تكمل المنظمة الآثورية الديمقراطية عامها الثامن والخمسين، وسوريا والمنطقة بشكل عام تعصف بها حروب وأزمات ومشاكل لم يسبق لها أن واجهتها في تاريخها. فما كادت هذه الشعوب تتحرك للتخلص من أنظمة القمع والفساد والديكتاتوريات المزمنة، حتى تحولت ثوراتها تلك التي قامت من أجل الكرامة والحرية والعدالة الإنسانية، إلى وبال ومآسٍ وويلات على تلك الشعوب، ناهيك عن التدمير والتهجير والتناحر الطائفي والمذهبي والاثني والمناطقي، بحيث تحولت هذه الجغرافيا إلى ساحات للتقاتل وتوليد النزاعات والصراعات لسنين طويلة.
كل هذا جرى ويجري أمام أنظار العالم “المتمدن” دون أن يقوم هذا العالم بجهد حقيقي لوقف هذه المجزرة الرهيبة بحق السوريين الذين باتت غالبيتهم لاجئين يستجدون اللقمة.
إزاء هذا الوضع القاتم يبقى الحل السياسي المبني على بيان جنيف الصادر في 30 حزيران 2012، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، السبيل الوحيد الكفيل بوضع نهاية لهذا الجنون العاصف، وإزالة كابوس خطر التقسيم الماثل جراء استمرار هذا العنف الأعمى، الذي حصد ومازال يحصد ضحاياه من أبناء الشعب السوري بكل مكوناته وطوائفه.
إن إنجاز الحل السياسي المنشود بات أكثر من مسألة حاجة، بل ضرورة ماسة، ويستوجب النهوض بعمل منظم لوضع مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري أمام مسؤولياتها لوضع نهاية لنزيف الدماء السورية، والتدمير المتواصل للوطن.
ولكي يتحقق للسوريين هذا الحل لابد للمعارضة السورية بكل أشكالها وتشعباتها قبل كل شيء، من تحمل مسؤولياتها الوطنية ومراجعة الذات، لاتخاذ مبادرة شجاعة وتبني خطاب موحد، قادر على إعادة الثورة إلى إطارها الوطني الجامع، واستقطاب أوسع التفاف شعبي حولها، بعيدا عن الشعارات والرايات الطائفية، وتبني الحوار الجاد والمسؤول وسيلة للتعامل مع القضايا الخلافية بين أطر المعارضة، وتوخي الدقة والموضوعية قبل كيل الاتهامات خاصة تلك التي تبنى على مواقف أيديولوجية قومية او طائفية، تتعمد التعميم وإلباس سلوكيات الجزء للكل، الأمر الذي يضع مكونات الشعب السوري في مواجهة بعضها البعض، ويهدد مستقبل التعايش تحت سماء وطن واحد، بدل أن تكون جميعها يدا واحدة في مواجهة الاستبداد والتطرف والإرهاب.
إن هذه المرحلة تتطلب منا جميعا أحزاب ومؤسسات آشورية سريانية في الوطن والمهجر، توحيد الجهود والطاقات لبلورة رؤية موحدة وعمل مشترك للتخفيف من تداعيات هذه الكارثة الإنسانية والتصدي لتحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل. وبهذه المناسبة فإننا في المنظمة الآثورية الديمقراطية نجدد دعوتنا لكل قوى شعبنا الآشوري السرياني، للتحرك العاجل من أجل التلاقي على مشروع لإطار عمل وتحرك مشترك في الساحتين الإقليمية والدولية لوضع المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف السوري أمام مسؤولياتها الإنسانية والقانونية لحماية هذا الشعب المهدد بالإبادة والاقتلاع من وطنه التاريخي. الأمر الذي نراه قابلا للتحقق إذا ما توفرت معه، الإرادة الصادقة، ووعي ضرورات المرحلة التاريخية الاستثنائية التي تعصف بشعبنا وتكاد أن تأتي على ما تبقى من وجوده المادي والحضاري، بعد ما تعرض ويتعرض له من قتل وتهجير من مناطقه التاريخية في كل من سوريا والعراق وتدمير لإرثه الحضاري العريق، وبشكل ممنهج على أيدي التنظيمات المتطرفة التكفيرية من داعش وغيرها، وتحت رايات وشعارات دينية، في مشهد، يأبى إلا أن يستدعي ذاكرة مئة عام مضت، وكأنه استكمال لجريمة الإبادة الجماعية “سيفو” التي أودت بحياة مئات الآلاف منه قتلا وتشريدا.
وإننا إذ نؤكد على ان ما يتعرض له الآشوريون السريان هو جزء لا يتجزأ من آلام السوريين جميعهم، إلا أن تهديد وجود وبقاء هذا الشعب الأصيل في موطنه الأصلي، بما يعنيه ذلك من فقدان الهوية السورية ركنا مهما من أركانها وقضاء على ميزة التنوع الاثني والديني التي ميزت هذا الوطن منذ عهود بعيدة، يجب أن تشكل دافعا إضافيا وحافزا وطنيا وأخلاقيا لدى كل قوى الشعب السوري، ليتحملوا مسؤولياتهم معنا في تقصير درب الآلام، واعتبار قضية الاعتراف بالوجود القومي الآشوري السرياني ودعم مقومات وجوده، مطلبا وطنيا وجزء لا يتجزأ من القضية الوطنية السورية.
وفي الوقت الذي نترقب خلاله نتائج ملموسة تتمخض عن المساعي الدولية للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية، فإننا نجدد مطالبتنا لجميع قوى المعارضة، بأن يواجهوا الواقع بجرأة وشجاعة، لتوحيد الجهود وتكريسها لخدمة هذا الهدف الذي لابد أن ينهي هذه المعاناة والمآسي التي طال أمدها أكثر بكثير مما يفترض. وإننا سنعمل من جهتنا بكل قوة للمشاركة في أي جهد يقرب لنا الحل ولو دقيقة واحدة، لأن تلك الدقيقة فيها إنقاذ روح إنسان يستحق أن يعيش ويبني.
الحرية للمناضل كبرئيل موشي كورية، مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية، ولكل معتقلي الحرية في سجون النظام والتنظيمات الإرهابية.
الرحمة لشهداء سوريا، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين.
والعودة الآمنة للاجئين والنازحين السوريين.
عاشت سوريا حرة ديمقراطية، وطنا نهائيا لكل أبنائها.
سوريا في 15 تموز 2015 م.
الموافق 15 تموز 6765 آشورية.
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي