Hisen65@gmail.com سوريا ++ إنه التاريخ المشترك ذاته الذي لا مناص منه والذي قاد الأمتين الكردية والاثورية لخوض غماره والتفاعل معه عبر جل النكبات التي تصدتهما طيلة مسيرتهما المشتركة من أفراح وعذابات وانكسارت جمة وفي أكثر من موقع جغرافي في ظل كلّ القوانين والدساتير الظالمة والمسيطرة في شرقنا الصعب. من هنا وخلال ما خلفه لنا أنبياؤنا ورسلنا الأولون من فكر إنساني ومعرفي خلاق والأجدر بنا جميعاً شعوباً وقبائل وأمم العالم بالاهتداء لما أكد عليه السيد المسيح في الإنجيل المقدس (في البدء كانت الكلمة في البدء كان الله).
من هذا المنطلق علينا أن نتحاور ونتباحث جدياً ,لأنهما المعبران في الكلمة ذاتها ,كما دعا إليه آنذاك السيد المسيح عليه الصلاة والسلام اوجد بدوره معنى للكلمة وغاية وهدف بعيداً عن مفاهيم العنف والقتل والزنازين وإبعاد الآخر مهما كان هذا الآخر في اختلاف معنا, سواء ان كان في فكره أو سياسته أو عقيدته أو دينه أو قوميته أو في لونه وشكله.
من هذا المنطلق كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ كبرئيل موشي كورية عضو المكتب السياسي للمنظمة الاثورية الديمقراطية في سوريا..؟
يقول الاستاذ كبرئيل موشي كورية في هذه الحوارية السياسية والثقافية:
†- برأيي إن شعوب الشرق تمر بمرحلة مخاض..
†- نستنكر حملات التشويه والافتراء والتحريض المنظمة من قبل السلطة
†- الأنظمة الاستبدادية لعبت دورها في تأخير الانفتاح على الحركة الكردية.
†- نعمل لبناء أفضل العلاقات الأخوية مع إخوتنا الأكراد والعرب في سوريا..
†- اعتدنا الصراحة والوضوح في كل حواراتنا ولقاءاتنا مع أحزاب الحركة الكردية
†- الواقع السياسي السوري هو واقع مأزوم ,ويواجه استعصاءات وانسدادات كبيرة
†- أشاطرك الرأي بأن المنظمة الآثورية الديمقراطية تعاني من الضعف في حقل الإعلام
لنبدأ معه بالحوار:
بداية نود لمحة موجزة عن حياتك الشخصية..من هو الأستاذ كبرئيل موشي كورية (الإنسان- السياسي – الكاتب)..؟
كبرئيل موشي كورية مواليد القامشلي عام 1962, متزوج ولي ابنة و ثلاثة أولاد.
– مهندس زراعي , خريج جامعة حلب 1984.
– عضو في المكتب السياسي للمنظمة الأثورية الديمقراطية.
– عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق.
– عضو رابطة نصيبين للأدباء السريان.
– أكتب باللغتين العربية و السريانية في مجالات السياسة و الأدب والتراث.
نتيجة سياسة العزل والكتمان المدروسين فان القوميتين الكردية والاثورية المتعايشتين جغرافياً في كونية مشتركة وقد تعرضتا سوياً إلى اضطهاد مشترك عبر تاريخهما الغابر. لذا من هذا المنطلق لم يتسنى لهما التعرف على الآخر بشكل واضح وحقيقي (حياته الاجتماعية والثقافية والسياسية – انطلاقة حركته السياسية- مطالبه – أهدافه). ارجوا منك أستاذي الكريم قبل الخوض في غمار هذا الحوار تعريف الرأي العام بانطلاقة الحركة السياسية للقومية الاثورية (تاريخياً) وبالذات منظمتكم (المنظمة الاثورية الديمقراطية) في سوريا .. ؟
بداية أجد من المفيد تقديم تعريف موجز بالشعب الأشوري “السرياني” قبل الإجابة على سؤالك, حتى تكون الصورة أوضح للأخوة القراء ,فالشعب الآشوري ((السرياني)) اليوم وفق رؤية المنظمة والأدبيات القومية التي سبقتها وكذلك الكتابات التاريخية والكنسية, يتوزع على عدة كنائس مشرقية هي :
– كنيسة المشرق القديمة ـالكنيسة الآشورية الشرقية
– الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية
– كنيسة بابل للكلدان
– الكنيسة السريانية الكاثوليكية
– الكنيسة السريانية المارونية
– كنيسة السريان الملكيين ((روم أرثوذكس وكاثوليك ))
ومعظم هذه الكنائس يستخدمون اللغة السريانية بلهجتها الشرقية والغربية في طقوسهم الكنسية و حياتهم اليومية باستثناء الروم الأرثوذكس و الكاثوليك التي تحولت هي وأتباعها إلى العربية,وهذا التحول جرى خلال مسار طويل, ودفعت إليه ظروف معقدة ليس هنا مجال الحديث عنها. كما أن الكنيسة المارونية و إن كانت ما زالت تستخدم السريانية في طقوسها و بالرغم من إقرار مجمعها الأخير بانتماء الكنيسة المارونية هوية و ثقافة إلى السريانية فإن معظم أتباعها استعربوا لا بل أن بعض رجالاتها لعبوا دورا محوريا في إطلاق النهضة القومية العربية أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين و يكاد يقتصر التعاطي في الشأن القومي هوية و انتماء على إتباع كنيسة المشرق القديمة ((الآشورية و الكلدانية)) و الكنيسة السريانية ((أرثوذكس وكاثوليك)). وهؤلاء ينتشرون في سوريا والعراق وإيران وتركيا ولبنان. ومع اختلاف التسميات الشائعة في أوساط الشعب الآشوري وباستثناء من استعرب من أبناء هذا الشعب ((وهم كثيرون)) فان الغالبية, يعتبرون أنفسهم ورثة واستمرارا حيا ومتواصلا لشعب وحضارة ما بن النهرين وبلاد الشام بتسمياتها ومراحلها التاريخية من سومرية وأكادية وآشورية وكلدانية وبابلية وآرامية وسريانية , التي هي تسميات عرف بها هذا الشعب في ما بين النهرين وفق السياق التاريخي لكل تسمية. وطغى الاسم الآشوري على مجمل الحراك في الساحة القومية لشعبنا منذ أواخر القرن التاسع عشر, وبه عرفت قضية هذا الشعب في المحافل الدولية بعد الحرب العالمية الأولى مرورا بعصبة الأمم وانتهاء بهيئة المم المتحدة في مؤتمرها التأسيسي . ودفع إلى هذا عوامل حضارية وثقافية وسياسية نابعة من ظروف وواقع هذا الشعب وتطور حركته القومية .والشعب الآشوري مثل سائر شعوب السلطنة العثمانية , فان نخبه الفكرية والثقافية تأثرت بالفكر القومي الأوربي, واستفادت من أجواء الحرية النسبية التي سادت مطلع القرن الماضي في إنشاء المدارس والجمعيات , وإصدار الصحف والمجلات , وبزغت بوادر النهضة الفكرية والقومية في غير مكان في امد ((ديار بكر)) ,الرها ,خربوط, اورميا … قادها رجال مثل نوم فائق وآشور يوسف, ومار شمعون بنيامين , فريدون اثوريا, توما اودو, أغا بطرس وغيرهم .كما تنامت النزعة التحررية عند الشعب الآشوري الذي عانى من الاضطهاد القومي والديني على أيدي الأتراك ,وثار من اجل التخلص من الظلم والاضطهاد و من اجل نيل حقوقه القومية كما فعلت جميع شعوب السلطنة من العرب والكرد والارمن وغيرهم . بيد أن طموحاته تكسرت على صخرة مصالح الدول الكبرى التي تقاسمت تركة الرجل المريض . وبلغت ذروة المأساة لدى هذا الشعب أثناء الحرب العالمية الأولى عندما تعرض مسيحيو السلطنة لحملات إبادة جماعية ,وتطهير عرقي وديني, شملت الأرمن والآشوريين ((السريان)) واليونانيين …. قضى فيها من شعبنا وحده ما يزيد على نصف مليون إنسان ,وخلفت هذه المأساة تداعيات سلبية مست وجود هذا الشعب وأفقدته توازنه وتماسكه من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والديموغرافية, ومازالت أثارها في بعض المناطق قائمة إلى اليوم. وما يؤسف له انه في الوقت الذي كان فيه العديد من القادة الأكراد وكذلك العرب منشغلين بالقيام بدورهم الإنساني النبيل والمشرف في حماية إخوتهم وشركائهم من المسيحيين من آلة القتل التركية, استجاب قادة أكراد آخرون للدعاية التركية وساهموا معها بقتل شركائهم انسياقا وراء العامل الديني . بعد نشوء الدول والكيانات الحالية