بيروت: (الشرق الأوسط)
تزايدت مخاوف الأقليات في سوريا بعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق الحراك الشعبي المعارض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، إثر صعود القوى الإسلامية المتطرفة، مثل «داعش» و«النصرة». وإذا كانت الأقلية العلوية دفعت ثمن وقوفها إلى جانب النظام عبر مقتل عدد كبير من أبنائها الذين يقاتلون في الجيش النظامي وقوات «الدفاع الوطني»، فإن الأقلية الدرزية حصنت معقلها في مدينة السويداء، مكتفية بإعطاء موقف سياسي داعم للنظام من دون التورط معه في معارك تتعدى الحماية الذاتية.
وفي حين حسم الأكراد خيارهم بإعلان «حكم ذاتي» في المناطق التي يسيطرون عليها، في موازاة معاركهم ضد التنظيمات الأصولية، بقي المسيحيون، لا سيما قادتهم الدينيين، عرضة لعمليات خطف من قبل بعض المجموعات المحسوبة على المعارضة، التي كان آخر ضحاياها 13 راهبة أُفرج عنهن قبل أسبوع ضمن صفقة تبادل مع القوات النظامية ليبقى مصير المطرانين بولس يازجي (أرثوذكس) ويوحنا إبراهيم (سريان) اللذين اختطفا في ريف حلب خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي مجهولا.
وأثارت ممارسات الجماعات الإسلامية المتشددة في مناطق الجزيرة والرقة والحسكة وحلب مخاوف المسيحيين، الذين يشكلون نحو عشرة في المائة من تعداد سكان سوريا. ودفعت هذه الممارسات أعدادا كبيرة منهم إلى الهجرة، بحسب ما يؤكد عضو المكتب الإعلامي للمنظمة الآشورية المعارضة، جميل ديار بكرلي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «الحركات الجهادية التي ظهرت في الفترة الأخيرة زرعت الرعب والخوف عند مختلف الطوائف المسيحية، ووضعتهم بين خيارها (العدمي) وخيار الاستبداد البعثي». وأوضح أن «انعدام الأمان والاستقرار في معظم المدن والقرى السورية يضاعف أسباب هجرة المسيحيين».
ولم يبد معظم المسيحيين في سوريا موقفا واضحا من طرفي الصراع، في حين توزعت نخبهم السياسية بين المعارضة والسلطة. وبحسب ديار بكرلي، فإن «موقف المسيحيين من الصراع تغير نوعا ما، إذ إن قسما كبيرا منهم بدأ يراجع موقفه، متجها أكثر باتجاه الموقع الوسطي».
وتتهم المعارضة النظام السوري باستغلال موضوع المسيحيين لإثارة تعاطف الدول الغربية معه، لكن القيادي المسيحي المعارض قلل من أهمية هذه الاستراتيجية النظامية، مشيرا إلى أن «الغرب بات يفهم تماما أن النظام في دمشق لا يشكل ضمانة للأقليات، وإنما تهديدا لهم باعتبارهم جزءا من المجتمع السوري الذي يسعى إلى تدميره وتفكيك نسيجه الوطني».
ويتوزع المسيحيون في سوريا في مدن حلب والحسكة ودمشق وحمص وطرطوس وإدلب، وتُعدّ منطقة «وادي النصارى» بريف حمص أكبر تجمّع للمسيحيين في سوريا، حيث يشكلون نحو 60 في المائة من تعداد سكانها، تليها محافظة الحسكة حيث تصل نسبتهم من عموم السكان فيها إلى نحو 30 في المائة. لكن هذه الأرقام بدأت تتراجع بعد اندلاع النزاع ووصول نيرانه إلى كثير من المناطق ذات الغالبية المسيحية، والاستيلاء على بعض كنائسهم وتدمير رموزها الدينية.
