الرئيس الذي لم يختره أحد، اختار له شعباً يختاره إلى الأبد. تبدو هذه العبارة (الفايتة ببعضها) وكأنها لغز من تلك الألغاز التي كان يتسامر ويتذاكى بها الساهرون من نزلاء المضافات قبل اختراع التلفزيون والإنترنت والآي فون، ليقتلوا بها الوقت في لياليهم الطويلة والمملة. لكنها في الواقع السوري وفي القرن الواحد والعشرين، تجسدت حقيقة ماثلة للعيان في ظل نظام الأسد الوريث وأبيه من قبله. وعوضاً عن شعار (الشعب يريد إسقاط الرئيس)، خرج الرئيس بشحمه ولحمه لإسقاط الشعب.
فأرسل جيشه ودباباته وقطعان شبيحته (لتنظيف) حمص وحماه ودرعا وإدلب والزبداني ودير الزور.. وقريباً المدن السورية الأخرى، من الشعب الذي لايريده. لأن هذا الشعب كما يبدو بات مزعجاً بمطالبه التي لاتنتهي، رغم تنازل النظام عن المادة الثامنة في دستوره الجديد- القديم. وفوقها تنازل عن رقمه المفضل السابق 99% إلى 89،4%. أي حسم 9،6% على كل منتوجات النظام وسلطاته وامتيازاته الموروثة خلف عن سلف. فماذا يريد الشعب أكثر من ذلك؟ بالمقابل، ولتخفيف أعباء الحكومة لتوفير احتياجات السكان في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة فقد باشر النظام بتنفيذ قراره بحسم مانسبته 10% من عدد سكان سورية وإرسالهم إما إلى القبور أو إلى المعتقلات (وهذه أيضاً قبور بشكل ما).
وكذلك دك وتدمير نسبة مماثلة من المنازل لتوفير استهلاك الماء والكهرباء والغاز والمازوت والخدمات الأخرى التي من واجب الحكومة تأمينها للسكان في حال بقيت هذه المنازل مسكونة. بالطبع فإن هذه النسب مرشحة للتصاعد كلما تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد بسبب الثورة وحالة العصيان المدني. وفي نظرالنظام فإنه مسموح شطب حتى نسبة 33% من الشعب من سجل الحياة بحسب محمد سعيد بخيتان عندما قال في بداية الثورة بأن النظام مستعد للتضحية بثلث الشعب السوري في سبيل البقاء في السلطة. ولأن الفيتو الروسي والصيني لايمكن تقديمهما للناس كبديل عن الطعام والشراب ، فقد قرر الرئيس، الذي لم يختره أحد، تطبيق نظرية بخيتان تلك وإلغاء الشعب المشاكس والاكتفاء بـ (المنحبكجية).
عندما تصاعدت الضغوط الدولية على النظام لتلبية مطالب الشعب بالحرية والديمقراطية، قال بشار الأسد بأنه سيعلم العالم أجمع دروساً في الديمقراطية لم يشهدها أو يختبرها أحد بعد. وسيأتي زعماء العالم إليه ليشحذوا منه بعضاً من تلك الديمقراطية التي سيطبقها في سورية. وكان الرجل عند وعده!! وقد سعى بكل جهد ممكن إلى تطبيق ذلك النوع من الديمقراطية الذي بحسب فهمه الموروث لاتعني أكثر من أن من نام وصحا فوجد نفسه رئيساً، أن يختار الشعبَ الذي يريد!!! فالقاعدة في حرية الاختيارهي ذاتها ولكن أجرى بشار تعديلاً طفيفاً عليها باستبدال طرفي المعادلة.
