من قيامة تموز إلى قيامة المسيح.. ومن عمق المأساة والوجع، تنتصر إرادة الحياة، ويتجدّد الأمل بقيامة جديدة لسوريا الوطن.. لسوريا الشعب، مع انبلاج فجر الحرية القادم.
فألف تحيّة وأجمل التهاني أزّفها إلى أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في الوطن والمهجر, وإلى الشعب السوري بمناسبة عيد رأس السنة البابلية الآشورية (الأكيتو) وبمناسبة عيد قيامة السيد المسيح. وألف تحية لأرواح شهداء شعبنا وشهداء الثورة السورية الذين قضوا على مذبح الحرية….
أيتها الأخوات… أيها الأخوة:
يشرّفني باسم قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية أن أرحّب بممثليّ الحركة الوطنية العربية والكردية والأرمنية واللجان الحقوقية, وبالآباء الكهنة وبممثلي مؤسساتنا وهيئاتنا الكنسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
كما يسعدني أنّ أرحبّ بكم فرداً فرداً على مشاركتكم الرائعة في هذا المهرجان القومي الذي يقام بمناسبة عيد رأس السنة البابلية الآشورية (الأكيتو).
الحضـــــــور الكرام:
احتفالنا اليوم بعيد رأس السنة بشكل موّحد بين كافة أحزاب و مؤسسات وتجمعّات شعبنا, هو بلا شك ثمرة للحرية التي أطلقتها الثورة السورية المباركة, وهو صدى لصرخة أطفال درعا التي حطّمت جدران الخوف, وزلزلت أركان الإستبداد. وهو تتويج لمسيرة النضال التي خاضتها قوى وأحزاب شعبنا من أجل الوجود والحرية, وتجسيد حيّ لوحدة شعبنا بكلّ تسمياته, وتأكيد على إرادتنا المشتركة في توحيد صفوفنا وتطلعاتنا القومية والوطنية.
وفي الوقت ذاته هو شهادة ناصعة على أنّ الشعب السوري واحد بكل مكوّناته القومية و الدينية…
(الشعب السوري واحد) كان الشعار الأوّل للثورة السورية, والذي صدحت به ملايين الحناجر على امتداد رقعة الوطن. هذا الشعب الواحد الذي هتف قبلا وبصوت واحد "الموت ولا المذلّة" كتأكيد على رفض الظلم والغبن, لهذا نجد أنّ السرياني الآشوري يتفاخر بنضال كاوا الحداد الكردي, ويهبّ الكردي لمساندة أخيه العربي, ويهتف العربي آزادي وحيـروثو مع الكردي والسرياني الآشوري, ويزهو الجميع بكلكامش الباحث أبداً عن الخلود، وبعشتار التي تبسط الخصب والعطاء على الأرض. الشعب السوري واحد لأنّ المسلم يشارك أخيه المسيحي آلامه في جمعته العظيمة, ولأنّ المسيحي يتجه يوم الجمعة إلى المسجد ليتظاهر مع أخيه المسلم طلباً للحرية والكرامة. هكذا يجتمع الجميع في ظلّ الوطن بسمائه الوضاءة بشمس الحرية، ليستعيد أصالته ورونقه كمهد للحضارة منذ فجر التاريخ.
أيتها الأخوات أيها الأخوة:
لقد اكتسب عيد رأس السنة البابلية الآشورية (الأكيتو) معاني ومضامين قومية معاصرة جعلت منه العيد القومي الأبرز لشعبنا السرياني الآشوري, يعكس من خلال الاحتفال به إرادة الحياة و التجذّر في أرض الوطن, و يعبّر من خلاله عن توقه للحرية, و إصراره على بلوغ كافة تطلعاته القومية المشروعة وفي مقدّمتها الإعتراف الدستوري بالوجود والهوية القومية للسريان الأشوريين و ضمان كافة حقوقهم,
و اعتبار ثقافتهم و لغتهم ثقافة و لغة وطنية، وذلك ضمن إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
كما ونطالب الإقرار دستورياً باعتبار سوريا دولة متعددة القوميات والإعتراف الدستوري بالوجود والهوية القومية للكورد والأرمن والتركمان.. وغيرهم وضمان كافة حقوقهم في إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
إنّ هذا يقتضي تحويل عيدي النوروز والأكيتو إلى عيدين وطنيين لكل السوريين, وهما كذلك في حقيقة الأمر, وهذا كفيل بإعادة سوريا لأصالتها التاريخية باعتبارها أمّ الحضارة والمدنية.
