الرئيسية / مقالات آشورية / مجدا لصحافتنا السريانية في الذكرى الـ 62 بعد المئة

مجدا لصحافتنا السريانية في الذكرى الـ 62 بعد المئة

تعد الصحافة أو السلطة الرابعة , مهنة المتاعب ( صاحبة الجلالة ) الحرة والحقيقية كما اصطلح عليها الوجه المشرق والمرآة العاكسة لأي مجتمع أنساني متحضر لما تضم من معاني وقيم سامية و نبيلة في الاضطلاع بمهامها ودورها الريادي المهني والرقابي لتفاصيل وأمور المجتمعات . فهي التي تسلط قبسات من نورها القوي والمشع على زوايا وخبايا أمور ومهام الحياة وترصد أية حالة ايجابية كانت أو سلبية في معترك هذه الحياة من خلال الوقوف عليها وتسليط حزمة من الأضواء عليها, لتكون واضحة وشفافة أمام أنظار الرأي العام وفق ضمير حي ووجدان عادل و بتعابير شيقة وسلسة وبالعمق الفكري وسمو المنطق بعيدا منطق الإطناب والإسهاب المداهنة والممالقة والتزلف التي تضمر جوهر الحقيقة وتطمس معالمها الروحية, فجوهرا لصحافة النزيه يكمن في انها العين الساهرة والفكر الثاقب و الراصد لقضايا الإنسان ومحيطه وكل ما له صلة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وسبل ديمومتها بالسعادة والرفاء ووضع المجتمع أو الرأي العام في صورة ما مضى من أحداث وما يحدث الآن وسيحدث مستقبلا أي عرض الحقائق كما هي للجمهور ومن ثم المطالبة من الكتاب والمفكرين والمحللين السياسيين الاجتماعيين والنفسانيين بتحليلها وتفكيك طلاسمها ليدرك الإنسان ويعرف أين هو من مما يجري على خارطة الحياة فالصحافة أو الإعلام النزيه تعد مدرسة حقيقية للتنوير الفكري للمجتمع او الخبز الحار اليومي للناس فكما هم يبتاعون الخبز الحار يوميا لإشباع وإدامة الجسم بالطاقة القوة اللازمة ,كذلك فهم يشترون الصحف اليومية ويتصفحونها قبل الشروع بالأكل أحيانا , للاضطلاع على مجريات الأحداث لتغذية وإشباع الفراغ وحاجة الفكر والروح فالكلمة الصادقة الأمينة والنزيه تشبع و تعد الغذاء الروحي الدسم للنفس لما تشكله وتملئه من فراغ روحي ونفسي عند النفس المتعطشة للمكنون الفكري فتلك الكلمة النزيه والصريحة و الصارخة بالحق تعد إكسيرا للحياة والفكر الإنساني النبيل , وكما جاء في سفر التكوين من الكتاب المقدس (في البداية كانت الكلمة ومن الكلمة صار كل شيء ) ( والكلمة الطيبة صدقة ) والكلمة الطيبة تخرج الحية من جحرها وتشفي غليل الإنسان, وتبعث الراحة والطمأنينة والاستقرار النفسي .والصحافة والإعلام بجوانبه الثلاثة المسموع والمقروء والمرئي هي مصدر الكلمة ومنبعها المستديم , والإنسان بطبيعته الفطرية يتطلع دائما على إشباع حاجة داخلية وإملاء فراغ في صميم أعماقه بقوة تلك الكلمة الفعالة فهي التي تملأ أوصال الجسم بالطاقة والحيوية وتفجر منابع الأمل وتوسع آفاق وتفتح مروج الآمال الزاهية أمام مداركه وتشحنه بديمومة القوة ليجتاز معضلات الحياة ومنغصاتها اليومية ويشق سبيله وسط أمواجها العاتية وهو مدجج بسلاح الأمل ولا يحدوه شيء من الوصول ولبلوغ الآمال المنشودة , وبقوة الكلمة أيضا يمكن تسدل الستار الأسود على الحياة وتمحي الإنسان والأمم من خارطة الحياة والوجود, وقوة كلمة الصحافة اشد و أقوى من فتاكة سلاح البندقية ,فهي السلاح العصري الحديث والرقيب الأول والمتابع ,والعدو اللدود للرؤساء السياسيين والمشاهير من الفنانين والمطربين وغيرهم والرقيب الأول والمتابع الشغوف لاقتفاء لأثر خطاهم , الصحافة وسيلة فكرية فعالة للنخبة السياسية او الثقافية وغيرها من النخب للتأثير على رأي المجتمع وتغيير مجراه باتجاه إتباع سياسة او هدف معين . فهي اذا الأداة الأولى للحركات التحررية للأمم ووسيلتها لإيصال رسالة نهجها وإيديولوجيتها لأوسع الشرائح والطبقات الاجتماعية .ومن تلك الشعوب شعبنا الكلدو آشوري السرياني الذي دشن لبنة مشوار حركته التحررية القومية بحركة فكرية ثقافية واسعة بواسطة مجموعة من الصحف والمطبوعات البسيطة بهيئتها وإخراجها التصميمي الفني لكن قوية بمضمون محتواها الفكري والسياسي منها باكورة وطليعة صحافتنا جريدة ( زهريرا دبهرا ) أشعة النور الخالدة التي أصدرها نخبة من رواد الفكر القومي المعاصر في الثاني من تشرين الثاني عام 1849 م في منطقة أورميا الإيرانية باللغة السريانية ,وفي سنة 1530 اصدر الكاتب القومي الجريء سعيد حمو رابي جريدة ( بيث نهرين ) مسطرا إياها بأنامله الذهبية وبالخط السرياني الغربي في قلعة امتنا الشامخة ( مردي ) مردين أي صاحب الدين بتركيا أي قبل( 479 ) سنة , وفي سنة 1532 اصدر أبناء امتنا مجلة ( صوت أثور وآرام ) في مدينة تكريت ومسطرة بخط اليد . أي كانت أبناء امتنا الكلدوآشوريين السريان من أوائل الأقوام اللذين اهتموا بمجال الصحافة في المنطقة وهذا ليس بالأمر الغريب عنهم كونهم أحفاد وامتداد لمهندسي لأقدم الحضارات وباني أقدم المكتبات الزاخرة بالألواح الطينية انطلاقا بمكتبة نيبور السومرية التي كانت تظم (40) ألف لوح مكتوب ومكتبة الملك الآشوري العظيم آشور بانيبال بمدينة نينوى والتي ضمت أكثر (20) إلف لوح طيني. فقد تصد ونوه رواد الفكر القومي لشعبنا عبر خطاباتهم ومطبوعاتهم إلى الأمراض التي تنخر كيان شعبنا مثل التخلف والأمية والفرقة والتشرذم القومي ووضعوا يدهم مصدر الداء وشخصوا له الدواء الشافي والوافي إلا وهو نشر الشعور القومي الوحدوي بين مسميات شعبنا الواحد الأحد والترفع عن التشبث بالانتماءات الصغيرة من الطائفية والذهبية والعشائرية والمناطقية والحدود والهواجس النفسية الفاصلة والتي لا تفيدنا بشيء سوى تشتيت جهودنا وقوانا ومحو كيان وجودنا الروحي والقومي من على خارطة الوجود في الوطن, والمفارقة الكبيرة إن هؤلاء الرواد والرعيل الأول رغم ظروفهم القاهرة آنذاك من التخلف والأمية المتفشية والجهل والفرقة والحروب والبعد ألمناطقي الشاسع وعدم وجود هذا الكم الهائل من وسائل الاتصال والمعرفة كانت أفكارهم وأطروحاتهم وخطاباتهم وحدوية حتى لب النخاع وصميم الذات والوجدان وكأنهم يهمسون في آذان بعضهم بهذا التوجه القومي الإنساني النبيل دون أن يزايدوا أو أن يتاجروا أو أن يضحكوا على ذقون هذا أو ذاك . فنرى فحوى هذا التوجه القومي الوحدوي المستنير ينبع من أورميا وسلامس بإيران ليطابق أراء وأنفاس وتوجهات أشقائهم في الدم والإيمان في ديار بكر وخربوت ومردين وطور عابدين بتركيا ,ومع أثير ونفحات أمثالهم الغيارى في بغداد وكركوك وحبانية واربيل ونينوى بعراق ,وعلى هذا النحو بين إخوتهم في النبض القلبي القومي في زالين ( قامشلي ) ورأس العين بسوريا .فبرغم مرور ما يربو على قرن ونصف على هذا الخطاب القومي ألخلاصي والمخلصي العتيد , والذي من دونه تجرعنا ألكاس الممزوج بالمرارة والعلقم وحصدنا الخيبة والخسارة والتشتت وضياع الغالي والنفيس وخسرنا ما خسرناه لهذه الأسباب وغيرها مجتمعة والغريب كل الغريب والمضحك المبكي في نفس الوقت لا زال نفر ضال من أبناء امتنا من رجال الدين أولا والعلمانيين المرتبطين بأجندة من خارج البيت القومي و رغم هذا البعد الزمني والسنين والمظالم التي ترتبت على هذا الواقع المزري .وبعد أن ولدت قبلة امتنا السياسية المقدسة والمقدامة زوعا الحركة الديمقراطية الآشورية وفجرت ثورة الوعي القومي الوحدوي وحقنت أبناء امتنا من السهل والجبل بمصل الوعي القومي الوحدوي والسبيل إلى النهضة القومية واستحصال الحقوق المشروعة والغير منقوصة ومسحت الدم والدموع من وجنة هذه الأمة المسكينة والمكتوية بهذه الأوبئة القاتلة,وردت جزءا من مكانتها الروحية المعتبرة داخل الوطن وخارجه وخلدت اسم ( زهريرا دبهرا ) تلك الجريدة القومية بجريدتها المركزية الغراء بهرا التي انطلقت بالصدور منذ 26 حزيران عام 1982 أيام الكفاح المسلح للحركة الديمقراطية الآشورية والتي رافقت مسيرة رفاق زوعا الميامين في حقيبة زادهم وهم يجوبون المناطق المحررة ويرسلونها لتنظيمات الداخل وبطرق سرية جدا الى ان ضبط احد أعدادها مع الرفيق الخالد يوبرت شليمون في بغداد والتي كانت كفيلة ودليلة دامغة بان تدينه و تعتلي به لخشبة الإعدام وتزهق روحه الطاهرة ليكون شهيد ا لمحراب جريدة بهرا ويعمدها بدمه الطاهر وكسلفه شيخ الصحافة الكلدوآشورية السريانية الشهيد الخالد البروفيسورآشور يوسف خربوت صاحب جريدة (مهديانا اثورايا – مرشد الآشوريين )التي أصدرها في 1910 واستمرت لغاية أيار من عام 1915 حيث اعدم هذا المناضل القومي الفذ لآرائه السياسية المتطورة وواقعية وأطروحاته القومية الوحدوية , وهذا النفر يسعون بكل الطرق البائسة لإرجاعنا إلى متاهة المربع الأول ,عبر مؤسسات هزيلة ومائعة وخطابات هستيرية غوغائية شرانية وأقلام مأجورة تستلم أجرها البخس بالكامل مقدما قبل أن تجر خطا أو تلامس أزرار لوحة مفاتيح الأحرف بعيدة كل البعد المنطق والواقع , وتثخن من عمق جراحاتنا وتبذر الملح عليها . وكأننا حسب رأيهم الساذج امة عظيمة وفي قمة رفاهيتها ومجدها ولا ينقصنا شيء سوى هذه الترهات والافتراءات الفارغة والمضحكة لإلهائنا بعض الشيء.لذا على كتابنا وأدبائنا أن يسخروا مداد أقلامهم لما فيه خير وخدمة امتنا وسبل لملمة شملها وان لا يسطروا أو أن يجروا خطا في هذا المنحى إلا وان يصب في بناء وعلو شان امتنا لكوننا قد فاتنا الكثير الكثير ونحن خلال سبات أشبه بالموت المرغوب والطوعي ونحن متأخرين بما فيه الكفاية , والتوجه بهمة فولاذية لبحث وإبراز تراثها وفلكلورها وترميم معالم وجودها وإظهار وجهها المشرق من خلال شخصياتها من الأفذاذ والمبدعين والعباقرة من الأطباء والحكماء والفنانين والمطربين والأدباء والشعراء والكتاب والنقاد والرياضيين وغيرهم والتوجه لعقد مؤتمر عام بهذا الصدد تحضره الشخصيات والمؤسسات الإعلامية المختلفة لشعبنا من الداخل الخارج وتدرس فيه سبل النهوض بواقع الإعلام والصحافة القومية الوحدوية الهادفة والتصدي للإعلام المضاد الغوغائي لمسيرتنا الوحدوية المباركة وتشويه قضيتنا وتحريف مسارها وطمس وسطو سفر تراثنا وارثنا الحضاري والإنساني الثر, وفي كل المجالات واسلاط حزمة من الضوء المشعشع عليهم ,لان هذا العمل لهو من صلب واجبات الإعلاميين والكتاب والصحفيين , لكي لا تنسى الأجيال اللاحقة عظمة الإسلاف ومساهماتهم الخلاقة في خدمة الإنسانية لان زمانهم لم يمدهم ويحضوا بهذا الكم والنوع الهائل من الثورة التكنولوجية والمعلوماتية بما فيها الأجهزة الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة المنتشرة حاليا والتي بفضلها أصبح العالم اليوم قرية الكترونية صغيرة تدار بالأزرار, وكما ذكرنا أن جزا من صميم رسالتنا القومية إظهار عظمة من طوتهم صفحات الزمن ,ولقد كشفت لنا الكثير شخصيات هذه الأمة من قبل أناس من خارج البيت القومي خلف الله عليم وبارك الله بجهودهم الخيرة ,وعلينا الاحتفاء بطرق عدة بهذه المناسبة الميمونة عيد الصحافة السريانية وتسليط الأضواء الكافية والمناسبة عليها على اعتبارها حدث قومي مهم وجليل ويستحق منا الوقوف والدراسة والتحليل لمعطياته القومية والإنسانية قياسا بذلك الوقت ووفق تلك الظروف العصيبة , فتحية فخر واعتزاز بهذه المناسبة الجليلة لأدبائنا وكتابنا وصحفيينا الأشاوس و لكل صاحب فكر نير قلم يسخر مدادها صوب التوجه القومي الوحدوي ,ولخدمة قضيتنا العادلة …

بدران أمرايا

Badran_omraia@yahoo.com

شاهد أيضاً

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان

14-05-2021 بقلم سعيد لحدو تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات …