آدو الإخباري ـ خاص: بدعوة من المركز العربي للابحاث ودراسة السياسيات ـ قسم وحدة الدراسات السورية المعاصرة بالتعاون من بيث الخبرة السوري التابع للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية، شارك مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية كبرئيل موشي كورية، في ندوة حول خطة التحول الديمقراطي في سوريا والتي اعدها مجموعة من الباحثين التابعين لبيت الخبرة السورية، وذلك يومي 17 و 18 تشرين الثاني 2013 في العاصمة القطرية الدوحة.
وقدم مداخلة بعنوان : كتابة دستور جديد لسوريا المستقبل الإشكاليات والتحديات، وهذا نص المداخلة:
بداية أتوّجه بالشكر والتقدير للقائمين على إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على الدعوة وعلى تنظيم هذه الندوة الهامة حول خطّة التحوّل الديمقراطي في سوريا. كما أتوجّه بالتحية والتقدير لإدارة المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية على الجهود الكبيرة التي بذلتها في إنجاز خطّة التحوّل الديمقراطي كمشروع وطني يحمل رؤية متكاملة صاغتها قوى الثورة والمعارضة لإدارة المرحلة الانتقالية ووضع الأسس القانونية والدستورية لسوريا المستقبل.
سأتناول في مداخلتي الإشكاليات والمعوقات والتحدّيات التي ستواجهنا كسوريين في مرحلة التأسيس لبناء الدولة، أي من سقوط النظام ولحين إقرار دستور دائم عبر الاستفتاء الشعبي.
لا شك أنّ هناك الكثير من عناصر التشابك والتداخل بين المحاور المطروحة للنقاش في هذه الندوة، وسيكون من الصعب تناول إحدى القضايا بمعزل عن الأخرى، لهذا سأحاول التركيز قدر الإمكان على موضوع الجلسة والمتعلّق بكتابة دستور جديد لسوريا المستقبل من حيث الإشكاليات والتحدّيات مرفقة ببعض التوصيات.
الإشكاليات والمعوّقات:
1- ظهور تيارات وقوى، بعضها له امتدادات خارجية تسعى لاستبدال استبداد بآخر تحت عناوين جديدة / المجموعات الجهادية المتطرفة/ استنادا لمنطق الغلبة وارتكازا على المقدّس الديني. وهذه القوى لا تكترث، ولا مصلحة لها ببناء نظام ديمقراطي حديث، وينصبّ جلّ اهتمامها على إقامة الدولة الدينية وفقا لرؤى لا تتواءم مع فهم غالبية السوريين للإسلام.
2- فقدان هيبة الدولة، وتآكل وضمور أجهزتها ومؤسساتها، وعدم قدرتها على القيام بوظائفها بفاعلية وكفاءة كتأمين الحاجات والخدمات الأساسية، فالمواطن لا يستطيع الصبر والانتظار من أجل الحصول على مسكن يؤويه مع عائلته، فهوقد يكفر بالدولة والديمقراطية والعملية السياسية والحكومة إذا لم توفّر له الحماية بالسرعة المطلوبة.
3- مصاعب المرحلة الانتقالية، فما حصل في سوريا من دمار وخراب وقتل وجرائم وتحريض مذهبي يفوق الوصف والخيال ولم يحصل في أي مكان على ضوء إطلاعنا على تجارب الدول التي شهدت صراعات ونزاعات أهلية مماثلة، وأدّى هذا إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وإضعاف روح المواطنة وروح الانتماء للدولة مقابل تنامي الولاءات العشائرية والطائفية والقومية والمناطقية، وانتعاش الزبائنية السياسية والارتهان للخارج. ما يضاعف من صعوبة تحقيق توافق وطني يعتبر ضروريا لصياغة دستور جديد يستجيب لتطلعات السوريين في بناء دولة ديمقراطية حديثة.
4- نمو ظاهرة أمراء الحرب، وتمكّن قوى الأمر الواقع الطامحة لفرض إرادتها ورؤيتها وضمان امتيازاتها ومصالحها، سوف يخلق إشكالية كبيرة وسيكون لها آثار وانعكاسات سلبية على العملية السياسية برمتها بما في ذلك مسألة صياغة دستور جديد. فالكثير من التشكيلات العسكرية وقادتها يعتبرون أنفسهم مالكو الثورة وهم من أسقط النظام وبالتالي يجب أن ينالوا الحصة الأكبر.
5- غياب ثقاقة وإرث دستوريين راسخين، جرّاء الانقطاع الناتج عن عقود طويلة من الاستبداد الذي حكم البلاد بقانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي أطلقت يد الأجهزة الأمنية في كل مفاصل الحياة دون ضوابط أو روادع قانونية. وهذا أضعف دور الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، كما أنّ الأطر السياسية التي أفرزتها الثورة ما زالت أطر هشّة، ومتأثرّة بالحالة الثورية وتفتقر للخبرة السياسية وذهنية بناء الدولة وهذه الحالة قد تعيق أو تؤخرّ عملية صياغة الدستور الجديد.