في الشرق الأوسط ,ساد شئ من الاستقرار النسبي, أتاح لشعبنا مداواة جراحه ,وإصلاح أوضاعه. وبالرغم من أن الحكومات تنكرت لكل مطالبه, ومارست سياسات التمييز الإقصاء والتهميش بحقه ,وعملت على تذويبه وصهره في بوتقة القومية الكبيرة ,وعملت على طمس معالم هويته وخصوصيته القومية, إلا أن شعبنا لم يستسلم لهذا الواقع. بل على العكس فإنه في سوريا ساهم وبشكل فعال مع بقية شركائه من العرب والكرد والارمن في بناء الجزيرة وتحقيق ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ,وانخرط في الحركة السياسية الوطنية دون أن ينسى تنمية وتطوير واقعه ,والحفاظ على خصوصيته .من خلال إنشاء الجمعيات والأندية والمدارس, والفرق الكشفية والفنية ,حيث شهدت مدينة القامشلي حراكا ونشاطا خصبا على الصعيد القومي, ومن رحم هذا الحراك ولدت المنظمة الآثورية الديمقراطية في الخامس عشر من تموز عام 1957 كأول تنظيم سياسي قومي في التاريخ المعاصر للشعب الآشوري. وبعدها ظهرت تنظيمات وأحزاب أخرى في العراق والمهجر وأماكن أخرى . ومنذ انطلاقتها, فان المنظمة جعلت من الحفاظ على الوجود القومي الآشوري في الوطن هدفا لها ,بالترابط مع نيل حقوقه المشروعة. وتدعو الحكومات الوطنية إلى الاعتراف الدستوري بالشعب الآشوري كشعب أصيل ومنحه كافة حقوقه السياسية والثقافية ,ضمن إطار وحدة البلاد وسيادتها, واعتبار لغته وثقافته لغة وثقافة وطنية ينبغي دعمها وحمايتها والحفاظ عليها .وعلى الصعيد الوطني العام تدعو لقيام نظام ديمقراطي علماني قائم على أسس العدالة والمساواة ,ويقر بالتعدد والتنوع القومي والديني والثقافي في سوريا, وبناء دولة القانون والمؤسسات, دولة لكافة مواطنيها.
برؤية سياسية كيف يمكن لنا قراءة الواقع السياسي السوري أمام كل هذه التغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط و أين هو موقع (كلدو اشور) من هذه التفاعلات.. ؟ وتحديدا من هذه التغيرات المذكورة وماهو موقفكم في المنظمة الاثورية فيما يجري الآن على الساحة السورية…؟
الواقع السياسي السوري هو واقع مأزوم, ويواجه استعصاءات وانسدادات كبيرة على صعيد السياسة والاقتصاد والفكر والبنى الاجتماعية والأوضاع المعاشية, تجعله يدور في حلقة مفرغة, وتدفعه بعيدا عن مسار التطور المطلوب, وغير قادر على مواكبة التغيرات الجارية في الشرق الأوسط بما يخدم المجتمع السوري في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والحداثة ويعود نلك إلى العزلة التي تعيشها سوريا في هذه المرحلة وانخراطها في القضايا الإقليمية على حساب الاهتمام بالمسائل الداخلية جريا وراء تجديد الأدوار والأحجام وتوسيع النفوذ ضمن الفضاء الإقليمي المفتوح على احتمالات تنذر بحصول مجابهات ومواجهات خطيرة, تدفع أطرافا دولية وإقليمية كالولايات المتحدة ((ومعها إسرائيل)) وإيران باتجاه تصعيدها انطلاقا من بؤر التوتر الساخنة في فلسطين ولبنان والعراق, تنفيذا لأجندات تتناقض و مصالح شعوب المنطقة الطامحة إلى استقرار ودمقرطة وتنمية دولها. أو بسبب التهرب من القيام بإصلاحات داخلية جادة وحقيقية تشمل كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والتعليمية, كفيلة بإزالة التوتر والاحتقان من المجتمع السوري ,وتجنيبه التجارب المؤلمة التي مرت بها بعض دول الجوار. وتفسح في المجال أمام انتقال ديمقراطي سلمي تدرجي وآمن. وبقناعتنا فإن الأزمات القائمة في مجتمعنا نابعة من طبيعة النظام الشمولي, واستحكام نزعة الاستئثار والاحتكار عند أهل السلطة والتي صادرت بموجبها الحياة السياسية ,وأقصت المجتمع