مؤتمر لإسقاط النظام، يعقد في عاصمة النظام وتحت حماية النظام وبدعم ومشاركة من حماة النظام!!! إنها ليست نكتة للتندر ولا إحدى حزازير قياس الفهم والشطارة. ولكن هذا ماحدث فعلاً في دمشق يوم الأحد الماضي. ولولا أصوات انفجارات القنابل التي تسقطها طائرات النظام ودباباته لتدمر الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها من المواطنين العزل لاعتقدنا أننا نعيش في عالم آخر وزمان يبحر بعيداً في المستقبل وليس في عصر نظام الأسد!!!
شعار إسقاط النظام الذي خرج به مؤتمر هيئة التنسيق ومن جاورها سياسياً والذي دعي بمؤتمر إنقاذ سوريا، وماهو في الحقيقة إلا مؤتمراً لإنقاذ النظام ذاته، هذا الشعار ليس إلا حركة بهلوانية جديدة من حماة النظام وأدواتهم. بدليل أن تنفيذ هذا الشعار ترك أمره للنظام فهو الذي سيقرر (إذا رغب بالطبع) مكان وزمان وشكل الإسقاط ولونه. بحيث إن حصلت المعجزة وتم، يكون إسقاطاً من النظام لنفسه وبنفسه ولنفسه. ذلك لأن قلوب القائمين على هيئة التنسيق وأخواتها من الحنو والرِقة بحيث لايتحملون مشاهد الدماء التي قد تسيل إذا طالبوا بإسقاط هذا النظام العاتي بالقوة. ولهذا قالوا: (سلمياً). وهذا كما هو جلي، منتهى الإنسانية، لولا أن أنهار الدم السورية البريئة التي سيَّلها النظام حتى الآن، ومازال الحبل على الجرار، تفقع عين كل من يريد أن يتعامى عن حقيقة هذا النظام وسياسته القائمة على القتل والدمار والخراب لسوريا وشعبها.
ولم يأتِ شعار شبيحته (الأسد أو لا أحد) من فراغ بل هو كان ومايزال سياسة ممنهجة لاتخفى على كل ذي حس وطني ولو بالحد الأدنى. لم يكن إسقاط النظام في سوريا هدفاً بحد ذاته للمعارضة السورية منذ وراثة بشار الأسد لأبيه، وإنما تحولت المعارضة السورية إلى هذا الشعار بعد أن يئست من كل الوعود التي بذلت بسخاء للإصلاح والتغيير والديمقراطية. ثم بدأ النظام يلحسها الوعد تلو الآخر. فابتداءاً بمطالبات المنتديات بُعيد وراثة بشار للحكم ومروراً بتأسيس إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي وصولاً إلى ثورة الشعب السوري التي انطلقت في بدايتها من المبدأ ذاته القائم على الحوار المتحضر البيني بين جميع أطياف وتيارات وفئات الشعب السوري من جهة وبينها وبين النظام ذاته من جهة أخرى. وذلك للوصول إلى تقاطعات مشتركة يتم الانتقال عبرها إلى سوريا الجديدة.
وقد اعتقد معظم هؤلاء بأن النظام استفاد من التجارب التي سبقته ولا بد أن يكون قد اتعظ منها. لكن حين تبين العكس تماماً وركب النظام رأسه وكان رده الوحيد المزيد من الملاحقة والقتل والتدمير للبلاد والعباد، اضطرت المعارضة الشعبية نتيجة ذلك للتحول إلى المطالبة بإسقاط النظام الذي لم يعد يرتجى منه أي إصلاح حقيقي مهما كان طفيفاً. يقال باللهجة الشامية: (يطعمك الحج والناس راجعة). هذا هو حال هيئة التنسيق اليوم. فبعد أن كانت تعارض أي طرح جدي بإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، اضطرت في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية أن تقبل على مضض وتحت ضغط الشارع الثائر أن تقبل بما تضمنته وثيقة القاهرة.
لكنها بعد قليل حاولت التملص من استحقاقات تلك الوثيقة بخلق أعذار لاعلاقة لها بذلك المضمون. لقد أتيح لهيئة التنسيق عدة فرص للالتحاق بمسيرة الثورة السورية قبل وأثناء وبعد تشكيل المجلس الوطني السوري على الأسس والمبادئ التي طرحتها الثورة. لكنها ظلت طوال الوقت تغازل النظام لتحافظ على رأسها طافياً بمساعدة وتشجيع حلفاء النظام وحماته أنفسهم. في حين كان الثائرون يغرقون بدمائهم التي استباحها النظام واستباح معها كل شيء. وكان الآخرون مهددون بحياتهم وعائلاتهم مما اضطرهم للاختفاء أو مغادرة البلاد بمبادرة ذاتية أو تكليفاً من التنظيمات التي ينتمون إليها لمواصلة نضالهم الذي بدأوه.