أما الجوهر بنظره فبقي كما هو: الحرية والديمقراطية!!! وقد اختار الرجل بكامل إرادته وحريته (ولا أضمن أن ذلك تم بكامل قواه العقلية) وبديمقراطية تامة الشعب الذي أراده. أما من كان له اعتراض على ذلك فسيكون له مكان محفوظ ولكن ليس في هذه الحياة. ولتجسيد تلك الديمقراطية التي تعلمها بشار في مدرسة أبيه وضع أمام كل بيت مازال قائماً لم يدمر على رؤوس ساكنيه في سورية دبابة أو مجنزرة أو شبيح لضمان التطبيق الناجع لنظريته الجديدة في علم الاجتماع السياسي والديمقراطية، ولإفشال تلك المؤامرة الكونية التي استهدفت النظام وأركانه من عائلة الأسد ومخلوف وشاليش وغيرهم من أبطال الممانعة والمقاومة والذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحرير الجولان وإقامة الدولة الفلسطينية السيدة المستقلة وإغراق إسرائيل والإسرائيليين في قاع المحيطات البعيدة خوفاً من عودتهم سباحة إذا تم إغراقهم في البحر.
وقد كانوا على وشك إعادة لواء إسكندرون السليب بعد أن تنازلوا عنه لتركيا مؤقتاً ولأسباب تكتيكية ليتم لهم تحديد ساعة ومكان المعركة لا أن تفرض عليهم في الزمان والمكان غير المناسبين. وقد أوشكوا على هزيمة أمريكا الذي فشل بن لادن وقاعدته بإفنائها وذلك بإرسالهم بشار الجعفري إليها على مبدأ (تفاحة خربانة تخرب كل الصندوق) مع التحفظ على مادة التشبيه فالبصلة أقرب إلى واقع الحال ولكن ما العمل وقد اعتقد الأولون لطيب نواياهم ولأنهم لم يعاشروا نظاماً كهذا، أن جميع الناس خير وبركة وفيهم بعضاً من الطعم الحلو حتى لو كانوا خربانين.
كان قد بقي أمام النظام ورجاله الممانعين أن يستعيدوا عربستان. ولأن إيران هي المحتلة في هذه الحالة وهي دولة إسلامية شقيقة للنظام (الإشتراكي العلماني البعثي العروبي) فليست محرزة إعلان حرب لتحريرها مادام أحمدي نجاد قد وعد بشار بأنه سيقدمها نقوطاً في عرس حافظ الثاني بمجرد أن يتسلم الرئاسة بعد طول بقاء للمحروس الوالد. أما الوحدة العربية التي ابيض شعر بشار من أجلها وأخرتها حتى هذه اللحظة المؤامرة الكونية وأدواتها من ملوك ومشايخ الخليج، فإن بشار ونظامه ومعهم الشقيقة إيران نجاد، سيكلفون بهم مقاومي وصواريخ حزب الله حيث سيغدون عاطلين عن العمل بعد زوال إسرائيل وقيام فلسطين من النهر إلى البحر.
وللأوربيين في عرس المقاومة هذا أيضاً نصيب. فهم بعد أن استشعروا عن بعد أن بشار هذا قد عقد العزم على إعادة مجد بني أمية في إسبانيا وتحقيق ماعجز عنه كل الخلفاء اللاحقون في عبور جبال البيرينيه والوصول إلى قلب أوربا، تملكهم الفزع وانخرطوا بلا تردد في تلك المؤامرة الكونية لزحزحة بشار وعائلته عن الحكم قبل أن يقع (الفاس بالراس).
كل أولئك بما فيهم الشعب السوري المتآمرين على بشار ونظامه لهم دوافعهم وأسبابهم ومبررات الحفاظ على وجودهم مما دفعهم للانخراط في مؤامرة عالمية شاءت الصدف أن تحصل في زمن الفيس بوك الذي أراد به بشار أن يظهر من خلاله للشعب وجهه المتنور فإذا به وجه ولا أقبح. ولأنه لايستطيع أن يغير وجهه فقد صمم على تغيير الشعب.
سعيد لحدو
الاثنين 5 أذار 2012