الرئيسية / اخبار اشورية / مسيحيّو سوريا والدور المفقود…. بقلم عبدالأحد اسطيفوا
an Assyrian Demo

مسيحيّو سوريا والدور المفقود…. بقلم عبدالأحد اسطيفوا

14 أذار 2015 – الجمهورية

وجدَ المسيحيّون في الدولة السوريّة الجديدة، وخصوصاً بعد الاستقلال، مجالاً واسعاً وفرصةً طالَ انتظارُها لتفريغ طاقاتِهم الخَلّاقة واستخدامِها الاستخدامَ الأمثل. وقد تجلّى ذلك في المشاريع الزراعية الكبرى التي بدأها مسيحيّون سريان في منطقة الجزيرة بعد أن استصلحوا أراضيَها الخصبة.
كما اتّجَه قِسم آخر منهم لبناء المعامل والورَش الصناعية المختلفة، والتي كانت البلاد في أمسّ الحاجة إليها. وقامت بذلك نهضة زراعية وصناعية وعمرانية اتّسعَت مساحة تأثيراتها لتشمل كلّ المناطق السورية.

لقد كانت الطموحات كبيرة، إلّا أنّ تلك الطموحات لم تكتمل بسبب سياسة التأميم التي بدأها جمال عبد الناصر عام 1958. واستُتبِعت بالتطبيق الخاطئ لمفهوم الإصلاح الزراعي في ظلّ حكم البعث وشعاراته في الثورة والتحرير والوحدة والحرّية والاشتراكية التي كانت فارغة، أو أفرِغت من كلّ مضمون.

هذا الخداع على المستوى القانوني والسياسي والوطني، والفشَل العسكري التام، إضافةً إلى خواء الشعارات المرفوعة بصوتٍ صاخب، انعكسَ سَلباً على النشاط الاقتصادي لأصحاب المبادرات الخاصة، والكثير منهم من المسيحيين، ما أدّى إلى تحويل سوريا من بلد مستقطِب للطاقات الاقتصادية والفكرية إلى ساحة طاردة لتلك الطاقات.

وهذا أثّرَ على الدور المسيحي في سوريا وحَوَّله من دورٍ رائد إلى ثانوي، يدور في فلك أصحاب النعمة الطفَيليين من رجالات النظام وضبّاطه، ويُخضع القائمين بذلك الدور لنزوات وجَشَع وسطحية أولئك المتنَعّمين الجُدد من عوائد الفساد والمحسوبيات التي استشرَت في كلّ مفاصل الدولة.

عودة الأمل

مع انطلاقة الثورة السورية في أواسط آذار 2011 بدأ الأمل يتجدّد لدى المسيحيين في سوريا أسوةً بجميع أبناء الشعب السوري، الذين طالما انتظروا يوماً يستطيعون فيه أن يُسمِعوا صوتهم، كما عبّر عن ذلك الفنّان فارس الحلو وهو يهتف للحرّية في إحدى التظاهرات.

وقد أعطى ذلك الأمل دفعاً قوياً لجميع السوريين، وللمسيحي بشكلٍ خاص، لأنّه شعرَ بأنّ المستقبل الذي يستطيع أن يستنشقَ هواءَه هو هذا القادم بالحرّية والديمقراطية والمجتمع التعَدّدي الذي من خلاله سيكون القانون سيّد الجميع، وسيكون لكلّ مواطن الحَيّز الذي يستطيع أن يملأه في الحياة بما يمتلك من قدرات ومواهب مبدِعة وخَلّاقة.

من هذا المنطلق بدأت الأصوات تتعالى هاتفةً للثورة وللتغيير الموعود. وتحَضَّرَ المسيحيون عموماً ليكونوا رافعةً لا تقلّ أهمّيةً وثِقلاً عن الرافعات الأخرى لبناء سوريا المستقبل.

ولهذا كانت المنظّمة الآثورية الديموقراطية، التنظيمَ السياسيّ الأقدم والأكبر داخل المكوّن المسيحي والمعبّر عن تطلّعات السريان الآشوريين وطموحاتهم الوطنية والقومية في سوريا بوجهِها الحضاري الأصيل، من أوائل الذين حسَموا أمرهم وانضمّوا للثورة وتشكيلاتها.

لا بل كانت المنظّمة مِن أوائل مَن دعا للتغيير الديمقراطي في سوريا قبل الثورة بسَنوات، عندما انضمَّت إلى جبهة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي، مجسّدةً بذلك خيارَها الوطني الذي يعلو على كلّ خيار.

وبالطبع لم تكن هذه المنظمة الجهة الوحيدة المعبّرة عن الشريحة المسيحية في المجتمع السوري، وإنّما كانت هناك جماعات وأفراد تحت مسَمّيات مختلفة أوجدَت لنفسها مكاناً بين قوى الثورة وهياكلها، وتفاعَلت مع الأحداث بمسؤولية وطنية وبجدّية فائقة. وكان يُنتظَر ممّن تخَلّفوا لأسبابٍ متنوّعة الالتحاقُ بالثورة والمساهمة بدورهم في رسم ملامح المستقبل الواعد.

إلّا أنّ الأمورَ بدأت تأخذ منحى آخر بعد مرور عدّة أشهر، عندما لم تُحسَم القضية بالسرعة التي تمَّت بها في تونس ومصر وليبيا. ساهمَ في ذلك دخول عنصر العَسكرة الذي لم يتوافَق والعقلية المسيحية المتحمّسة للنضال السلمي. ولقد دفعَ النظام بقوّة في هذا الاتّجاه منذ الساعات الأولى للثورة، عندما اختارَ الحلّ الأمني بدلَ التصالح مع الشعب.

فوصَف المتظاهرين بالمندَسّين ومن ثمّ بالإرهابيّين، في الوقت الذي كان يُطلِق فيه سَراح قادة التطرّف وإرهابيّي «القاعدة «من سجونِه ليقودوا العملَ المسلّح. وقد توافقَت مصلحة أولئك الإرهابيين مع أهداف النظام في عسكرة الثورة، مستفيدين من اندفاع مجموعات طائفية تحت علم الثورة كانت متشوّقةً للانتقام ثأراً لأحداث 1982 المؤسِفة.

وتشَجّعَت تلك المجموعات للمضيّ قدُماً بتَلقّيها الدعمَ الماليّ والعسكري مِن دوَل ومؤسّسات وأفراد قرّرَت أن تكون صديقةً للشعب السوري لمصالح وأهداف خاصة بها.

فتحوّلت الثورة المطالِبة بالحرّية والكرامة إلى نوع من الحرب الأهلية التي باتَ وقودها الشحن والممارسات الطائفية البشعة. وهذا ما دفعَ بالطرفين، النظام من جهة، والمجموعات المسلحة من جهة أخرى، إلى الاستنجاد بقوى طائفية من خارج سوريا لتدعيم الموقف العسكري لكلّ منهما في معركة القتل والتدمير التي لا تبدو لها نهاية على المدى القريب.

حامي الأقلّيات!

وهكذا تحَقّقَت مقولة النظام بأنّه حامي الأقليات، عندما وضعَ الشعبَ السوري والعالمَ أمام خيارين لا ثالث لهما: فإمّا القبول بالنظام على عِلّاته وكلّ ممارساته السيئة، أو الدخول تحت راية ما هو أسوأ حتى من «القاعدة» وأخواتها. فجاء تنظيم «داعش» ليمارسَ أبشعَ ما يمكن أن يتخيّله أعتى المجرمين في حقّ ليس فقط الأقليات وإنّما حتى المسلمين ومن أبناء طائفته ذاتها!!

وتندرج هنا عمليات الاعتداء على المسيحيين من خطفٍ واعتقال وقتل، سواءٌ تمّت من قِبَل النظام وأنصاره المسلّحين أو المجموعات الأصولية المتطرّفة، في خدمة هذا الهدف بتقليص احتمالية الخيار الثالث إلى درجة الانعدام.