التحدّيات:
أولاً: تحدّي الشرعية الدستورية في المرحلة الانتقالية:
إنّ الحنين لمرحلة الاستقلال ولدستور 1950 بكلّ ما له من رمزيّة لا يكفي لاعتماده كما هو كمرجعية دستورية للمرحلة الانتقالية لأسباب أوردتها خطة التحوّل الديمقراطي بشكل مفصّل.
أعتقد أنّ بناء الشرعية يمكن أن يعتمد على شكل وطريقة سقوط النظام.
فإذا استطاعت قوى الثورة حسم المعركة وإسقاط النظام عسكرياً، وتشكيل حكومة ثورية، وبعد تعليق العمل بدستور 2012 يمكن الاستناد إلى الشرعية الثورية في إدارة المرحلة الانتقالية أو التأسيسية، عبر الاعتماد على وثيقة العهد الوطني التي أقرّتها قوى المعارضة في مؤتمر القاهرة 3/7/2012 معزّزة بإعلانات دستورية محدودة الصلاحيات والإطار الزمني توضّح صلاحيات الحكومة ومهامها وطبيعة إدارتها للدولة، ومدتها الزمنية وصلاحياتها التشريعية المؤقتة، وآلية وطريقة تنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية دون الحاجة للعودة إلى دستور 1950.
في حال تشكيل هيئة حكم انتقالي نتيجة توافق وطني ورعاية دولية عبر جنيف أو غيرها، تتحصّل الهيئة الانتقالية تلقائياً على شرعية وطنية ودولية تسمح لها بوضع وثيقة دستورية مؤقتة، يمكنها الاستناد إلى وثيقة العهد التي أقرّها مؤتمر القاهرة، مع إصدار إعلانات دستورية توضّح كيفية إدارة المرحلة الانتقالية.
وفي كلتا الحالتين ومن أجل تعزيز هذه الخطوة، يمكن للحكومة الانتقالية ولهيئة الحكم الانتقالي الدعوة لمؤتمر وطني موسّع يضمّ جميع أطراف العملية السياسية يكون بمثابة مجلس أو برلمان مؤقت يعدّل وثيقة العهد ويصادق عليها، ويمكن أن يمنح لهذا المؤتمر أيضاً صلاحية إلغاء وتعديل بعض مواد دستور 1950 في حال استقرّ الرأي على اعتماده في المرحلة الانتقالية كأساس للشرعية الدستورية، وصولاً إلى تشكيل جمعية تأسيسية منتخبة.
وفي هذا السياق أطرح فكرة للنقاش تتمحور حول ترك الدساتير السابقة في رفوف الأرشيف دون أن ينفي هذا إمكانية الاستفادة منها، فكثير من دول العالم في تأسيسها لدساتيرها في مراحل التحوّل الكبرى قطعت مع دساتيرها السابقة، وسارت الأمور فيها نحو الأفضل.
ثانياً: هوية الدولة السورية
يشكلّ تحديد هويّة الدولة السورية، وهويّة الشعب السوري أحد أهمّ التحدّيات التي ستواجه عملية وضع دستور جديد لسوريا.
إنّ الدولة المدنية الحديثة حسب فهمنا هي دولة الحقوق والواجبات، ودولة المواطنة المتساوية، السيادة فيها للشعب، وتقوم على فصل السلطات، وتسود فيها سلطة القانون على الجميع، وتصون الحريات الفردية والعامة، وتعتمد الديمقراطية كنظام سياسي يقوم على التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة .
هي دولة ليست حكراً لدين أو مذهب أو طائفة أو عرق أو أيديولوجيا أو حزب، هي دولة تحترم العقائد الدينية ولاتعاديها دون أن يترتب على ذلك أيّة امتيازات.
إنّ الدولة الحديثة بقدر ماتحترم حق المواطنة، وتحمي حقوق الافراد ينبغي عليها أيضاً ضمان حقوق الجماعات وفق المواثيق الدولية، خصوصاً في الدول ذات التعدّد القومي والديني والثقافي واللغوي، وعليه فإن تبنّي وإدراج المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الافراد والجماعات في أيّ دستور مستقبلي للبلاد، بحيث تكون جزءاً عضوياً وأساسياً منه، ليس نوعاً من الترف الفكري والقانوني، وإنّما هو ضرورة ملحّة لحلّ قضية التنوع حلاً ديمقراطياً عادلاً ضمن الإطار الوطني.
استناداً إلى هذا الفهم للدولة المدنية الحديثة، وانطلاقاً من كون سوريا تنطوي على كلّ أشكال التنوّع. نرى أنّ الدولة يجب أن تكون حيادية وعلى مسافة واحدة تجاه القوميات والأديان، وأن لاتكون ملكاً لجماعة قومية بذاتها، أو لدين بعينه.
ويجب أن يعرّف شعبها من الناحية القانونية بدلالة هويتها الوطنية الجامعة، وليس بهوية أحد مكوناتها، وبهذا تكون الجمهورية السورية للعربي والكردي والسرياني الآشوري والتركماني، وللمسلم كما للمسيحي.