وعلى خلاف المسيحيين الذين ينحون تدريجيا نحو الحياد، ما زال العلويون يظهرون مزيدا من الدعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يتحدر من طائفتهم، على الرغم من الكلفة البشرية الكبيرة التي تكبدوها بمقتل الآلاف من أبنائهم الذين يقاتلون المعارضة ضمن قوات الجيش النظامي أو «جيش الدفاع الوطني». وترجح تقديرات غير رسمية أن «عدد الضحايا من أتباع الطائفة العلوية بين قتلى النظام وصل إلى 40 ألف مقاتل».
ويترك ارتفاع عدد القتلى العلويين استياء كبيرا في صفوفهم، إلا أن هذا الاستياء لم يتبلور بعد في موقف سياسي معلن ضد النظام، إنما بقي داخل الأوساط العلوية الضيقة.
وفي هذا السياق، يؤكد عضو الائتلاف الوطني المعارض المتحدر من أصول علوية بسام يوسف لـ«الشرق الأوسط» أن «الطائفة العلوية بدأت تدرك أن الطريق الذي يسلكه النظام بحربه ضد شعبه من دون أفق»، مشيرا إلى «تزايد حالة السخط والغضب لدى العائلات العلوية التي تفقد أولادها في معارك ضد المعارضة بعد إدراكها أن هذه الحرب عبثية وتخدم نظام الأسد فقط».
ويعتمد النظام السوري في حربه ضد المعارضة على أبناء الطائفة العلوية بسبب ثقته بهم بعد موجة الانشقاقات الكبيرة التي حصلت في الجيش النظامي. واتخذ معظم العلويين موقفا مؤيدا للنظام منذ انطلاق الاحتجاجات ضده، وزاد ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة من ثبات الموقف العلوي، نتيجة المخاوف التي تركتها عندهم.
ولم يتوقف حدود الاستياء العلوي من النظام عند حدود العدد الكبير من أبنائهم الذين قُتلوا في معارك ضد المعارضة، إذ تجددت حالة السخط بعد إتمام صفقة تبادل راهبات معلولا، إذ عبر العلويون عن غضبهم تجاه النظام الذي يفاوض على إطلاق راهبات، ويترك عددا كبيرا من المختطفات والمختطفين العلويين لدى المعارضة من دون اهتمام.
ويرجح يوسف أن «يتبلور في الأيام المقبلة رأي عام علوي ضد النظام يشكل حالة ضاغطة تدعوه للكف عن استخدام الشباب العلوي كوقود لمعركته ضد الشعب السوري».
ولم تلقَ جميع الدعوات التي وجهها «الائتلاف السوري المعارض» للأقليات خصوصا العلويين منهم، للانضمام إلى الحراك الشعبي ضد النظام، استجابة في أوساطهم. ويعزو يوسف ذلك إلى «ضعف الخطاب المعارض تجاه الأقليات»، مضيفا أن «الائتلاف لم يقدم مشروعا وطنيا واضحا يضمن حماية مكونات المجتمع السوري، خصوصا بعد طغيان العنصر الإسلامي المتطرف».
وإذا كان النظام قد تمكن من كسب العلويين إلى جانبه في حربه ضد المعارضة على الصعيد اللوجيستي، وعبر وحدات «الدفاع الوطني» ومجموعات «الشبيحة»، فإن الدروز الذين يتركز وجودهم في محافظة السويداء، جنوب سوريا، اقتصر موقفهم على الدعم الإعلامي للنظام من دون التورط معه بأي معارك عسكرية، باستثناء تلك التي اشتعلت على أطراف السويداء بين مقاتلين من «النصرة» ووحدات من «اللجان الشعبية» الدرزية، وكان هدف هذه المعارك حماية المدينة ذات الغالبية الدرزية، وعدم السماح بدخول المعارضة إليها، أكثر مما كانت دفاعا عن النظام.
أما الأكراد، فقد حسموا خيارهم بإعلان «حكم ذاتي» يشمل مناطق وجودهم في مناطق الحسكة والقامشلي، بعد معارك عنيفة خاضتها قوات «حماية الشعب الكردية» التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي ذراعها الأقوى ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة، مما أدى إلى طرد الأخيرة من عدد من المناطق الكردية.