فكانت الاعتقالات لكوادر المنظّمة الآشورية الديمقراطية منذ بدايات الثورة، حيث ما يزال مسؤول المكتب السياسي كبرئيل موشي كورية في سجون النظام حتى هذه اللحظة. ومن ثمّ جاء الاختطاف الصاعق للمطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي في 22 نيسان 2013 ليضربَ مصداقية الثورة في الصميم، وهما اللذان كان لهما مواقف إيجابية من مطالب الشعب السوري معلنةً بالصوت والصورة، على الأقلّ للمطران يوحنا ابراهيم.

ثمّ جاء اختطاف الأب باولو دالوليو في 29 تمّوز 2013 ليزيلَ كلّ قناع حاولَ أن يتسَتّر به المختطفون، وهو الذي سعى برِجلِه إليهم متسَلّحاً بمحَبّته للشعب السوري وثورته، عندما صرّح لـ «سكاي نيوز العربية» التي التقَته في تمّوز 2012 خلال حضوره مؤتمرَ المعارضة السورية في القاهرة، وقال حينها إنّ الأخبار التي تتحدّث عن اضطهاد المسيحيّين في سوريا «كاذبة»، وهي من «إنتاج النظام السوري لتخويف الغرب.» مضيفاً: «إنّ فزّاعة الحرب الأهلية والتطرّف الإسلامي التي يُروّج لها النظام غير صحيحة».

ثمّ تأتي هجَمات «داعش» على قرى الخابور الآشورية واختطاف المئات وتهجير مَن تبقّى من أهلها أمام سمعِ وبَصر قوات النظام المرابطة على بُعد بضعة كيلومترات دون أن تحرّك ساكناً لردعِ الإرهاب الذي تدَّعي محاربته، لتعيدَ التساؤل ذاته: لخِدمة مَن يعمل هذا الإرهاب؟؟؟

المسيحيّون الآشوريّون

في الوقت ذاته لم يكن ما جرى في حقّ المسيحيين الآشوريين على ضفاف الخابور خافياً عن عيون التحالف الدولي وقواه الجوّية التي تتحَسّس أدقّ التفاصيل، لكنّها تعجَز عن إدراك ما يعِدّ له المتطرفون في وضَح النهار بأرتالِهم العسكرية، كما عجزَت من قبل عندما اجتاحوا مدينة الموصل في العراق ومناطق سنجار وسهل نينوى!!! ليعودَ التساؤل ذاته: لخدمة من يعمل هذا الإرهاب؟؟؟

لقد كان الأب باولو محِقّاً إلى أبعَد الحدود في ما رآه وفهمَه حينذاك. لكنّ ماحصل له ولغيره من أحداث ومجريات لا يمكن توقّعها إلّا لمن امتلكَ قدرةً خارقة على التنبّؤ، يضعُنا في مواجهة صعبة أمام حقيقة مرعبة تجعَل اعترافَنا بها أكثر رعباً في النفوس من مشاهدتها مجسّدةً في الواقع.
فهل بقيَ للمسيحيين في سوريا مِن خيار سوى اللاخَيار؟

كلّنا أملٌ أن لا تكون الهجرة هي الممكن الوحيد أمام عدَميّة الواقع… والخواء الإنساني. لكن يبدو أن حتّى هذا لم يعُد ممكناً إلّا في أندَر الحالات، ولكن على المسيحيين أن يَعلموا أنّ الأرض أرضهم، ولا وطنَ بديل لهم عن سوريا.

 http://www.aljoumhouria.com/news/index/219649

 

شاهد أيضاً

المنظمة تهنئ بمناسبة الذكرى 175 ليوم الصحافة الآشورية

31-10-2024 بمناسبة حلول الأول من تشرين الثاني، يوم الصحافة الآشورية، والمتمثل بالذكرى الخامسة والسبعين بعد …