الحضـــــــــور الكرام:
تتزامن احتفالات شعبنا بعيد الأكيتو مع دخول ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية عامها الثالث, ومازالت أنهار الدم تسيل بغزارة, ومازالت المدن تتهدم وتتحوّل إلى أنقاض، حيث لم تكفّ آلة القمع والدمار عن العمل منذ سنتين, وحصدت المزيد من أرواح الشهداء. ودمّرت المدن والقرى والبنى التحتية, وشرّدت الملايين من الداخل والخارج في ظلّ عجز وصمت دولي مخزٍ.
إنّ تقاعس المجتمع الدولي عن مساعدة الشعب السوري, وإصرار النظام على التعاطي مع المطالب المشروعة للشعب من خلال البوابة الأمنية العسكرية, ورفضه الكامل لكلّ المبادرات الدولية واستبعاد الحلول السياسية والتنكرّ التام للأسباب الحقيقية للأزمة السياسية الحالية, والكامنة في الإستبداد وغياب الحريات, وانتشار الفساد, وتغليب منطق الإحتكاروالإستئثار, وفرض الوصاية على المجتمع وقواه الحيّة. واتّباع سياسات التحريض الطائفي والمذهبي والقومي, كلّ هذا أدىّ موضوعيا إلى عسكرة الثورة, وخروجها عن المسار السلمي والمدني الذي بدأت به, كما وضاعف من نزعات التطرّف والتعصّب والتكفير في المجتمع, وجرّ البلاد إلى حافة النزاعات والصراعات الأهلية و تحويل سوريا إلى ساحة مستباحة أمام كلّ أشكال التدخل الإقليمي والدولي.
ورغم الدعم الهائل الذي حظي به النظام من حلفائه الروس والإيرانيين فإنّه فشل فشلاً ذريعاً في كسر إرادة السوريين, بل على العكس نجد أنّه رغم التضحيات الكبيرة والأثمان الباهظة التي قدّمها ويقدّمها السوريون, فإنّ عزلة النظام تزداد, وسلطته تتآكل في كافة المجالات. فيما قوى الثورة تتقدّم نحو تحقيق حلمها بوطن حرّ وكريم ينتفي فيه الظلم والإقصاء والتمييز.. وطن يقوم على أسس العدالة و المساواة و الشراكة الحقيقية بين جميع أبنائه من عرب وكورد وسريان آشوريين وأرمن.. مسلمين ومسيحيين ويزيديين.
إنّنا في المنظمة الآثورية الديمقراطية، وباعتبارنا جزءاً من ثورة الشعب السوري, نطالب المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته السياسة والقانونية والأخلاقية والإنسانية للتحرّك سريعاً واتّخاذ مواقف حازمة من أجل حماية المدنيين ووقف العنف و الدمار, ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة, والضّغط من أجل فرض حلّ سياسي يضمن الإنتقال السلمي والأمن من نظام الإستبداد إلى دولة ديمقراطية علمانية تستجيب لتطلّعات كلّ السوريين و تليق بتضحياتهم الكبيرة. وإنّنا نرى أنّ أيّ تأخّر أو تلكؤ في هذا المجال يصبّ في خدمة قوى التطرّف والإرهاب الظلامي، ويؤدي إلى تمدّد الحريق لدول الجوار, وما يحمله هذا من مخاطر على الأمن والإستقرار في عموم دول المنطقة.
كما ونطالب قوى المعارضة الوطنية, لا سيما الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, بضرورة الإنفتاح على كافة أطر المعارضة الوطنية بمختلف تعبيراتها السياسية والقومية, من أجل توحيد الصفوف وتعزيز المكاسب السياسية التي حققتها مؤخراً وصولاً إلى تحقيق أهداف الثورة في الخلاص من نظام الإستبداد وبناء دولة مدنية حديثة لكل السوريين.
إنّ فهمنا للدولة الديمقراطية المدنية الحديثة ينطلق من كونها دولة مستقلة ذات سيادة، دولة دستورية، تمتلك دستورا وضعيا توافقيا يساهم في صياغته كافة القوى و المكونات الوطنية، وهي دولة عابرة للقوميات والاديان والمذاهب، هي دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والجنس والعرق. هي دولة تحترم العقائد الدينية ولا تعاديها, وتدعو إلى تحييد الدين عن السياسة. هي دولة تعود السيادة فيها للشعب, وتقوم على فصل السلطات وتسود فيها سلطة القانون على الجميع, وتضمن حقوق الأفراد والجماعات و تحترم حقوق الإنسان, وتعتمد الديمقراطية كنظام سياسي يقوم على التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الإنتخاب.