وقواه الحية من التعاطي بالشأن الوطني العام, إلا بما يخدم استمرارها في الحكم وإدامة احتكارها له . ولتحقيق الانتقال الديمقراطي نجد أنه لا مناص من إطلاق الحريات العامة, وإعادة السياسة إلى المجتمع ووقف العمل بقانون الطوارئ, والإفراج عن سجناء الرأي, وتنظيم الحياة السياسية وتأمين التداول الديمقراطي للسلطة عبر إصدار قوانين عصرية للأحزاب والانتخابات, وإعادة الاعتبار إلى مفهوم المواطنة وتغليب المصلحة الوطنية على كل ماعداها ,ومعالجة أسباب الأزمات المعاشية المتفاقمة, والحد من الفساد وانتشاره. على أن يترافق ذلك بتعديلات دستورية تنهي الاحتكار وتقر بالتنوع القومي في المجتمع بما يؤمن العدالة والمساواة لجميع المواطنين. سبيلنا إلى ذلك الانفتاح والحوار الجاد والمسؤول بين جميع القوى الحية في المجتمع. والفرصة مازالت بين أيدينا فيما لو توفرت الإرادة والرغبة.
بوضوح تام ما هي رؤية منظمتكم منظمة الاثورية الديمقراطية إلى القضية الكردية في سوريا, ما هي وجهة نظركم في حقوق الشعب الكردي في سوريا والتي تتجسد في ما تنادي بها الأحزاب الكردية عبر برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية …؟
أخي الكريم: اعتدنا الصراحة والوضوح في كل حواراتنا ولقاءاتنا مع أحزاب الحركة الكردية وغيرها من الأحزاب الوطنية. ولا أخفيك بأن علاقاتنا مع الأحزاب الكردية في الماضي ,شابها شئ من التردد والتحفظ وحتى التوجس أحيانا, وسبب ذلك يعود إلى العلاقات المتوترة بين الشعبين الآشوري والكردي في الماضي القريب, وبعض الصفحات المظلمة في التاريخ, أيضا سياسة العزل وتخويف المكونات الوطنية من بعضها البعض والتي مارستها أنظمة الاستبداد لعبت دورها في تأخير الانفتاح على الحركة الكردية .والتوجس الشعبي نتج عن شعارات استفزازية ضد الوجود الآشوري ((السرياني)) والمسيحي أطلقها متظاهرون أكراد في مناسبة تشييع الشيخ الخزنوي. وأدانتها الحركة الكردية بمجملها كونها تسئ إلى قيم ومفهوم العيش المشترك. طبعا تجري هناك أحداث فردية بين الحين والآخر يسعى البعض لتضخيمها بشكل مبالغ به, بقصد توتير العلاقة بين الشعبين ومنع أي مسعى للتقارب بينهما . غير أن كل ذلك لم يمنع المنظمة والأحزاب الكردية من اللقاء والحوار ,حيث زادت مساحة الفهم المشترك واتسعت ,ودفع هذا إلى بناء علاقات إيجابية مع أحزاب الحركة الكردية ,خصوصا مع الجبهة والتحالف ,وهذه العلاقات تتنامى باطراد . وبالنسبة إلى الماضي ,صحيح أننا ندين بعض أحداثه وشخوصه من منظورنا الخاص , ونستحضره أحيانا لأخذ العبرة والاتعاظ منه .لكن لا نبني توجهاتنا ومواقفنا بدلالة الماضي . إذ أن اهتمامنا ينصب على الحاضر والمستقبل .ونعمل لبناء أفضل العلاقات الأخوية مع إخوتنا الأكراد والعرب في سوريا عموما والجزيرة خصوصا حيث يربطنا معهم مصير مشترك وتطلعات مشتركة,وأجزم بأن هناك إرادة مشتركة لدى الطرفين للارتقاء بهذه العلاقة نحو الأفضل . أما بخصوص الحقوق الكردية في سوريا ,فإننا لا نجادل في أحقية المطالب الكردية المشروعة بالاعتراف بوجودهم القومي ,ونيل حقوقهم السياسية والثقافية ,في إطار وحدة سوريا ,وكذلك رفع كل أشكال الظلم والتمييز التي تطالهم . وأفترض أن أحدا لا يجادل في أحقية المطالب الآشورية أيضا . ونعتبر ذلك من القضايا الوطنية التي ينبغي أن تحظى بحيز أكبر من اهتمام النخب الوطنية ,والمسارعة إلى حلها حلا وطنيا ديمقراطيا وعادلا . وكلي ثقة بأننا سنتوصل سوية إلى تحقيق ذلك بمؤازرة القوى الوطنية الديمقراطية ,وعبر إتباع سياسات واقعية قائمة على الاعتدال والعقلانية .
لا يمكن على الإطلاق عزل الواقع السياسي في سوريا عن مجمل العملية السياسية و تطوراتها في المنطقة برمتها, وذلك للترابط الدقيق بين الإحداث والمستجدات التي لها تفاعلاتها الإستراتيجية العميقة داخل عملية التحول الجارية محلياً وعالمياً من هنا نود معرفة العمق الاستراتيجي لمنظمتكم (منظمة الاثورية الديمقراطية في سوريا ) …؟
اعتقد أني أجبت عن جزء من سؤالك , وأتفق معك بأنه لا يمكن عزل الواقع السياسي السوري عما يجري في المحيط الإقليمي أو على الصعيد العالمي .فالصراع العربي الإسرائيلي مازال يخيم على حياتنا منذ عقود ويعطل السياسة والتنمية على حد سواء ,وقضية الجولان المحتل واستعادته ,مازالت تمثل أولوية وطنية .وزلزال العراق وصلت ارتداداته إلى بلادنا وإصابتها في العمق, والإرهاب يطل برأسه مع تنامي المد التكفيري. وقضية الصراع الأميركي الإيراني لسنا بعيدين عن تأثيراتها , والأزمة اللبنانية المفتوحة منذ اغتيال رفيق الحريري وتداعياتها اللاحقة ,استدعت المزيد من الضغوط على سوريا .كما أنه من الطبيعي أن يتأثر الشعب السوري بهذه الضغوط ,وأن ينتابه القلق, ومن الطبيعي أن يتفاعل مع دعوات الديمقراطية وحقوق الإنسان .وبرأيي فإن راهنية هذه الملفات وضخامتها وخطورتها بالذات هي ما يستدعي تخفيف الضغط المفروض على المجتمع وقواه الحية ,وإحداث انفراج عاجل على صعيد الداخل السوري ,باتجاه الانفتاح والحوار وتعزيز اللحمة الوطنية ,وتجاوز الشروخ التي أصابتها .
أما الشق الثاني من السؤال ,في الحقيقة لم أفهم المقصود بالعمق الاستراتيجي لمنظمتنا .فإذا كان المقصود أن للمنظمة علاقات أو تحالفات مع قوى إقليمية أو دولية ,فإنني أؤكد بأنه لا المنظمة ولا شعبنا يحظى بأي راع سواء كان إقليميا أو دوليا ,ولا يتمتع بأي دعم من أي نوع كان .ومأساة شعبنا في العراق خير دليل على ذلك . وهذا لا ينفي اتصالنا مع شعبنا وأحزابه ومؤسساته في الوطن والمهجر ونتضامن ويتضامنون معنا .وتستمد المنظمة قوتها ومشروعيتها من احتضان وتأييد شعبها لها ولمواقفها ,وخياراتها القومية والوطنية ومن متانة ورسوخ علاقاتها مع القوى الوطنية ,وتفهمها لطروحاتها .
ما هي رؤيتك أو تقيمك لواقع الحركة القومية الكردية في سوريا من حيث أدائها (السياسي والثقافي والاجتماعي) وتفاعلاتها مع الأطراف الأخرى-منها الحليفة -والمتواجدة في البلاد كالمنظمة الاثورية الديمقراطية في سوريا ….؟
لقد فرضت الحركة الكردية نفسها بقوة على المشهد السياسي في سوريا بفعل تضحيات أعضائها ,وحيويتها السياسية والثقافية , بحيث جعلت منها واحدة من الروافع الأساسية للعمل الوطني الديمقراطي .ونجحت من خلال ربط نضالها القومي بالنضال من أجل الديمقراطية في اختراق الحصار المفروض عليها ,واكتسبت صداقات وبنت علاقات ,وعقدت تحالفات ولاسيما انضمامها إلى إعلان دمشق , ووفر لها هذا عمقا وامتدادا وطنيا . وعلاقات المنظمة الآثورية الديمقراطية مع أحزاب الحركة الكردية تعود إلى مطلع التسعينات , ومنذ البداية قامت على الاحترام المتبادل , وبالرغم من حملات التشويه فان العلاقة استمرت في تصاعد , واختبرت في أكثر من مناسبة واستحقاق فكانت النتيجة في غالب الأحيان مرضية للطرفين . وإنشاء الله تستمر هذه العلاقات وتقوى بالتوازي مع تمتين العلاقات مع إخوتنا العرب وبقية شركائنا في الوطن .
