أيام قليلة ويدخل قانون سيزر حيز التنفيذ، هذا القانون الذي أطلقت عليه الجهة التي أصدرته اسم “قانون حماية المدنيين في سوريا” والذي تذهب تفاصيله الى اتجاهات متعددة قد تجعل من حماية المدنيين هدفا ثانويا وربما يتحول إلى مجرد عنوان ليس أكثر.
ثمة أخبار لاتزال غير مؤكدة تتحدث عن تفاوت في تطبيق هذا القانون في الجغرافيا السورية، فهناك منطقتا نفوذ لأمريكا وتركيا لن يطبق عليهما هذا القانون بالشروط ذاتها التي سيطبق بها في مناطق نفوذ روسيا وإيران، باختصار ربما يصح القول إنه قانون يراد منه محاصرة النظام السوري عبر محاصرة أشخاصه ومؤسساته وعبر محاصرة حليفيه الرئيسين (إيران وروسيا) أيضا، من أجل صياغة التوافق السياسي بين الأطراف الفاعلة في الساحة السورية وفق التصور الأمريكي الإسرائيلي لمستقبل سوريا، فهل يؤسس التطبيق المتفاوت لقانون سيزر لحالة تقسيم أو ترسيخ مناطق نفوذ طويلة الأمد؟
لا يمكن هنا تناول تداعيات تطبيق هذا القانون من كافة جوانبه، فهذا يحتاج لمقالات متعددة، ويحتاج لمختصين أيضا خصوصا إذا أردنا تناول انعكاساته على الاقتصاد السوري المتهاوي أصلا والذي يترنح كل صباح تحت وطأة مستجد جديد، ويحتاج لحقوقيين فيما لو أردنا فهم آليات تنفيذه بدقة، ما أريد تناوله هنا في هذا المقال هو فقط الجانب المتعلق بمفاعيل هذا القانون داخل البيئة التي تخضع لسيطرة النظام وحلفاؤه.
عند كتابة هذا المقال كانت مواقع التواصل تتناقل سعر الصرف للدولار الواحد ب 2150 ليرة سورية، وتتناقل الفقدان السريع لأنواع كثيرة من الأدوية، وأسعار تتصاعد كل لحظة فتجعل من الجوع شبحا مرعبا يهدد النسبة الساحقة من السوريين، الأدهى من هذا أن سعر الصرف مرشح للارتفاع كل لحظة، وبالتالي فإن هذا الصعود السريع لسعر الدولار مقابل الليرة يعكس بوضوح مدى هشاشة الوضع الاقتصادي للنظام، ومدى عجزه عن القيام بأي فعل يوقف هذا التداعي في كل جوانب الحياة داخل مناطق سيطرته.
تدل الإجراءات التي يقوم بها النظام على تخبط أحمق يسم معظم هذه الإجراءات وسيكون لها تداعيات بالغة السوء خصوصا اصرار النظام على مقاسمة السوريين ما يصل لهم من مساعدات، أو نهب ما تبقى لديهم بقوة السلاح، وباسم القانون وبالتهديد بالسجن لفترات طويلة وباللعبة السمجة ذاتها وأقصد وجود سعرين للصرف، الكارثة أن سعر الصرف للدولار وفق المصرف المركزي السوري لا يساوي إلا ثلث قيمته في السوق السوداء (704 في المصرف، و2150 في السوق)
قد لا يكون منطقيا قراءة التداعيات المحتملة اقتصاديا واجتماعيا لقانون سيزر وردود الفعل عليه، بالقياس على ما حصل خلال السنوات الماضية رغم تشابه الكثير من الظروف من حيث الحصار ومن حيث تردي الأوضاع الاقتصادية ومستوى المعيشة الخ، لكن اليوم – عدا عن تفاقم الشروط السابقة – فإن شروطا أخرى أضيفت لها، هذه المتغيرات الجديدة ستدخل السوريين منعطفا جديدا في المرحلة القادمة وسوف تكون تداعياتها مختلفة أيضا، وتحديدا على البيئة الموجودة في مناطق سيطرة النظام.
لعل أهم المستجدات التي ستجعل من تداعيات قانون سيزر مختلفة عن تداعيات الحصار في المرحلة السابقة، وتجعل منه أشد تأثيرا تكمن في:
1- القانون يستهدف بالإضافة الى العلاقات والوسائل الاقتصادية الرسمية المعلنة، الطرق والوسائل غير المعلنة، أو الطرق السوداء، التي كان النظام وحلفاؤه يستخدمونها للتحايل على الحصار، وبالتالي فإن ما كان يمكن تدبره سرا في السابق سيصبح تدبره بعد سريان القانون أكثر صعوبة وأكثر تكلفة.
2- كانت المصارف اللبنانية وحركة النقل بين لبنان وسوريا من جهة، والعراق وسوريا من جهة أخرى أحد أهم الطرق السرية للتحايل على الحصار، اليوم وفي ضوء انهيار النظام المصرفي اللبناني وتداعيات هذا الانهيار فإن حركة الأموال التي خففت من أزمة النظام سابقا أصبحت ضيقة وبالغة الصعوبة، وفاقمت من أزمة النظام المالية.
