دمشق(سوريا) – موقع سوريون >>> كان اعتقل أثناء مشاركته في مظاهرة في دمشق وأمضى فترة الاعتقال في مطار المزة العسكري، وابتدأت رحلة المعاناة منذ اللحظة الأولى التي ألقى فيها “الشبيحة” القبض عليه، ويضيف (ع) أن رحلته إلى مطار المزة كانت عنيفة بدورها، استمر رجال الأمن في كيل اللكمات والصفعات له ويداه مقيدتان للخلف؛ وفور نزوله من السيارة جرى “تطميشه” (أي حجب نظره بغطاء خاص على العينين) وألقي به في ممر بأحد الأبنية داخل المطار، حيث تواجد غيره من المعتقلين، وأمضى في الممر أسبوعا لم يتوقف فيها ضربه وزملاءه من قبل السجانين والمارين لحظة واحدة.
أشار (ع) إلى أن الضرب الجسدي كان “نزهة” مقارنة بجلسات التعذيب والتحقيق التي تلت ليلة توقيفه، وإلى أنه أمضى، وبقية المعتقلين، أسبوعه الأول مشبوحا في وضعية الركوع مع وضع أحمال ثقيلة على أكتافهم تشبه السجاد الملفوف. وقال إنه بقي “مطمشاً” طوال هذه الفترة باستثناء وقت التحقيق المعتمد على وسائل التعذيب، وأن أول ما وقع نظره الضعيف عليه كان ملفا مفتوحا أمام محقق عابس يحيط به نحو سبعة من السجانين مفتولي العضلات، يحمل بعضهم عصي وكابلات الكهرباء التي تستخدم للجلد. ويضيف، بمرارة بالغة، أن ساعة من احتفاظه بكلمة سر حساب صفحته على “فيس بوك” كلفته نحو سبعين عصى تلقاها على أسفل قدميه في جلسة “فلقة”، إضافة لعشرات الجلدات التي تلقاها على ظهره وساقيه ورأسه وأينما تيسر، عدا عن السباب والتحقير الشديدين التي رافقت جلسة التحقيق/ التعذيب.
وعندما فتح حسابه على شبكة التواصل الاجتماعية وجدوه مشاركا بإحدى صفحات الاحتجاج السورية، ووجدوا تعليقا له يدعو للتظاهر، وبأن أحد أخوال أمه قتل في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي بتهمة الانتماء لجماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة. يسكت (ع) قليلا ثم يتابع: “كان ذلك كفيلا بأن ينقلوني لجولة تعذيب أشرس استعملوا فيها الصعق بالكهرباء على حلمات الصدر، وكلما غبت عن الوعي جراءها أيقظوني بسكب الماء البارد علي، وصاروا يسألونني عمن أعرف ومن هي الجهات التي أتصل بها وتتصل بي من الخارج؟ واتهموني بتلقي أموال والانتماء للإخوان المسلمين؛ وهددوني بقتلي دون أن يعرف أحد بذلك، وبإحضار أمي وشقيقاتي الأربع واغتصابهن، آخذين بوصفهن بما لا يرضي مؤمن ولا شريف (يمسح دموعه) تلك اللحظة الوحيدة التي بكيت بها، ورجوتهم أن يتوقفوا طالبا منهم قتلي بدلا من الطعن بأمي وشقيقاتي.
في الأسبوع الثاني تركوني مشبوحا ومقيدا بوضعية الوقوف دون طعام أو شراب إلا ما ندر، محروما من النوم أو إمكانية استخدام المرحاض. خلال اعتقالي تناوبت والعشرات غيري على دخول غرف التحقيق، وكنا نستمع على مدار الساعة لصراخ المعتقلين وبكاؤهم وشتائم المحققين والسجانين. في الأسبوع الثالث جرى إنزالي لمهجع في قبو بناء مجاور غص هو أيضا بالمئات من المعتقلين المشبعين بالضرب والتعذيب”. ويؤكد الشاب أن الليلة التي سبقت إنزاله إلى مهجع الحبس شهدت وصول عدد من المتظاهرين الجرحى برصاص الأمن، وشهد كيف أنهم بقوا ينزفون طيلة الليل وينادون بصوت متوجع على طبيب، وسمع صرخات من مثل: “مات الرجل.. أين الطبيب؟، نحن نموت، تصفى دمنا”.