انطلاقاً من هذا الفهم, واستناداً إلى التلازم العضوي ما بين نضالها القومي والوطني, فقد تقدّمت المنظمة الأثورية الديمقراطية بالعديد من المبادرات على الصعيدين القومي والوطني, واستجابت لمبادرات أخرى وتفاعلت معها بكل جدّية وإيجابية.
فعلى الصعيد القومي تلاقت مؤخراً الإرادات الخيرة لأحزاب وتجمّعات شعبنا, وبذلت جهود جبّارة من الجميع, وقطعوا معاً شوطاً هامّا باتجاه التوافق وعلى طريق خلق إطار قومي سرياني أشوري قادر على تجسيد وحدتنا وإرادتنا والتعبيرعن تطلعاتنا المشتركة وترسيخ وجودنا القومي, وتعزيز دورنا الوطني إلى جانب إخوتنا السوريين. وقريباً وبعد إتمام مهامها, ستزّف لكم اللجنة التحضيرية بشرى ولادة إطار قومي جديد, انتظرتموه طويلاً, ونأمل أنّ لا يتردّد أيّ من أحزاب ومؤسسات شعبنا في أن يكون شريكاً فاعلاً فيه, كما تحدونا الثقة الكاملة بأنّ هذه المؤسسة القومية الجامعة ستلقى كل الرعاية والدعم من قبل الجميع, وفي السياق نفسه فقد تلاقت الإرادات الطيبة للقوى السياسية الوطنية العربية والكردية والسريانية الأشورية, وهناك محاولات جادّة لتشكيل هيئة وطنية جامعة في محافظة الحسكة تقوم على أساس الشراكة الوطنية، وقادرة على تشكيل شبكة أمان اجتماعي لإشاعة الاطمئنان والثقة بقدرة القوى الوطنية على تقديم البديل الديمقراطي القادر على عملية النهوض والتنمية في هذه المحافظة التي عانت طويلا من التهميش والحرمان.
السيدات السادة الحضور:
رغم الهواجس التي تنتابنا من حجم الآلام والدمار الذي يحيط بنا, رغم العتمة والضبابية, وتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية, رغم تفشّي أعمال الجريمة والخطف المدانة وما توّلده من مشاعر إحباط ويأس, وما تخلّفه من آثار نفسية قد تدفع البعض للكفر بالوطن.. رغم فقدان وهجرة الأحبّة.. وشيوع الكثير من حالات انعدام اليقين والثقة بالمستقبل.. رغم كل ذلك صمدنا وسنصمد بروح ملؤها التحدّي والإصرار, ويحرّكنا الرجاء والأمل..
الأمل الذي علّمنا التعاون والتضامن والتكافل في القطّاعات والحراسات..
الأمل الذي فجّر نزعتنا الإنسانية, وأخرج فينا الأشياء الجميلة بدل القبح الذي زرعه الاستبداد طوال عقود، وزاد من ثقتنا بأنفسنا وبجيراننا وبشركائنا.
الأمل الذي دفعنا لإزاحة العتمة بصفحات مشرقة أضأناها معاً..
الأمل الذي أنسانا خلافاتنا, وحثّنا على تجاوز اصطفافاتنا الحادة ما بين موالٍ ومعارض وأعادنا إلى ذاتنا الوطنية الخيرة التي تقبل التنوّع والإختلاف.
الأمل بأنّ سوريا التي قامت على الإستبداد والإحتكار والقمع قد تغيّرت وهي تعيش اليوم ربيع ثورتها المضمّخ بالدماء والآلام.
الآن ها هي سوريا الجديدة تتشكّل بهمّة وعزيمة و سواعد جميع أبنائها الذين لن يقبلوا أن تكون, محافظة إيرانية, أو ولاية عثمانية, أومستعمرة غربية, أو مرتعاً للتطرّف والتعصّب والفكر التكفيري, بل سيحرصون على بقائها نموذجاً للتآخي والعيش المشترك كما كانت دوماً، وعنواناً للإزدهار والتقدم.
سوريا ستبقى موطناً أبدياً للسريان الآشوريين الذين اختاروا الإنحياز إلى المستقبل ليعملوا جنباً إلى جنب مع إخوتهم السوريين لتكريس قيم الحرية والعدالة والمساواة.
ختاماً: أشكر جميع أحزاب ومؤسسات شعبنا التي وحدّت كلمتها في هذا العيد, وأشكر بشكل خاص أعضاء اللجنة التحضيرية الذين بذلوا جهوداً جبّارة لإنجاح هذا المهرجان, وأشكركم جميعاً على المشاركة.
المجد والخلود لشهداء شعبنا ووطننا
كل عام و أنتم بخير .. عشتم وعاشت سوريا وطنا حرّا لجميع أبنائها
1نيسان 6763آ- 1/4/2013م
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي