أصبت بذهول ومرارة وغضب منذ أيام، عندما شاهدت على احدى فضائيات النظام السوري المتداعي، قداساً لإحدى الطوائف المسيحية الشرقية عندما انبرى أحد الأحبار يلقي موعظة العام الجديد. فقد جاء على لسانه كلام أنكرت أن يصدر عنه. فقد وصف الحبر الجليل المعارضة السورية والانتفاضة البطولية الثائرة هناك بأنهم مجموعة من العصابات والمجرمين القتلة.
لا بل لم ينسَ في موعظته المشبوهة أن يحيي الرئيس السوري القائد التاريخي الخ…! فأطرقت قليلاً وأدركت في الحال خطورة الموقف ومرامي الخطة التي يعدها النظام الدموي ليقود بها البلاد الى الحرب الأهلية، وهي الحل الأخير أو الورقة المتبقية لديه كمخرج مدمر وكارثة محققة يمكن أن تقود سوريا الى التمزق.
ان النظام السوري الساعي ليل نهار لتجميع وحشد ما أمكن من أقليات دينية واثنية، وما تبقى لديه من فلول حزبه المفلس لتعطيل عجلة التاريخ ومساره الحتمي، لمواجهة أكثرية الشعب السوري في ثورته البطولية، يسعى بكل ما أوتي لتدمير سوريا كلها في حرب داخلية متوهماً أن ينجو بنفسه فيطفو على بحر هائل من الدماء والأشلاء.
انها المشكلة نفسها واياها مشكلة الأقليات المسيحية الخائفة بلا مبرر ولا أسباب موجبة من الربيع العربي الذي، بعد أن أسقط أنظمة تونس ومصر وليبيا يدق الآن بلا هوادة ولا تراجع أبواب سوريا.
ونتساءل بحق وبقلق: أية مصلحة لنا في معاداة الشعب السوري بأكثريته الثائرة على حكم الفرد والاستبداد؟ هل نقبل أن نتحول في سوريا الى أدوات للنظام الجاثم بقوة الحديد والنار فوق صدور السوريين.
فلندرك جيداً الآن وقبل فوات الأوان ووقوع الكارثة، ان حرباً أهلية طاحنة يُعِدُّ لها النظام السوري، غير آبه، بنتائجها المدمرة وعواقبها الوخيمة، فما هو موقفنا نحن في اللحظة التاريخية الراهنة حيال هذا الاحتمال المخيف؟
علينا كأقليات مسيحية في سوريا أن نختار بين أمور ثلاثة:
1- أن نلوذ بالصمت ونقبع في بيوتنا ومحالنا، فنلعب دور المتفرج غاسلين أيدينا من المعركة الدائرة، وهو موقف زري ومثير للريبة والاتهام، من شأنه أن يدخلنا في مأزق تاريخي يصعب الخروج منه سالمين.
2- أن ننخرط في الحركة التاريخية للشعب السوري الثائر، لا بل أن نحتل موقع الطليعة في هذا الحراك، نقدم له العون والدعم والاحاطة، نضمد جراح النازفين في الشوارع، نواكب جنازات الشهداء ونؤوي الملاحقين والهاربين والنازحين. أليس هذا موقفنا النهضوي التنويري الطييعي نحن أيضاً أهل هذه الأرض شركاء المسلمين في صناعة حضارة مشرفة واحدة؟.
3- أما الموقف الثالث فهو بالضبط الكارثة التي أعدّها لنا النظام العاتي الدموي المتربع سعيداً فوق رقاب الشعب السوري، والذي يريدنا أن نتحول الى خدام مطيعين له، فنصبح أقلية من المارقين. أليس هذا ما تدعونا إليه حفنة من الأحبار المشبوهين، فهم ونظائرهم من العمائم المرتزقة وبعض نقابات المثقفين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، من عجينة واحدة وخبز واحد، أما الخباز فمعروف للقاصي والداني. عندها نصبح عاراً على أمتنا وشعبنا، فقد خنّا الله والمسيح وتعاليمه.
أليس المسيح هو الذي دعانا كي ننصر كل مظلوم وملهوف ومضطهد، فهل يحق لنا أن ننسى قصة السامري الطيب في الانجيل؟
إننا نرفع الصوت عالياً وننادي مسيحيي المشرق قاطبة، وندعوهم أن يعوا خطورة المرحلة، ودقتها. قدرنا أن نتشبث بأرضنا وتراثنا وتقاليدنا ونسير مع المسلمين، الذين لا يضمرون لنا شراً، بل هم أخوة لنا في الوطن والتاريخ والمصير، جنباً الى جنب نكابد ونعاني ونكافح، ندفع معاً ضريبة الدم والقهر والعذاب حتى طلوع فجر جديد.
نقولا زيدان