القامشلي(سوريا) – أدو أورغ >>> الأخوة الحضور … بدايةً أتوجه باسمي وباسم المنظمة الآثورية الديمقراطية، بتحية إجلال وإكبار لأرواح شهداء شعبنا الآشوري السرياني، وشهداء وطننا سوريا.
أعزائي الحضور:
قدم شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، خلال تاريخه الطويل قوافل من الشهداء، دفاعاً عن هويته القومية ووجوده القومي وعقيدته الدينية، وكابد كل أصناف الظلم والاضطهاد من أجل أن يعيش حياة حرّة وكريمة في وطنه. مع بدايات القرن العشرين، تعرض لأشرس وأعنف الحملات البربرية، كان أكثرها بشاعة وقسوة، المذابح التي تعرض لها خلال الحرب العالمية الأولى على يد حكومة الاتحاد والترقي التركية، التي شنت حملات إبادة جماعية على كافة مسيحي السلطنة العثمانية، وقد قضى في هذه المذابح ـــ التي عرفت في أدبيات شعبنا بـ (السيفو)ـــ مايزيد على نصف مليون إنسان من جميع طوائف شعبنا، استشهدوا في حيكاري وآمد والرها وماردين وأزخ وطورعبدين وغيرها، سقطوا على مذابح الحقد والعنصرية والإرهاب الوحشي… ومع طيّ صفحة السلطنة العثمانية، واستتباب الأوضاع لصالح سلطات الانتداب الغربي، في الدول الجديدة التي نشأت في المنطقة، وخلال السنة الأولى من إعلان استقلال العراق كدولة عضو في عصبة الأمم، تعرض شعبنا مرة أخرة، لمجزرة رهيبة، نفذتها هذه المرة قوات الجيش العراقي النظامي بقيادة المجرم بكر صدقي، تحت أنظار سلطات الانتداب البريطاني. حيث قام الجيش العراقي مصحوباً بتغطية حكومية، ودعاية شوفينية حاقدة، باستعراض قوته وبطولاته في مواجهة مواطنيه الآشوريين العزل، وجعل من قراهم ساحة لعملياته، وعلى مدى أيام ارتكب فظائع وجرائم بلغت ذروتها في السابع من آب عام 1933، عندما قام بتدمير بلدة سيميل المسالمة، وإبادة كل من لجأ إليها من أبناء شعبنا، الذين تجمعوا فيها هرباً من نيران القصف الأرضي والجوي الذي طال قراهم.
وقضى في هذه المجزرة أكثر من 5 آلاف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، في واحدة من أبشع جرائم وإرهاب الدولة في التاريخ الحديث. لقد شرّعت هذه الجريمة الأبواب أمام العسكر للهيمنة على الحياة السياسية، وأرست مبدأ العقاب الجماعي، وفتحت الطريق أمام سياسات التطهير العرقي والطائفي، التي سارت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة، وكلفت شعب العراق بكافة أطيافه أثماناً باهظة. ففي عام 1968 أقترفت مجرة أخرى بحق شعبنا في بلدة صوريا، وراح ضحيتها ثلاثمائة إنسان، تبعتها لاحقاً مجازر حلبجة، والأنفال، والأهوار، والمقابر الجماعية، التي طالت كافة فئات الشعب العراقي. وللأسف فإن العراق، وبعد سقوط الديكتاتورية، مازال العراق ساحة للعنف والإرهاب الذي لم يستثنِ أحداً، وكان نصيب شعبنا فادحاً، من حيث القتل، والتهجير، والاعتداء على الممتلكات، والكنائس…
أعزائي الحضور:
تشهد سوريا ومنذ حوالي خمسة أشهر، حراكاً شعبياً سلمياً، تطور إلى إنتفاضة واسعة، عمّت مدناً وبلداتٍ سورية كثيرة، أطلقها شباب سوريا الأحرار من كل أطياف المجتمع السوري، للمطالبة بالحرية والكرامة، وبناء دولة ديمقراطية عصرية، يحكمها القانون والمؤسسات، وتوفر العدالة والمساواة لكل مواطنيها، وهذه الإنتفاضة لم تأتِ بفعل خارجي، إنما جاءت نابعة من حاجات ومصالح الشعب السوري، ومنسجمة مع تطلعاته في التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، وحرّكتها عوامل محض داخلية، ناتجة عن عوامل التوتر والاحتقان الكامنة في بنية المجتمع السوري، بفعل التسلط المديد لمنظومة الاستبداد والأمن على الحياة العامة، وبسبب غياب الحريات، وتراكم عوامل القهر والظلم والفقر، وانعدام فرص المشاركة في الحياة السياسية، وتأخرّ السلطة في تنفيذ وعودها بالإصلاح، واعتماد أسلوب التأجيل المتكرر في معالجة الأزمات، تارة تحت عنوان التحديات والأخطار الخارجية، ودوماً لأسباب تتصل بحسابات السلطة، وتحسين فرص تمكين سيطرتها وهيمنتها على المجتمع.