انتم في المنظمة الاثورية الديمقراطية في سوريا، إلى أي مدى بمقدوركم المساهمة الجادة في (إعلان دمشق للتغير الديمقراطي) بما إنكم أعضاء فيه, ذلك من اجل تخفيف الضغط عن أعضائه والذين اعتقلوا وزجوا في السجون…؟
إن إعلان دمشق شكل حالة وطنية سياسية متقدمة , لم تشهدها الحياة السياسية في سوريا , إذ ضم طيفا واسعا من القوى الوطنية من مختلف الانتماءات والمشارب , توافقت على هدف التغيير الوطني الديمقراطي السلمي , وفتح أملا لكل المواطنين التواقين إلى الحرية ,لأنه مثل خيارا وطنيا خالصا . وشكل مختبرا حقيقيا لتعارف وتفاعل وتفاهم قوى وطنية مختلفة . وبعقد الاجتماع الموسع للمجلس الوطني الذي حضره ممثلين عن القوى والأحزاب المنضوية في إطاره وشخصيات مستقلة جاءت من كافة المحافظات ,يكون قد حقق نقلة نوعية في أدائه , وانتقل إلى مأسسة عمله وهيئاته باتجاه ترسيخ العلاقة مع المواطنين . لهذا استنفرت السلطة أجهزتها الأمنية من أجل ضرب قوى الإعلان , عبر استخدام وسائل القمع والاعتقال . إننا في المنظمة الآثورية الديمقراطية إذ نكرر إدانتنا لاعتقال قياديي إعلان دمشق د. فداء حوراني رئيسة المجلس الوطني وأمناء السر : ا. أكرم البني , د. أحمد طعمة وأعضاء الأمانة العامة , ا.علي العبد الله , د. وليد البني , ا.جبر الشوفي, د. ياسر العيتي, وأعضاء المجلس الوطني: ا.فايز ساره, ا. محمد حاج درويش, ا. مروان العش . فإننا ندعو إلى الإفراج الفوري عنهم جميعا وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين . كما ونستنكر حملات التشويه والافتراء والتحريض المنظمة من قبل السلطة على قوى ومواقف وقيادات الإعلان , ونحذر من مخاطرها . وتؤكد أنها لا تخدم المصلحة الوطنية بل تدفع إلى زيادة التوتر والاحتقان في المجتمع . أما عن مساهمة المنظمة الآثورية الديمقراطية , فإن المنظمة هي جزء من الإعلان وشريك فيه , وهي ممثلة في الأمانة العامة والهيئات الأخرى . وهي ملتزمة بكل ما يصدر عن الإعلان , وما تقره قيادته في الدفاع عن زملائنا المعتقلين .
الإعلام الناجح هو الإعلام الذي بإمكانه أن يعطي صورة واقعية وحقيقية وحضارية لحاضر ومستقبل المجتمع في مختلف مجالاته .؟! ألا تشاركني الرأي بان ثمة ضعف واضح وملموس في مسألة الإعلام عندكم اقصد في منظمتكم خاصةً منظمة الاثورية الديمقراطية …؟؟! ما الأسباب برأيك وأين تكمن المشكلة في تصورك ..؟
أشاطرك الرأي بأن المنظمة الآثورية الديمقراطية تعاني من الضعف في حقل الإعلام . وسبب ذلك يعود إلى قلة الخبرة وإلى قلة الكادر المدرب . ونعمل بشكل حثيث على معالجة هذا الضعف وتجاوز أسبابه وتطوير نشرتنا وموقع المنظمة على الإنترنت .
