّها الحزب على مواقع الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي، وتضمّن عمليات عسكرية وأمنية من أنواع مختلفة، تشمل النيران عن بعد، زرع عبوات، مهاجمة مواقع، وإطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه شمال إسرائيل.
جزء من هذه المعركة، جمع مقاتلو حزب الله معلومات (استخبارية) تتعلق بالجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي عملت في لبنان. ومن خلال تحليل خصائص نشاط حزب الله في تلك السنوات، يبدو أن عمليات الجمع كانت تجري، أساساً، عبر نقاط مراقبة تابعة للحزب، كانت تستهدف دراسة النشاط الروتيني للقوات الإسرائيلية المختلفة، لتثميرها في حينه، بمهاجمة مواقع الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي، وزرع عبوات على جوانب الطرق. جمع المتعاونون مع حزب الله داخل الحزام الأمني معلومات مشابهة في ماهيّتها، لكنها كانت أكثر موضعية وتركيزاً، واستُخدمت للقيام بعمليات نوعية. ومثالاً على ذلك، قتل قائد وحدة الارتباط في لبنان، العميد ايرز غيرشتاين، (شباط 1999) والشخصية البارزة في جيش لبنان الجنوبي، عقل هاشم (آذار 2000).
استهداف العمق الإسرائيلي
تغيّر طابع صراع حزب الله مع إسرائيل بعد انسحاب الجيش من الحزام الأمني، إذ توقف القتال الجاري والمكثف ضد الجيش، وبدأ حزب الله رصد موارد أكبر لمراكمة قدراته تمهيداً لمعركة شاملة مع إسرائيل. ووفقاً لهذا التوجه، تغيّر نوع المعلومات الاستخبارية التي عمل حزب الله على جمعها، سواء عن الجيش أو عن دولة إسرائيل. وبما يتلاءم مع ذلك، تغيرت أساليب العمل المتبعة لجمع المعلومات، رغم أنه سُجِّلت عمليات متفرقة بين الحين والآخر على الحدود، وبالأخص في منطقة مزارع شبعا. ومن تحليل قضايا التجسس المختلفة، يتبيّن أن العمل الاستخباري لحزب الله تركز في تلك الفترة، وفقاً لما كُشف من شبكات التجسس التابعة للحزب خلال عامي 2001 و2003، على جمع معلومات عسكرية تكتيكية، أساساً.
بدأ حزب الله في هذه الفترة تركيز نطاق اهتمامه الاستخباري، بالتدرج، نحو مناطق أكثر بعداً عن الحدود، وصولاً إلى وسط إسرائيل، متجاوزاً في ذلك الجيش الإسرائيلي نفسه، من بينها جمع معلومات ذات طابع جغرافي دقيق، تتعلق بأهداف إسرائيلية مركزية وأساسية، سعياً إلى استطلاع مسبق لمناطق عمله المستقبلية. برز في هذا المجال سعي الحزب إلى بناء قاعدة للمعطيات تتعلق بمنشآت للبنى التحتية المدنية الإسرائيلية، ومنشآت عسكرية وغيرها، وهذه المعطيات تمكّنه من التخطيط لشن عمليات تستهدف هذه المنشآت في المستقبل، علماً بأن هذا النوع من الأماكن محميّ ومحصّن نسبياً، حيال عمليات أمنية وعسكرية موضعية.
في أعقاب جهود حزب الله في السنوات الماضية لبناء منظومات صاروخية، يمكن القول إن قاعدة المعلومات التي جمعها الحزب تستهدف إيجاد «بنك للأهداف»، لاستخدامه في حرب شاملة على إسرائيل. وفي ضوء ذلك، يطرح السؤال الآتي: ما الذي يدفع حزب الله إلى إعداد قائمة (أهداف) في ضوء عدم دقة السلاح المدفعي الذي يمتلكه الحزب؟ الجواب عن هذا السؤال يكمن في بعدين: الأول يرتبط بأسلوب استخدام السلاح الموجود في حوزته، فإذا كان يخطط لضرب أهداف محددة في عمق الشمال وفي منطقة وسط إسرائيل، فمن الممكن أن يقوم بذلك عبر إطلاق صليات صاروخية باتجاه الهدف نفسه، وبناءً على ذلك يرتفع إمكان إصابتها.
وبكلمات أخرى، يمكن في الحرب المقبلة أن تكون الجبهة الداخلية الإسرائيلية «العميقة» (منطقة حيفا ـــــ تل أبيب) أكثر انكشافاً أمام صواريخ حزب الله، لا أمام عدد محدود من الصواريخ كما شهدنا في حرب لبنان الثانية فحسب، بل أمام صليات صاروخية تستهدف استنزاف المدنيين، وأيضاً تستهدف إصابة أماكن محددة (حساسة.
يرتبط البعد الثاني بالقدرات العسكرية لحزب الله، إذ وفقاً لتصريحات متحدثين إسرائيليين مختلفين، ضاعف حزب الله قدراته الصاروخية كثيراً، سواء أكان من ناحية الكمّ أم من ناحية مدى هذه الصواريخ. هذا ما أكده وزير الدفاع، إيهود باراك، في مناسبات عدة، إذ قال إن لدى حزب الله منظومة صاروخية قادرة على إصابة جنوب إسرائيل، وقد تضاعفت ثلاث مرات عمّا كانت عليه قبل حرب لبنان الثانية.