ADO – النهار:" ليس المقصود من نشر هذه الوثيقة التاريخية والمهمّة جداً، اثارة نعرات طائفية أو مذهبية ما بين أبناء الشعب السوري، ولا التحريض على أعمال الفوضى في مدنهم وأحيائهم وقراهم، أو حتى محاولة التدخل انتفاضته الحالية، التي تطالب باسقاط النظام. فنحن نؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها من دون أي تدخلات خارجية غالباً ما تبحث عن تأمين مصالحهم. ان ما يطرحه هذا المستند التاريخي هو نقطة رئيسة في سياق ما تشهده سوريا، من ثورة وفق المعارضين، أو تمرد عسكري كما يقول النظام: مشروع اقامة الدولة العلوية يعود الى عشرات السنين ولم يطرح في ساعته، وذلك على خلفية الخوف من ذوبان الاقليات، ومنها الطائفة العلوية واضمحلالها. ذلك ان العلويين أكدوا تاريخياً، كما يظهر في الوثيقة، استعدادهم للتحالف مع اليهود على الانغماس في مجتمعاتهم العربية ".
هذه الوثيقة رفعها زعماء الطائفة العلوية الى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلوم LEON Blom محفوظة تحت الرقم 3547 تاريخ 15/ 6/ 1926، في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية وفي سجلات الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهذه صورة عنها وعن بنودها، مع العلم ان أبرز الموقعين عليهما والد الرئيس الراحل حافظ الاسد:
دولة ليون بلوم،
رئيس الحكومة الفرنسية،
بمناسبة المفاوضات الجارية بين فرنسا وسوريا، نتشرّف، نحن الزعماء العلويين في سوريا، ان نلفت نظركم ونظر حزبكم الى النقاط الآتية:
1 – ان الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني. ولم يحدث في يوم من الايام ان خضع لسلطة مدن الداخل.
2 – ان الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الاسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة الى الدين الاسلامي، يعتبر كافراً. لذا نلفت نظركم الى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف وفظيع في حالة ارغامهم على الالتحاق بسوريا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ويصبح في امكانها ان تطبق القوانين والانظمة المستمدة من دينها.
3 – ان منح سوريا استقلالها والغاء الانتداب يؤلفان مثلا طيبا للمبادىء الاشتراكية في سوريا، الا ان الاستقلال المطلق يعني سيطرة بعض العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كيليكيا واسكندرون وجبال النصيرية. (هذا ما يفسر الخلاف السوري – التركي في الازمة السورية اذ ان الرئيس الاسد ونظامه الحاكم يعتبران ان انقرة، باقتطاعها هذه المناطق الثلاث، تقف سدا منيعا في وجه اقامة الدولة العلوية). اما وجود برلمان وحكومة دستورية فلا يظهر الحرية الفردية. ان هذا الحكم البرلماني عبارة عن مظاهر كاذبة ليس لها قيمة، بل يخفي في الحقيقة نظاما يسوده التعصب الديني على الاقليات. فهل يريد القادة الفرنسيون ان يسلطوا المسلمين على الشعب العلوي ليلقوه في احضان البؤس؟
4 – ان روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدر المسلمين العرب نحو كل ما هو غير مسلم هي روح يغذيها الدين الاسلامي على الدوام. فليس هناك امل في ان تتبدل الوضعية. لذلك فان الاقليات في سوريا تصبح في حالة الغاء الانتداب معرضة لخطر الموت والفناء، بغض النظر عن كون هذا الالغاء يقضي على حرية الفكر والمعتقد. وها اننا نلمس اليوم كيف ان مواطني دمشق المسلمين يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على توقيع وثيقة يتعهدون بها بعدم ارسال المواد الغذائية الى اخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين. وحالة اليهود في فلسطين هي اقوى الادلة الواضحة الملموسة على اهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي الى الاسلام. فإن اولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا الى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا فوق ارض فلسطين الذهب والرفاه ولم يوقعوا الاذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة، ومع ذلك اعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم يترددوا في ان يذبحوا اطفالهم ونساءهم بالرغم من ان وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا. لذلك فإن مصيرا اسود ينتظر اليهود والاقليات الاخرى في حالة الغاء الانتداب وتوحيد سوريا المسلمة مع فلسطين المسلمة. هذا التوحيد هو الهدف الاعلى للعربي المسلم.
5 – اننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري وعلى الرغبة في تحقيق الاستقلال، ولكن سوريا لا تزال في الوقت الحاضر بعيدة عن الهدف الشريف الذي تسعون اليه، لأنها لا تزال خاضعة لروح الاقطاعية الدينية. ولا نظن ان الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي يقبلان بأن يمنح السوريون استقلالا يكون معناه عند تطبيقه استعباد الشعب العلوي وتعريض الاقليات لخطر الموت والفناء. اما طلب السوريين بضم الشعب العلوي الى سوريا فمن المستحيل ان تقبلوا به، او توافقوا عليه، لأن مبادئكم النبيلة، اذا كانت تؤيد فكرة الحرية، فلا يمكنها ان تقبل بأن يسعى شعب الى خنق حرية شعب آخر لارغامه على الانضمام اليه.
6 – قد ترون ان من الممكن تأمين حقوق العلويين والأقليات بنصوص المعاهدة، اما نحن فنؤكد لكم ان ليس للمعاهدات اية قيمة ازاء العقلية الاسلامية في سوريا. وهكذا استطعنا ان نلمس قبلا في المعاهدة التي عقدتها انكلترا مع العراق التي تمنع العراقيين من ذبح الاشوريين واليزيديين.
فالشعب العلوي، الذي نمثله، نحن المتجمعين والموقعين على هذه المذكرة، يستصرخ الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي ويسألهما، ضمانا لحريته واستقلاله ضمن نطاق محيطه الصغير، ويضع بين ايدي الزعماء الفرنسيين الاشتراكيين، وهو واثق من انه وجد لديهم سنداً قوياً اميناً لشعب مخلص صديق، قدّم لفرنسا خدمات عظيمة مهدد بالموت والفناء.
الموقعون:
– عزيز آغا الهواش،
– محمود آغا جديد،
– محمد بك جنيد،
– سليمان اسد (جد الرئيس الحالي بشار الاسد)،
– سليمان مرشد،
– محمد سليمان الاحمد.
الاحد 23 تشرين الأول 2011