بقلم: سعيد لحدو
أوباما قلق من التحرك الروسي الجديد في سوريا ويقول بأن هذا التحرك محكوم عليه بالفشل، لكن الدب الروسي مستمر في اكتساحه للبيت الزجاجي السوري وتدمير وتهجير ما تبقى ومن تبقى، لأنه لم يستشعر أي مظهر حسِّي لذلك القلق الأمريكي. ولم يسمع بوتين أو لافروف عبارة “يجب أن يتوقف هذا الدعم الروسي السافر” لنظام قتل وغيَّب أكثر من نصف مليون سوري وهجَّر نصف سكان سوريا بعد تدمير مدنهم وقراهم.
إن تلك العبارة السحرية لم تصدر قط عن أي مسؤول أمريكي لنفهم، أوليفهم الروس الأمرَ على قدرٍ ما من الجدية.
ولطالما قلق الأمريكيون قبل ذلك ومنذ اندلاع الثورة السورية وعند كل منعطف من منعطفاتها الهامة ابتداءً باستخدام الرصاص الحي لقمع المتظاهرين وليس انتهاءً بصواريخ سكود وبالبراميل المتفجرة وبالسلاح الكيماوي وخطوطه الحمراء السيئة الصيت والتي ارتسمت بالدم السوري متجاوزة الجغرافيا السورية لتعم العالم وتفترش جثثُ أطفال سوريا شواطئ البحر المتوسط الذي كان مجالاً رحباً للتبادل الحضاري والمعرفي للبشرية جمعاء عبر أبواب سوريا المشرعة عبر العصور.
وقبل قلق أوباما، وبعده، قلِقَ الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون والدمعة في عينيه وأصدر أكثر من بيان، كما قلق مجلسه الأمني وعبر عن رفضه وشجبه وإدانته. ولم يتوانَ الاتحاد الأوربي ودوله الـثماني والعشرين عن التعبير الفج والصريح عن مشاعر القلق التي تنتابهم إزاء المأساة السورية. وتكرر التعبير عن القلق لكل دولة على حده، تأكيداً على صدق المشاعر وعمق الإحساس.
ولم تتأخر جامعة الدول العربية، وهي المعني الأول بهذه القضية، عن التعبير عن أعمق مشاعر القلق إزاء مايجري في سوريا، فاجتمعت مرات ومرات على مستوى المندوبين الدائمين وعلى مستوى وزراء الخارجية وعلى مستوى القمة. فناقشت وتحاورت ودرست وأصدرت البيانات بالتنديد والشجب والرفض، لكنها لم تصدر قراراً واحداً قابلاً للتنفيذ باتجاه وقف عاصفة القتل الأعمى وسياسة التدمير الممنهج لبلد فضَّل على الجميع بكل مجالات العلم والفكر والمعرفة والتنوير والتحضر.
كما لم يتأخر السيد نبيل العربي عن الركب وقلق على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة. وعبر بطريقته الخاصة عن تضامنه مع الشعب السوري. لكن ماكان يحتاجه هذا الشعب ليس جامعة دول البيانات والشجب والقلق ولا أمينها العام نبيل العربي، وإنما حاجته تتلخص في وجود عربي نبيل واحد!!! هذا ماكتب على إحدى لافتات المتظاهرين في الثورة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وما تزال الحاجة هي هي!!
قوافل السوريين الفارين من جحيم الموت إلى الجنة الموعودة في بلدان الاستعمار والإمبريالية والكفر والخلاعة والانحلال الأخلاقي كما يراها أعراب الصدفة وليس النعمة، تستدعي تلك القوافل، بما تلاقيه من مخاطر ومهانة ومعاناة، أكثر من القلق وأكثر من البيانات. صحارى العرب الخالية حتى من الطير، ضاقت من مخيم يستقبل أولئك الفارين من جحيم الموت ليؤمن لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة لهم ولأطفالهم. وقبل ذلك حفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لهم ولعائلاتهم، إلى حين أن تنجلي العاصفة ويزول الغم.
