ADO- آكي: بدأت انتفاضة السوريين ضد نظامهم قبل عام، وتحديداً في مدينة (درعا) جنوب البلاد في أعقاب اعتقال الاستخبارات وتعذيب عدد من الأطفال الصغار بسبب كتابتهم على جدار مدارستهم عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" متأثرين بالربيع العربي الذي بدأ في تونس وامتد إلى مصر واليمن وليبيا، وخرج أهاليهم في شوارع المدينة يطالبون بالحرية والكرامة لأطفالهم وللشعب السوري كله، وأشعلوا ثورة من أكثر الثورات العربية الحديثة دموية وعنفاً.
انتشرت التظاهرات من درعا إلى بقية المدن السورية خلال أسابيع، وتمرد السوريون ضد نظام أمني اعتاد على قمع معارضيه بالقوة، واستعملت القوات الأمنية الرصاص الحي ضد المتظاهرين منذ البداية، ورفض النظام اتباع أي حل سياسي خارج مبادئه لحل الأزمة ورفض مبادرات وعربية وغربية، ومع ازدياد عنفه تحولت مطالب المحتجين من الحرية والكرامة إلى مطالب سياسية جذرية وصولاً إلى مطلب إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه.
خلّف هذا العام وفق الأمم المتحدة ثمانية آلاف قتيل، ووفق مراصد حقوقية سورية نحو عشرة آلاف قتيل من المدنيين، ويقول ناشطون إن قوات الأمن تعتقل حالياً أكثر من ثلاثين ألف شخص على خلفية الاحتجاجات، ومر بتجربة الاعتقال أكثر من 150 ألف سوري، كما خلّف عنف السلطة عشرات آلاف الجرحى ومجهولي المصير، وشهدت دول الجوار نزوح نحو 35 ألف سوري هربوا من العنف والدمار، مع وجود نحو 200 ألف مهجر داخلي.
بالإضافة لأجهزته الأمنية وميليشيات موالية له، أقحم النظام السوري الجيش النظامي لقمع المحتجين، واستخدم الأسلحة الثقيلة والمدفعية، وتقول المعارضة السورية إن النظام لم يوفّر أية وسيلة لقمع معارضيه، فاعتقل وعذب وقتل وقصف، وقطع الاتصالات والكهرباء والماء كعقوبة جماعية، واتهمته منظمات سورية ودولية بأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية.
تحدّث النظام السوري منذ البداية عن "مؤامرة كونية"، واتهم الولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل والدول العربية والصهيونية العالمية بأنها جزء من هذه المؤامرة، هدفها القضاء على "نهج المقاومة" الذي تمثله سورية، كما اتهم الثورة وممثليها بأنهم إرهابيون وعصابات مسلحة وعملاء للخارج، وقامت القيادة السورية بإصلاحات قالت عنها المعارضة إنها شكلية لا معنى لها كان آخرها دستور وضعته لجنة شكلتها القيادة وقاطعته المعارضة وشريحة واسعة من السوريين.
زاد انشقاق ضباط الجيش السوري، وشكّلوا (الجيش السوري الحر) وقال ضباط فيه أن عدده زاد عن 30 ألف مسلح بأسلحة خفيفة، ينقصهم التنسيق العسكري والقيادة المركزية.
لم تنجح المعارضة السورية في الاندماج مع الحراك الشعبي الذي بقي متقدماً عليها، وبقيت منقسمة ومفككة ومتناقضة في أساليبها وفي موقفها من التدخل الخارجي ومن الجيش الحر، وأصبحت بعض قوى المعارضة ترى أن الحلول السياسية أمر من الماضي، وأن المبادرات أسقطتها المجازر، وبدأت منذ أشهر تطالب بتوجيه ضربات جوية على مقرات الحرس الجمهوري والقصور الرئاسية ومقرات المخابرات. ويرى مراقبون أن وحدة المعارضة باتت شرطاً لازماً لتقدّم الثورة ونجاحها، وعليها مراجعة وتصويب خطابها وممارستها وبلورة رؤية مشتركة لها.
ضيّقت السلطات السورية على كافة وسائل الإعلام ومنعتها من تغطية الأحداث، وتحولت عدسة الهواتف النقالة للمحتجين إلى بطل من أبطال الثورة، وقُتل في سورية ثلاثة صحفيين غربيين (جيل جاكيه، ميري كولفن وريمي اوشليك) خلال قصف بالمدفعية لمدينة حمص (وسط).
فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرهما عقوبات اقتصادية على النظام السوري وعلى كبار المسؤولين بالحكومة وعلى شركات عامة وخاصة لها علاقة مباشرة بدعم النظام، وحظرت شراء النفط السوري، وجمّدت أموال الرئيس السوري ومسؤولين أمنيين ووزراء، كما جمّدت أصول البنك المركزي السوري، فخسرت الليرة السورية نحو 45% من قيمتها، وتراجعت حركة الاستيراد والتصدير إلى نحو 60% من حجمها، وأوقفت الحكومة كافة مشاريعها الاستثمارية، وشهدت البلاد موجة غير مسبوقة من الغلاء.
لم توافق القيادة السورية على الخطة العربية، لكنها استقبلت مراقبين عرب، وفشلت مهمتهم بسبب استمرار السلطة في حلها العسكري، وقررت الجامعة العربية تعليق عضوية سورية فيها، ووافقت على فرض عقوبات اقتصادية عليها، ثم طالبت الرئيس السوري بتسليم السلطة لنائبه دون تجاوب، وسحبت دول عربية سفرائها من سورية.
استخدمت روسيا والصين الفيتو في مجلس الأمن مرتين لمنع تمرير قرار يدين النظام السوري، ووصف المعارضة بأنها جماعات مسلحة، ولم يؤيد المجتمع الدولي الموقف الروسي، وسحبت معظم الدول الغربية دبلوماسييها وأغلقت سفاراتها في دمشق.
لم يستطع الخيار والعسكري والحربي التي اختاره النظام منذ بدء الأزمة وحتى الآن في إخماد الثورة، بل زادت التظاهرات وانشقاقات الجيش، وجنحت الثورة نحو التسلح، ويخشى المراقبون أن تشهد سورية عاماً آخر أكثر دموية ودماراً.
الأربعاء 14 أذار 2012