منذ بداية الإنتفاضة، لجأ النظام إلى استخدام الحلّ الامني العنيف في مواجهتها، دون أن ينجح في إيقافها، أو منع انتشارها. ومع أنه أقرّ بالمطالب المحقة للناس، إلاّ أنّه ظلّ يناور ويلتف على هذه المطالب، دون أن يستجيب لأيّ من المطالب الأساسية، كما لم يقدم أي تنازل جوهري من شأنه إقناع الناس بجديته في معالجة الأزمة، ومازال يرفض تقديم الحدّ الأدنى من التنازلات التي تجنب البلاد عبء المواجهة والانقسام على نفسها، لأنه ببساطة غير قادر على ذلك، لأن تركيبته الأمنية والأيديولوجية الصلبة والمتصلبة لا توفر له المرونة المطلوبة لتلبية مطالب الناس. لهذا فإنه بدلاً من ذلك قرر الذهاب في الحلّ الأمني إلى النهاية، وبلغ التصعيد مدىً خطيراً مع دخول الجيش والقوى الأمنية للبلدات والمدن وآخرها حماة، وما يعنيه ذلك، من مجازفة بإسقاط آخر أوراق الحلّ، وتعطيل المبادرات السياسية الكفيلة بإخراج البلاد من أزماتها العميقة، وفي أوضاع كهذه من الطبيعي أن يخفت صوت الإعتدال، ويعلو صراخ وزعيق التشدد، وتتسع دائرة الخيارات العنيفة عندما تقفل أبواب التغيير بالطرق الديمقراطية.
الأعزاء الحضور:
إن مشكلة سوريا اليوم هي أبعد وأعمق من إجراء إصلاحات شكلية، وإصدار قوانين لاتجد سبيلاً للتطبيق، مشكلة سوريا تكمن في اختطاف الدولة ومؤسساتها لمصلحة شبكة علاقات سياسية أمنية إقتصادية، هذه الشبكة فوق كل قانون ودستور، ودون تفكيكها، لامعنى لأية تغييرات في النصوص القانونية أو الدستورية. فالعمل بقانون الطوارئ لم يتوقف، إنما على العكس تضاعفت أعداد المعتقلين، وازدادت وتيرة العنف، ومعها ازداد تسلط الأجهزة الامنية. وما جدوى الحديث عن قانون التظاهر إذا كان المواطن أو الموظف الذي ينوي المشاركة في تظاهرة في يوم عطلته، مهدداً بالاعتقال والصرف من الوظيفة، وهذا ماحصل مع أحد رفاقنا. وأي معنى يبقى لقانون الانتخاب، بوجود المادة الثامنة من الدستور، وفي وقت يستحيل فيه على الطالب تقديم امتحاناته في بعض المحافظات. إن الحديث عن قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام، وحتى لو كنا منفتحين وإيجابيين حتى النخاع يبقى بلا معنى، في ظلّ مناخ القمع والاعتقال والعنف الدموي، الذي ينبئ استمراره، بتدويل أزمتنا الوطنية، واستجرار المزيد من التدخل الدولي في شؤوننا الداخلية. إننا كسوريين معنيين باقتراح الحلول لأزمتنا الوطنية، وهذا يستدعي تخليّ السلطة كلياً عن الخيار الأمني، وخلق البيئة المناسبة لإطلاق حوار وطني جاد، يتوّج بالدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل، تشارك فيه جميع القوى الوطنية، يكون من مهامه التوافق على أسس وآليات الانتقال الديمقراطي السلمي والآمن، وصوغ دستور عصري جديد، يقرّ بالتعددية القومية، والسياسية، ومبدأ تداول السلطة سلمياً، وبناء دولة ديمقراطية علمانية، تقوم على أسس العدالة، والمساواة، والشراكة الوطنية الكاملة، وإرساء مشروع للمصالحة الوطنية، يحمي البلاد من مخاطر الانجرار إلى الفوضى والفتن، ويصون الوحدة الوطنية، ويقطع الطريق على التدخلات الخارجية.
