الرئيسية / مقالات آشورية / فوبيا الذمية وخيار الندية الجزء الأول

فوبيا الذمية وخيار الندية الجزء الأول

أسامة ادور موسى *

>>> عندما خرجت من السجن في الثامن من آذار العام 2008 بعد اعتقالي في مقر المخابرات العامة في دمشق، توجهنا الى الحسكة حيث كان الرفاق في المنظمة الآثورية الديمقراطية في استقبالنا هناك، وعلى الطريق اتصل بي أحد الرفاق قائلا: أعلم أنك منهار وأتفهم وضعك النفسي وأعلم انك ستترك المنظمة، لكن أرجوك حاول أن تبدو قويا اليوم ثم انسحب بهدوء لاحقا". فكان ردي بعد أن وصلت الى منزلنا المكتظ بالمتفرجين في تل تمر وباللغة العربية لكي أوفر على الجواسيس عناء الترجمة: "لطالما كنت أفخر بأني أنتمي الى مطاكستا، لكني اليوم أكثر فخرا وتمسكا وتشبثا بها وبفكرها ونهجها وخياراتها من أي وقت مضى، وسأبقى رغم كل الضغوط".

الحقيقة لم يكن هذا الكلام ردا على اتصال رفيقي، بل هي قناعات لطالما مارستها في حياتي العملية، السياسية والإعلامية والتنظيمية. قناعات مفادها أننا – نحن الآشوريين وخصوصا اولئك الذين يتعاطون الشأن القومي – يجب ان نكسر حواجز الخوف والرعب المتوارثة من أجيال النكبة الآشورية ونطبب جرح الإنكسار العميق الذي لم يندمل منذ أن أطاحت طائرات الانكليز بحلم الاستقلال الآشوري في شمال العراق صيف العام 1933.

يتمظهر هذا الخوف جليا في أداء أحزابنا السياسية باعتبارها انعكاسا لذهنيات أعضائها الذين ينتمون في نهاية المطاف إلى هذا الشعب، والتي لا تستطيع أن تتخطى حواجز الخوف من الانخراط المباشر والصريح في الفعل السياسي من أجل المشاركة الايجابية في عملية صناعة التغيير كي لا أقول "في صنع القرار". في التجربة الآشورية، حزبان اثنان فقط اشتغلا بالسياسة، فكانا واقعيين وبراغماتيين في أدائهما المخضب بالنجاحات والإخفاقات، عبر السعي من خلال برامجهما و تحالفاتهما لتحقيق المزيد من المكاسب لصالح هذا الشعب: زوعا في العراق عندما قرر خوض الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية التي ألغت وجودنا كشعب في العراق وبالتالي انتقاله الى ممارسة فعل المعارضة السياسية عبر الأطر والقنوات الحزبية والجبهوية التي قادته الى عدد من المحافل. ومطاكستا في سوريا عندما انعتقت من أغلال مرحلة النضال السري الذي عصف بها دهرا طويلا لتنتقل الى خوض غمار العمل السياسي المنظم وفق برنامج سياسي واقعي واضح عصري وفريد.

هذا الانتقال الذي تجسد بانضمام المنظمة لإعلان دمشق المعارض للسطلة في سوريا (الخطوة التي لطالما اعتبرتها شخصيا ولادة ثانية للمنظمة) بعد أن تمكنت مطاكستا من انتزاع اعتراف قوى الإعلان بوجوب ايجاد حل ديمقراطي وطني لقضية الشعب الآشوري في سوريا. أما الآخرون من الأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية فهم يشتغلون أكثر بالتاريخ والثقافة والرقص الشعبي (أحزاب الباكية). وهؤلاء قسمان أيضا: الأول دفن رأسه في غبار التاريخ وعلق فيه دون أن يدري كيف يخرجه من هناك، والآخر حلق بعيدا في عالم الفانتازيا وفقد بوصلة العودة الى الواقع. ولهذين الأخيرين مريدون وكتبة ومنظرون لا ينفكون يقودون قاطرات البراهين ليقنعونك أنك على خطأ !!!

ولأن التاريخ يعيد نفسه، وكما لاقى تبني زوعا لخيار الكفاح المسلح وانضمامه لاحقا الى الجبهة الكردستانية انتقادات من بعض المرتبطين بنظام صدام آنذاك كما من بعض المتفرجين العاطلين عن كل عمل الا النقد الغبي. فإن السيناريو الممل ذاته يتكرر اليوم مع مطاكستا من بعض الذين يرون بتحليلاتهم الخرندعية أن المنظمة تتهور بمشاركتها في التظاهرات المطالبة بالحرية والديمقراطية، وأن شعبنا الآشوري السرياني "المسيحي!!" ما هو إلا مراهق قاصر بحاجة دائمة الى ولي أمر، وقطيع أبله بحاجة إلى راع أوحام أو وكيل، أو أنه معاق بحاجة الى أن يلازمه مساعد شخصي، وهذا غالبا ما يكون حاكما نافذا ودكتاتورا قويا متسلطا. فهم بذلك يعيشون في اللاوعي عقدة الذمية والحاجة الى شخص قوي يحتمون بفيئه. في حين تنطلق المنظمة الآثورية من بديهية سياسية مفادها أنها حزب سياسي لا بد – إن لم يكن في السلطة – أن يكون في صفوف المعارضة، وأنهم – ومن تدافع عنهم – مواطنون سوريون من الدرجة الأولى ولهم الحق الكامل في انتقاد السلطة إن هي انتهكت حقوقهم وكرامانتهم وهو مبدأ يكفله الدستور السوري دون أي لبس ودون أي منة.

ومن هنا يجب أن يتوقف هؤلاء الخائفون والمشككون الحذرون والمتشائمون عن التخيل بأن العالم يكف عن الدوران لحظة ينامون، وأن للحقيقة مكان واحد فقط هي هناك في أعلى رؤوسهم !!! وعليهم "تحديث" ذهنياتهم منطلقين من مجموعة من البديهيات سأوردها في الجزء الثاني من هذا المقال.

* أسامة ادور موسى
إعلامي آشوري

شاهد أيضاً

عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان

14-05-2021 بقلم سعيد لحدو تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات …