الرئيسية / مقالات حول سوريا / لماذا لم يسقط النظام ؟!

لماذا لم يسقط النظام ؟!

بقلم: سامي ابراهيم             

تتجلّى إشكالية الثورة الكبرى في: لماذا لم يسقط النظام لحد الآن وما لذي يضمن استمرارية هذه البنية المجتمعية؟.

للإجابة على هذه الإشكالية لابد من دراسة متأنية موضوعية تغوص في أعماق الداخل السوري وتدرس بنيته الداخلية وتحلّل الأسباب والوقائع.

تصدع النظام وانهياره لا يزال في بداياته، وفي مناطق سورية كثيرة تم بالفعل بسبب انهيار البنية الاقتصادية التقليدية "مؤسسات_أجور"، ولكن هذا التصدع معرّض للتوقف والثبات عند حدّ معين ليعيق عملية التغيير المنشودة والتي هي أساس الثورة، والمطلب الأول لملايين السوريين.

إشكالية التغيير الأولى تبرز في أن المجتمع السوري مكوّن من طوائف ومذاهب وقوميات مختلفة، الأفراد فيه ليسوا مندمجين عرقيا وثقافيا ودينيا، ما يجعله مجتمعاً متناقضاً متضارباً في تركيبه الداخلي.

لم تستطع قوى الثورة معالجة التداخلات الاجتماعية والثقافية والدينية، لينعكس هذا سلبا على مفهوم تحديث المجتمع الذي بقي غامضا مبهما لدى غالبية الشعب السوري.

……………………

لنتجاوز هذه الإشكالية المعقدة التي كونتها ظروف عديدة، منها المنظومة الدينية والأعراف والقيم والتقاليد التي يحيا في كنفها السوري، ولنتناول إمكانية التغيير التدريجي في المجتمع.

لحدوث التغيير التدريجي في المجتمع لابدّ من أن تكون هناك عوامل خارجية تساهم ايجابياً وتتزامن مع عملية تحديث داخلي وذاتي للمجتمع ليحدث التغيير الجذري المنشود.

لكن الذي حدث في سوريا أنّ التطور الداخلي الذي يحمل أفكار التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كان مشوّها! كيف؟ كل شيء يتم تدميره! المدن والبنية التحتية والمؤسسات.

للوهلة الأولى يبدو أن النظام يدمر نفسه وبأنه ينتحر، لكن وبسبب قدراته الاقتصادية وعلاقاته الدولية وسيطرته على مقدرات البلاد فإنه يُضعف قوى المعارضة وبرامجها أكثر مما يُضعف نفسه، فهو غير ملزم بتقديم أي شيء جديد، بالعكس مهمته أسهل بكثير، هو لا ينفك يبث مشاعر مقارنة بين الوضع القديم "الذي كان في كنفه من أمان واستقرار وتحسن في الأوضاع المعيشية" والجحيم الذي تعيشه سوريا الآن من قتل وتشريد واعتقال وتجويع ومرض وذل.

 ليتحول العامل الخارجي بما يحمله من ظروف ساهمت في انفجار البركان الشعبي _وبفعل التدمير الممنهج والحاجة للآخر_ إلى أداة خضوع وهيمنة وتبعية.

وبما أن عملية تغيير الوعي لا يمكنها أن تكون فاعلة وقادرة إلا إذا ارتكزت على الاستقلالية فهذا بالضرورة سيساهم في خلق وتكوين ظروف تؤخر عملية التغيير وتضعف أفكار الثورة التحررية والأهم تمنع سقوط النظام.

ليساهم ضعف الحركة العلمانية في ظهور منظومة أيديولوجية متطرفة مبكرة على الأرض السورية تُأخّر عملية التغيير وإسقاط النظام وتجعل من العامل الخارجي _كأفكار تحررية حديثة ترفض القديم_ أداة هيمنة وتبعية بدلا أن يكون عاملاً مساعداً.

ليقع الإنسان السوري الطامح للتغيير والثائر الحقيقي في صراع دموي مرّ وقاسي مع النظام من جهة ومع قوى الايديولوجيا المتطرفة التي تملك مقدرات عسكرية ومالية ضخمة.

………………………..

نظام الاستبداد في سوريا هو بنية اجتماعية كوّنته ظروف ومراحل تاريخية وموضوعية، لذلك كان لابد لأي بديل ينادي بإسقاط النظام أن يكون مطالبا بتكوين بنية مجتمعية جديدة، وهنا الإشكالية!.

على البديل أن يهدم ويفتّت روابط وعلاقات معقّدة مُرسّخة منذ عشرات السنين، أي تهديم العلاقات التي بناها النظام: الاقتصادية والدينية والنفسية والثقافية _ لحد الآن لا يزال النظام محافظا على علاقاته الاقتصادية من رواتب وأجور واتصالات ومحاصيل… كما أن مكوّناً أساسياً ومهماً من الشعب السوري مرتبط مذهبيا وعقائديا بالنظام_ ليس هذا فحسب بل تقديم نموذج لعلاقات تكون أساسا لبنية مجتمعية جديدة يحمل حلولا ورؤى لواقع مرير اليم.

……………………

ولكن ما الذي يجعل ضرب علاقات النظام عملية صعبة:

هناك مقاومة نفسية للتغيير، العقل الباطن يقاوم أي عملية اقتحام له تهدد أمنه النفسي، لأن منطق البرمجة يرفض تغيير بنيتها وبيئتها واستبدالها.

علاقات النظام "النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية" وبحكم قدمها وترسخها في بنية المجتمع تبدو أكثر فاعلية ودينامكية من أية طروحات ما تزال في طور التكون والتبلور يشوبها الإبهام والغموض والتخبط، ومتناقضة الطرح والسلوك.

لذلك فإن مجموعة القيم التي تحدد سلوك الفرد واضحة ضمن هذه الكينونة ولكنها غير مفهومة خارج إطار النظام، أي أن الفرد يعرف "حقوقه وواجباته وأخلاقياته" ويدرك خطوطه المرسومة فهو تبرمج عليها سنوات طويلة، وعليه فإن سلوكه الرافض للتغيير مردّه الخوف من منظومة غيبية لا يستطيع التكهن بما يمكن أن تقدمه له في حال زاول النظام الحالي.

لذلك نرى أن أفراد النظام سيعطون كامل الولاء والإخلاص له، مقابل عجز وفشل الطرف المقابل في تكوين روابط نفسية وثقافية واجتماعية والأهم اقتصادية للشعب السوري تكون بديلا منافسا قويا لتلك التي يقدمها النظام.

وعلى هذا الأساس فإن الوطنية أو حدود الوطن لدى أفراد النظام ومؤيديه هي "داخل ومن خلال هذا النظام"، وكل ما هو خارج هذا النظام هو العدو الذي يريد تدمير الوطن.

إذاً التحدث عن الأخلاقيات التي تتحدث عن "الخطأ والصح"، التي "ترى الجرائم أو لا تراها" يكون عبثيا وغير مجديا لأنها منتفية وغير موجودة ضمن أفراد النظام، وبمعنى أدق هذه الأخلاقيات والقيم يكون معمول بها ضمن أفراد النظام أما كل ما هو خارج هذا النظام فهو مسموح أو على الأقل لا يطبق عليه قانون الأخلاق.

فينجح النظام ومن خلال كل هذا التدمير والقتل أن يبرأ نفسه أخلاقيا ليتم تمرير كل هذه الجرائم.

وهنا يمكن القول أنه مهما قام النظام بالتدمير والقتل والتهجير فإن عملية تغيير الوعي تجاه العلاقات التي أسس لها النظام ستبقى سطحية لا تصل الأعماق.

بينما لا يمكن تمرير أي عملية قتل أو انتهاك لحقوق الإنسان يرتكبها المقاتلون دون النظر لوحشيتهم ودمويتهم والمطالبة بمحاسبتهم، لأن غالبية الناس هم خارج المنظومة أو الايديولوجيا التي يعمل بها المقاتلون، فالحكم على أفعالهم سيكون حياديا وموضوعيا وقانونيا، وهنا نقطة لصالح النظام.

………………….

إذا نجاح قوى المعارضة في إسقاط النظام "داخليا" سيكون مرهونا بشكل كبير بالقدرة على تفتيت الروابط والقيم النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى إخضاع المجتمع السوري وتطويعه بالصورة التي نراها الآن، ولكن يبدو أن قوى المعارضة باقتتالها الداخلي وتبادل التخوينات وتصدع بنيتها السياسية وفشلها في الاستحواذ على نبض الشارع وفسادها أبعد ما تكون عن تقديم بديل ونموذج يُحتذى به يكون منارة تهتدي إليه ملايين السوريين الغارقة في الموت والمرض والتشرد.

شاهد أيضاً

من هم السريان الاشوريين في سوريا

10 juli 2019 نص المحاضرة التي قدمها الرفيق كرم دولي عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الآثورية …