وهذا لا ينتقص من قيمة وأهمية العروبة ولادورها، كما لايعزل سوريا عن محيطها العربي، ولا يلغي عروبة مواطنيها العرب مثلما لم يلغ عدم ورود صفة العروبة في أسماء دول كالاردن والعراق والجزائر وتونس والكويت وقطر.. عروبة مواطني هذه الدول، كذلك فإنّ عدم ورود الصفة الدينية لا ينفي حقيقة أنّ الإسلام دين الأكثرية، ولاينتقص من دوره أويقلّل من مكانته في نفوس الغالبية العظمى من المواطنين السوريين.
ثالثا: صياغة العلاقات المدنية – العسكرية والأمنية وكافة التشكيلات العسكرية الثورية، تعدّ من أبرز التحدّيات، خصوصاً وأنّ المؤسسة العسكرية والأمنية في سوريا لها إرث عريق في التدخل بالسياسة.
ويتمّ ذلك عبر بناء عوامل الثقة مع الجيش والقيام بترتيبات دستورية وقانونية ومؤسسية تحفظ للجيش مكانته ودوره الوطني في حماية الوطن والمواطن، وتبعده في الوقت نفسه عن التدخّل في العملية السياسية ومحاولات التأثير في مسارها.
رابعا: من أهمّ التحدّيات، دور وموقع الأحزاب والجماعات الدينية التي تنامى دورها كثيراً بعد الأشهر الأولى من الثورة السلمية، و انتقالها من خانة التهميش والإقصاء إلى صدارة المشهد السياسي، وهذا يطرح العديد من القضايا والإشكاليات، منها مدى قدرة هذه القوى على الفصل بين الدعوى والسياسة في ممارستها، ومدى قبولها بالديمقراطية كاختيار نهائي بما ينطوي عليه من التسليم بأسس ومبادئ مثل تداول السلطة ومدنية الدولة، الشعب مصدر السلطات، المواطنة، واحترام حقوق المرأة والأقليات، فضلاً عن إيجاد ضمانات تحول دون توظيف الدين من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية دون نفي حقّ هذه الاحزاب في اتخاذ الاسلام وقيمه مرجعية لها.
في الختام أتقدّم ببعض التوصيات كمساهمة في التحريض على النقاش حول قضايا أرى ضرورة لتناولها بشكل واسع من أجل إنضاجها، وذلك استباقا للدخول في المرحلة الانتقالية حيث ستداهمنا الاستحقاقات بشكل متسارع.
التوصيات:
1_ تبنيّ المبادئ الدستورية الواردة في وثيقة العهد الوطني التي أقرّها مؤتمر القاهرة 3 تموز 2012 والتي توافقت عليها قوى المعارضة السورية، كوثيقة دستورية مكمّلة وكفيلة بسدّ الثغرات الموجودة في دستور 1950 في حال اعتماده، إضافة للإعلانات الدستورية التي ستصدرها الحكومة الانتقالية أو هيئة الحكم الانتقالي، كونها المرجع الوحيد للتشريع وإصدار القوانين في المرحلة الانتقالية.
2 _اعتماد الاسلوب المختلط في إقرار الدستور، أي انتخاب جمعية تأسيسية يمكنها الاستعانة بأخصائيين في مجال القانون الدستوري لصياغة مشروع أو مسوّدة الدستور الجديد ومن ثمّ عرضه على الاستفتاء العام، ويصبح نافذاً عند نيله أغلبية الاصوات.
3_ عدم التسرّع بإجراء انتخابات الجمعية التأسيسية، من أجل إتاحة الفرصة أمام جميع الأحزاب والتيارات السياسية، وهيئات المجتمع المدني لتنظيم نفسها والمشاركة بفعالية في نشر التوعية السياسية وتخفيف حدّة التوتر والتحريض الطائفي، وإعطاء مجال أكبر للنقاش العام، وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة. ويبدو الجدول الزمني الوارد في خطّة التحوّل الديمقراطي مقبولاً من هذه الناحية.
4_اعتماد النظام الجمهوري البرلماني مع التوصية ببحث ودراسة إمكانية تشكيل البرلمان من غرفتين، أي من مجلسين، مجلس للنواب ومجلس للشيوخ يضم ممثلين عن القوميات والطوائف والمحافظات والنقابات وقطّاع الأعمال بنسب متساوية. مع تحديد وظائف المجلسين ودورهما بوضوح ودقّة، وبما يجنّب البلاد من الانزلاق إلى أشكال من المحاصصة، وخلق أرضيّة للاندماج الوطني بين كل مكوّنات الشعب السوري وصولا لتحقيق الدولة الوطنية الحديثة.
5_ إدارة حالة التنوّع إدارة عقلانية عبر اتّخاذ تدابير إيجابية تجاه المكوّنات الصغيرة ويأتي في مقدّمة هذه التدابير الإقرار الدستوري بحالة التنوع القومي، وضمان الحقوق القومية للسريان الآشوريين والاكراد والتركمان.. ضمن إطار وحدة سوريا أرضا وشعبناً.
وشكرا على الاستماع
الدوحة 17-18/2013