الصور المرفقة أرسلها لموقعنا الفنان نجاح البقاعي والتي كان قد رسمها أثناء فترة وجوده في سجن عدرا بدمشق مع الاستاذ كبرئيل موشي (آدو نيوز ).
حوار مع السياسي الآثوري الأستاذ كبرئيل موشي كورية
أسرة التحرير
مجلة الحوار ، العدد /69 / ، 2016
ـ الاستاذ كبرئيل موشي كورية: أهلا وسهلاً بكم على صفحات مجلة “الحوار” نهنئكم باسم هيئة تحرير المجلة على عودتكم حراً بيننا لنكمل مسيرة النضال والحب والوئام معا.
ـ في البداية كيف يريد أن يعرف الأستاذ كبرئيل نفسه لقراء مجلة (الحوار)؟
* شكرا لكم على التهاني والاستضافة، بدوري كنت متشوّقا للقائكم كأصدقاء أعزاء جمعتنا مسيرة النضال الوطني الديمقراطي، وإنني على يقين بأننا سنكمل ما بدأناه معا، ونساهم سوية في إعادة الالفة والوئام لمجتمعنا الذي أرهقته الحرب ومزقته الانقسامات.
* كبرييل موشي كورية، مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية، وأعتقد أنه يكفيني أن أكون عضواً في المنظمة، ويشرفني أن أتولّى مسؤولية مكتبها السياسي في هذه المرحلة الصعبة.
س 11ـ تجربة السجن تترك بصمة وانطباع لدى كل مناضل بعد الخروج، ما الذي أضافته هذه التجربة على شخصية كبرئيل موشي السياسية؟
ج11: إنّ تجربة السجن، وبكلّ المقاييس، هي تجربة مريرة وقاسية، ورغم مرارتها وقسوتها، فإنها تنطوي على جوانب مفيدة على صعيد إنضاج التجربة النضالية، وعلى صعيد إجراء المراجعة والتقييم والتفاعل مع معتقلين من بيئات وخلفيات سياسية وفكرية متباينة وقد تكون متنافرة، وكذلك على صعيد اختبار الإنسان لأفكاره وقدراته وصموده تجاه آلة القمع والتعذيب. وبالنسبة لي، كانت هذه التجربة بمثابة معمودية جديدة، زادتني إيماناً بقضية الحرية، ورّسخت قناعاتي بضرورة مواصلة العمل من أجل إنهاء الاستبداد، والانتقال إلى نظام ديمقراطي علماني يستجيب لتطلعات كل السوريين في الحرية والعدالة والمساواة. ورغم خروجي من السجن، لكن دوماً يراودني شعور بأنّ حريتي مازالت ناقصة، طالما هناك معتقلين مازالوا يقبعون في سجون النظام السوري، يكابدون الألم والظلم.. والانتظار..
س22ـ ملف مجلتنا في هذا العدد يدور حول اتفاقية سايكس – بيكو، كيف يقرأ السياسي كبرئيل موشي هذه الاتفاقية وخاصة حول آثارها السيئة على شعوب المنطقة؟
ج22: ارتبطت اتفاقية سايكس- بيكو تاريخياً بما اصطلح عليه في الأدبيات السياسية للقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بـ “المسألة الشرقية”. حيث كانت الدول الاستعمارية الأوربية، تتحين الفرص لاقتسام تركة الرجل المريض، والانقضاض على السلطنة العثمانية التي بلغت أوج ضعفها وانحدارها في تلك المرحلة، ولاحت الفرصة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، واتفاقية سايكس- بيكو في الحقيقة جاءت كترجمة عملية لإرادة الحلفاء المنتصرين في هذه الحرب، وتحديداً بريطانيا وفرنسا، فيما انشغلت روسيا (التي كانت طرفاً فيها) لاحقا بثورة اكتوبر التي زلزلت نظامها الامبراطوري.
هذه الاتفاقية، قسّمت دول المشرق إلى مناطق نفوذ بريطانية- فرنسية، وأدّت إلى خلق دول جديدة من العدم، بعضها كان مجرّد ولايات في الخلافة الإسلامية والعثمانية، ولم تتوفر على مقومات الدول بالمفهوم الحديث والمعاصر، ومهدت السبيل لزرع كيانات جديدة في المنطقة كإسرائيل. وإذا كان البعض يعتبر العرب من أكبر المستفيدين من تشكيل هذه الدول (نظرياً على الأقل)، بيد أنهم عمليا، كانوا من أشد المناهضين لها، لأنّ هذه الدول جاءت مشوّهة ولم تلبّ مطلبهم في الوحدة. في المقابل، ألحقت هذه الاتفاقية، ضرراً وظلماً فادحين بشعوب أخرى، لاسيما الأكراد والسريان الآشوريين، إذ مزّقت مجتمعاتهم، وقطّعت أوصال مواطنهم التاريخية، وقضت على إمكانات التطور والنهوض المستقلّ لأبناء هذين الشعبين.
س33ـ على اعتبار أن هذه الاتفاقية هي اتفاقية ترسيم حدود بين قوى استعمارية، هل يمكن وضعها في خانة الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تنضوي تحت مظلة القانون الدولي؟
ج33: من المعروف بأنّ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، تعتبر من المصادر الأساسية للقانون الدولي العام. وبصرف النظر عن الموقف من اتفاقية سايكس- بيكو، فإن دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، سارعت لإضفاء البعد القانوني على هذه الاتفاقية، بعد إنشاء عصبة الأمم، وبعد مؤتمر السلم، وتكرّس ذلك فعلياً في معاهدة سان ريمو 1920 وبموجب هذه المعاهدة وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنس، والعراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني.
واستناداً إلى هذه الخرائط والتقسيمات، انضمت الدول الناشئة إلى عصبة الأمم، ومن ثم إلى الأمم المتحدة، ومازالت حكومات هذه الدول رغم ظروفها الصعبة، تدافع باستماتة عن الحدود التي أقرّتها هذه الاتفاقية.
س4ـ لم يكن لشعوب المنطقة أية بصمة أو دور في هذه الاتفاقية، فما هي السبل للتخلص منها أو إلغائها؟
ج44: للأسف، إنّ الشعوب في منطقتنا وفي الكثير من مناطق العالم، لا تملك الكثير لفعله حيال هذا الأمر، فالدول القائمة بحدودها الراهنة، وخرائطها المحدّدة، هي نتاج توازنات دقيقة لتوزيع مناطق النفوذ بين الدول العظمى، القادرة وحدها على التحكّم بتغيير الخرائط وفق مصالحها الآنيّة والمستقبلية، ووفق معايير تخصّها وحدها. إلاّ إذا تقاطعت إرادة هذه الشعوب مع مصالح القوى الكبرى. لذا لا تملك الشعوب بديلاً عن الاستمرار في نضالها لتحقيق تطلعاتها المشروعة، بانتظار لحظة أو ظرف تتوافق فيه مصالح الطرفين.
س55ـ مضى مئة عام على عمر هذه الاتفاقية، والعالم والمنطقة تشهد حروب وتحولات جغرافية وسياسية وتبدلات جوهرية، فهل ستصبح هذه الاتفاقية أثراً من الماضي؟
ج55: على مدى قرن من الزمن، عانت شعوب المنطقة الويلات والمآسي، وفي ظلّ اتفاقية سايكس بيكو، كان العنوان الأبرز هو الصراعات والحروب، ولم تنعم شعوب المنطقة ودولها بالأمان والاستقرار، سوى في فترات حكمت فيها أنظمة عسكرية بالحديد والنار، وما لبثت أن تحوّلت هذه النظم المركزية الصارمة إلى سبب ومحفّز على التفكير بإعادة تفكيك هذه الدول خاصة سوريا والعراق، وتزايدت مخاطر هذا التفكيك، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وتنامي نزعات التحرر لدى الشعوب بموازاة تصاعد النزعات العرقية والمذهبية، وتكثّف التدخل الاقليمي والدولي في شؤون دول المنطقة، بحيث بات الحفاظ على حدود سايكس- بيكو أقصى طموح وأمنيات البعض، وذلك بعد سقوطها رمزياً في أكثر من دولة على يد قوى الإرهاب العابرة للأوطان.
إنّ الفوضى الناجمة عن ارتفاع منسوب الصراع والحروب، وزيادة حدّة الاستقطاب الاقليمي والدولي، وضع مصير دول المشرق المريضة والمصابة بكل أنواع الاستبداد والطغيان والفساد، تحت أنظار الدول الكبرى التي لا تخفي نيتها بتطبيق سيناريوهات جديدة تهدف إلى رسم خرائط جديدة للمنطقة، من شأنها التأسيس لصراعات دموية جديدة قد لا تنتهي..
س66 ـ أخيراً بعد كل هذا الدمار والخراب والدماء التي أريقت، وفي ظل هذا التعقيد الداخلي والإقليمي والدولي للمأساة السورية، هل هناك بارقة أمل في الأفق، وبرأيكم إلى ماذا ستؤول الأمور؟
ج66: أعتقد أنّ التمسك بالأهداف والمبادئ التي قامت من أجلها الثورة السلمية للشعب السوري بكل مكوناته، وتماسك وتكاتف القوى الوطنية المؤمنة بعملية الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي علماني يقوم على أسس المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية، وضمان حقوق كافة المكونات وإقرارها دستورياً، كفيل بقطع الطريق على قوى الثورة المضادة
التي تحاول إعادة إنتاج الاستبداد بأشكال أخرى، وجرّ البلاد إلى صراعات وأجندات لا تخدم مصالح الشعب السوري. وإنني على قناعة بأنّ قوى الثورة الحقيقية ستنتصر، وبأنه سينبثق من ركام الحرب ومن رحم المأساة التي نعيشها، نظاماً جديداً، يقوم على أساس التعددية والتشاركية واللامركزية وصولاً إلى نظام فيدرالي يحظى بتوافق وقبول معظم السوريين.