وهذا هو حال معظم قياديي المجلس الوطني السوري. وهنا تراقصت هيئة التنسيق مرة أخرى على معزوفة النظام القائلة بمعارضة الداخل ومعارضة الخارج بتناغم فريد مع سياسة النظام في اتهام المعارضة الحقيقية بالارتهان والعمالة للخارج، وقصر صفة المعارضة الوطنية على بعض الأسماء والتنظيمات المسبقة الصنع في مختبرات النظام الأمنية وفق مقاييس محددة تفي بالغرض الذي ينشده النظام من طرحه للحوار (الأبدي) تحت سقف النظام وبشروطه للوصول إلى النتائج (المسبقة الصنع) أيضاً بحيث ينطبق المثل الشعبي (تيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي). ثم أليس أبرز قادة هيئة التنسيق أيضاً مقيمين في الخارج ومنذ عشرات السنين؟؟؟ ثم هل الصفة الوطنية والاهتمام بقضايا الوطن ومناصرتها يجب أن تقتصر فقط على أولئك المقيمين في دمشق؟ وأن الآخرين جميعاً متهمون في وطنيتهم؟ أليس هذا مايريده النظام تحديداً بعزل المعارضة الحقيقية والمؤثرة وتشويه صورتها ومقاصدها للاستفراد بما تبقى من معارضة لاحول ولا قوة لها في الداخل. وأما من له الحول والقوة وأثبت وجوداً في الداخل، فهو مجرد مجموعة إرهابية وستتعامل معها أجهزة النظام المختصة كما يجب؟؟؟ فإلى أي حد يفترق موقف هيئة التنسيق عن موقف النظام هذا؟
ثم يأتي انعقاد مؤتمر (إنقاذ سوريا) هكذا في وضح النهار وفي قلب دمشق وبحماية أجهزة النظام نفسه وبدعم ورعاية ومشاركة من حماة النظام وأولياء نعمته إيران وروسيا والصين؟ ومن ثم يطرح هذا المؤتمر وبكلمة واحدة ((إسقاط النظام)) دون أن تهتز تحت أقدامهم بحصة في شوارع دمشق!!! هنا لابد أن يتوقف الزمن قليلاً لهضم مايجري، وإدراك أبعاد مايدور. فهل هذا مجرد شعار يطرح لقطع الطريق على الآخرين وامتصاص نقمة الشارع عليهم وتبييض صفحتهم بعد أن لفظهم هذا الشارع المنتفض نتيجة لمواقفهم السابقة.
وهل الهدف الآن هو إعادة تأهيل هيئة التنسيق وأخواتها لتقديمهم كمحاورين للنظام وفق أجندة محددة وضعها حماته بالاتفاق والتنسيق معه من أجل تعويم حل يقبل به النظام وترضى به (معارضة الداخل) المدجنة. ومن ثم تسويق هذا الحل وبيعه للأطراف الأخرى بعد أن عجز النظام وحماته من كسر شوكة الثورة السورية أو جر المجلس الوطني إلى طاولة حوار لايؤدي إلا إلى استمرار هذا النظام بأشكال وصيغ أخرى. أم هي محاولة جديدة من هيئة التنسيق وكفلائها لجر الثورة السورية إلى مواقعهم المائعة التي عهدناها ورفضها الشارع المنتفض دائماً ولكن هذه المرة عبر التلاعب بالكلمات والصيغ المفرغة من أي معنى أو مضمون حقيقي بدليل رضى النظام وعدم انزعاجه كما هي عادته في حالات مماثلة سابقة. لا بل وحمايته لها. في الوقت الذي يصف فيه كل من عارضه بالإرهابي أو العميل المرتبط بالخارج. إلى جانب استمراره بسياسة القتل والتدمير الممنهج بحق الشعب السوري الثائر.
هل هناك من شك بعد بأن وراء الأكمة ماوراءها؟ هل هي لعبة الشيطان الملتبس بهيئة ملاك؟ أم إن هيئة التنسيق صحت أخيراً واستفاق ضميرها الوطني فنطقت بما كان يجب أن تنطق به منذ البدء. في الوقت الذي لم يشارك بعض قادتها المقيمين في الخارج في المؤتمر (لأسباب أمنية) كما قيل. رغم أن المطلب والموقف هو ذاته بين هؤلاء وأولئك!!! ولكن لماذا لم ينزعج النظام هذه المرة؟ لعل السؤال هو مايحدث الصدمة أكثر من الجواب نفسه..
سعيد لحدو
الخميس 27 ايلول 6762 آ 2012م