18-07-2018
الإخوة ممثلي الأحزاب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني
الإخوة ممثلي أحزابنا ومؤسساتنا السريانية الآشورية
ضيوفنا الأكارم
الأخوات .. الإخوة الحضور..
مساء الخيـــر….
يسعدني باسم قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية، بأن أرحب بكم أجمل ترحيب في هذا الاحتفال الذي نقيمه بمناسبة الذكرى الحادية والستين لتأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية، شاكراً لكم حضوركم ومشاركتكم لنا في هذه الأمسية الوطنية الجامعة.
كما أتوجّه بالتهاني الحارّة إلى أبناء شعبنا السرياني الآشوري، وبشكل خاص إلى رفيقاتنا ورفاقنا في الوطن والمهجر بهذه المناسبة الغالية على قلوبهم.
الأعزاء الحضور:
منذ أكثر من ستين عاماً، وهنا في مدينة القامشلي اختمرت الفكرة في عقول نخبة من الشباب السرياني الآشوري، فكرة اقتبسوها من رواد نهضتنا القومية كـنعوم فائق وتوما أودو ومار شمعون بنيامين وآغا بطرس وفريد نزها.. وبتوجيهات وإرشادات الملفان شكري جرموكلي، نضجت الفكرة، وتحوّل الحلم إلى حقيقة، فكانت ولادة المنظمة الآثورية الديمقراطية كأول تنظيم سياسي في صفوف شعبنا السرياني الآشوري. لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورود أمامها، فخلال مسيرتها الممتدة إلى ستة عقود خلت، تعرّضت للكثير من حملات التشكيك والمضايقة والترهيب من قبل النظم الديكتاتورية المتعاقبة، وصولا إلى زجّ العشرات من قياداتها وكوادرها في السجون، ناهيك عن الفصل التعسّفي من الوظائف، لا بل أكثر من ذلك، حيث تطوّعت بعض شخصيات وجهات من شعبنا لتكون جزءا من الحملات الظالمة التي طالت المنظمة وأعضائها، بقصد منع فكرها من الانتشار، وتعطيل دورها النهضوي، لكنّها بهمّة وعزيمة رفاقها، استطاعت تجاوز الكثير من الصعاب، معتمدة على نفسها وعلى الإيمان بمبادئها وأهدافها، وعلى الثقة بحاضنتها الشعبة والوطنية، بعيدا عن أي ارتهان، إقليميا كان أو دولي. ونقول للبعض الذي ما زال يشكك بمواقف المنظمة القومية والوطنية، لو لم تكن المنظمة الآثورية الديمقراطية موجودة كإطار وفكر ومسيرة نضال وتضحيات؟ هل كنّا سنشهد هذا التطور في الساحة القومية في الوطن والمهجر متجسدا في أحزاب ومؤسسات وأندية؟.. هل كان هناك ثمة من يعترف بوجود وهوية شعبنا، في الساحة الوطنية السورية؟!. وهل كان البعض يتخيّل من دون المنظمة عقد مثل هذا الاجتماع أو هذه الأمسية التي تتجسّد فيها وحدة شعبنا القومية والوحدة الوطنية للشعب السوري بكل قومياته من عرب وآشوريين وأكراد وأرمن.. مسيحيين ومسلمين وإيزيديين. هذا الجمع الذي يشكل نموذجاً مصغراً ورائعاً لسوريا المستقبل التي نطمح إليها، سوريا التي نستحقها، وتستحقنا.
أعزائي الحضور:
قامت الفكرة القومية للمنظمة الآثورية الديمقراطية على قاعدة وحدة شعبنا بكافة طوائفه وتسمياته، باعتباره استمراراَ حياَ ومتواصلاً لشعب وحضارة مابين النهرين وسوريا، بتسمياتها ومراحلها التاريخية المتعددة، من سومرية وأكادية وآشورية، وكلدانية ـ بابلية، وآرامية وسريانية. وهي جميعاً تسميات عُرف بها شعبنا في هذه المنطقة وفق تسلسل تاريخي حضاري يجسد منظومة لغوية وإنسانية واحدة ومتكاملة.
ومن أجل تجاوز واقع الاضطهاد والحرمان والتهميش الذي عانى منه شعبنا طويلا، فقد عملت المنظمة وتعمل من أجل الحفاظ على الوجود القومي للشعب السرياني الآشوري، وتثبيت حقه بالعيش على أرض وطنه متمتعاً بكامل حقوقه القومية والإنسانية، وبكامل حقوق المواطنة بالتساوي مع كافة شركائه في نظام ديمقراطي يتسم بالعدالة والمساواة والشراكة الكاملة. وتطالب بالاعتراف الدستوري بحالة التنوع القومي والثقافي واللغوي في سوريا، والإقرار بالوجود والهوية القومية والثقافية للشعب السرياني الآشوري، وضمان كافة حقوقه القومية والسياسية، واعتبار لغته وثقافته السريانية، لغة وثقافة وطنية، وذلك ضمن إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
وإيمانا منها بأنّه يستحيل تحقيق مطالب شعبنا خارج الإطار والحاضنة الوطنية لها، وعبر حلّ ديمقراطي شامل لمسألة التعدّد القومي فإنّ المنظمة الآثورية الديمقراطية، طرحت ومنذ سنوات طويلة فكرة التلازم مابين النضالين الوطني والقومي. وقد اكدت في مبادئها على أن الشعب هو مصدر السيادة ومصدر جميع السلطات، وبأن الديمقراطية هي النظام الأمثل لبناء المجتمعات المتحضرة باعتبارها حالة إنسانية راقية، ونظام عالمي ذي اسس وقيم محددة وواضحة تستند إلى مبادئ الحرية وسيادة الشعب، ودولة المؤسسات، وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وبأنها نظام قائم على حكم القانون وسيادته.
