سلام حسن
لا يخفى الآشوريون السريان، سواء الذين يعيشون في شمال شرقي سوريا، أو المقيمون في الخارج، حزنهم هذا العام لأن عيد “أكيتو” مر دون احتفالات اعتادوا أن يخرجوا فيها إلى أماكن ذات طبيعة جذابة، أو الاحتفال رسمياً في مقرات الأحزاب السياسية في المنطقة فهو “لم يقم تحت قبة السماء المفتوحة، وغابت الرقصات الفلكلورية والأزياء المزركشة”.
وتسببت الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي وباء كورونا بغياب الاحتفالات لهذا العام، ما بعث في نفس “ليندا جرجس” الحزن، إذ اعتادت السيدة الخمسينية المقيمة في السويد، أن تعود قبيل شهر نيسان من كل عام، للاحتفال بأعياد الربيع مع أهلها وأصدقائها وجيرانها بمسقط رأسها في مدينة القامشلي.
وتقول “جرجس” بشيء من الخيبة، لـ”نورث برس”: “إنه قدرنا أن نعاني، وأن نكافح للوصول إلى الفرح”.
لكن الهجرة خارج البلاد كانت سبباً في حرمانها وعائلتها من العيد لسنوات طويلة، ولاحقاً حينما أتيحت لهم الفرصة، “كان الفرح بأكتيو يزيل معه سنوات من القهر والكبت ومرارة الغربة”، بحسب ما تحدثت في اتصال هاتفي مع نورث برس.
ورغم أن الظروف الحالية جعلت من الصعوبة استعادة تلك الأجواء الاحتفالية في الطبيعة، إلا أن السيدة تصر على التمسك بطقوس العيد وإبقاء الاحتفال به قائماً “ولو بين جدران المنزل… سنلبس الأزياء الملونة وسنرقص و نغني، ونحتفل في كل عام، ولن نستسلم لكورونا”.
رأس السنة البابلية الآشورية
ويقول داود داود مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية لـ”نورث برس”: “إن عيد “أكيتو” (رأس السنة البابلية الآشورية) الذي يصادف الأول من نيسان، يعتبر عيداً قومياً لدى السريان الآشوريين، وهو يعبر عن تجدد الحياة، ويحمل في معانيه الفلسفية علاقة الإنسان بالطبيعة والبحث عن سر الحياة.
ويصادف هذا العام بحسب التقويم الآشوري العام /6770/ آشوري، وهذا الرقم هو ناتج مجموع سنوات حكم الملوك قبل الميلاد مع السنوات ما بعد الميلاد في بلاد الرافدين.
“طقوس أكيتو”
وتستعيد السيدة “جرجس” الأجواء التي كانت تعيشها خلال الأعوام الماضية وتقول “كنا نجتمع في ساحات المدينة نرفع الأعلام ونلبس أزياءنا الملونة التراثية. نعقد حلقات الرقص ابتهاجا بالمناسبة، كباراً صغاراً شباناً وشابات”.
وتضيف “العيد لا يعني الفرح وحسب، بل يعني أيضا تآخينا ونسيان الضغائن بين بعضنا، وهذا أسمى ما في عيد “أكيتو”، كونه يعيد الصفاء للقلوب”.
ومن الطقوس المتبعة في العيد، بحسب السيدة “جرجس”، تحضير الوجبات وأنواع الطعام الشعبية ليلة العيد، مثل “ورق العنب”، خصوصاً في منطقة تل تمر حيث تزدهر زراعة الكروم، وفي الصباح الباكر وقبل بزوغ الشمس، يكون التجمع في منطقة “المغلوجة” في ريف الحسكة حيث تخيم العائلات، وتقام المنصات لتقديم المسرحيات التي تكون غالباً مستمدة من تاريخ “أكيتو” إلى جانب الرقصات الفلكلورية وترديد الأغاني.
“زفاف مقدس”
وتقول الرواية المتداولة عن “أكيتو” أنه مرتبط بـأسطورة الإله دموزي (تموز) العائد من الموت، فخطيبته عشتار(إنانا) أبت أن تتركه في العالم السفلي بعد هبوطه إليه وأسره فيه، لتتمكن من تحريره وتنقذه من الموت، وليقام لهما زفاف مقدس، فيعم الخير في البلاد.
كما تذهب المصادر التاريخية إلى أن البابليين كانوا يحتفلون برأس السنة الجديدة في بابل القديمة، في الأيام الـ/11/ الأولى من شهر أبريل/ نيسان.
ويلفت السياسي، كبرئيل موشي كورية، في حديثه لـ”نورث برس”، إلى أن “أكيتو” يعتبر من أقدم الأعياد التي يحتفل فيها السريان الآشوريين والكلدان في سوريا والعراق و جنوب شرق تركيا، وحيث تنتشر الجاليات السريانية الآشورية في أوروبا واستراليا وأمريكا وكندا، على اعتباره عيداً قومياً لها في كل أنحاء العالم”.
وللعيد خصوصيات يتفرد بها، كما يشير موشي، “فهو يعتبر من أقدم الأعياد التي احتفلت به البشرية، وكانت تتجسد فيه الملاحم الأسطورية، وخصوصاً ملحمة الخلق البابلية “الإلنيوما إيليش”.
ويضيف السياسي الآشوري أن الكنيسة لا تحتفل بـ”أكيتو” رسمياً، لكنها تهنئ وتبارك به، “أكيتو يعني اليوم الجديد، وهو مشابه لأعياد أخرى مثل النوروز”.
ويلفت إلى أن الآثار التي اكتشفت في بلاد ما بين النهرين دلت على هذه المناسبة، “السريان الآشوريين احتفلوا به لاحقاً، وأن قسماً من تقاليد هذا العيد انتقلت لهم”.
“توق إلى الحرية”
ودرجت العادة في هذا العيد قديماً أن يتنقل النساء في الأرياف لجمع أول ورود نيسان، كما وكن يجمعن الندى ليخثّرن به الحليب، وكذا يجمعن الورود البرية ليضعنها على أبواب منازلهن، إذ كانت تسمى باقة نيسان، لتعطي نوعاً من التفاؤل وشكلاً من أشكال التفاعل مع الطبيعة والخصب.
لكن العيد “تأثر خلال السنوات الماضية بالوضع الأمني في سوريا، لذا كان يقام في أماكن مغلقة” وفقاً لموشي.
ويتحدث السياسي كيف أضفت “الحركة القومية السريانية الآشورية على العيد معاني جديدة، ذات بعد قومي وأكسبته رمزية التوق إلى الحرية، وإصرار الشعب على البقاء في وطنه ما بين النهرين بسوريا، كما والدعوة إلى الاعتراف بالقومية للسريان الآشوريين في العراق وسوريا”.
ويرى موشي أن العيد نتيجة لذلك “نال اهتماماً شعبياً أكثر وبدأ الناس يترقبونه، فهو فرصة للتفاعل مع الطبيعة والتعبير عن إرادة الحياة”.