أن الذين بشروا لأول مرة بولادة السيد المسيح هم من الأكراد، بشهادة الإنجيل المقدس نفسه وكان المبشرون ثلاثة من أتباع الديانة الماغية، والماغيون هم من أصول كردية… ما رأي الأستاذ كبرئيل موشي كورية بهذا الكلام الذي يبدو وكأنه غريب إلى حد ما..؟
بالفعل فإن هذا الكلام يبدو غريبا علي , أو على الأقل لم أطلع عليه في أي من قراءاتي. لكنني لا أستبعد أن يبشر الأكراد أو غيرهم من الشعوب برسالة المسيح التي جاءت للإنسانية جمعاء, ولم تكن حكرا على شعب دون آخر.
وبحسب علمي, ووفق قراءاتي للإنجيل المقدس, والمدونات الكنسية المكتوبة باللغة السريانية والتي أرخت للمسيحية منذ بدايات انطلاقها في بلاد الشام والرافدين.فان الماغيون أو المجوس بالعربية, وبالسريانية( مغوشي) الذين هم الرعاة الثلاثة القادمين من الشرق, كانوا شهودا على ميلاد السيد المسيح في مغارة بيت لحم, وقدموا له الهدايا. وحسب علمي لم يسجل لهم أي نشاط تبشيري. وكلمة المجوس في الثقافة العربية اقترنت بالفرس إما في السريانية فان كلمة (مغوشي) تشير إلى طبقة دينية امتهنت حرفة التنجيم والفلك. وهي مرادفة لكلمة ( كلدايا = كلداني ) التي كانت تدل في الحقبة البابلية على الكهنة الذين كانت حرفة الفلك والتنجيم في صميم عملهم. وهذه المهنة ازدهرت في بلاد الرافدين لاسيما في بابل التي كانت خاضعة آنذاك للحكم الفارسي الساساني. وهناك من يرى أن طبقة المجوس استوعبت أفرادا ومجاميع من شعوب متعددة كالهنود والفرس والآشوريين وربما الكرد وغيرهم.
أما عن التبشير, فان أول من قام به هم الرسل ( الحواريون ) وتلاميذهم, ومن نقل المسيحية إلى العراق هما مار ماري ومار أدي تلميذا توما الرسول. وشيدت أول كنيسة في (كوخي). بعدها امتد التبشير بالمسيحية ليصل إلى تخوم الصين والهند, وكشف عن نقوش ومنحوتات على حدود الصين ومنغوليا مكتوبة بالسريانية تدل على هذا النشاط. والى يومنا هذا يوجد فروع لكنيسة المشرق في الهند في مقاطعة المليبار يناهز عدد منتسبيها ثمانية مليون إنسان, وتقر بتبعيتها وقيادتها الروحية لكنائس المشرق وتقيم طقوسها وصلواتها باللغة السريانية.
بعد هذا الحطام المخيف الذي نشاهده يومياً أمام أعيننا في هذا الشرق الصعب بكل تركيبته… ماذا يقول الأستاذ كبرئيل موشي كورية في مستقبل هذا الشرق الذي لم يشبع من التهام أبنائه الأبرار سجناً وموتاً وجوعاً وحرماناً والى ما هناك من عذابات كثيرة…؟!! برأيك إلى أين يمضي بنا هذا الشرق ..؟
إنني متفائل بأن الشرق لابد وأن يتجاوز محنته , ولابد أن ينفض عنه الاستبداد , وينال حريته , وأن يأخذ بأسباب الحداثة والتقدم , ويزيح عن كاهله الجهل والتخلف , وينبذ كل أشكال التعصب والتطرف التي لا تنتج سوى القتل والكراهية والإرهاب المشهد الحالي يبدو قاتما , ولا يعكس حقيقة تفاؤلي , لكن برأيي إن شعوب الشرق تمر بمرحلة مخاض , سبقتنا الكثير من الشعوب إليها ودفعت أثمانها , قد تطول أو تقصر , وقد تكون أكلافها باهظة . هذا يتوقف على شعوب المنظمة وقبولها لبعضها البعض , وقدرتها على تمثل قيم العصر , والتفاهم والتعاون فيما بينها , وإدارة صراعاتها وخلافاتها بالطرق السلمية الحضارية , بما يكفل الاستفادة من خيراتها وإمكاناتها لتحقيق الرخاء والازدهار ونظم ديمقراطية عصرية مستقرة. أستاذي الكريم كبرئيل موشي كورية كلمة أخيرة تود قولها في هذا الحوار .. لنتمسك جميعا بثقافة الحياة , ولنعمل معا من أجل غد أفضل لأطفالنا .
وختاما أشكرك على هذا اللقاء وعلى سعة صدرك .