ولهذا عملت على مسارين:
مسار قومي: يتمثّل بالانفتاح على كافة أحزاب شعبنا ومؤسساتنا، بهدف توحيد طاقات شعبنا، ورفع مستوى التعاون، وتطوير صيغ العمل المشترك فيما بينها، وصولا إلى توحيد الرؤى والأهداف القومية والوطنية لحركتنا القومية. ونهج المنظمة هذا جعل منها محورا لكافة المبادرات على الصعيد القومي، ومنطلقا لكل أشكال التعاون والتنسيق بين أحزابنا ومؤسساتنا في الوطن والمهجر. في الماضي أظهرت المنظمة استعدادها، واليوم تبدي جاهزيتها للانخراط بالعمل القومي المشترك، وبما يخدم مصالح شعبنا ووطننا بعيدا عن الأنانيات والمصالح الحزبية الضيقة.
مسار وطني:
على المستوى الوطني أضحت المنظمة جزءاً من الحركة الوطنية الديمقراطية في سوريا، وشريكا أساسيا في العديد من أطر المعارضة الوطنية الديمقراطية سواء قبل الثورة السلمية للشعب السوري أو بعدها. حيث تعمل مع كافة القوى الوطنية،على بناء دولة ديمقراطية علمانية تستجيب لتطلعات كافة السوريين إلى العدالة والحرية والكرامة. وترتكز المنظمة في مقاربتها للمسائل الوطنية، إلى احترام وحدة الدولة السورية بحدودها الراهنة المعترف بها من الأمم المتحدة باعتبارها وطنا نهائياً لجميع ابنائها. وتعمل على إعادة الاعتبار للرابطة الوطنية السورية، وتنميتها وتعزيزها، وبناء هوية وطنية سورية جامعة، هوية وطنية عصرية عابرة لحالات الانقسام المجتمعي سواء على أساس قومي أوديني أو طائفي أو مناطقي، كمدخل لمعالجة وتجاوز الخلل والشرخ الكبير الذي اصطنعه النظام الشمولي بين مختلف فئات الشعب السوري والذي عمّقته الحرب وزادته حدّة، والسعي لتحويل حالة التنوع والتعدد إلى عنصر غنى وإثراء وطني، بدلاً من أن تكون عامل تمزيق للهوية الوطنية السورية، ومهدد للوحدة الوطنية. خصوصا وأنّ المنظمة تتبنى النهج السلمي الديمقراطي، وترفض كل أشكال التعصب والتطرف والاستعلاء القومي والديني، وتعمل من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز قيم المواطنة والاعتدال والعيش المشترك، وجعل الحوار والانفتاح والتفاعل قاعدة أساسية للعلاقة بين مكونات المجتمع، ومختلف التيارات السياسية والفكرية.
ضيوفنا الأعزاء:
بعد أكثر من سبع سنوات من الصراع الدامي في سوريا وعليها، تتسارع التطورات الميدانية والعسكرية في الساحة السورية، بشكل يوحي بأنّ دورة العنف وموجة الإرهاب التكفيري في طريقها إلى النهاية، وينبئ بطي صفحة العسكرة التي لم تكن مطلقا ضمن خيارات الشعب السوري عندما أعلن انتفاضته من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، بقدر ما كانت إحدى أدوات النظام لوأد الثورة السورية وحرفها عن مسارها السلمي، وامتدادا للصراعات الإقليمية والدولية التي جعلت من سوريا ساحتها الرئيسية، وقادت إلى تقسيمها إلى مناطق نفوذ تتنازع الدول السيطرة عليها.
بموازاة ذلك، فإنّ الحلول السياسية ما زالت مؤجّلة، وما زالت كلّ الجهود الرامية لتحريك مسار الحلّ السياسي تراوح في مكانها، بانتظار بلورة وإنضاج توافقات دولية وإقليمية، وسط غياب شبه تام للسوريين (حكومة ومعارضة) بعد فقدان دورهم في التأثير على الأحداث، وفي تقرير مصير ومستقبل وطنهم.
إنّ الحديث عن انتصار من قبل النظام وحلفائه هو حديث تعوزه الدقة وتنقصه المصداقية، وهو ليس أكثر من وهم في ظلّ الكوارث والويلات التي ألمّت بالشعب السوري على مختلف الصعد الإنسانية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية، وفي ظلّ فاتورة الحرب الباهظة التي حوّلت سوريا إلى دولة شبه فاشلة ومنقوصة السيادة وحوالي نصف سكانها إمّا نازحين أو مهجّرين أو لاجئين في المخيمات. إنّ الحديث عن الانتصار يستقيم فقط في حال توقّف الحرب وعودة الاستقرار ومعالجة آثار الحرب، وعندما يتحرّر الشعب السوري من الاستبداد، ويبدأ ممثلوه بوضع أسس سوريا الجديدة سوريا الديمقراطية التعددية التشاركية، وعندما تتحرّر البلاد من كل أشكال الوصاية والهيمنة الخارجية، وعندما تتحرّر أرضها من الجيوش والميليشيات الأجنبية.
لا شك بأنّ سوريا مقبلة على مرحلة جديدة، تحتاج فيها إلى جهود جميع أبنائها وإلى إرادتهم الحرّة للدفع باتجاه الحلّ السياسي الذي يتطلّع إليه غالبية السوريين، وهذا لا يمكن تحقيقه بإمكانات وجهود السوريين وحدهم، بل يحتاج رعاية ودعم ومساندة المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة من أجل تسريع الحلّ الذي رسمت معالمه القرارات الدولية وأهمّها بيان جنيف1 والقرار 2254 وتفعيل هذه القرارات لإيجاد حلّ سياسي تفاوضي، يتحقّق بموجبه انتقال سياسي حقيقي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي علماني وفق دستور جديد يقرّ بالحقوق المتساوية لكافة السوريين، وبما يضمن إعادة السلام والاستقرار، وإنهاء معاناة السوريين، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وعودة اللاجئين والمهجّرين، ويقود لإطلاق عملية إعادة إعمار البلاد وبناء سوريا جديدة تكون لكلّ مواطنيها.
الحضورالكرام..
تمتاز الجزيرة السورية بالتنوّع القومي والديني والثقافي، وبالتعدّد السياسي، وحيوية مجتمعها المدني، وهي عناصر ساعدت في الحفاظ على السلم الأهلي وقيم العيش المشترك، وساهمت نسبيا إضافة لعوامل أخرى في الحفاظ على الاستقرار والحدّ من أضرار الحرب وشرورها على مجتمع الجزيرة.
إن اللحظة السياسية الراهنة، التي تشير إلى قرب القضاء على التهديد الداعشي بمستواه العسكري، و بما تنطوي عليه أيضاً من تحديات ذاتية ترتبط بقدرتنا على تعزيز الثقة والشراكة والحرص على حماية السلم المجتمعي، وتجاوز منطق التفرد في الإدارة، وأخرى موضوعية مرتبطة بطبيعة الصراعات الدولية والإقليمية، والمصالح المتناقضة والتهديدات من قبل تركيا والنظام، يجب أن تدفع النخب الجزراوية للارتقاء بخطابها وسلوكها وسياساتها بما يتناسب وحقيقة حاضرنا ومستقبلنا ومصيرنا المشترك، والنهوض بحوار سياسي شامل وغير مشروط بين مختلف القوى والمكونات السياسية والاجتماعية بهدف بلورة صوت سياسي موحد في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، وكفيل بتجنيب المنطقة سيناريوهات عنفية مماثلة لتلك التي شهدتها مناطق سورية أخرى.
إن القوى الوطنية في الجزيرة السورية، مسؤولة اليوم أكثر من أي وقت مضى عن البحث عن المكمّل السياسي الكفيل بتطوير إدارة وطنية تحظى بالشرعية والمقبولية، استناداً إلى جملة من المبادئ والمرتكزات الوطنية التي تتوافق عليها القوى الممثلة لمختلف التعبيرات السياسية في المنطقة والمنسجمة مع تطلعات السوريين في انهاء الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الحديثة.
إن المنظمة الآثورية الديمقراطية انطلاقا من قناعتها، بأن امتلاكنا لقرارنا الحر المعبر عن رؤية موحدة توافقية، ومدفوعاً بإرادة سياسية صلبة، كفيل بمواجهة وإفشال جميع التحديات، وإنضاج مؤسسات ديمقراطية تشكل نموذجا يحتذى في سوريا المنشودة، فهي تدعوكم من هذا البيت الذي كان ولا يزال بيتا للجميع، للتفكر فيما يمكن أن نقدمه لأهلنا وللأجيال القادمة من تجربة فريدة تؤكد جدارتنا بتنمية كل ما يجمعنا من قيم إنسانية، كرسها آباؤنا وأجدادنا، واقعا وحياة مشتركة جوهرها الاحترام والثقة والسلام.
في الختام:
أتوجّه بالتحية إلى روادنا القوميين وإلى رفاقنا من جيل التأسيس
وإلى كل الآثوريات والآثوريين في الوطن والمهجر
الحرية للمعتقلين وللمطرانين يوحنا ابراهيم وبولص يازجي
المجد والخلود لأرواح شهداء شعبنا ووطننا سوريا
عشتم وعاشت سوريا وطنا حرا لكل أبنائها
سوريا 15 تموز 2018
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي