الرئيسية / أخبار سوريا / المُنظمة الآثورية الديمقراطية وأثمان رفض الذمية.

المُنظمة الآثورية الديمقراطية وأثمان رفض الذمية.

بقلم رستم محمود – كاتب وباحث سوري – خاص موقع آدو نيوز:

من خلال جُملة علاقاتٍ عامة، مهنية وشخصية وسياسية، امتدت لعشرات السنوات، مع أعضاء من مُختلف المستويات من المُنظمة الآثورية الديمقراطية، فأن الانطباع الغالب لتمايز هذا التنظيم السياسي عن باقي التنظيمات التي تكونت في نفس الظروف والمناخات، تتوزع على ثلاثة اطواق من العلاقات المُختلفة:

بالرغم من تمركز المُنظمة في خطابها وانتظامها على جماعة أهلية “اقلوية” دينياً وقومياً، وبالغة “الهامشية” الجغرافية بالنسبة لمركز الحُكم والإدارة في البِلاد؛ إلا أنها كانت مُتجاوزة تماماً لجميع اشكال الذمية المُركبة في مثل هذه الحالات تقليدياً.

لم يكن للمُنظمة، سلوكاً وخطاباً سياسياً، أية نزعة للإيحاء بأنه ثمة تعايش إسلامي/مسيحي مثالي في مناطق العيش المُشترك السورية. نفس الأمر كان ينطبق على قراءتها للعلاقات الثُلاثية المُركبة، السريانية الكُردية العربية. حيث تجري مثل هذه القراءات عادة من قِبل التيارات الاقلوية، التي تصطنع في خطابها واقعاً بديلاً عن حقيقة هذه العلاقات، توحي بمثالية العلاقات ووديتها، في وقتٍ تجري فيه كُل اشكال الاستقواء والهيمنة، من قِبل الطرف الأكثري على نُظرائه. هذه الاصطناع الذي اساسه الرهبة من الاعتراف بالتوازن والعلاقات المُختلة بين هذه الجماعات، حيث تدفع بشكلٍ ميكانيكي لأن تُبنى علاقات ذمية غير عادلة فيما بينها. كتعويضٍ نفسي من طرف، وكآلية تحاول اتقاء أقصى درجات القسوة.

لكن مُقابل ذلك، فأن المُنظمة كانت ريادية في بناء شكلين صحيين من الوشائج الوطنية المدنية: كانت الأولى كامنة في رفضها للخطابات الايدلوجية التي تسعى للإطاحة بالآخر الديني والقومي، من خلال وسمه بالإرهاب والأصولية والتعصب القومي المُطلق، أو تحميله آثار أحداث تاريخية بين هذه الجماعات. أي أن المُنظمة في آلية رفضها للذمية لم تندفع لما هو مُضاد لها تماماً شكلاً، والمُطابق لها منطقاً.

بناء على ذلك، فأن المُنظمة كانت ريادية في الانخراط في العملية السياسية والاجتماعية والثقافية العامة، سواء في مناطق انتشارها الواسع في الجزيرة السورية، أو على المستوى البِلاد. إن من خلال العلاقات مع الشخصيات والأحزاب الكُردية السورية، أو مع الشخصيات والزُعماء المحليين العرب، ودائماً عبر حيوية سياسية وانخراط تام مع التيارات السياسية السورية المُعارضة. ودائماً من موقع المساواة والجدارة التي لا تُبالي بحجم الانتظام أو التمثيل لجماعة “أقلوية” وهامشية في الحياة العامة.

على أن ذلك البرنامج وتلك الرؤية السياسية لم تكن مجانية الأثر، على المُنظمة الآثورية وأعضائها وأنصارها، وأولاً على منطقها في قراءة الحياة العامة.

بقيت المُنظمة محل غمزٍ من قِبل “قادة الذمية” في ذات الأوساط الأهلية التي تعمل بها المُنظمة. فهؤلاء كانوا ينشرون خطاباً يتهم المُنظمة بأنها تسعى للإطاحة بالسلام الاجتماعي الذي يعيشه السريان وعموم المسحيين السوريين، والذي اساسه اصطناع عالمٍ بديل و”كاذب” عن العلاقات الأهلية، التي يُهيمن فيه طرفٌ اجتماعي وأهلي ما على الآخر، بقوة الأكثرية العددية.

على نفس المستوى، فأن المُنظمة دفعت ثمناً غير قليلٍ جراء مُعارضته للنِظام السياسي الحاكم، القائد والمُيسر الفعلي والمُباشر للعلاقات الذمية في البِلاد. فقد كان الفاعلون الرئيسيون في قلب هذا النِظام يدركون بأن جملة هذه العلاقات غير العادلة بين الأقليات السورية وأغلبياتها، ستؤدي في المُحصلة لاستساغ وقبول العلاقات الذمية على المستوى الوطني العام، وبذلك سيخضع الكُل سياسياً للنِظام الحاكم، الذي يُشكل الاغلبية السياسية المُطلقة.

على أن اقسى الأثمان التي دفعتها المُنظمة كانت لهؤلاء الذين افترضت أنهم شُركاء في القضية المدنية والديمقراطية، الذين حينما حققوا سُلطات نسبية ومؤقتة جداً، عادوا وطالبوا المُنظمة بنفس العلاقة الذمية، التي حاربوها يوماً ما، كتفاً على كتف، مع المُنظمة الآثورية الديمقراطية.

دفعت المُنظمة أثماناً بالغة جراء مواقفها الصميمية الرافضة للذمية بكُل اشكالها؛ لكنها دوماً كانت في الموقع الصحي من حركة التاريخ. فالذمية تعني هزيمة الفرد وتحطم المواطنة وسحق القيم الديمقراطية. وحيث أن الآخرين الذين، وإن انتصروا، فأن التاريخ نفسهُ يُخرج لسانه لهم، ويقول: “وأنتم بعد غلبتكم، ستُغلبون”.

شاهد أيضاً

المنظمة تهنئ حزب بيث نهرين الديمقراطي بذكرى تأسيسه

31-10-2024 زار وفد من المنظمة الآثورية الديمقراطية مقر حزب بيث نهرين الديمقراطي في مدينة أربيل …