الأخوة الحضور:
البطولة ليست مجداً يتوّج الإنسان بأكاليل الغار…[1] هذا وهم إغريقي … البطولة أن نكون مع الحق، أن نكون في ضفة الضعفاء والضحايا… وعندما ننحاز للشعب السوري في مقارعة الاستبداد، لانزعم لأنفسنا بطولة من أي نوع كان، إنما هو إنحياز لشعبنا، باعتباره جزءاً من الشعب السوري، وتعبيرا عن موقف سياسي وأخلاقي ينسجم تماماً مع مبادئنا، وأهدافنا كمنظمة آثورية ديمقراطية . إن شعبنا الذي عاني من الظم والاستبداد وغياب الحريات، والحرمان من الحقوق، لايمكن أن يتنكر لتطلعاته. لهذا فقد دعمت المنظمة انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، إيماناً منها بأن الاعتراف الدستوري بالهوية والوجود القومي لشعبنا، لامستقبل له بغياب الحرية، وإيماناً منها بأن الاعتراف الدستوري بالهوية والوجود القومي لشعبنا كشعب أصيل، لايمكن أن يتحقق خارج إطار حلّ وطني ديمقراطي شامل، يحظى بتأييد كل شركائنا في الوطن.
ولا نذيع سرّاً إذا قلنا: أن جزءاً لابأس به من أبناء شعبنا، ومن المسيحيين عامةً، مازال صامتاً، ومتردداً، وأن هناك جزءاً منهم يقف إلى جانب النظام، ويسانده، وغالبية هؤلاء، يقفون هذا الموقف، ليس خوفاً على امتيازاتهم الإستثنائية، أو على دورهم وحضورهم المميز في الحياة السياسية، إنما تخوفاً من ارتدادات التغيير، والانزلاق نحو الفوضى، وانعدام الاستقرار، وخشية من البديل المحتمل الذي قد يكون أكثر تشدداً وتعصباً وفق منظورهم. إننا نتفهم ونقدّر هذه الهواجس والمخاوف، ولا يسعنا إنكارها ونفيها بالمطلق، خصوصاً إذا تأملنا التجارب التي مرّت بها بعض شعوب ودول المنطقة كالعراق، ومصر، ولبنان، وإذا أخذنا بالاعتبار ميراث الخوف والاضطهاد والذي طال شعبنا. لكننا نعتقد بأن هذه الهواجس تنطوي على شيء من المبالغة والتضخيم، وتستجيب بشكل ما لدعاية النظام، والتي تصور وجوده واستمراره عاملاً اساسياً في تكريس الاستقرار، باعتباره الضامن والحامي لوجود الأقليات، لكسب دعمها وتأييدها في معركته من أجل البقاء، وتأبيد سلطته. كما نرى أن المقارنات المعقودة مع دول الجوار، تفتقر إلى الدقة والموضوعية، كونها لا تأخذ في الحسبان خصوصيات الدول والمجتمعات. إنه لمن الإجحاف في القرن الواحد والعشرين، ربط مصير ومستقبل أي جماعة بشرية، بحزب أو عائلة أو فرد، ومن يربط مصيره بذلك ينطلق من ذهنية ذمية عفا عليها الزمن، فالضامن والحامي لأي شعب أو فرد هو دولة القانون والمؤسسات والمواطنة.
كما أن الاستقرار المبني على الخوف من الاستبداد، هو استقرار زائف وهش، وليس استقراراً متصلاً بالحياة، وإنما هو استقرار يرتبط بالصمت، والصمت هو صنو الموت. ونسأل هنا: هل كانت هجرة شعبنا من الخابور والجزيرة عموماً، نابعة عن شعور عميق بالاستقرار، ومن تمتع كامل بالحقوق الحريات؟ إن هجرة شعبنا من الجزيرة لم تتوقف منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي السنوات الموصوفة بالاستقرار. وشجّع عليها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ناتجة عن غياب الحريات، والشعور بالتهميش والغربة، وادّى ذلك إلى هجرة حوالي 250 ألف إنسان من أبناء شعبنا من الجزيرة، فماذا فعلت حكومات البعث لوقف هذه الهجرة، وما هي الحقوق التي أقرّتها لشعبنا، وماذا فعلت لسكان الخابور…؟ ومع إننا لا نسمح لأنفسنا في الخوض في تحديد شكل وهوية البديل المحتمل، لأن تقرير ذلك يعود للشعب السوري، من خلال انتخابات حرّة، لكننا نرى أن تكرار الحديث عن بديل سلفي أو أصولي، فيه قدر كبير من الافتعال والمبالغة، ويمثل امتهاناً للشعب السوري الذي عرف عنه التسامح والتعايش، وفيه إقرار ضمني بأن هذا النظام (العلماني) وبعد أربعة عقود من الحكم، فشل في التصدي للموجة السلفية العارمة، إن كان يصحّ عليها هذا التوصيف، لابل على العكس، نرى أن النظام اشتغل عليها سنوات لاستخدامها كفزاعة لتوجيه الرسائل للداخل والخارج، للتأكيد على ضرورته وأهميته. ومن المفارقات المدهشة أن أولى الإصلاحات التي طبقها النظام فعلياً، جاءت استجابة للتيار الديني ممثلاً بأطلاق فضائية نور الشام الإسلامية.
إننا نقف على أعتاب مرحلة تعِدُ بالديمقراطية، فإن كان هناك ثمة من يشكّ بعدم حصول التغيير، نقول: أن التغيير قد حصل، وأنه آتٍ لامحالة، قد يتأخر فترة من الزمن، وقد يرافقه بعض الآلام والهزّات والصعوبات، لكن ملامحه باتت ظاهرة للعيان. وهذا التغيير يأتي تجسيداً لحركة التاريخ، وبإمكاننا أن ننخرط فيها لنكون شركاء فاعلين، أو نسير عكسها ونتخلف عنها. هذا الخياريعود لنا، وبغض النظر عن تموضعاتنا في هذه الحركة، لابد لنا من التسليم بالديمقراطية كمبدأ وآلية لإدارة خلافاتنا بطريقة مدنية حضارية. ومن أهم ركائز الديمقراطية القبول بوجود الآخر، وبحق الاختلاف واحترامه. من هنا، فإننا ندعو شبابنا أيّاً كانت مواقفهم، سواء في المعارضة أو الموالاة، تبنّي هذه المبادئ، وممارسة قناعاتهم بالطرق السلمية العصرية، والابتعاد عن استفزاز الآخر ومواجهته، واحترام حقّ التظاهر، والتأييد على حدٍ سواء. أما رسالتنا إلى الكنيسة فإننا ندعوها لتركيز الاهتمام على الجوانب الروحية والاجتماعية والثقافية، بعيداً عن الإنغماس في التجاذبات السياسية، والانحياز لهذا الطرف أو ذاك. ونأمل من رؤسائنا الروحيين، توجيه وتوعية الشباب، وغرس مبادئ المحبة والسلام والإخاء في نفوسهم، والتأكيد على قيم الحرية والمساواة، وترسيخ مفاهيم العيش المشترك، والوحدة الوطنية بين كافة أبناء المجتمع.
الحضور الأعزاء:
إن شهادتنا لم تكن من أجل الموت، إنما كانت من أجل الحياة، معظم شهدائنا كانوا من المدنيين، كانوا من رجال الدين والفكر والسياسة، أمثال: البطريرك مارشمعون بنيامين (ت1918)، أشور يوسف (ت1915)، فريدون أتورايا(ت1926)، المطران توما أودو(ت1915) وغيرهم. هؤلاء لم يستشهدوا من أجل طائفة أو قضية خاصة، إنما استشهدوا دفاعاً عن وجود، ووحدة شعبهم، وحقه في الحياة بحرية وكرامة في وطنه. إنا وفاءنا لأرواح الشهداء وتضحياتهم، يلزمنا كأفراد وقوى سياسية، أن نكون على قدر الأمال المعقودة علينا، في تجسيد طموحات وتطلعات شعبنا المشروعة، والظروف التي نعيشها اليوم، تحتم علينا الارتقاء لمستوى التحديات التي تواجهنا. وقد تداعت مؤخرا، أحزاب وقوى شعبنا في سوريا، إلى عقد جلسات فيما بينها بهدف توحيد الرؤى والمواقف السياسية، والتوافق على مطالب شعبنا قوميا ووطنيا، وصولا إلى تشكيل إئتلاف قومي يجمع كافة القوى القومية في سوريا. ولا شك أنّ تفاهمنا وتعاوننا مع الحزب الآشوري الديمقراطي سيشكل النواة الصلبة وحجر الزاوية في هذا الإئتلاف المنشود. هاهي سيميل تطلّ من عليائها، تستكشف المآسي الجديدة، وعيون ضحاياها تحدّق بالقتلة بازدراء بالغ، وتستنهض أرواح الضحايا الجدد، مبشرة بالأمل والرجاء، صارخة تحيا الحياة.. تحيا الحياة، كفى صمتا.. كفى صمتا.. لنكف جميعا عن الصمت .. ولنردد معا بشجاعة، نريد حياة حرة كريمة.
المجد والخلود لشهداء سيميل وشهداء شعبنا..
المجد والخلود لشهداء سوريا وشهداء الحرية..
عشتم وعاشت سوريا وطنا حرا لجميع أبنائها
سوريا 7 آب 2011م 6761 آ
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي