نستعيد اليوم بمرارة وألم ذكرى مذابح (سيفو) التي ارتكبتها حكومة الاتحاد والترقّي التركية عام 1915 بحق شعبنا السرياني الآشوري، وبحق الأرمن ومسيحيي السلطنة العثمانية. هذه المذابح التي جرت في ظل صمت دولي مخجل تجاه جريمة إبادة جماعية، خطّط لها ونفّذها ساسة انساقوا وراء نزعات عنصرية متطرفة من أجل تنفيذ مشروعهم الطوراني في بناء دولة عرقية صافية تقتصر على العنصر التركي. ومن أجل تنفيذ مخططهم الخبيث في تطهير السلطنة من المسيحيين، لم يتورعوا عن استغلال وتوظيف المشاعر الدينية عبر تحريض مجموعات كردية وشركسية على قتل وتهجير شركائهم المسيحيين، في حين امتنع الكثير من أصحاب الضمائر الحيّة من الكورد والعرب والأتراك، عن الانخراط في هذه الأعمال البربرية ضد جيرانهم وشركائهم. وكانت حصيلة ذلك، واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في القرن العشرين، راح ضحيتها حوالي نصف مليون إنسان من أبناء شعبنا، قضوا قتلا وجوعا وتهجيرا في آمد (دياربكر) وطورعابدين وهيكاري والرها وأورميا وآزخ وغرزان وغيرها، إضافة إلى ما يقارب مليون ونصف إنسان أرمني، ناهيك عن النتائج الكارثية التي تمخضت عنها، متمثلة بحصول تغيير ديمغرافي هائل تقلّص بموجبه وجود شعبنا والوجود المسيحي في جنوب تركيا إلى مستويات تكاد لا تذكر.
إنّ غياب موقف مسؤول وحازم من المجتمع الدولي إزاء هذه الجريمة، وتراخي وتقاعس قواه المؤثّرة عن إجبار الحكومات التركية المتعاقبة على تحمّل مسؤولياتها السياسية والقانونية بالاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية بحق السريان الآشوريين والأرمن واليونانيين البونت، باعتبارها الوريثة الشرعية للسلطنة العثمانية. فتح المجال، لاحقا، أمام ارتكاب العديد من المذابح وجرائم الإبادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي، لم تقلّ عنها بشاعة ووحشية في العديد من دول العالم، كما شجّع الحكومات التركية على المضيّ في سياسة الإنكار والتنصّل من المسؤولية، والتهرّب من مقتضيات تصالح تركيا مع شعوبها وتاريخها، والعمل على إغلاق هذا الجرح المفتوح.
رغم مرور أكثر من مائة عام على هذه الذكرى الأليمة، ذكرى مجازر (سيفو)، فإنها مازالت تحتفظ بأهميتها وحضورها، باعتبارها من الثمار الفاسدة لنهج الاستبداد والتعصّب والذهنية العنصرية الإقصائية. فالبشرية لم تستخلص ما يكفي من الدروس والعبر من هذه المأساة والمآسي التي أعقبتها، بل على العكس، فإنّ إثارة الغرائز وتأجيج المشاعر الدينية، ونشر ثقافة الحقد والكراهية، ما زالت سياسات متبعة في تركيا والعديد من دول المشرق، وساهم ذلك في تقويض الاستقرار في دول المنطقة، وخلق بيئة مناسبة لانتشار الأفكار المتطرفة ولتوطّن قوى الإرهاب الظلامي الساعية لفرض أجندات معادية لتطلعات شعوبها في السلام والحرية والازدهار.
في الوقت الذي نحيي فيه ذكرى شهداء (سيفو)، تستمرّ المقتلة السورية الرهيبة، وها هو المجتمع الدولي بقواه الفاعلة يعيد اقتراف جريمة الصمت من جديد، حيال ما يجري في سوريا من مآس وويلات، ويقف عاجزا إزاء حرب مستعرة منذ ست سنوات، حرب استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة المحرّمة دوليا بما في ذلك السلاح الكيماوي، حرب تحوّل فيها الإنسان السوري إلى ضحيّة لسلطة مستبدّة غاشمة، وإرهاب ظلامي منفلت وأجندات إقليمية ودولية لا تقيم وزنا إلاّ لمصالحها بعيدا عن القيم الإنسانية.
إنّنا في المنظمة الآثورية الديمقراطية إذ نطالب الحكومة التركية للاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية (سيفو)، فإننا في الوقت ذاته، نطالب المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرّك سريعا من أجل وقف الحرب المدمّرة في سوريا، والضغط من أجل فرض حلّ سياسي وفق بيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، وبما يفضي إلى تحقيق انتقال سياسي حقيقي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي علماني يستجيب لتطلعات السوريين في الحرية والعدالة والشراكة الوطنية الكاملة، وبما يضمن الإقرار الدستوري بحالة التنوع وضمان حقوق كافة القوميات في سوريا ومنها حقوق السريان الآشوريين.
عندما نتذكّر شهداء (سيفو)، فإنّنا لا نهدف من وراء ذلك، إلى إثارة النعرات والضغائن والأحقاد، وإنما إلى إيقاظ الشعور الإنساني، وحثّ المجتمع الدولي على عدم تكرار تلك المآسي، والعمل على معالجة آثارها وتداعياتها من خلال تبنّي نهج الاعتراف والتصالح والمسامحة والغفران وتحقيق العدالة الإنسانية.
الحرية للمطرانين يوحنا ابراهيم وبولص يازجي، ولكل المعتقلين والمخطوفين
المجد والخلود لشهداء سيفو وشهداء سوريا
الخزي والعار للقتلة والمجرمين
سوريا 23/4/2017
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي
شاهد أيضاً
المنظمة تهنئ حزب بيث نهرين الديمقراطي بذكرى تأسيسه
31-10-2024 زار وفد من المنظمة الآثورية الديمقراطية مقر حزب بيث نهرين الديمقراطي في مدينة أربيل …