لأني كنت (ولا زلت) من أبناء الطبقة الفقيرة فقد كان حلم اقتناء سيارة بالنسبة لي أبعد من حلم أبليس في الجنة. لذلك ابتكر أطفال الحي لعبة ريفية للاستعاضة عن متعة ركوب السيارة، مضمونها أن تتعلق مجموعة بإحدى السيارات عند مدخل الحارة، وتقوم مجموعة أخرى بمراقبة من يستطيع التشبث بها مسافة أطول. على الطريق كان البعض يسقط أرضا نتيجة الإنهاك، بينما تتابع المسير قلة قليلة الى أن تقف المركبة عند احدى النقاط وعندها يقرر حكم اللعبة من هو الفائز.
ما أشبه لعبة الطفولة أمس بقطار التغيير الذي وصل اليوم الى بلداننا، حيث يحاول الكثير منا التشبث به للعبور الى محطة الحرية المنتظرة. فخلال العام الماضي انطلقت ثورات الربيع في العالم العربي لتسقط رياحها أنظمة دكتاتورية معززة بجيوش جرارة وأموال طائلة، وليتساقط معها عملاؤها وأزلامها والملحقون بها والمدافعون عنها فرادى وجماعات. سوريا نالت حصتها من نسائم هذا الربيع، وشعبنا الآشوري السرياني كان من المعنيين الأوائل به. لذلك انبرت المنظمة الآثورية الديمقراطية للدفاع عن حقوق هذا الشعب وحماية مصالحه بدلا من امتهان الانهزام وممارسة النحيب السياسي. لقد كان شعبنا لعقود ماضية ورقة بيد أطراف الصراع، إلا أن رجال المنظمة الآثورية ونساءها وشبابها وشاباتها الذين يتظاهرون في شوارع سوريا حاملين علمنا في يد وأحلامنا في اليد الأخرى، هؤلاء الأبطال قلبوا المعادلة، فباتت المنظمة شريكا رئيسياً في صنع مستقبل سوريا والمنطقة، ومقررا أساسيا لمصير شعبنا وصانعا حقيقيا لمستقبله المشرف، ومثبتا لدوره التاريخي على أرضه وحافظا لوجوده ومدافعا شرسا عن حقوقه وحريته عبر صوابية خيارها في السير بطريق المعارضة العلنية.
إنها دعوة من القلب، بل من قلب القلب، لكل هؤلاء الرفاق والأصدقاء القدامى (أعني بهم الفئة الثالثة) من الذين آثروا الابتعاد عن الاضواء والتزام الصمت مؤخرا، وهم الذين حملوا المنظمة سنوات وسنوات على أكتافهم وساروا بها مع رفاقهم على طريق جلجة الوجود والحرية، حاملين صليب النضال والتشبث بالحقوق رغم القمع والتنكيل، دعوة لهم من الأجيال الشابة في المنظمة الآثورية للعودة الى صفوف المنظمة التي هي بأمس الحاجة لطاقاتهم، وخصوصا في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة، وفي ظل ما تحتاجه سوريا في مرحلة ما بعد السقوط من كفاءات وخبرات علمية وسياسية وغيرها مما يلزم لإدارة شؤون البلاد. دعوة نرفقها بتقديم الاعتذار عن كل إساءة وتقصير نجما عن قساوة ظروف العمل السري، وما رافقه من ممارسات لاتخلو من الارتجال، ولاعجب، فمن يعمل كثيرا في دولة يحكمها نظام مخابراتي إرهابي كالنظام السوري لا بد أن يخطئ كثيرا.
في الماضي كنت ممن يقترحون على قيادة المنظمة الكف عن هدر الوقت والجهد في إستعادة من خرجوا من الصفوف، لأننا استعضنا عن كل واحد من هؤلاء بعشرين شابا وشابة. اليوم أعتقد أنني كنت على خطأ وأن المنظمة الآثورية هي ملك الجميع وحصاد جهد الجميع وأنها تتسع للجميع ممن يريدون العودة كريمين أعزاء شرفاء الى متابعة مسيرة الوجود والحرية.
إن بلوغ أي هدف دونه عراقيل وأثمان وأحمال. وطول طريق النضال يكشف معدن الناس. كثيرون سيصلون وسينالون المكافأة الكبرى على سيرهم على جمر الثبات على الموقف، وكثيرون سيسقطون، وتسقط من على وجوههم جميع الأقنعة حول الحرص على "خط المنظمة" والبقاء تحت "سقف الوطن"، ونحن أكثر من يعلم ان هؤلاء أبعد ما يكونون عن روح المنظمة ومفهوم الوطن. فمن يخون رفاق دربه الذين ائتمنوه يسهل عليه بيع الوطن رخيصا جدا، وأن شباب وشابات ورجال ونساء المنظمة الآثورية الذين آثروا مواصلة العمل بصمت وثبات وبقوا أوفياء لقسمهم وشعبهم ومبادئهم ورفاقهم القدامى ولم ينجروا الى فخ التشويش ودوامة الردود، هؤلاء هم وحدهم دون غيرهم حماة هذه المنظمة وحراس هذا الوطن.
في لعبة الأطفال إياها، كانت مكافأة الفائز وعقوبة الخاسر تتناسب مع حجم طفولة القضية وبساطتها.
اليوم جائزة الفوز كبيرة جدا وعقوبة السقوط شديدة جدا جدا !
أسامة ادور موسى
عضو المجلس الوطني السوري عن كتلة المنظمة الآثورية