منظمات المجتمع المدني والصليب الأحمر وغيره في دول الكفر استنفرت كل جهودها وإمكاناتها لإطعام ومساعدة ما أمكن من أولئك اللاجئين. ولم يسجل حضور ولو رمزي لمنظمة عربية أو إسلامية واحدة لا الهلال الأحمر ولا غيره للتخفيف من معاناة إخوانهم السوريين رغم إمكاناتها الهائلة التي تصرف على غير وجه.
قامت الدنيا ولم تقعد بالمظاهرات المؤيدة للاجئين والمرحبة بهم في دول الكفرة والانحلال الخلقي، نظمتها وقامت بها منظمات وجمعيات وأحزاب أوربية تفاعلاً مع ماشاهده الناس من مآسي أطفال سوريا، ولم تقم في الدول الشقيقة الورعة والأخلاقية بامتياز مظاهرة واحدة تدعو لاستقبال اللاجئين السوريين، باستثناء مظاهرة يتيمة من بضعة مئات في الكويت. وهذا يستدعي من السوريين أكثر من القلق على أخوة الكذب والنفاق والدجل.
همست مرة لصديق من القوميين العرب ورئيس أحد أحزابهم، وكان يجلس بجانبي في أحد الاجتماعات التي كنا نناقش فيها وضع السوريين في مخيمات اللجوء في دول الجوار السوري قائلاً له: بالنظر لما يحصل للاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق، وهي بالمناسبة دول شقيقة، مقارنة بالمعاملة التي تعاملهم بها تركيا، عليكم أنتم القوميون العرب أن تعيدوا النظر في كل المبادئ التي تنادون بها!!! فتبسم بحرقة ولم ينبس بحرف.
لايخفى على أحد أن الروس أيضاً قلقون على مصالح مافياتهم التي تشابكت بقوة مع مصالح النظام ومتعهدي أعماله المقربين، فزادوا من جرعات المساعدات العسكرية لأجهزة القتل،علهم بذلك يتمكنون من إفراغ سوريا من أبنائها لتسهيل توزيع الغنائم على الذين جاهدوا في سبيل نظام بشار الأسد.
والقلق الأكبر قد يأتي من إيران حزب الله المقاوم الممانع المتربص لكل المؤامرات التي تريد حرفه عن الهدف الأبعد الذي أُسِسَ وسُلِّحَ ودُعِمَ لتحقيقه. وهنا ليس المهم أي شعار يرفع ولكن مالذي يفعله على أرض الواقع.
قلقت البرازيل وقلقت فنزويلا وقلقت اليابان وسنغافورة وبلاد الواق الواق. وزاد قلق هؤلاء جميعاً قلق عميق عميق في جزر القمر وتسمانيا وسانتا كروز وترينيداد وواهيكي وبلدان لم يسمع بها السوريون قط إلا لمن دفع به نظام سوريا الأسد حشراً، فهام على وجهه في محيطات العالم ليستقر حيث شاء له القدر، إن كتبت له النجاة!!
قلق العالم كله من أجلنا، نحن السوريين، وقلقنا نحن أيضاً، لأننا أدركنا أن كل ذلك القلق الذي من أجلنا حصل، لم يخرج عن إطار الحروف التي صوِّر بها ولم يقصد به أي عمل حقيقي وجدي لإنهاء المعاناة أو إيجاد حل واقعي يلبي مطامح الشعب السوري بدولة مدنية ديمقراطية عصرية، تحفظ فيها كرامة المواطن وتصان حقوقه وحريته في دستور حضاري عصري يتم احترامه ويكون سيد الجميع.
قلق الأصدقاء والأعداء، الأشقاء والغرباء من أجلنا كما قيل لنا. لكن قلقنا من قلق الجميع هذا، فاق الجميع.
السوريون اليوم أيها الأصدقاء والأعداء والأشقاء والغرباء، بحاجة إلى أكثر بكثير من القلق.
لذا وباسم السوريين كافة أرجوكم جميعاً أن توقفوا قلقكم وتوفروا مابقي لكم من ضمير لمساعدتنا لاستعادة وطننا الذي فقدناه جراء استغراقكم في القلق.