بالرغم من هذه التجربة المؤلمة تبرق عينا (ع) وهو يتذكر ما سمعه على لسان سجانيه فيقول بصوت متفائل: ” أتذكر جيدا تعليقات الحرس والسجانين الخافتة يسرون بها إلى بعضهم البعض، التي تعبر عن تخوفهم الشديد من تكرار التجربتين التونسية والمصرية، وتعجبهم من تواصل الاحتجاجات على الرغم من كثافة القتل، وهو ما عبروا عنه باشتداد التعذيب، وجعلني أيقن إنهم خائفون”. في مهجع السجن شاهد (ع) أناساً من المعضمية، الضاحية القريبة من دمشق، اعتقلوا في مظاهرة وضربوا بلا رحمة، قال إن أحدهم كانت ذراعه مكسورة بكسور متعددة، وشخص من درعا أيضا كان مصابا بعدة رصاصات في أماكن غير قاتلة، إحداها في خاصرته بقيت تنزف بعد معالجة قاصرة وغير كافية، “خاف أن يخبر الطبيب لأن الموت، كما أكد لي وأنا أحاول شد الرباط على جرحه بقميصي الداخلي، أرحم من مقابلة ذاك الطبيب السادي الذي تواجد أثناء التحقيق مع الجرحى ليضمن ألا يموتوا لتحصيل أكبر قدر من الاعترافات”ـ يضيف المعتقل السابق.
جميع المقربون من (ع) نصحوه بأن يأخذ فترة نقاهة حتى تلتئم جراحه النفسية والجسدية (كان ما زال يعاني من فقدان الإحساس بكفيه بشكل طبيعي)، وأن يتوقف عن الخروج للشارع والمشاركة في الاحتجاجات المتواصلة، لكنه رفض متعللا بأن الاستنكاف عن المشاركة من شأنه أن يثبت للنظام جدوى حملة القمع الواسعة التي يشنها ضد المحتجين، قال بإصرار: “لن أتربى على يد أولئك الفاشيين بعد اليوم”، يستدرك فيشير إلى توخيه الحذر البالغ في تحركاته التي بدأها بعد مضي نحو أسبوع من إطلاق سراحه.
يعمل (ع) حالياً على توثيق ما يجري في دمشق ومحيطها من قتل وسحب الجثث، ويؤكد على وجود فظائع مرعبة وقعت بحق متظاهرين جرحى سحبوا من المشافي المدنية واقتيدوا لمشفى “تشرين” العسكري، وبحسب عاملين في القطاع الصحي في المشفى، ينقل (ع) عنهم، فإن قسما خاصا أخلي في المشفى المذكور لاستقبال المعتقلين الجرحى، حيث اختير طاقم الأطباء والممرضين المخولين بالدخول، وبأن أولئك الممرضين لم يتوقفوا عن الضرب والتنكيل بالجرحى، وبأن أحد المصابين بال ممرض منهم على جرحه وهو يهتف بهيستيرية بعبارات التأييد للنظام والوعيد للمتظاهرين. والأخطر، يضيف (ع)، هو المعلومات التي تتداول عن حالات إعدام بالرصاص ووضع الجرحى في ثلاجات الموتى وهم يحتضرون. ويقر (ع) أن تلك المعلومات من الصعوبة بمكان تأكيدها في الوقت الحالي بسبب صعوبة التنقل وتنصت أجهزة الأمن على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني ما يمنع إلى حد بعيد إجراء المقابلات والحوار مع هؤلاء الشهود.