يحتفل شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في السابع من آب من كلّ عام بعيد الشهيد، مستعيدا ذكرى مجزرة سيميل عام1933 وكأنها حدثت بالأمس، لِما خلّفته من تداعيات وآثار مأساوية طالت كافة جوانب وجوده القومي والإنساني والحضاري، حيث مايزال ينزف في العديد من دول المشرق، جرّاء التسلّط والاستبداد والظلم الذي مارسته وما تزال الحكومات بحقّ شعوبها.
يستحضر ذكرى سيميل، لفضح وإدانة العقلية التي وقفت وراء اقتراف المجزرة، والحيلولة دون تكرار إرهاب الدولة الموجّه ضد فئة من المواطنين على أساس هويتهم وانتمائهم، وهو ما تجسّد في سلوك الحكومة العراقية التي دفعت بجيشها بقيادة المجرم بكر صدقي، لارتكاب واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية بحقّ شعبنا في سيميل، ردّا على مطالبه السلمية في نيل حقوقه القومية المشروعة، وقضى فيها ما يزيد على خمسة آلاف إنسان، جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
يستعيد شعبنا هذه المأساة، وفاءً لكلّ شهدائه الذين سقطوا في جريمة الإبادة الجماعية (سيفو) في حيكاري وطورعبدين وآمد (دياربكر) وأورميا، وكذلك في صوريا وفي كل بقعة من أرض المشرق، ماضيا وحاضرا. واستلهاما للقيم النبيلة التي ضحّى من أجلها، مارشمعون بنيامين، آشور يوسف، فريدون آثورايا، بشار حلمي بورجي، توما أودو، فرنسيس شابو، اسكندر بولص، فرج رحّو، يشوع مجيد هدايا.. الذين قدّموا أرواحهم دفاعا عن وجودهم وهويتهم القومية والدينية، وتكريسا لقيم الحقّ والحرية والعدالة والعيش المشترك.
يتكثّف حضور مجزرة سيميل برمزيتها وأبعادها المأساوية في المشهد السوري، حيث لم يتخلّ النظام عن حلوله الأمنية والعسكرية، ومازال يمارس أقصى مايملك من عنف ضد شعبه لإرغامه على التنازل عن مطالبه المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة، واستجرّ ذلك عنفا مضادا، انحرفت بموجبه الثورة عن مسارها السلمي، وتحوّلت البلاد إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. حيث أدّى غياب الحلول السياسية، وانكشاف عجز المجتمع الدولي، إلى تصاعد جنون العنف والقتل والتهجير والخراب في سوريا ليصل إلى حدود الكارثة الإنسانية. وإدخال البلاد في حالة استنزاف مدمرّ، وبروز خطر المجموعات التكفيرية المتطرّفة، إذ ساهم التواطؤ الخفيّ بين النظام وبعض الأطراف الإقليمية والدولية في استفحال هذا الخطر وتفجّره في العديد من المناطق، بقصد إفراغ الثورة من محتواها الوطني، وحرفها عن أهدافها. وأسوأ تجليّات هذا الانحراف ظهرت في أجزاء من المناطق المحرّرة في الرقة وريف حلب وريف ادلب وبعض مدن وبلدات الجزيرة السورية، وتجسّدت في مصادمات مع قوى الثورة، وفرض أجندات وقيم غريبة على السوريين، وممارسة ضغوط هائلة على المدنيين تراوحت بين حصار المدن إلى عمليات تهجير وخطف للمدنيين والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، ورفع هذا من منسوب التوتر والاحتقان بين مكوّنات المجتمع، وألحق أفدح الأضرار بالمكاسب التي حققتها الثورة على الأرض. وهذه الأعمال ندينها بشدّة لأنها تخدم أجندات النظام وتتنافى مع المفاهيم والقيم والأهداف النبيلة التي انتفض السورييون من أجلها.
إن دماء شهدائنا في سيميل، ودماء شهداء سوريا (مدنيين وعسكريين) والكارثة الانسانية الضاغطة على السوريين، تلحُ وبقوّة على المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته السياسية والأخلاقية والقانونية والانسانية، من أجل التحرك بشكل عاجل لكبح جماح هذا النظام الجائر، ووقف نزيف الدم السوري، وممارسة ضغوط حقيقية لفرض حلّ سياسي يستجيب لتطلعات الشعب السوري في الانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي علماني يصون الحريات ويحترم حقوق الانسان، ويقوم على أسس العدالة والمساواة والشراكة الوطنية الكاملة، ويقرّ بالوجود والهوية القومية لكافة مكوّنات الشعب السوري، وفي مقدّمتها الاعتراف الدستوري بالوجود والهوية القومية للكلدان السريان الأشوريين وضمان كافة حقوقهم ضمن إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
يشكّل استمرار خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولص يازجي ومعهما الأب باولو دالوليو، باعتبارهم رموزاً وطنية ورسلاً لنشر قيم المحبة والحق والحرية والتسامح، انتهاكاً فاضحاً لحقوق الانسان، وإساءة لمفهوم الوحدة الوطنية وقيم العيش المشترك. لهذا نطالب جميع القوى الوطنية والمجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط من أجل الافراج عنهم وعودتهم سالمين لاستئناف دورهم الانساني والوطني الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه في هذه المرحلة الصعبة، كما نطالب بتكثيف الضغوط من أجل الافراج عن عبد العزيز الخيّر ويوسف عبدلكي ومازن درويش وحسين عيسو وخليل معتوق وروبير بحو وكافة معتقلي الحرية.
إن شهداءنا ضحّوا من أجلنا، من أجل وجودنا وحقوقنا، من أجل حريتنا ومستقبلنا، ليكونوا رموزاً تمُدّنا بالعزيمة والقوة على تحدّي القهر والظلم والاستعباد، لاسيما في هذه المرحلة القاسية التي تستدعي من قوى ومؤسسات شعبنا توحيد جهودها وطاقاتها من أجل العمل على مواجهة التحدّيات والصعوبات التي تواجه شعبنا، ومن أجل تحقيق تطلعاتنا القومية المشروعة، وتعزيز وجودنا الانساني والحضاري في الوطن.
تحية إجلال و إكبار لشهداء سيميل وشهداء شعبنا
تحية إجلال و إكبار لشهداء وطننا الحبيب سوريا
عاشت سوريا حرة أبية
سوريا 6 آب 2013
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي