ADO – آكي: قرر مسيحيو سورية إلغاء مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد والاقتصار على الصلوات فقط تعاطفاً مع عائلات الضحايا الذين سقطوا خلال الأشهر التسعة الماضية في سورية في انتفاضة مطالبة بالحرية والديمقراطية لم يواجه النظام مثلها من قبل.
أعلن رؤساء الطوائف المسيحية في منطقة الجزيرة (شمال) عن إلغاء كافة مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد ورأس السنة واقتصار الاحتفال على الصلوات والقداديس داخل الكنائس فقط، وأشاروا إلى أن قرارهم هذا ناتج عن الظروف القاسية التي تمر بها سورية وتعاطفاً مع عائلات الشهداء.
أثار هذا القرار ردود فعل إيجابية بالعموم بين الأوساط الدينية والشعبية والسياسية المسيحية في سورية، وناشدت الأوساط الشعبية المسيحية باقي الكنائس السورية لاتخاذ نفس القرار، كما لاقى ترحيباً واسعاً من شركائهم في الوطن من المسلمين. قُرأت مطالبة رؤساء الطوائف المسيحيين إلغاء كافة مظاهر الاحتفالات بالأعياد سياسياً على أنها موقف تضامني مع الانتفاضة وانحياز لها ولمطالبها في التغير الديمقراطي السلمي.
صرح الناطق باسم تنسيقيات شباب الثورة الآشوريين في سورية، والذي تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، للأسبوعي "في البدايات لم تلق مشاركتنا في الحراك الشعبي ترحيباً بسبب ثقافة الخوف المهيمنة والتضييق الذي تمارسه السلطة على المجتمع المسيحي السوري عموماً، إضافة لتخويف وسائل الإعلام الحكومية الأقليات من مصير يشابه مصير مسيحيي العراق، لكن اعتقال عدد من ناشطينا وملاحقتهم أمنياً، وفضح أكاذيب النظام ووسائل إعلامه، كسر حاجز الخوف لدى الكثيرين من المسيحيين وبدّل قناعاتهم، ونحن ـ كمسيحيين ـ مستعدون لتحمّل كل التبعات الناتجة عن مواقفنا للوصول إلى الحرية وإقامة دولة علمانية ديمقراطية تعددية".
سليمان يوسف، الناشط والباحث الآشوري المهتم بقضايا الأقليات قال للأهرام الأسبوعي "المسيحيون في سورية جزء أساسي وأصيل من النسيج الوطني والتاريخي، وجزء أساسي من الحراك الشعبي السلمي الساعي للتخلص من الاستبداد، وقرارهم إلغاء مظاهر الاحتفال بالأعياد واجب عليهم كمواطنين تواقين ربما أكثر من غيرهم إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية" على حد قوله
وأضاف "يحمل بيان رؤساء الطوائف المسيحية أكثر من رسالة، أبرزها أنه رد واضح وقوي على كل من يتهم المسيحيين ومرجعياتهم الدينية بالوقوف إلى جانب النظام القمعي وضد تطلعات السوريين إلى الحرية والديمقراطية، كما أنه رد على تصريحات رجال دين مسيحيين جاهروا بتأييدهم للنظام القائم في سورية، ورسالة إلى الشركاء في الوطن من مسلمين وغير مسلمين، مفادها أن المسيحيين يشاطرونهم الحياة بسرائها وضرائها، وأنهم مع وحدة المصير والمستقبل" حسب تعبيره
يعيش في سورية نحو مليوني مسيحي، أي ما يقارب 8% من سكان سورية، وينحدرون من أصول عرقية وقومية مختلفة، كالآشوريين، والكلدان، والأرمن، والأكراد بالإضافة إلى العرب طبعاً، ويتوزعون على 12 طائفة أو مذهب كنسي، وبسبب التنوع في المجتمع المسيحي السوري وعدم تجانسه السياسي والفكري، لا يمكن الحديث عن رؤية مسيحية واحدة محددة واضحة للأزمة السورية الراهنة، لكن عموماً يمكن القول بأن الشارع المسيحي متعاطف إلى حد كبير مع الثورة السورية لكنهم قلقون.
تشير بعض الأوساط المسيحية في سورية إلى وجود مخاوف وهواجس لدى المسيحيين من المستقبل، لكن هذه المخاوف لا تعني تمسكهم بالنظام القائم والدفاع عنه، وتؤكد على ضرورة أن يقوم المسلمون شركائهم في الوطن بتطمينات تضمن لهم شراكة سياسية وثقافية في النظام السياسي المرتقب .
المعارض السياسي السوري فايز سارة يقول "لا شك أن منظومة تخويف المسيحيين من المستقبل لا تصمد أمام حقائق موازية، لعل أبرزها أن المسيحيين في سورية هم جزء مندمج في محيطه، وأنهم ما زالوا يلعبون دوراً في مسار ريادي أسهموا فيه بقوة من أجل التحرر القومي والمعرفي عبر القرن الماضي، والذي ثبت خلاله تعايشهم وتفاعلهم مع محيطهم الاجتماعي والسياسي بما فيه الجماعات الإسلامية، فيما تستمر نخبة منهم حالياً في المشاركة في حراك التغيير، بالتزامن مع تأكيد مجموعهم السوري وحرصه أكثر من أي وقت مضى على وجودهم وحضورهم في حاضره ومستقبله، من خلال تأكيد أن الهدف النهائي لحراك التغيير الحالي يسير باتجاه دولة ديمقراطية مدنية توفر العدل والمساواة والمشاركة تحت سيادة القانون لكل مواطنيها، وهو توجه من شأنه الإطاحة بكل مخاوف وتخوفات المسيحيين السوريين إزاء المستقبل" .
لم يشارك المسيحيون في بداية الانتفاضة السورية إلا بنسبة بسيطة تكاد لا تكون ملحوظة، على الرغم من أن غالبيتهم يؤيد مبدأ تغيير النظام إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي، إلا أن الوضع تغيّر مع ازدياد عنف السلطة السورية وارتفاع عدد القتلى بين المدنيين إلى الآلاف.
يعتبر المسلمون في سورية عموماً أن وجود المسيحيين كشركاء لهم أمر ضروري ولا تنازل عنه، ويؤكدون على أن السلطة لن تنجح في فصلهم عن بقية المكوّن السوري، ويصفونهم بأنهم "ملح الأرض" على حد قوله
السبت 24 كانون الأول 2011