3- بعد ما يقارب السنوات العشر على انفجار الثورة السورية أصبح الكثير من السوريين الموالين على قناعة بأن هذا النظام غير قادر على حمايتهم، لابل إنه أصبح اليوم عقبة أمام لقمة خبزهم ومستلزماتهم الأخرى، وأنه سبب رئيسي في دمارهم.
4- لم يكن تأثير خروج الصراع الدائر في الحلقة الضيقة لعائلة الأسد إلى العلن تأثيرا عاديا، لقد فجر هذا الصراع هواجس كثيرة داخل البيئة الموالية ودق جرس الإنذار بأن ما انتظروه طويلا لم يعد قائما وأن الكارثة قادمة وبالتالي لابد من البحث عن حلول.
5- قبل هذا القانون كان النظام يعتمد على حيتان المال في الداخل السوري، اليوم أغلب هذه الحيتان سيتوقف عن هذا الدعم ويرتب لخلاصه الفردي.
6- ضعف الدولة وهشاشتها أصبح واقعا معاشا يتلمسه السوريون دائما، فلا الدولة قادرة على ضبط الأسعار، ولاهي قادرة على توفير الحد الأدنى من المتطلبات، والسوريون متروكون لتوحش السوق وألاعيبه، ولفقد المواد.. وحدها القبضة الأمنية لاتزال تحكم قبضتها على رقاب العباد.
في ظل هذه المتغيرات، وفي ظل الإحساس باليأس الذي يجتاح السوريين في الداخل بدأت أصوات عدة تعلو، لابل يمكن القول إن شريحة واسعة من السوريين هناك لم تعد قادرة على الصمت، ومن يتابع التفاصيل التي تجري يمكنه بوضوح أن يتلمس حالة من الرفض تتفاعل تحت قشرة الصمت السائدة، وأن هذه القشرة بدأت تخترق وتتحطم شيئا فشيئا.
بالتأكيد لن تستطيع هذه الأصوات إحداث نقلة نوعية في مسار الحدث السوري في هذه المرحلة، فهي من الضعف والتشتت ما يحول دون انتشارها الواسع، لكن في ظل تفاقم الأزمة المعيشية وفقدان المتطلبات الأساسية للحياة فإن أحدا لا يمكنه الجزم بأن لا تنفلت الأحداث فجأة لتباغت أكثر اليائسين من حصولها تماما كما باغتتهم الثورة السورية.
بغض النظر عن مدى اتساع وقوة هذه الأصوات المتململة، وبغض النظر عن رأي قسم كبير ممن يحسبون على المعارضة حول انعكاسات قانون سيزر على الأوضاع المعيشية للسوريين في الداخل، فإنه من الواجب على القوى السياسية الديمقراطية أن تسعى للتلاقي مع هذه الأصوات، وأن تعمل ما بوسعها لنشرها ونقلها إلى مستوى أكثر قوة وفاعلية، وهذا يحتم عليها اعتماد خطاب مختلف عن الخطاب اللامسؤول بمعظمه والذي ساد جهة المعارضة خلال السنوات الماضية، والذي اتصف بالتنميط والاتهام والشماتة، وقسّم السوريين الى تقسيمات ارهقتهم وارهقت ثورتهم.
يجب أن يركز الخطاب الجديد على تلاقي السوريين، وعلى حتمية مصيرنا الواحد بغض النظر عن تصنيفاتنا وضرورته القصوى في المرحلة القادمة:
1- الفصل بين النظام وبين من يعيشون في مناطق سيطرته، والتوقف عن تصنيفهم جميعا في تصنيف واحد، فالنظام استطاع بخطابه وبممارساته أن يجعل من المعارضة السورية عشرات المعارضات، بينما لايزال خطاب المعارضة السائد يشكك في أي صوت يخرج من مناطق سيطرة النظام، ويتهمه بالتآمر أو بمحاولة النجاة من السفينة الغارقة، أو بالعمل الاستخباراتي.
2- التوقف عن استعمال التصنيفات المتداولة بكثرة، والتي تباعد بين السوريين وتجعلهم جزر متناثرة (داخل وخارج) (موالاة ومعارضة) (طوائف وقوميات واثنيات ومناطق الخ).
3- والتركيز على تصنيف (نظام – شعب) (جرائم – محاكمة وقانون) هوية عليا سورية لا هويات صغرى الخ.
4- قانون سيزر كان نتيجة مباشرة لممارسات السلطة الحاكمة وليس مؤامرة.
5- – التضامن التام مع السوريين المتضررين من هذا القانون.
6- عند إعلان تأييدنا لقانون سيزر يجب أن نشير إلى تضامننا الكامل مع أهلنا السوريين في الداخل، الذين سيعانون حتما جراء تنفيذه، وتحميل مسؤولية هذه المعاناة الى النظام ومن يحالفه.
7- الاهتمام بالصرخات التي تعلو مهما تكن قليلة والاضاءة عليها ومساندتها.
8- الاهتمام بالمعاناة اليومية للسوريين في داخل ورصدها والوقوف الى جانبها.
إن اللقاء السوري الديمقراطي مطالب قبل غيره بتبني الخطاب الوطني الجامع، ومطالب أيضا قبل غيره بالتركيز على محاور التلاقي وتكريسها كمرتكزات من أجل إعادة الاعتبار للهوية السورية بصفتها الهوية الجامعة التي تعلو فوق كل الهويات الأخرى.
اللقاء السوري الديمقراطي – اللجنة السياسية
9 حزيران 2020